الإسلام وثقافة القرن العشرين

الرئيسية آخر الأخبار تفاصيل الخبر
calendar icon 24 أيار 1965 الكاتب:موسى الصدر

"إن السلام اسم من أسماء الله الحسنى" هكذا تحدث الإمام الصدر عن السلام خلال مشاركته بمحاضرة "الإسلام وثقافة القرن العشرين" في سلسلة محاضرات أجرتها الندوة اللبنانية في العام 1965 حول موضوع "المسيحية والإسلام في لبنان". بمناسبة اليوم العالمي للسلام نستعيد معًا كلمة الإمام. وهذا هو النص:

* محاضرة للإمام الصدر ضمن سلسلة محاضرات أجرتها الندوة اللبنانية حول موضوع "المسيحية والإسلام في لبنان" بتاريخ 24 أيار 1965، من كتاب "المسيحية والإسلام في لبنان".
أيّها الحفل الكريم،
رأيته فرأيتُ الناس في رجلٍ                                  والدهر في ساعة والأرض في دار

إن هذه المعجزة إنْ تحققت -في رأي الشاعر العربي ابن عباد- فلا يمكن أن نأمل تحقيقها في كل وقت، فلا غرو إذًا إن شكوتُ صعوبة مهمتي وهي تلخيص بحث لا يستوعبه كتاب واحد، في محاضرة واحدة، وفي ساعة واحدة.
ولكن هذه المشكلة شملت وتشمل زملائي الأفاضل المشاركين في هذه السلسلة من محاضرات الندوة، وهذا الأمر يستوجب تبديل شكواي بالاعتذار، ولا سيّما أن الهدف المقدّس من هذه المحاضرات هو طرح القضايا الدينية أمام أبناء هذا الوطن، وأمام المؤمنين عامة، لكي يطمئنوا إلى إمكان الاحتفاظ بالقيم المُثلى في عصر بلغ في التطور الثقافي والحضاري القمّة.
وقليلون من هؤلاء هم الذين يقرأون كتبًا تحلّ لهم مشكلة التعارض بين ضميرهم وعصرهم، ويستمعون إلى أبحاث تخفِّف من قلقهم لابتعادهم عن معنوياتهم وانجرافهم في تيارات العصر المادية الجارفة.
لذلك، فالندوة تحاول تقديم نماذج لهم، حرصًا منها على المحافظة عليهم وعلى حياتهم الطيّبة الكاملة. وفي هذه الغاية الشريفة عذرٌ كافٍ لي، فالشكر للندوة ولمؤسسها النبيل والعذر لكم.
يجب علينا ونحن نستعدّ لدراسة "الإسلام وثقافة القرن العشرين"، أن نلقي بعض الضوء على الموضوعات التالية:
-  تحديد المقصود من كلمة الثقافة في هذا البحث.
- ثقافة الإسلام أو الإسلام الثقافي.
موقف الإسلام من سائر الثقافات.
إعطاء مثل عن هذا الموقف.
أ- الثقافة:
لكي نتجنّب المناقشة حول تحديد المفهوم من كلمة الثقافة، أرجو أن نتّفق جميعًا، ولو في هذه المحاضرة بالذات، على تفسير الثقافة بـ"الحياة العقلية"، ويشمل هذا الاصطلاح: التشريع الحقوقي، الفلسفة والتصوّف، العلوم، الفن والأدب.
ب‌-  الإسلام الثقافي:
إن الجانب الثقافي من الإسلام هو الجانب الأساسي الأول في الشريعة الإسلامية. وبدءْ الوحي الإلهي بكلمات: ﴿إقرأ وربك الأكرم * الذي علّم بالقلم * علّم الإنسان ما لم يعلم﴾ [العلق، 3-5] أوضح إيحاء بهذا الأصل.
والثقافة الإسلامية تتكون من نقطتين أساسيتين هما: المفهومات والتعاليم.
أولًا- المفهومات الإسلامية:
هي النقطة الأولى في إيجاد شخصية المسلم. فالإسلام في أركانه الثلاثة: العقائد، الأعمال، الأخلاق يجعل للمسلم قاعدة فكرية تركّز له مفهومات معيّنة، تعدّ أساسًا لإيمانه وعباداته وحقوقه وواجباته ومُثُله الأخلاقية.
يعطي الإسلام مفهومًا عن خالق الكون: فهو إله واحد أحد، عالِم، عادل، له الأسماء الحسنى والأمثال العليا، أزلي، أبدي، غني عن العالمين، ليس بينه وبين شيء أو شخص أو فئة أو وضع صلة ولا انتساب، لا يزيد ولا ينقص.
يوجّه هذا المفهوم الإنسان إلى الشعور الفطري، ليسمع صوت ضميره الذي ينادي بالإيمان، ثم يطلب منه أن يتدبّر في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار، وفي الآفاق والأنفس، لكي يتبيّن له الحقّ تبيّنًا عقليًّا حتى يعيش إيمانه بعقله وقلبه.
يحدد -هذا المفهوم- خطّ الإيمان، ويعيّن معنى الصلاة ومعنى جميع العبادات، فهي ليست إرضاءً لله، ولا لإيصال نفع إليه، ولا لدفع غضبه، ولا للإكثار من جاهه.
إنها -أيّ العبادات- إخلاص في عبودية الله، وتحرر من كلّ ما سِواه. إنها تقرّب إليه وشعور بالقوة المستمدة منه، إنها اتصال به، وصحبة له، واكتساب لصفاته، إنها كمال للمسلم بأتمّ معناه وأوسع مداه.
ويعكس مفهوم الخالق في ذهن المسلم مفهومًا عن الكون يعطيه الإسلام أيضًا، فالكون مخلوق واحد مشبع بالروح والجمال، منظّم متّزن، سائر نحو أسمى الأهداف، قائم على أساس الحقّ والعدل، متناسق، متجاوب في أجزائه بعضها مع بعض ومع الخالق: ﴿ألم ترَ أنّ الله يسجد له مَن في السموات ومَن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس﴾ [الحج، 18]، ﴿وإنْ من شيء إلاّ يسبّح بحمده﴾ ]الإسراء، 44].
وفهم الكون بهذا الشكل له تأثير كبير في معنويات الإنسان وسيره وجهاده، وفي شعوره بمواكبة الكون له في أداء رسالته في الحياة.
وللإسلام مفهوم عن الإنسان بالذات -الإنسان هذا الجزء الممتاز من الكون-، فهو مخلوق على صورة الخالق (1) في أسمائه وصفاته، خيّر بالذات، مفطور على الدين الحنيف، يتمكن بحسب خَلقه أن يسير في خطّه المرسوم له، وألّا يُسيّر، لكي يكون مخيّرًا في سلوكه نحو الكمال لا مسيّرًا، ليس له إلّا التسبيح.
وهو أيضًا -أي الإنسان- جُعل خليفة الله في الأرض، وأُعطيت له مفاتيح الكون، وعلم الأسباب والأسماء، وسجدت له الملائكة وسُخِّرت له القوى الكونية كلّها. والطريق الوحيد إلى المقام المنشود -مقام خلافة الله في الأرض- تبديل القوة بالفعل، واكتناه العلم بالكون وقواه واكتشاف قوانينه.
على هذا المفهوم، يبني الإسلام قواعد لتنظيم صلة الفرد بالفرد، وبالمجتمع وبالك[ون، ويرشد إلى كيفية معاملة الإنسان لأخيه الإنسان، ويبعث في نفس المؤمن أملًا بالمستقبل، وحُسن ظنّ بالآخرين، وإيمانًا بنجاح دعوة الحقّ، وبانتصار العدالة التي تؤيّدها قوى الكون وتُناصرها ضمائر بني الإنسان.
