الفصح المجيد صورة لإنتصار الحق وخلود رسالة الله

الرئيسية آخر الأخبار تفاصيل الخبر
calendar icon 09 نيسان 1966 الكاتب:موسى الصدر

يشكل الفصح المجيد لدى الإمام الصدر صورًا تنعكس في التضحيات التي حرّك بها السيد المسيح (ع) ضمائر البشر، ليصبح الحق طوفانًا لدكّ عروش الظلم. ولكن، كي لا تتحول هذه المناسبة المجيدة إلى مجرد ذكرى عابرة أو لوحة فنية، فإننا مُطالبون بأن نتجاوز هذا اليوم المبارك كرمز وأن نعيشه بعقولنا وقلوبنا وإيماننا؛ فبذلك، تتحول الذكرى إلى قدوة تُخلّد رسالة الله. معانٍ عميقة للفصح المجيد دوّنها الإمام الصدر في مقاله المنشور في جريدة الحياة بتاريخ 1966 نستخلص منها دلالات الإيمان والتحرر وانتصار الحياة.
بمناسبة حلول عيد الفصح المجيد لدى الطوائف الشرقية، نسترجع معًا نص الإمام الصدر:

*مقال صحفي بمناسبة عيد الفصح المجيد من صحيفة الحياة بتاريخ 1966/4/9.
بسم الله الرحمن الرحيم

إن الله أرسل المسيح ليحرر الإنسان من الجشع والنفاق، ويخلص المعذبين في أرضه من المتاجرة باسم الله ومن الظلم والطغيان.
ولكن النفوس المنحرفة والضمائر الممسوخة لم تحتمل هذه الدعوة. ولكن زعماء اليهود، الزمنيين منهم والروحيين، لم يرتضوها خوفًا على مصالحهم لأنهم لا يريدون إيقاظ الضمائر وتعديل الفطرة وإنارة القلوب والعقول.
إنهم حاربوا المخلِّص بعدما كانوا ينتظرونه، بدأوا بالتطمع والتهديد، ثم بحملة التهم والافتراءات، وانتهوا بفرض قتله على الطغاة.
المسيح أراد لهم الحياة، ولكنهم أرادوا قتله.
هذا الفصل الأول من مأساة الإنسان، كل الإنسان: إساءة في مقابل الإحسان، والحكم بإعدام من يموت لأجل حياة الآخرين.
هذه الصورة المثيرة تتكرر كل يوم مع الاختلاف في الكم أو في الكيف، ومع تفاوت في الوضوح والخفاء.
أما الفصل الثاني فهو الفجر: نور بعد ظلام، وانتصار للحق، حينما يقذف الله به: ﴿الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق﴾ [الأنبياء، 18].
تجري دماء الصالحين، تُصرف طاقات المجاهدين، طاقات هي دماء زكية تتبلور في صبرهم وسعيهم ومثابرتهم على دعوتهم.
تجري هذه الدماء فينبت الحق، ثم تنصره العوامل الكونية التي ملأت الآفاق والأنفس، فتتحرك ضمائر البشر المستيقظة إثر التضحيات والصرخات.
الروافد تنبع من العقول والقلوب والأرض والسماء، وعندئذ يصبح الحق طوفانًا فإذا عروش الظلم، وصروح الطغيان كالزبد: ﴿يذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض﴾ [الرعد، 17].
هكذا كان الفصح المجيد، صورة كاملة عن المرحلة الثانية من تاريخ البشر، المرحلة التي تتكرر كل يوم مع الاختلاف في الكم أو الكيف ومع تفاوت في الوضوح والخفاء.
أما تفاصيل الواقعة فيرويها المسيحي: أنهم قتلوا الجسد وانتقل مسيح الكلمة إلى السماء قائلًا لمريم المجدلية: اذهبي وبشري إخوانك إني ذاهب إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم[1].
وينقله المسلم أنهم: ﴿ما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبِّه لهم﴾ [النساء، 157]، مؤكدًا أن الله تعالى قال له: ﴿إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة﴾ [آل عمران، 55].
فالمنتصر في المعركة الحاسمة هو الحق والخلود لرسالة الله: ﴿ونريد أن نمن على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين﴾ [القصص، 5].
والصورتان، على رأي الروايتين، تمران في الذكرى أمام الخواطر، وتُطبعان بفعل الإيمان على قلوب أولي البصائر، وتصبحان الينابيع الدفاقة للحياة السعيدة ولانتصار الإنسان.
إن القدوة لا تختلف عن اللوحة إلا بمعجزة الإيمان.
والإيمان ينمو ويزدهر بالتفكر، والعقل سند القلب، والعلم يدعو إلى الإيمان.
فلنَعِشْ الذكرى بقلوبنا، ولنتجاوز رمزية الأيام المباركة لكي لا تصبح أمامنا ألواحًا فنية تاريخية.
وَلنَعِشْ الذكرى بعقولنا، ولا نحتقر إيماننا بالتخوف من العلوم، فالعلوم أنوار إلى الحقيقة التي هي كلمة الله وقراءتها تزيد عن الإيمان.
نحن لا ندعو إلى الذوبان وإلى تمييع الإيمان، هذا الإيمان الذي أصبح جزءًا من وجودنا وانحدر عبر الأجيال من الينابيع الأصيلة السماوية.
لأن العلم، أي علم، يكشف الحقيقة؛ والمعرفة، أي معرفة، تنير الدرب؛ والحوار، أي حوار، إنما هو طريق لمزيد من المعرفة وسبب لاغتنائنا بعلوم الآخرين ونتاج عقولهم؛ ويتضح لنا أن الإيمان هو المحرك الوحيد وهو القائد الذي يفيد من كشف الحقيقة وإنارة الدروب.
الإيمان وحده يجعل من هذه الذكرى قدوة لأنه يبدل الحرف فعلًا وأصالة.
___________________
(1) 
إذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم. يو 20:17.

source