لبنان بين العاصمة وحدوده

الرئيسية آخر الأخبار تفاصيل الخبر
calendar icon 11 نيسان 1974 الكاتب:موسى الصدر
* محاضرة أُلقيت في نادي خريجي جامعة بيروت العربية بدعوة من رابطة الخريجين بتاريخ 1974/4/11.
بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
أيها الإخوة الأعزاء،
يشرفني أن ألبي نداء الخريجين المثقفين، أبناء هذا الشعب الطيب الذين وقفوا مع كل ذي محنة؛ واليوم أرادوا أن يقفوا مع أصحاب المحنة الكبرى مع المحرومين جميعًا دفعة واحدة.
موضوع المحاضرة "لبنان بين العاصمة وحدوده".
كلمة العاصمة تستعمل في مواضيع أذكر على سبيل المثل: يسمى الماء العاصم، بمعنى الماء الطاهر بذاته والمطهر لغيره. لعل قواعد اللغة لا تساعد على مفهوم التعدي مقابل اللزوم في كلمة عاصم وعاصمة، ولكن اللغة تستعمل كلمة العاصم والعاصمة فيما يحفظ نفسه ويحفظ غيره.
والمدينة العاصمة، تعني المدينة التي تحفظ نفسها وتحفظ غيرها وتعصم غيرها؛ والحدود مفهومها غني عن البحث. ولا أحب ولسنا بحاجة إلى البحث اللغوي الاجتماعي حول تطورات مفهوم العاصمة والحدود.
فاليوم ليست حدود المجتمعات والأمم حدودها الجغرافية فحسب، لأن بقاء الأمم لا يعني صيانتها أمام العدو الخارجي.
فالعالم في القرن العشرين لا يعترف بالحدود الجغرافية بمعناها اللفظي، لأن الأخطار كثيرًا ما تأتي من الداخل؛ أي من حدود المجتمع، من حدود الأمة لا من حدود الأرض.
وفي الحالات التي تأتي الأخطار من الخارج حتمًا -هكذا العالم اليوم متفق- أن الخطر الذي يأتي من الخارج يعتمد على خطر داخلي، يركز على عدو في الداخل. نادرًا ما نشاهد حتى في أقصى الاعتداءات، نادرًا ما نشاهد اعتداءً مثل الاعتداء الإسرائيلي، وإن كان الاعتداء الإسرائيلي أيضًا استغل ضعف أمتنا وغيابها، فركز دعائم أمن دولة إسرائيل في قلبنا.
فإذًا، الحدود لا تعني الحدود الجغرافية بل حدود المجتمع أيضًا. وليس الكلام لي بل أنه من القرآن الكريم ففي تفسير الآية الكريمة: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ [الرعد، 41]، ﴿نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ [الرعد، 41] التفسير أن أطراف الأرض هم المثقفون، هم العلماء، باعتبار أن الأرض طرفها، قمتها البشر، والبشر طرفه، قمته، حدّه المثقف الواعي ثم المثقف.
القرآن عندما يقول ننقص الأرض من أطرافها يعني موت المثقفين وسكوت الرساليين وغياب العلماء. هذا معنى ننقص الأرض من أطرافها وإلا الكرة الأرضية لا تنتقص من الأطراف.
فالحدود حدود المجتمع، الأطراف، يعني الأطراف من مختلف التقسيمات على صعيد الغنى والفقر، الطرف الغني والفقير، على صعيد السياسة الحاكم والمحكوم، على صعيد الفكر الكوادر المثقفين الرساليين وإن كانت كلمة المثقف ما بحاجة للتفسير لأن هناك فرق بين المثقف والعالم والشعب الطيب الذي يثق بهم.
الحدود، بهذا المفهوم الاجتماعي متروك اليوم وهي أخطر وأدق من الحدود الجغرافية التي قلّ ما تتعرض للاعتداء في القرن العشرين. ولكن ماذا نعمل؟ ظروفنا واتفاقنا مع الخريجين أن نبحث في العاصمة أي بيروت وإن كانت العاصمة القانونية يعني صدور المراسيم التي عادة تصدر في العاصمة من زمان تصدر في المدن، الضاحية. قصدنا بالعاصمة بيروت وبالحدود القرى المنتشرة الممتدة من الناقورة إلى النهر الكبير إلى أقصى نقاط عكار، فوق النهر الكبير.