ويعطي الإسلام مفهومًا عن المجتمع، ينبثق من واقع الإنسان الذي هو مبدأ المجتمع والغاية منه... إنه مجتمع إنساني لا فردي ولا جماعي، مجتمع موحَّد متماسك، لا منقسم متصارع ملوّن حسب انفعالات الأفراد والجماعات بالمؤثرات الكونية التي تحيط به، واحد في كثرته، شأن الكون كله، وشأن الإنسان نفسه، متعاون متسابق إلى رضوان الله.
ويقدّم الإسلام أيضًا مفهومات عن العمل الذي هو عبادة إذا اقترن بالإخلاص، ومفهومات عن الدنيا والآخرة، وعن الجسم والروح، وعن الخير والشرّ، وعن الطيّبات والخبائث.
إن هذه المفهومات هي النقطة الأولى في الثقافة الإسلامية، وهي حجر الزاوية في بناء عقائد المسلم وأفعاله وأخلاقه.
ثانيًا- التعاليم الإسلامية:
إنّ القرآن العظيم وسيرة النبي الكريم، هما المصدران الرئيسا لتزويد المسلمين بالثقافة في مختلف أبوابها. فالعقائد والتشريع والتربية الخُلُقية والأدب والفنّ والأمثال والقصص الموجهّة ملأت أفكار المسلمين، وطوّرت عقولهم، وهذّبت نفوسهم.
ففي هذه التعاليم نلتقي بكثير من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والفلسفية وغيرها، حتى السيكولوجية. ونلاحظ ما ورد في الأحاديث الشريفة حول مكافحة الحسد، فلا يعدّ ذنبًا إذا لم ينطق به (2). وفي مكافحة الوسواس باللامبالاة "لا تعوّدوا الخبيث" (3). وفي مكافحة القلق النفسي بالتوبة والصدقة. وفي مكافحة العقد الجنسية بالزواج المبكر وبتحريم التبرّج.
البحث والتفصيل في هذه الموضوعات يخرجاننا عن النهج المرسوم لهذه المحاضرة، ولكني أفضّل أن أقف معكم لحظة أمام الأمثال في القرآن والسنّة لنستمع إلى حكاياتهما.
إن الأمثال ترِد لغايات تربوية، أو لإثبات أحداث دينية، وهي تبيّن ظاهرة كونية، أو حركة فلكية، أو صفحة من صفحات الخلق البديعة. وليس من المصادفة أن تكون هذه الأمثال غير متأثرة بالثقافة العالمية السائدة في عصر النبي، والقرون التي تلي عصره. إنها تثبت بوضوح أن منبع هذه الثقافة هو الله الذي لا يستقي معلوماته من العصر. وإليكم بعض الأمثال مع عرض موجز:
سورة النمل آية 88: ﴿وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرّ مرّ السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون﴾.
سورة يس آية 40: ﴿لا الشمس ينبغي لها أن تُدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكلٌ في فلك يسبحون﴾.
إن سبق النهار الليل، يتّفق والفكرة العلمية عن الليل من حيث كونه ظاهرة طبيعية أعقبت البرودة التدريجية للأرض، إذ الواقع أن الأرض ما دامت كتلة ملتهبة فهي لا تعرف الليل، لأنها في نهار طبيعي دائم.
ثم إن تعبير السبح في الفلك يختلف عن السبح مع الفلك، أو سبح الفلك الذي كانت تقرّه الهيئة البطليموسية.
سورة الأنعام آية 125: ﴿فمَن يُرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومَن يُرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقًا حَرَجًا كأنما يصّعّد في السماء﴾. انظر في هذه المقارنة اللطيفة الغريبة بين المثل والواقع العلمي.
سورة الذاريات آية 47: ﴿والسماء بنيناها بأيدٍ وإنا لموسعون﴾. فالفضاء الذي يتّسع دائمًا لا ينطبق على أية نظرية سابقة لنظرية امتداد الكون للقس البلجيكي الرياضي لومتر.
لقد أصبح الآن تحديد المعالم الرئيسة لهذه الثقافة أمرًا ممكنًا، وهذه المعالم هي:
الربّانية أولًا:
فثقافتنا هذه تربط بين السماء والأرض، وتصل المخلوق فردًا وجماعة بخالقه، فتتصف بالربّانية والقداسة والقوة، وتُرضي بهذه الصفة جميع مشاعر الإنسان.
ويحاول الإسلام ألّا يجعل من هذه الصفة حائلًا دون العقل السليم في انطلاقه، ولا مانعًا إيّاه من تفكيره الموضوعي في الكون، وفي الظواهر والأحداث الكونية، وفي مختلف مجالات الحياة العقلية، وذلك عن طريق الإيمان بأنّ الله ليس له صلة بشيء، ولا انتساب له للأشخاص والأشياء والأوضاع. فالكون كله، بأوضاعه ومجتمعاته وأفراده، يخضع لقانون العلّة العامة. ومشيئة الله التي وسعت كل شيء تأبى أن تُسقط عمل الأسباب في مسبباتها، وأن تمنع العِلل من إيجاد معلولاتها.
"أبى الله أن يُجري الأمور إلّا بأسبابها" (4)، حديث شريف.
﴿إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم﴾ [الرعد، 11].
﴿ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا﴾ ]الروم، 41].
﴿ونفس وما سوّاها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح مَن زكّاها * وقد خاب مَن دسّاها﴾ [الشمس، 7-10].
وقد أكّد الله تعالى ذلك في معاملته لرسله، (ما عدا المعجزات التي تحصل نادرًا، والتي هي شهادة صدق لهم من الله تعالى)، لأنه ما خرَقَ النواميس الطبيعية لأجلهم، ولا فرض الإيمان على أمّتهم، بل أراد أن يكونوا أول الناس إيمانًا، ثم يبشّروا ويثابروا ويتحمّلوا في سبيل الدعوة ما لا تطيقه الجبال.
ويرفض الله قبول الإيمان التقليدي الموروث، ويأمر بتحكيم التفكُّر والتدبُّر في العقيدة: ﴿وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمّة وإنا على آثارهم مقتدون﴾ [الزخرف، 23ي.
الثبات ثانيًا:
لا شكّ في أن امتداد جذور هذه الثقافة إلى الكون وإلى خالقه يُكسبها صفة الثبات والأبدية، ويمنع عنها التبديل: ﴿لا تبديل لخلق الله﴾ ]الروم، 30]. وظاهرة الثبات تنعكس على العقول الدينية المختلفة في العقائد وفي الأحكام وفي الأخلاق، ولها أكبر الأثر في تحقيق الهدف الرسالي. إنها توجب الاستقرار في القلب، والثقة بالنفس، والقوة في الإرادة، والإرضاء للعاطفة اللانهائية في الإنسان، وتؤكد نجاح الإنسان في حياته سواء أوَصَلَ إلى الغاية أَمْ مات دونها، أخطأ أَمْ أصاب، أكَسِبَ السمعة والشهرة وانطلق ذكره على ألسنة الناس أَمْ أُهمل.
وهنا أمرٌ جوهري يسترعي الانتباه: إن هذا الإطار الربّاني الثابت لا يمنع من انطلاق الفكر واجتهاد الرأي، إذ إنه واسع لا يضيق ذرعًا بالسير في ملكوت السماوات وفي سبر أغوار الأرض.
وأقدّم لكم مثلًا في حقل التشريع، هذا الحقل الذي يُعدّ أشد الحقول الثقافية خطورة وأكثرها حساسية، الحقل الذي يُعتبر الانحراف فيه بدعة، وكل بدعة ضلالة.
إن الفقهاء والمجتهدين يسعَون لأن يسندوا كل اجتهاد وكل نظرية جديدة إلى الأصول الثابتة، الأزلية، العامة. فالفقيه يقف مثلًا أمام موضوع جديد، فيعطي رأيه المستفاد من الأصول الكلّية والأدلّة التفصيلية -على حد تعبيرهم-، وهو يعتقد أن السيرة دلّت بوضوح، على اعتبار رأي الفقيه في موضعه. والسيرة معتبرة بنص القرآن الكريم وهو كتاب لا ريب فيه، و﴿لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد﴾ ]فصلت، 42].
فالفقيه لا يشرّع، ولا يعمل بالظنّ، ولا يفتي به و﴿إنّ الظن لا يغني من الحقّ شيئًا﴾ ]يونس، 36[، بل يفتي بالعلم، ويعمل بالعلم أو العلمي، بالقطع أو القطعي، والقطعي أو العلمي هو الدليل الظنّي الذي ينتهي إلى سند ثابت محقق (5).
وبعبارة أخرى، إن الفقهاء يقسّمون الأحكام إلى واقعية ثابتة في الحقيقة، وإلى ظاهرية هي مرآة للحصول على الأحكام الواقعية. والظاهرية هي نتائج آراء الفقهاء، فإنهم قد وصلوا بالفعل إلى التيقُّن من الأحكام الظاهرية التي هي أحكام الله في حقّهم وحقّ أتباعهم (6).
هذا مثال موجز يوضح أن الدراسات والمطالعات في مختلف الحقول الثقافية تنطلق في عالم رحب واسع، وتحتفظ بإطاره الربّاني الثابت الذي لا بُدّ منه في الحياة.
الشمول ثالثًا:
لا أراني محتاجًا إلى التأكد من هذه الميزة في الثقافة الإسلامية بعد شرح اتساع دائرتها، والانسجام والاتّزان المرئيين فيها. ولكني عثرت على نص لأحد العلماء الكبار هو الأستاذ جب في جامعة أكسفورد، في كتابه القيّم "الاتجاهات الحديثة في الإسلام" (7).
إن هذا المؤلّف يأخذ على الفكر الشرقي عامة والإسلامي خاصة العفوية، وعدم القدرة على التأليف والتركيب. ويكفينا للجواب على قوله أن نردد ما كتبه المحقق الجزائري مالك بن نبي في كتابه "واجهة العالم الإسلامي" بهذا الشأن. فهو يقول: التراث الثقافي الخطير الذي خلّفته الحضارة الإسلامية يظلّ شاهدًا على ما كان يتّصف به الفكر الإسلامي في عصوره الذهبية، فلقد اتّسم كفاحه في جميع المجالات بالإحساس بالقانون، وهو يستلزم القدرة على التركيب. فوُضِعَت النظريات القانونية، وبناها الفقهاء على الأصول.
ونجد التشريع الإسلامي يحمل لأول مرة في تاريخ التشريع طابع نظام فلسفي يقوم على مبادئ أساسية، بينما لا يعدو القانون الروماني أن يكون مجموعة من الملفقات القانونية العفوية التي ليس بينها رباط، وبوسعنا أن نذكر ما حققه أبو الوفا -في علم الفلك- من اكتشاف تغيير في حركة القمر، وهو ما يطلق عليه اسم اللامتساوية الثانية، وما حققه ابن خلدون الذي يرجع إليه الفضل في استنباط قوانين التاريخ وعلاقاتها بأوجه نشاطات المجتمعات.
الدينامية رابعًا:
إن الإنسان قد جُعل بمقتضى هذه المفهومات الكلية خليفة الله على الأرض، وقد بلغ هذا المقام بالعِلم والإرادة: ﴿وإذ قال ربكَ للملائكة إني جاعلٌ في الأرض خليفةَ قالوا أتجعل فيها مَن يُفسدُ فيها ويسفك الدماء ونحن نسبّح بحمدك ونقدّس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون * وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين * قالوا سبحانك لا علم لنا إلاّ ما علّمتنا إنك أنت العليم الحكيم * قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلمّا أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السماوات والأرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون * وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم﴾] البقرة، 30-34].
أ- إن معنى كلمة الخليفة يختلف تمام الاختلاف عن معنى الآلة، كالقلم للكاتب مثلًا، ويختلف أيضًا عن معنى كاتب ينفّذ ما يمُلى عليه إملاءً حرفيًا، بل الخليفة هو مَن ينفّذ آراء الشخص حسب الخطط المرسومة مع الاعتماد على معرفته الخاصة وتصرفاته الحكيمة.
إن هذا المقام يتحقق مع حرّية التصرف، هذه الحرّية التي جعلت الملائكة تبدي خوفها منها ومن نتائجها، متأكدة أن الإنسان سوف يُفسد في الأرض ويسفك الدماء، لأن طريقَي الخير والشرّ مفتوحان أمامه. ولكن حرّية الإرادة مهيّأة للإنسان، لا فضل له بها، بل الفضل كله أن يختار الخير، وهذا طريق لا يمكن السير فيه إلّا بالعلم، الذي هو العنصر الأصيل في تكوين خليفة الله في الأرض.
فالوصول إلى مقام الإنسان المنشود، والتصرف في الكون، والتسخير لقواه، لا يمكن إلّا بمعرفة الأسباب وتعلّم الأسماء (على حدّ التعبير القرآني)، وكل خطوة في سبيل معرفة الحقائق، واكتشاف قوانين الكون في أي حقل من الحقول، خطوة نحو الهدف المقدّس المهيّأ للإنسان، وتحقيق للغاية التي خُلِق الإنسان لها وأداء لواجبه الكوني.
وقد كلّف الله الإنسان السير في هذا الخط في مراحل ثلاث: بالفطرة، وبدعوة الأنبياء، وبالمصائب والمحن الناتجة من تقصيره أو قصوره، وقد عالجتُ هذا الموضوع في المحاضرة التي ألقيتها في الندوة السنة الماضية.
ب- الثقافة الإسلامية تُحرّك الإنسان حركة دائمة نحو التقدم في مختلف مجالات التطور العقلي، وتتحمل كل جديد وكل معرفة بقلب مشتاق، وتعتبرها سلوكًا إلى الله ومعرفة له وكمالًا للإنسان. والمعرفة هذه غاية خلق الإنسان وكمال مطلق له. فالسير نحوها واجب وعبادة وكمال: ﴿إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء﴾ [فاطر، 28]. والخشية غير الخوف، إنها أثر من آثار الإيمان والمعرفة: ﴿شهد الله أنه لا إله إلاهو والملائكة وأولوا العلم قائمًا بالقسط﴾ [آل عمران، 18].
والوحدة أخيرًا:
وهي ميزة مهمة في ثقافتنا هذه، معناها أن النشاط الثقافي في أيّ حقل من حقول الثقافة يجب أن ينسجم مع النشاطات الأخرى في وحدة منسّقة، تعكس في سمع المثقف السمفونية الكونية، وتسبيح الموجودات كلها. وسوف نسمع مزيدًا من التوضيح حول هذه النقطة بالذات في بعض ما يلي من هذه المحاضرة.
ج- لقد أغنانا وقوفنا الطويل لتوضيح الإسلام الثقافي وتحديد الثقافة الإسلامية، أغنانا عن البحث في توضيح موقف الإسلام من الثقافات بشكل عام.
إن الإسلام -كما قلت- يرحّب بكل حركة فكرية إيجابية، وكل تطوير عقلي سليم، ويعتبر كل هذا جزءًا من رسالة الإنسان في الحياة وواجبًا من واجباته. ولا تنتهي فاعلية الإسلام عند هذا الحدّ، فهو يُدخل هذا العنصر الجديد في جسمه الثقافي الكبير، ولا يُبدي الإسلام أيّ تحفّظ تجاه النشاطات الثقافية بسبب التخوف على ذاته، أو إضعاف الدين في نفوس أبنائه، فالإسلام يضع للدين مكانًا أصيلًا لا يمكن أن يقوم مقامه شيء من العلوم والتشريعات، ولا علم الأخلاق، ولا معرفة النفس، ولا الفلسفة والعلوم الإلهية مهما اتسعت وكبرت، فلنفتش عن هذا المكان في القرآن الكريم: ﴿يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أنّ الله يحول بين المرء وقلبه﴾ [الأنفال، 24]، إن الله من وراء قلب المرء يقوده في جميع أفعاله وأخلاقه وأحاسيسه، فجميع نشاطات المؤمن تنطلق من القيادة الإلهية التي تعاون الضمير الإنساني، وتتّحِد به، وتوقظه، وتصقله لكي تكون هذه النشاطات في انطلاقها صادرة عن الخط الإنساني الكوني السليم.