هكذا قصدنا هل نكتفي بطرح العاصمة والحدود على هذا المستوى الجغرافي؟
سأضع أمامكم، معلومات قد تكونون قد اطلعتم عليها ولكن أكتفي بعرض موجز وأترك أمامكم هدية للجمعية هذا الملف، بعض الدراسات وحتمًا عندكم دراسات بعثة إرفد أكيد موجودة في مكتبتكم دراسات الأربعة في المئة التي أشرت إليها، بإمكانكم إذا أردتم أن تطّلعوا وعندي رغبة ملحة في إبراز هذه الجداول وطرحها في معالجة مشاكلنا الاجتماعية. أتمنى عليكم إنجاز هذه المهمة وسنتحدث فيها بالمستقبل. الآن أحب أن أذكر لكم هذه الجداول التي تؤكد الفرق بين بيروت وبين حدود لبنان جميعها جنوبها وشمالها، بقاعها وعكارها، كلها.
إليكم بعض الأرقام، لقد بيعت في بيروت الأرض المتر المربع الواحد بـ 25 ألف ليرة. ويباع بسهولة في البقاع وفي عكار متر الأرض بـ 25 قرشًا، والأراضي معروضة لمن يريد أن يشتريها. يعني التفاوت في أقل من مئة كيلومتر، مئة ألف مرة في بلد صغير وعلى فواصل قليلة وقريبة.
ما تكلفُه الدولة في السفر، في التعب من الموازنة العامة هذه الأرقام، ما تكلفه الدولة على الفرد في بيروت بمعدل 430 ليرة، في عكار 17 ليرة، في البقاع 20 ليرة، في الجنوب 25 ليرة.
وإذا أضفنا خدمات البلدية -وخدمات البلدية في بيروت كبيرة وكثيرة- نرى أن حصة بيروت من دخل البلديات 17 مليون -طبعًا تعرفون دخل البلدية من عدة مراسيم ومحروقات ومواد ملتهبة وغيرها- و 677 ألف و8 ليرات، ، بينما حصة الهرمل (هذا في الأرقام لسنة 1972 -1971) 65 ألف و 138 ليرة، عكار 614 ألف 117 ليرة، حاصبيا 221 ألف 914 ليرة. يعني حصة الفرد في بيروت من الخدمات الرسمية غير الموازنة العامة 245 ليرة و60 قرشًا، خدمات البلدية للبقاع 9 ليرات، وخدمات البلديات للجنوب 10 ليرات و245، يعني 25 مرة أكثر.
دخل الفرد، أظن أن بعثة إرفد قد أغنتنا عن البحث في دخل الفرد، وإن كانت أرقام بعثة إرفد [منذ] حوالي 10 سنوات... 9 سنوات تقريبًا. ولكن هذه الدراسات التي كشفت النقاب عن واقع الوضع الاجتماعي في لبنان وأوضحت أن ما كانوا يقولونه عن المعجزة وأن لبنان من دون تخفيض، وبالوضع القائم اجتماعيًا وإقتصاديًا، جميع أبنائه في بحبوحة من العيش، تبين أن القضية غير صحيحة بعد ظهور دراسات إرفد. كنت أحب أن أقدم لكم أيضًا إكمالًا للجدول وضع الماء والكهرباء والأبنية المدرسية والإذاعة والتلفزيون والصحف، يعني الخدمات الثقافية التي تقدم إلى جانب المدارس لبيروت العاصمة وللحدود. ولكن أذكر لكم النتيجة ولعلكم تستغربون حسب إحصاءات الأونيسكو وبجهد بالغ حول التطبيق تمكنتُ أن أستخرج هذه الأرقام، نسبة الأمية في بيروت يعني للسكان الأصليين وليس للعمال النازحين في بيروت:
نسبة الأمية في بيروت 1،3 في المئة، نسبة الأمية في عكار 76 في المئة، نسبة الأمية في الهرمل 53 في المئة، ونسبة الأمية في المناطق الحدودية من الجنوب 37 في المئة. هذا مع العلم أنه ليس هناك تقصير من قبل المواطن لأني شاهدت في القرى الكثيرة أن الطالب يقطع صباحًا كيلومتر أو أكثر لكي يحضر للمدرسة، شاهدته بعيني في قرى الزهراني في الجنوب وأخبرني أحد المطلعين في وزارة التربية أن عدد الطلاب في سنة واحدة يعني سنة 66-67 و65-66 الدراسية زاد عدد الطلاب 30 في المئة، وهذه النسبة غير موجودة في العالم. شوق الإنسان اللبناني للدراسة والثقافة وتضحية الآباء للتنازل عن خدمات أولادهم في حقل الدخان وغير ذلك واضح من هذا الرقم، لكن النتيجة عدم توفير الوسائل... هذا الجدول المخيف يعني نسبة الأمية 1،3 إلى 76 في المئة.