فالتوجيه في المصدر، والانطلاق في السير، صورتان للإنسان في سموّه نحو الكمال من أيّ طريق وفي أيّ حقل.
ولكي تبقى هذه القيادة حيّة نشيطة، فُرِضت العبادات، وحُدِّد الإطار العام، وجُعِل ذكر الله أكبر عبادة.
د- وهنا نقف أمام صفحة من التاريخ، واجه الإسلام فيها لأول مرة ثقافات جاءت من مصادر غير إسلامية، واجه الإسلام هذه الثقافات وكان الدين لا يزال قويًّا في قلوب أتباعه بسبب نجاحهم في الحياة الاجتماعية، وذلك حينما بلغ الزحف الإسلامي كلًا من الإسكندرية وجنديشابور وحران والهند والمرو، وكلها مصادر الثقافة العالمية في القرن الثامن من ميلاد السيد المسيح، أيّ أوائل القرن الثاني من الهجرة النبوية.
انتقلت الثقافات في مختلف حقولها إلى المجتمع الإسلامي، فلاقت شيئًا من الاصطدام والتردد. ثم انطلقت، وأصبحت جزءًا من الثقافة الإسلامية، وتوسّعت، ونشطت، حتى لكأن المجتمع الإسلامي هو صاحب الثقافة، فأدّى الأمانة بدوره إلى العالم. فلندرس قليلًا هذه القصة، ونستخرج منها قانونًا لموقفنا من الثقافة الحديثة.
بدأ نقل الثقافة للمجتمع الإسلامي العربي في أواخر القرن الأول من الهجرة بواسطة أحد الأمراء، مستعينًا ببعض علماء الإسكندرية، فترجم كتبًا في الكيمياء. ثم أصبحت حركة الترجمة والنقل نشيطة جادّة، وخاصة في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة، وقد بدأ العلماء الأجانب بالقيام بها. وسرعان ما برع العرب والمسلمون في اللغات والترجمة والتأليف. ولنعرض هنا أسماء بعض الكتب والمؤلفين نقلًا عن أوثق المصادر المختلفة:
إصطفن القديم، أول مترجم في الكيمياء.
ماسرجيس، مؤلف كتاب "قوى الأطعمة ومنافعها ومضارها" وكتاب "قوى العقاقير ومنافعها ومضارها". وابن ماسرجيس –هذا- عيسى، مؤلف كتاب "الروائح والطعوم" و"كتاب الألوان".
-  تيوفل بن توما الرهاوي، مترجم بعض كتب جالينوس.
جورجيس بن بختيشوع، الطبيب الخاص لأبي جعفر المنصور، وابنه بختيشوع، وتلميذه عيسى بن شهلافا وابن بختيشوع جبرائيل، ولكل منهم رسالة في الطب.
ابن المقفّع، وابنه محمد، ترجَمَا عن اللغة الفهلوية كتب المنطق والفلسفة لأرسطو، وأدخلا الفلسفة اليونانية إلى المجتمع الإسلامي.
آل نوبخت مترجمو علم النجوم.
أبو زكريا يوحنا بن ماسويه، رئيس بيت الحكمة في أوائل القرن الثالث، وله مؤلفات كثيرة في الطب والفلسفة، منها: "الكمال والتمام"، "الكامل"، "الحمام"، "رفع ضرر الأغذية"، "الإسهال"، "علاج الصداع"، "السدر والدواء"، "محنة الطبيب"، "الصوت والبحة"، "ماء الشعير" (Levure de bière)، "الفصد والحجامة"، "المرّة السوداء"، "علاج النساء اللاتي لا يحبلن"، "القولنج"، البرهان"، "البصيرة" و"الجذام".
كنكة الهندي، أو مكنة، مؤلف ومترجم في الطب والنجوم.
- ابن دهن، مترجم كتاب "استانكر الجامع"، كتاب "سندستاق": "صفوة النجاح" (Levure de lière) .
- ومن الذين برعوا في الاطّلاع على اللغات الأجنبية، وترجموا مئات من الكتب في مختلف العلوم:
- عمر بن فرحات، المنجّم والفيلسوف، وابنه محمد.
- أبو الحسن علي بن زياد التميمي، منجّم ومترجم أول كتاب في المراصد.
- أبو يحيى البطريق، وابنه الطبيب والفيلسوف، وهو أول مترجم عربي مطّلع على لغة اللاتين.
- محمد بن إبراهيم الفرازي.
- آل حنين، وأولهم حنين بن إسحق العالم الكبير.
- قسطا بن لوقا البعلبكي، الذي يفضّله ابن النديم على
حنين، وهو عالم مؤلف في الطب والفلسفة والهندسة والحساب والنجوم والموسيقى ومعاصر للكندي، الفيلسوف العربي الأول، وقد ذكر له ابن النديم في "الفهرست" 54 مؤلفًا بين ترجمة وتأليف وتفسير في العلوم المذكورة.

- حبيش بن الحسن الأعسم الدمشقي.
- عيسى بن يحيى بن إبراهيم الناقل، تلميذ حنين بن إسحق.
- حجاج بن يوسف بن مطر.
- سركيس الرازي، وبلده رأس العين صور أو بعلبك.
- ثابت بن قرّة الحرّاني، وآله المعروفون بآل ثابت.
- عيسى بن أسيد.
- موسى بن خالد، المعروف بالترجمان.
- أبو عثمان سعيد بن يعقوب الدمشقي.
- إبراهيم بن الصلت.
- قويري، وآل الكرخي ومؤسسهم شهدا، وابن بكس العشاري.
- أبو زكريا يحيى بن عدي التكريتي المنطقي، وغيرهم.(8) -(9)
ونرى في بغداد مؤسسة عظيمة باسم بيت الحكمة، كانت تجمع العلماء، وتقدّم لهم الكتب والوسائل للنقل والترجمة والتأليف، وكان لها دور كبير في تنشيط الثقافة في تلك الأيام. وهذه المؤسسة تذكر في عهد الرشيد، وليس لدي ما يثبت أنها أُسست قبل الرشيد.
وليس مجرّد مصادفة ألّا يُعنى المجتمع الإسلامي بِشِعْر أوميروس، ومسرحيات يوربيديس واسخيلوس، مع أنها كانت من مفاخر الفن والأدب الإغريقي، وهذا مما يؤكد أن حركة الترجمة والنقل كانت موجّهة، وكانت بتكليف من قادة المسلمين الذين كانوا يراقبون انسجام الثقافات الجديدة مع الجسم الثقافي الإسلامي (10).
ولننظر الآن في موقف علماء الشريعة أمام هذا الزحف الثقافي الغريب، نجد أن أكثرهم كانوا يرحّبون به وينشّطونه، ونكتفي هنا بموقف إمام الفقهاء أبي عبد الله جعفر الصادق، فنرى في موقفه تشجيعًا للثقافة بمختلف حقولها، وتعليمًا لتلامذته، وتعيين بعضهم للاختصاص فيها؛ فقد عَيَّن جابر بن حيان للتخصص في العلوم، وقد برع في ذلك وأصبح أبًا للكيمياء الحديثة (11)- (12). وعَيَّن هشام بن الحكم ومؤمن الطاق لدراسة الفلسفة والكلام (13).
ونرى في كلمات الفقهاء الكبار، وأئمة الشريعة بصورة عامة، ما يثبت ترحيبهم بالثقافة الجديدة، وبيان أحكام فقهية لكثير من الموضوعات المستحدثة، وفي بعض الأحيان مناقشات، وحوارًا في الأبحاث العديدة الجديدة (14)، نظير مباحثات الإمام الرضا مع عمران الصابئي (15).
ولكن الأمر لا يخلو من بعض العلماء الذين وقفوا موقف المتردد، أو المُعارض أمام هذه الثقافة خوفًا على ذوبان الشخصية الإسلامية، وانهيار بعض جوانب العقائد. وقد تمكن بعضهم من التأثير على حكام زمانهم، فتوسعت واشتدّت محاربتهم لهذه الحركة. ووقفت المعارضة مع الثقافة الجديدة عند هذا الحدّ دون أن تتعداه.
والأسطورة الشائعة التي تقول إن الخليفة عمر بن الخطاب قد أمر بحرق مكتبة الإسكندرية، وكانت أفران البلد تشتعل وتطبخ طوال شهر لاستعمالها الكتب وقودًا، هذه الأسطورة لا أساس لها من الصحة أبدًا، والباحث في تاريخ الإسكندرية ومكتبتها يتأكد من أن المكتبة قد فرغت من الكتب أساسًا قبل سيطرة المسلمين عليها بقرنين، ويعلم أن هذه الكتب قد احترقت مرارًا قبل الإسلام، وحينما دخل المسلمون الإسكندرية لم يجدوا كتبًا كثيرة (16) -(17).
والآن، نحاول أن نفهم المعارضة المحدودة التي عرفناها، فهي: الشكّ في المبادئ العقائدية التي بُنيت عليها الثقافة الحديثة ومناقضة نتائجها لعقائد الإسلام الأساسية، أو الشكّ في انسجام هذه الثقافة مع جسم الإسلام الثقافي واصطدامها مع قسم من الأحكام، أو التخوّف من ذوبان الشخصية الدينية الحديثة والضعيفة عند بعض المسلمين. والحقيقة أن العذرين الأولين لا تقبلهما محكمة الحقّ والعلم، إذ كان بالإمكان دراسة الثقافة الحديثة ومراقبة محتوياتها وتهذيبها. أمّا العذر الأخير، أيّ التخوف من ذوبان الشخصية الإسلامية، فلا يمكن قيامه إلّا لفترة زمنية قصيرة.
إننا نرى أن عليًّا يناقش الأبحاث الكلامية المعقدة بأسلوب إسلامي رائع، حينما قام إليه شيخ بعد رجوعهم جميعًا من صفّين، فقال: "يا أمير المؤمنين، أخبرنا عن سيرنا هذا، هل كان بقضاء الله وقدره؟" فقال: "أجل يا شيخ، فوالله ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن وادٍ إلّا بقضاء الله وقدره"، فقال الشيخ: "عند الله أحتسب عنائي". فقال: "مهلًا يا شيخ، لعلّك تظنّ قضاءً حتمًا وقدرًا لازمًا، لو كان ذلك لبطل الثواب والعقاب والأمر والنهي والزجر، ولسقط معنى الوعد والوعيد، ولم تكن على مسيء لائِمَة ولا لمحسنٍ محمدة، تلك مقالة عبَدَة الأوثان، وخصماء الرحمن؛ يا شيخ! إن الله كلّف تخييرًا، ونهى تحذيرًا، وأعطى على القليل كثيرًا، ولم يُعصَ مغلوبًا، ولم يُطِعْ مكروهًا، ولم يخلق السماوات والأرض وما بينهما باطلًا، ذلك ظنّ الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار" (18).
وهنا نصل إلى خلاصة البحث واستنتاج المثل:
1- يهتم الإسلام بتكوين ثقافة إسلامية مؤمنة للمسلم.
2- يفتح صدره لقبول الثقافات البشرية، فيقتبسها ويهضمها وينشّطها، ويعتبر أن هذه النشاطات من واجبات الإنسان في الحياة، ورسالته في الكون.
الإسلام وثقافة القرن العشرين:
والآن نتمكن بوضوح واقتناع أن نتأكد من موقف الإسلام إزاء الثقافة الحديثة، وأن نحدده في عرض معطيات الإسلام لها ثم موقفه منها.
الثقافة الإسلامية قدّمت للعالم ثروة كبرى، وزوّدت الثقافة الحديثة بتراث لا يمكن تناسيه، فاكتشفت البوصلة البحرية (19)، وفتحت أبواب العالم من جُزُر الأرخبيل الهندي وسواحل ملايا إلى جُزُر الأزور الأطلنطي، ولا أتأكد من الحديث عن اكتشاف المسلمين لأميركا، ولكني أعرف أن أبا ريحان البيروني يصرّح في نظريته عن الأرض، أن قارّة كبرى توجد في الطرف الثاني منها (20)- (21)- (22).
واكتشف المسلمون جغرافيَّة العالم، وأكملوا الجغرافية الرياضية، وبرع منهم مسلم بن حمير، وجعفر بن أحمد المروي، وابن فضلان، وابن خرذازويه، وجيهاني والمسعودي. أمّا البيروني فَلَهُ أسلوب مبتكر في الجغرافية، والجوانب الأساسية المعروفة لشعوب الأرض، سلكه في كتاب "تحقيق ما للهند".
ويُعتبر جابر بن حيان أبًا للكيمياء الحديثة، ومحمد بن زكريا الرازي أيضًا: إذ إن الكيمياء التي تُرجمت إلى العربية كانت فرعًا من فروع الفلسفة، تحتوي على نظريات، وتحاول عمل المعجزات. أما الكيمياء المادية الجوهرية Chimie المعتبرة من العلوم، فهي من تأسيس هذين العالِمين (23)- (24).
وطوّر المسلمون علم الطبّ وفنّ الجراحة، ولقد أجرى الزهراوي عملية إخراج الجنين الميت (25)، كما انتزعوا بعض قطع العظم من الجمجمة، ووضعوا مكانها قطعة من عظم الكلب (26). وأسسوا الصيدلية الكيماوية، وأنشأوا عيادات خارجية، ومستشفيات، واستعملوا طريقة التخدير قبل إجراء عملية جراحية، وأقاموا حدائق نظامية لدراسة علم النبات والأعشاب (27).
وأسس أبو علي الحسن بن الهيثم علم البصريات Optique، وسمّاه علم المناظر والمرايا، وألّف فيه كتابًا لم تبقَ منه إلّا ترجمته اللاتينية التي قام بها ويتلو عام 1270 م. واكتشف ابن الهيثم –هذا- خداع البصر، ودرس العين كالعدسة، واكتشف قوانينها الرياضية، كما اكتشف أيضًا انكسار الأشعة الضوئية قبل سنل وديكارت بستة قرون (28)- (29).
وقطب الدين الشيرازي أول مَن فسّر قوس قزح تفسيرًا صحيحًا، مستندًا إلى قانون انعكاس الضوء وانكساره (30)- (31). وابن يونس أول مَن شرح قوانين الرقاص Pendule، أساس اختراع الساعة (32)- (33)، ونصير الدين الطوسي أول مَن أبدى آراء جديدة في الدوائر الفلكية، وانتقد الهيئة البطليموسية انتقادًا علميًا، وغياث الدين جمشيد الكاشاني اكتشف قوانين المحاسبة وتسلسل الأعداد (34).
ومن الثابت أن علم التسطيح Géodécie، من مكتشفات العلماء المسلمين (35)- (36). وابن النفيس في تعليقه على تشريح ابن سينا، يصف الدورة الدموية الصغرى وصفًا يكاد يكون تامًّا قبل أن يكتشفها وليام هارفي بثلاثة قرون تقريبًا. ويعترف بذلك البروفسور لاتهام (37) الأستاذ بجامعة مانشيستر (38).