تحدثنا عن بعض نتائج العدالة الثقافية إذا صح التعبير، يعني العدالة في تعميم الثقافة. نتحدث بعض الشيء عن العدالة المعممة في بيروت وفي المناطق عن الأمن، عن الحريات، عن المياه، عن المناجم، عن الثروات الكثيرة في لبنان.
في قضية الدفاع والأمن أعتقد، "كلنا في الهوا سوا"، الحدود والعاصمة. لم نزل نتذكر، وإن [مرّت] سنة على اعتداء إسرائيلي في شوارع بيروت ومقتل قادة المقاومة وبعض الشباب اللبنانيين أيضًا، وبمناسبة مرور سنة سمعت اليوم بعد الظهر تحذيرات لرئيسة وزراء إسرائيل أيضًا تحمّل لبنان مسؤولية حادثة كريات شمونة وتنذر، ماذا فكرت فينا؟ لا أعرف. ولكن، أسمع بالنسبة للدفاع أن هناك تأكيدات على عزم لبنان على الدفاع عن الجنوب، وأنهم حضَّروا وقدموا لائحة التجنيد أو خدمة العلم؛ ونحن نتمنى أن نقدم لأن قضية الدفاع، قضية الشرف وقضية الوجود. ولكن ماذا أقول؟ وكيف أكون متفائلًا أيها الإخوة عن جهاتنا التنفيذية يعني حكومتنا الحاضرة التي ورد في بيانها الوزاري أنها سوف تقدم قانون خدمة العلم إلى المجلس بعد مرور ثلاثة أشهر من أخذ الثقة؟
المادة الوحيدة الموقفة في البيان الوزاري قانون خدمة العلم والآن أكثر من عشرة أشهر تمر، وليس هناك من قانون يُقَّدم. متى نستعد؟ متى نشعر بأن الوطن هو الإنسان الكبير، وهو الإنسان البديل للدفاع عن الشخص ولصيانة كرامة الإنسان؟ لا أعرف.
بالنسبة للأمن في الجنوب، الحمد لله الوضع طيب جدًا ببركة قانون الطوارئ، وأنا أستغرب الشباب يركزون كثيرًا على إلغاء قانون الطوارئ ويقولون أنه هناك ضغط على المواطنين، هناك تنكيل بالمثقفين، هناك اضطهاد للشباب. بالعكس أنا لاحظت أنه في لبنان يوجد حريات... لبنان الجنوبي يوجد حريات غريبة لا تجدها في العالم أبدًا؛ حريات الاعتداء على الناس، على الخطباء، على رجال الدين، بواسطة عصابات مسلحة تغدو وتروح أمام سمع المسؤولين وبصرهم، وبعد ذلك يقولون لماذا لا نلغي قانون الطوارئ؟ إذا ألغينا قانون الطوارئ من يتمكن أن يحمي العصابات المسلحة من غضبة الناس، من غضبة أهلهم؟
المياه: قُسِّم لبنان في دراسة للمياه الجوفية والمياه الجارية إلى ثلاثة أقسام. واعتبر الجنوب أفقر المناطق اللبنانية، سموه منطقة (ج) هذا حسب دراسات الجامعات، اعتبر الجنوب أفقر المناطق من حيث المياه، هذا القسم الفقير من المياه من سوء حظه يملك مع شقيقته في الشقاء منطقة البقاع، الشقيقتان تملكان نهر الليطاني فقط. ماذا عُمل بنهر الليطاني وأنتم أبناء هذا الجيل ما عشتم فترة تأسيس الليطاني منذ سنة 54؟ ولكن إليكم بعض المعلومات: الليطاني ينبع من البقاع وينعطف نحو الجنوب في محل الخردلة وينزل في البحر قرب صور.
في المنطقة الثانية يعني منطقة (ب) النهر المعروف بالنهر الأولي، القانون في العالم والقاعدة في العالم أن يأخذوا المياه من المناطق الغنية بالمياه ويحولوها إلى المناطق الفقيرة، ولذلك في أول تأسيس مصلحة الليطاني حولوا 350 مليون متر مكعب من مياه الليطاني إلى النهر الأولي هكذا لله وبالله. ووضعوا على النهر الأولي ثلاثة معامل للكهرباء، وقالوا للجنوبيين سنضع ثلاثة مصانع كهرباء أيضًا على مجرى نهر الليطاني. وحتى الآن هذه المصانع ما وُضِعت. أخذوا 350 مليون متر مكعب أولًا، والآن يتحدثون عن سحب 50 إلى 60 مليون متر مكعب أخرى من مياه الليطاني إلى بيروت.
أحد الأصدقاء كان يقول مأساة تحويل نهر الأردن في الدرجة الأولى ومأساة تحويل الليطاني أو على حد تعبيره "تكويع" الليطاني في الدرجة الثانية. ثم جاؤوا يحذرون الرأي العام البيروتي أن بيروت عطشانة، لا بد من وجود المياه وما في مياه غير مياه الليطاني، ولأني أتحدث في بيروت اسمحوا لي -وإن كنتم تتعبون ربما من سماع تقارير وأرقام ولكن هذا [هو] الواقع -أن أبين لكم قضية سحب المياه إلى بيروت.
تقرير رسمي، لن أفتح ورق المجلد تعرفون من دون فائدة لأنه قد تعرض صاحبه للخطر لاشك... جميع التقارير الرسمية موجودة عندي كل الدراسات التي توضع قبل ما توصل أو بعد ما توصل بيد المسؤولين هذه طبيعة لبنان والحمد لله. (ما فينا نخفي شي، [...].
بحثوا عن حاجة بيروت إلى المياه وعطش بيروت في فصل الشحائح ونحن نتمنى ونسعى ونبذل دمنا لإرواء بيروت وخاصة أن كثيرًا من الجنوبيين موجودون في بيروت، لكن الذي حصل أقرأ لكم هذا التقرير الرسمي، بموجب قرار رقم 144 تاريخ 27-2-68، تألفت لجنة قوامها مدير عام التجهيز المائي والكهربائي، مدير عام مصلحة مياه بيروت، رئيس مصلحة التصنيع و[...] في مديرية المياه، مهندس من المصلحة الوطنية لليطاني مهمتها اقتراح قرار للدراسات لتمديد مدينة بيروت بمياه الشرب على المدى الطويل. وقد أوصت اللجنة المذكورة فيما أوصت به أن تتولى مصلحة الليطاني الدراسات الاستقصائية لإنشاء سد على مجرى نهر إبراهيم (تعرفون نهر إبراهيم) وقد اقترنت توصيات اللجنة بموافقة وزارة الموارد (لا تؤاخذوني [...] بعيد عني شوي). أودعت مصلحة مياه بيروت بتاريخ 18-1-69 بكتابها رقم 118 التقارير التمهيدية العائدة لإمكانية التخزين على نهر إبراهيم، (ألخص لكم حتى لا تتعبوا كتير)، هذه المؤسسة يعني هذه اللجنة كُلِفَت دراسة سد على نهر إبراهيم، نهر إبراهيم نضع له سدًا ونسحب مياهه -وهو قريب- فوق 300 مليون متر مكعب ماء يهدر للبحر، طيب إسحبوا إلى بيروت، وقسم من النفقات تؤمنه شركة السد التي تستفيد كهربائيًا. أهم ما في هذا التقرير المقدم من الخبير [... دين] خبير معروف الذي يشير إلى أن إنشاء السد في موقع الجنة يعني موقع نهر إبراهيم سوف يصادف صعوبات كثيرة، إنما المنافع العديدة التي يمكن الحصول عليها من إنشائه تغطي تلك الصعوبات. بالإضافة إلى أن هذا الموقع الوحيد الذي له قابلية لإنشاء سد على مجرى نهر ذي كمية مياه هامة 560 متر مكعب في المنطقة المعتدلة، ويوصي بالنهاية باتباع الاستقصاءات اللازمة للحصول على المعلومات: مسح طوبوغرافي وجيولوجي، مقطع عبر النهر، مسح حول الآبار الصلصالية، تحليل المناطق الترابية.