وقدّم المسلمون في علم الفلك آراء نفيسة، واشتهر منهم الفزاري وأحمد بن محمد النهاوندي، أقدم الفلكيين. وفي عهد المأمون، تألّق نجم فلكيين مشهورين، أمثال سند بن علي، ويحيى ابن أبي منصور، وخالد بن عبد الملك. وقد أضافت آراء هؤلاء في الخسوف والكسوف والاعتدال الشمسي وشبح المذنبات وغيرها من الظواهر الفلكية، الشيء الكثير إلى المعرفة الإنسانية.
وألّف الكندي مئتي كتاب في مختلف الموضوعات، كالحساب والهندسة والفلسفة وعلم الظواهر الجوية والبصريات والطب.
أما الخوارزمي فقد انصرف إلى دراسة الظواهر الفلكية، وما زال حسابه من المصادر الرئيسية للعلوم الفلكية، وعلم العدد مشهور باسمه Algorisme.
وأولاد موسى بن شاكر اكتشفوا اكتشافات عظيمة، من حيث حركة الشمس وبعض الكواكب، وتحققوا من حجم الأرض وانحراف سمت الشمس (39).
وتُرجم جدول البتاني إلى اللغة اللاتينية، وهو من أسّس علم الفلك في أوروبا لعدة قرون (40). واكتشف أبو الوفاء خط المماس المستعمل في حساب المثلثات والرصد الفلكي (41).
ولا ننسى دور إخوان الصفاء لنشر المعرفة والعلوم، وقد بدأ نشاطهم في البصرة في بيت رائدهم زيد بن رفاعة، ثم وسّعوا النشاط إلى مختلف البلدان، وألّفوا الكتب النفيسة وأهدوها إلى العالم، تتضمن الرياضيات وعلوم الفلك والجغرافية الطبيعية والموسيقى والميكانيك والفيزياء والكيمياء وعلم النجوم والجيولوجيا والبيولوجيا والفيزيولوجيا وعلم النبات والحيوان وغيرها (42).
وحتى في القرن السادس عشر، اكتشف بهاء الدين العاملي بعض قوانين الانعكاسات الصوتية -الصدى- واستعملها في بعض مساجد أصفهان. واستفاد من قوانين ضغط الماء وتساوي سطوحه في حديقة فين مكاشان.
ونستعرض الآن موقف الإسلام من ثقافة القرن العشرين، مع العلم أن كل يوم في عمر هذا القرن عصر كامل من المعطيات، والسرعة في التكامل بلغت درجة لا نتمكن من وضع القياس بين مرحلة منها وبين الإسلام، ولهذا السبب يجب أن نلاحظ الخطّ العام لهذه الثقافة.
1- التشريع والحقوق:
في هذا الحقل، نرى للتشريع الإسلامي قلبًا مفتوحًا يتمكن من الاحتفاظ بتوجيهه وتلبية حاجات الإنسان الحديث إلى آخر الشوط، والملاحظ أن الفقه الإسلامي توسّع حسب حاجات مجتمعه، وتمكن من تقديم الأحكام والقوانين.
ففي حقل العقود والمعاملات، نرى أصالة حاكمية الإرادة، يعني أن الشريعة توافق وتؤيد وتدافع عن أيّ عقد قديم أو حديث بأي شكل من الأشكال، إلّا إذا خالف القواعد الثابتة الشرعية العامة.
والأساس في ثبات هذا الأصل قوله تعالى: ﴿يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود﴾ [المائدة، 1]، والعقود عند كثير من الفقهاء هي كل ما يصدق عليه العقد، ولا يختص بالعقود المشهورة المعهودة (43). والآية الكريمة: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارة عن تراضٍ منكم﴾ [النساء، 29]، يدلّ النص على صحة العقود التجارية الصادرة عن رضى الطرفين.
والشرط الأساسي لصحة العقود الحديثة، أو الصور الجديدة للعقود، هو ألّا تكون غررية أو مجازفة أو ربوية، أو احتكارية، أو فاقدة لأهلية المتعاقدين، أو تقع على العوضين اللذين ألغى الشارع ماليتهما أو مالية أحدهما.
والشخصية المعنوية التي تعدّ من مزايا الحقوق الحديثة معترف بها في الإسلام، وقد عبّر عنها الفقهاء بالجهة، وذكروها في مال الزكاة والخمس والوقف وبيت المال.
وقد اعترف الإسلام -إلى جانب اعترافه بالملكية الشخصية الخاصة- بملكية الدولة، وملكية المسلمين، وملكية البلد، أو القرية، أو المؤسسة. ويحارب الفقه الإسلامي كلّ معاملة مبنية على المصادفة أو المجازفة أو المغامرة، وبذلك يحثّ على الشعور العقلاني في المعاملات.
وباب الشرط بنفسه منطلق لكثير من التطويرات، إذ أنه مع الشرط يمكن تطوير أكثر العقود والإيقاعات، وقد اتخذ هذا الأصل من قول النبي (ص): "المسلمون عند شروطهم، إلّا شرطًا أحلّ حرامًا أو حرّم حلالًا".
فتطوير عقود الزواج، البيع، الضمان، كلها من نتائج الأصل المذكور، وهكذا من السهل جدًّا تطوير عقود الإيجار وقوانين العمل والعمال، لأن هذه القوانين قد وردت في الإسلام بصورة إنسانية كاملة، ويمكن تطويرها حسب وعي العمال، والوضع الاقتصادي العام مع رعاية الدولة.
وهكذا يتمكن الفقه الإسلامي من تلبية الحاجات الحقوقية في القرن العشرين، حتى في الحقول التي كانت تنمو بعيدة عن السلطة الفقهية الإسلامية كالقوانين التجارية والدولية وغيرها.
2-الفلسفة:
إن الفيلسوف الإسلامي الكبير صدر الدين الشيرازي، المعروف بملّا صدرا، هذا الرجل العظيم الذي لا يعرف عنه الغرب مع الأسف شيئًا كثيرًا، وقد بدأ دراسة حياته لأول مرة البروفسور جوبينو -على حد علمي-، ويسمّيه البروفسور كوربان -أستاذ الفلسفة في جامعة باريس- القدّيس توما المسلم (44). إن صدر الدين هو ذروة الفلسفة الإسلامية، وخلاصة الأقدمين، وقدوة المتأخرين، وهو مؤسس الحكمة المتعالية التي تجمع فلسفة المشّائين وحكمة الإشراقيين والعرفان.
وحينما نقابل الفلسفة الإسلامية الممثلة في شخص صدر الدين الشيرازي، حين نقابلها بفلسفة القرن العشرين، نشعر بتفوّق نهجه الفكري على كثير من المناهج الفلسفية الحديثة، بالرغم من كونه ابن القرن السابع عشر الميلادي.
أثبت صدر الدين -بطرقه البرهانية- الحركة الجوهرية، وأنها مصدر الحركات الكمّية والكيفية والوضعية والأينية، فالموجود المادي يتحرك بجوهره وبتمام ذاته، فهو حركة ومتحرك (45).
لست بصدد العرض لنتائج هذه النظرية الفلسفية العظيمة، ولكني أحبّ أن ألفت نظر المستمع الكريم إلى أن فيلسوفنا هذا سبق القرن العشرين بآرائه العلمية المؤمنة. فقد التقى بآينشتاين في النتائج الفلسفية لآرائه الفيزيائية، وأصبح عنده الزمان -هذا الوهم المفترض عند السابقين- أصبح جزءًا من حقيقة الموجود، وتعبيرًا عن الحركة الذاتية، وبعدًا جديدًا للأشياء، والتقى بالنتيجة نفسها التي جمعت الفيلسوفين المتعارضين: صموئيل ألكسندر الواقعي وبرغسون المثالي. وصل فيلسوفنا إلى هذه النتائج بطرق علمية برهانية وفي إطار الفلسفة الإلهية.
ولصدر الدين هذا آراء يعتبر كل واحد منها أساسًا من أسس الفلسفة، فمنها القول بحدوث النفس الجسماني وبقائها الروحي. هذا الذي يفسّر الظواهر النفسية، ويحلّ مشكلة ربط الجسم بالروح ووحدتهما، ومشكلة سريان الروح ووحدتها في مراحل الحسّ والخيال والعقل. وله رأي طريف في علم النفس، ومشكلة ربط الخارج بالعقل، يحلّ كثيرًا من العقد المتعلقة بالمعاد الجسماني. وقد تمكن أن ينقّح أصالة الوجود. هذا الأصل الذي يباهي به بعض الفلاسفة الألمان كارل ياسبرز وهوسرل المؤمنَين بمدرسة إكزيستانس، والتي تحوّلت إلى الوجودية السارترية إكزيستانسياليزم، وهي في الحقيقة ليست وجودية وأصالة الوجود، بل إنها أصالة الظاهرة وفنومنولوجي.
وأوضح صدر الدين تقسيم الموجود إلى الهيولى والصورة، أو المادة والصورة بصورة علمية، وأعتقد أن تذوّق هذا الرأي على أصل التضاد المعروف في المنطق الديالكتيكي، يظهر عند تقابلهما وشرحهما.
وأخيرًا، أحبّ أن أدّعي في هذا المقام أن الشرق في حقل الفلسفة والتصوّف لا يزال يشرق على العالم في القرن العشرين، ولي على ذلك أكثر من شهادة. يقول البروفسور كوربان: إن الفلسفة الشرقية هي التي تتمكن من إنقاذ فلسفة أوروبا من التدهور والتمزّق، وإن أوروبا فقيرة جدًا إلى التزوّد بالحكمة الخالدة التي نبعت من الشرق.
3-التصوف:
التصوّف الإسلامي هو تصوّف المسلمين، يجب أن نعترف بكماله، وبأنه لا يزال يتمكن من تزويد القرن العشرين بتعاليم وتجارب غنيّة. فصوفيّة محيي الدين ابن عربي مثلًا، في سيرها وسلوكها، ومراحل معرفتها، ووحدة وجودها، أو وحدة الوجود ومراحل الفناء، وصلت إلى درجة رفيعة جدًا لا أعلم وصول مدرسة صوفيّة جديدة إليها. وللتصوّف الإسلامي دور كبير في اكتشاف حقائق الأديان الشرقية، ويمكن أن نعتبره مفتاحًا لانفتاح الأديان بعضها على بعض.
4- العلم:
هو درّة التاج وبيت القصيد في ثقافة القرن العشرين، فلننظر إلى موقف الإسلام منه، وإن كانت الأبحاث السابقة تلقي بعض الضوء عليه.
إن الإسلام ينظر إلى العلوم باحترام وتقدير، ويعتبرها طريقًا لوصول الإنسان إلى الهدف من خلقه، وإلى كماله الأصيل، وإلى مقام خلافة الله في الأرض، ومعرفة الله، فالسير في هذا الخطّ واجب مقدّس.
والحقّ يقال إنه لا ذنب للعلم إلّا كشف الحقيقة، فالمؤمن الذي يحارب العلم ويخاف منه يجب أن يعتبر نفسه شاكًّا غير مؤمن بدينه، لأن الخوف من اكتشاف الحقيقة معناه الخوف من معارضة دينه للحقيقة. فالإيمان العميق يؤكد الحركة العلمية وينشّطها.
وأرى من المناسب هنا أن أشير إلى الإفراط والتفريط في آراء بعض المسلمين حول موقف الإسلام من العلم الحديث. مثلًا، حينما بدأ الإنسان يغزو الفضاء قال بعضهم إن هذا غير ممكن لأنه تدخّل في سلطان الله، وكأن الله في الفضاء، أو يختصّ سلطانه به! ولا أدري أيّ فرق بين الكرة الأرضية والكواكب السماوية: ﴿ولله مُلك السماوات والأرض﴾ [آل عمران، 189]. إن مثل هذه الآراء جعلت كلام بعض الزعماء الماديين -حينما قال: "لم نصادف في طريق غزو القمر الملائكة ولا الله"-، جعلت هذه الآراء كلامه مقبولًا عند بعض مَن يسمع آراء المفرطين تلك.
وحينما سمعوا أن هنالك سعيًا حثيثًا للوصول إلى تكوين الخليّة الحيّة قالوا: هذا غير ممكن.
وهناك فئة ثانية تقول إن كل ما يحدث في العلم أخبَرَ عنه القرآن الكريم، وتُضيف: أن الآية الكريمة: ﴿يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلاّ بسلطان﴾ [الرحمن، 33]، هي -في رأيهم- صريحة في دلالتها على إمكان نفوذ البشر إلى أقطار السماوات بسلطان عقلي.
وفي رأيي، أن هذا الاستدلال غير صحيح، ذلك أن الآيات وردت في القيامة، حينما يمثُل الإنسان للمحاسبة وهو غير لازم أيضًا، لأن القرآن كتاب دين وتربية، ويجب ألّا يعرض للشؤون العلمية بالتفصيل، بل يحرّض الإنسان على السير في ملكوت السماوات والأرض والتدبّر في العالم والدقّة في صنع الخلق. وقد سبق لنا أن قلنا إن القرآن الكريم، حينما يذكر الأمثال ويستشهد ببعض الظواهر الكونية، لا يتأثر بالعلوم والمعارف التي كانت سائدة في عصره.
5- الأدب والفن:
اعتُبر الأدب والفنّ الإسلاميّان بعضًا من الأدب والفنّ الشرقيين بغناهما الفكري وروعتهما الفلكلورية، فهما من ذخائر الأدب والفنّ، يستلهمهما بعض الأدباء والفنانين الحديثين من أمثال الشاعر الإسباني ميغيل دي أونامونو والشاعر الألماني غوته. ولا ننسى الأثر الكبير الذي كان للفنّ الإسلامي في البناء والنقش والتصوير Arabesque.
والحقيقة أن مجال البحث في الأدب والفنّ واسع جدًا، ولكني أحاول أن أختصر موقف الإسلام منهما فيما يلي:
1-الفنّ عند المسلمين يبدأ مع المفهوم العام للكون "فالله جميل يحبّ الجمال" (46). فيصبح الجمال عامًّا في الوجود وفي الحياة وفي كل شأن من شؤونها. ونجد أن الفنون الجميلة عند المسلمين كانت عامّة في حياتهم، في بيوتهم، في مساجدهم، في السيف وغماده، في المصحف وبيته، في السوق والمعابد العامّة. وما كان الفنّ يختصّ بالمتاحف أو بطبقة مميزة، وبتعبير أوضح ما كان الفنّ يومًا ترفًا في الحياة وفضلًا من العيش؛ وجولة قصيرة في المساجد القديمة وفي الأسواق والبيوت في الشام وإشبيلية وفي أصفهان تكشف هذه الحقيقة.
2- إن منع الإسلام من إقامة التماثيل، أوجب في الفنّ الإسلامي اتجاهًا جديدًا إلى النقوش والأبنية، وتقدمًا في سائر الحقول.
3- إن الأدب والفنّ الحديثين قد وصلا في بعض حقولهما إلى درجة استغلال لا يرضى عنها دين أو عقيدة أو إنسان نبيل. فقد أصبحا سلاحين فتّاكين يُستعملان لإذابة شخصية الإنسان.
وعلى ضوء هذه الملاحظات، نتمكن من إدراك موقف الإسلام من الفنّ والأدب.
وأخيرًا، هل يعالج الإسلام مشكلة القرن العشرين الكبرى، مشكلة السلام؟ هذا الدين الذي يأمر أتباعه بالدخول في السِلم كافة، ويجعل تحيّتهم سلامًا، هذا الدين هل يتنّكر جوهره للمشكلة؟ سؤال من اللازم الإجابة عليه في استقصاء البحث عن الثقافة الحديثة.
إن السلام اسم من أسماء الله الحسنى، وصفة من صفاته العليا، تنعكس على الكون وتتجلّى في الخلق، فهو -سبحانه- السلام، ومنه السلام، وإليه يعود السلام.