يعني اجتمعت اللجنة كلفوا خبيرًا، الخبير قال (كويس)، مكانه ممتاز المياه كثيرة، لكن يمكن [أن] يكون [هناك] بعض الصعوبات، أعطوني معلومات، يعني الخبير لا يقدر أن يحفر بئرًا هنا وبئرًا هناك، قال أعطوني هذه المعلومات، ماذا عملوا؟ أبدًا. سكتوا عن هذا التقرير وما نفذوه.
ثم استمر نشاط مصلحة الليطاني وجلبت خبيرًا آخر، كان كراونينغ [...]، لماذا طلب الخبير هذا الشيء؟ سكتوا عن تقريره، وجلبوا خبيرًا آخر يدعى بول براين وأودع تقريره مصلحة مياه بيروت وقد تبين أنه هناك صعوبات جيولوجية محتملة، ولا يقول كثيرة بل محتملة وأن هذا الموقع هو الموقع الوحيد الذي يمكن البحث بقابليته لإنشاء السد على مجرى النهر ونتيجة الدراسة الاستقصائية تبين أن السد يجب أن يكون بارتفاع 75 مترًا لتخزين 35 مليون متر مكعب والكلفة المقدرة 40 مليون ليرة، أبدًا. بيّن خطوطًا ما طلب شيئًا، الخبير الثاني كان قانعًا، ما طلب شيئًا [...]
كلفت إدارة مصلحة مياه بيروت خبيرًا آخر [...] السد لم يذكر كما ذكر الخبير[...] القيام بتحضير المعلومات الجيولوجية، فكان الاتصال هاتفيًا بالمدير العام لمصلحة الليطاني، [...] كيف عرفتم بأن هناك صعوبات؟ الخبير الأول يقول صعوبات محتملة، والثاني يقول صعوبات محتملة، وأنتم [...] حتى نعرف أن هناك صعوبات أو لا، قالوا غير صعوبات، ما بدنا إياه [...]
نتيجة لهذه الدراسة المهزلة فتكون النتيجة [...] بمشروع سد نهر إبراهيم. وتولى جلب خبير ولم نفهم شيئًا مما طلبه، ثم تُرِك الأمر لتقويم الخبير وبقيت القضية غامضة. [...] مصلحة المياه من المديرية العامة لمصلحة الليطاني [...] أخذت الجواب هاتفيًا بكلمة جبارة ضخمة متنبئة بعدم صلاحية سد إبراهيم للحياة، وتولى الطرفان المتفقان [...] بإعلان وفاة المشروع سد نهر إبراهيم وتبادلا التعازي، وتلفتا إلى الحي الباقي الذي يخشى أن يُموَّت وهو حي [...] في لبنان.
فإذًا، سد نهر إبراهيم ما (بدنا) إياه، لماذا ما (بدكم) إياه؟ لا أحد يعرف، يجب أن نسحب من مياه الليطاني بالإضافة إلى 350 مليون متر مكعب يجب أن نجيب 50 مليون متر مكعب أخرى حتى سنوات الشحائح لا يكون ماء في الجنوب وإذا كلفنا بالافتراض مليار ليرة أقل أو أكثر وعملنا سد الليطاني لا يكون فيه مياه؛ يكون مثل الأمير الهندي الذي سمع خطابًا في النجف في العراق خطابًا بفوائد الجسر، والثواب الكبير لمن يبني جسرًا، فالأمير قصد أن يبني جسرًا بين النجف والكوفة، قالوا له يا سيدي بين النجف والكوفة لا يوجد ماء قال: أنتم اعملوا السد (وبعدين) ندخل فيه الماء. ونهر الليطاني فيه ماء أو ما في ماء (بنجيب بعدين) ماء ونحط بالليطاني. من أين؟ لا أحد يعرف.
ولكن تنازلنا يا سيدي عن سد نهر إبراهيم، وكلفنا أحد المهندسين الشباب الذي اشتغل في الليطاني مدة طويلة، قلنا له: وما ذنب نهر بيروت، نهر بيروت [...] لماذا لا نستفيد منه للشرب؟ فقال اجتمعنا أول مرة وبحثنا مع المسؤولين الكبار الكبار، وقلنا بإمكاننا أن نسحب مياه نهر بيروت لإرواء بيروت فنضع دراسة. يقول أحد المسؤولين الكبار، هذا خطر لأن الهزة الألفية، - تعرفون الهزة الألفية، كل ألف سنة تصير هزة يسموها الهزة الألفية تعمل أشياء وعجائب، هذه الهزة الألفية- قد تأتي فتهز السد من مكانه، عند ذلك بيروت تغرق. يقول المهندس أنا ما كان عندي جواب، فقلت بخ بخ لهذه الدراسة والوعي والانتباه للمستقبل. كيف منتبهين لهذه المسائل! راجعت الدراسة فوجدت المأساة، يقول المهندس: سد بيروت يقع على بعد ثمانية كيلو مترات من مصبه ويستوعب 14 مليون متر مكعب، تستعمل مياهه للشرب لمدينة بيروت وذلك كتموين مساعد للمياه الآتية من جعيتا. بيروت كما تعلمون تشرب من جعيتا. من بيروت لماذا؟ لسد العجز الحاصل في مياه جعيتا في أيام الشحائح. وهذه الأيام مئة يوم في السنة، مئة تقع بين أوائل الصيف وأواخر الخريف، يؤمن سد نهر بيروت لمدينة بيروت النقائص الموجودة أعلاه. يعني يغني سد بيروت تمام الغنى، فيغني بيروت لسنة 2000. أي التوازن بين حاجات المدينة متوفرة في جعيتا وفي أيام الشحائح ولعشر سنوات.
بيروت السد جاهز، صالح للترميم فورًا يحتاج بناؤه إلى ثلاث سنوات، مصمم وتبعًا للدراسة أن السد مصمم مع الأخذ بعين الاعتبار درجات الهزات العالية، مما جعل شركة [...] وهي من أشهر الشركات في العالم في ميدان السدود صممته بشكل ترابي صخري وبالحجم اللازم وليس بشكل القبة أو قشرة من الباطون المسلح... مصيبة، إنا لله وإنا إليه راجعون؛ [...] (لكن مضطر أن أقرأ لأن كل ما حولنا غموض) هذا مما يسمح للسد بمقاومة الدرجات العليا من الهزات، -فإذًا، السد لا قبة ولا قشرة، السد حجارة قوية مثل السد العالي أمام الهزات لا ينهار- علمًا أن هذا السد لا ينفجر انفجارًا، وعلمًا أن مجرى النهر والقناة الواقعين أمامه من جهة البحر... لو افترضنا أن هذا السد أُزيل، المجرى يستوعب ربع المحصول تقريبًا، وقناته تستطيع استيعاب ثلاثة ملايين متر مكعب في الساعة، يعني إذا افترضنا أن السد انهدم خلال أربع أو خمس ساعات يرفع والمياه تروح للبحر. ولا يصل شيء أبدًا لبيروت وتبقى مدينة بيروت سليمة من دون أي أذى.