والكون -هذا المحراب الكبير للسجود والتسبيح لذات الله-، والمجتمع –هذه المجموعة المنوّعة المترابطة من بني الإنسان-، والإنسان -هذا الموجود الممتاز-، كل منها مخلوق لله، موصوف بصفة السلام الإلهي، وكل منها نموذج عن الآخر. فالسلام الكوني والسلام الفردي يعطيان نهجًا منطقيًا عن السلام العالمي، فالاختلاف في العنصر والرأي والإنتاج في المجتمع العالمي يجب أن نعترف به، ونعتبره كمالًا له، وجمالًا فطريًا يسهّل التعارف والتعاون والتكامل والوحدة.
هذا الاختلاف، -وبتعبير أوضح- هذا التنوّع، يتجلّى بشكله ونتائجه في جسم الإنسان وفي الصورة التي يعطيها الإسلام عن الكون. فلا سلام بلا تنسيق الجهد الثقافي ووحدة الخطة العامة، ولا سلام مع الرغبة في فرض وحدة الأنظمة والآراء والإنتاج والعناصر.
إخواني الأعزّاء،
هذا إسلامكم... وهنا أقف معترفًا، خاشعًا، أطلب العفو عن تقصيري في التعبير عنه. فإذا وجدتم أنه يختلف عمّا في أيدينا أو عمّا كنا نتصوره، وإذا وجدتم أنه يتمكن من الاحتفاظ بقيادة الإنسان في هذا القرن، ويقدر على خلق ثقافات جديدة، إذا وجدتم ذلك كلّه أو بعضه، إذا وجدتم زيادة حبّ له ورغبة صادقة فيه، فقد أدّيت وأدّت الندوة رسالتها.
_____________________________
1- راجع: محمد بن يعقوب الكُليني، الكافي، ج 1، تحقيق علي أكبر الغفاري، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1985، ط 3، ص 134
2- راجع: محمد الريشهري، ميزان الحكمة، ج 4، قم، دار الحديث، 2001، ص 3526
3- راجع: محمد بن يعقوب الكُليني، الكافي، ج 3، ص 358.
4- محمد صالح المازندراني، شرح أصول الكافي، ج 4، تحقيق عليّ عاشوراء، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 2000، ط 1، ص 205
5- راجع: محمد كاظم الخراساني، كفاية الأصول، ج 2، قم، مؤسسة النشر الإسلامية، 2012
6- المصدر نفسه
7- Hamilton Gibb: “Modern trends in Islam” (1947)
8- راجع: ابن النديم، الفهرست، تحقيق محمد عبد الرحمن المرعشلي، بيروت، دار النفائس، 2016، ط 1
9- راجع:  صفا ذبيح الله، تاريخ علوم عقلى در إيران، طهران، 1957
10- سيد حسين نصر، العلم والحضارة في الإسلام، مطابع جامعة هارفرد، 1968

11- نفس المصدر
12- 
محمد يحيى هاشمي، الإمام الصادق ملهم الكيمياء، المؤسسة السورية العراقية، 1959
13- هشام بن الحكم في سلسلة "حديث الشهر" الصادرة في العراق (لم أجدها)
14- 
راجع: أحمد بن حنبل، المسند، تحقيق شعيب الأرناؤوط وعادل مرشد، مؤسسة الرسالة، 2001، ط 1، راجع أحمد بن محمد القسطلاني، شرح القسطلاني،، القاهرة، المطبعة الكبرى الأميرية، 1905
15- محمد باقر المجلسي، بحار الأنوار، تحقيق محمد الباقر البهبودي، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1983، ط 2
16- جورج سارتون، العلم عند العرب، في مجلة Journal Of World History
17- 
قدري حافظ طوقان، تراث العرب العلمي في الرياضيات والفلك، دار الشروق، بيروت، 1963، ط 3.
18- الإمام علي بن أبي طالب، شرح نهج البلاغة لابن أبي حديد، دار إحياء الكتب العربية، 1959، ط 1، ج 18.
19- قدري حافظ طوقان، المصدر السابق.
20- العلوم والحضارة في الإسلام
21- قدري حافظ طوقان، المصدر السابق.
22- أبو الريحان البيروني، تحديد نهايات الأماكن لتصحيح مسافات المساكن، مطبعة لجنة التأليف والنشر والترجمة، القاهرة، 1964
23- العلوم والحضارة في الإسلام
24- Holmyrad, Erik. The Arabic works of Jabir ibn Hayyan. Paris: Geuthner, 1928; Quellen und studien zuz Geschischte der Natur wissem schaten und der medizin

روكسا، يويليوس، ترجمة وتحريرات كتاب "سرّ الأسرار للرازي" (نشر في مجموعة) "مصادر ودراسات في تاريخ العلوم والطب"، مج 4، ع 1، [1935]
25- أمين أسعد خير الله، الطبّ العربي، المطبعة الأميركانية، 1946
26- أمين أسعد خير الله، المصدر السابق.
27- أمين أسعد خير الله، المصدر السابق.
28- قدري حافظ طوقان، المصدر السابق.
29- مصطفى نظيف بك، الحسن بن الهيثم: بحوثه وكشوفه البصرية، ج 1، مطبعة نوري، مصر، 1942
30- 
قطب الدين الشيرازي، نهاية الإدراك في دراية الأفلاك، بغداد، مكتبة الأوقاف العامة، درّة التاج (لا يوجد وثيقة عنه)
31- كمال الدين الفارسي، تنقيح المناظر لذوي الأبصار والبصائر، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية في الهند، حيدر أباد، 1930
32- 
إدوارد كينيدي (الأستاذ في جامعة بيروت الأميركية)، أبحاث عن نصير الدين الطوسي وقطب الدين الشيرازي وابن شاطر الدمشقي الموقت والمؤذن في الجامع الكبير بدمشق
E.S. Kenedy, studies in the Islamic exact sciences, 1 st ed., Beirut: AUB, 1983
33- المصدر السابق؛ أبحاث البروفسور الروسي بوريس روزنفلد؛ أبحاث العالِم الروسي يوشكويج؛ غلام حسين مصاحب، جبر ومقابلة خيام (تهران 1317) شامل متن عربي وترجمة فارسي رسالة قيام در جبر وتاريخ رياضيات نا زمان خيام است. در اين كتاب براى نخسين بار جايكاه على خيام در رياضيات به طور مستقل به زبان فارسي شناسلند، شده است.
34- غياث الدين جمشيد الكاشاني، مفتاح الحساب؛ زيج الغ بك؛ كتاب "الزيج الخاقاني لكاشاني"
35- أبو الريحان البيروني، المصدر السابق.
36- 
حسن برني، مهرجان البيروني؛ سيد حسين نصر، نظر متفكران اسلامى درباره طبيعت، منشورات جامعة طهران، 1964
37- J.B Latham.
38- ا
بن النفيس، شرح تشريح القانون، تحقيق سلمان قطاية. الهيئة المصرية العامة لكتاب القاهرة، 1988
39- 
أبحاث إدوارد كينيدي، المصدر السابق.
40- كارلو نللينو، علم الفلك: تاريخه عند العرب في القرون الوسطى: ملخص المحاضرات التي ألقاها ف الجامعة المصرية، د.ن. 1911
41- مصدر سابق: أبحاث إدوارد كينيدي
42- تاريخ علوم عقلى در إيران
43- محمد كاظم اليزدي، حاشية المكاسب للشيخ الأنصاري، مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم، 1958
44- هنري كوربان،
مقام صدر الدين الشيرازي في الفلسفة الإيرانية، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت، 1965
45- 
محمد حسين طباطبائي، أصول فلسفة وروش رياليسم، دار العلم، 1954
46- محمد بن مسعود العياشي، تفسير العياشي، المكتبة العلمية الإسلامية طهران ج 2، 1960، ص 15

source