وعندما نقارن بين هذا السد وبين سحب المياه من الليطاني المشروع [الذي تكلمنا عنه] الليطاني ظروفه غير جاهزة. نهر بيروت ظروفه جاهزة وصالح للتنفيذ فورًا، مدة التنفيذ يعني عطش بيروت لا يتجاوز ثلاث سنوات أبدًا. هذا ثلاث سنوات وذاك ثلاث سنوات لا يوجد فرق.
مياه مخصصة للري، الليطاني مياهه مخصصة للري وعلى مصلحة مياه بيروت، إذا أرادت أن تسحب المياه أن تدفع ثلاثة أرباع مليون ليرة في السنة ثمن المياه، بينما مياه نهر بيروت وتروح في البحر (ببلاش). مياه الليطاني ملوثة بالبلهارسيا، يقولون أنه يوجد وسائل للتنقية ولكن أي عطل، أو عارض طارئ آخر في المصافي يعرض سكان بيروت لأخطر من هذا، وأثر البلهارسيا لا ينتهي بثوانٍ وإنما تستمر سنوات وسنوات، وبينكم من هو أخبر. بينما مياه نهر بيروت غير ملوثة، صيانة وتنظيف الأنفاق صيانة صعبة في الليطاني.
هذا ما قيل: منطقة حدودية وسلوك بيروت أو المسؤولين في العاصمة فلنسحب مياه المناطق الفقيرة في هذا البلد. أما البقاع وعكار فليستا أفضل حالًا من الجنوب. الجنوب المشروع غير مجهز من سنة 54 حتى سنة 74 الدراسة غير كافية 20 سنة، الحقيقة الليطاني [مشاريعه] غير مدروسة بعد، ولكن في البقاع وعكار المشاريع جاهزة، شيء لا يصدق. وأحب أن تشعروا سبب الألم الواضح في تحركنا وفي سعينا وفي محاولاتنا، وفي مناداتنا، ما السبب؟ طيب، المياه موجودة، الأموال موجودة، المشاريع جاهزة، ما (بدو إلا جرّة قلم) حتى تتنفذ هذه المشاريع، و(تخلص) هذه المشاريع.
بيروت تمتص الناس وتشكو التخمة بطبيعة الحال، لماذا لا تعمل السلطة طرقًا حتى الناس يعيشوا في بيوتهم وينتقلوا لأجل العمل إلى بيروت ثم يرجعوا إلى بيوتهم مثل كل بلاد العالم؟
في عكار إلى سنة 73، 52 قرية محرومة من مياه الشرب. 52 قرية في عكار وهذه سجلات رسمية محرومة من مياه الشرب. الجنوب أفضل. في الجدول الرسمي الجنوب محروم 24 قرية فقط، والسجل الرسمي يقول أن بنت جبيل ليس فيها قرية واحدة غير مروية وأبناء بنت جبيل هنا موجودون، إسألوهم إذا كان الماء في منطقة بنت جبيل يأتي أكثر من يوم أو يومين في الأسبوع، أتصور أن الأرقام كافية... عندي بحث مختصر لنهاية حديثي ربما حتى أعطي المجال للحوار.
أقول أن تفاوت الشعوب في المستويات كان منذ الأزل وسيبقى. ولم يذكر أحد من الفلاسفة الاجتماعيين بحثًا يؤكد أن تفاوت الشعوب يهدد بالانفجار، رغم أن اليوم، اليوم بالذات دورة الأمم المتحدة افتتحت للبحث في المواد الأولية، وتعرفون أن الدورة انعقدت بناءً على طلب الرئيس بومدين، وتعرفون أن العالم الآن خائف من أن الصيني الجوعان يشكل خطرًا على الأميركي الشبعان على بعد خمسة آلاف كيلو متر وأكثر. لكن نقول أن النظرية ما كانت سابقًا عند الفلاسفة، لكن عندما تكون المقارنة بين الفئات المتفاوتة المستويات تمامًا الخطر يحدق بالبلد مثل خطر الخلاف والتفاوت الطبقي والصراع الطبقي، بدون شك الفلاسفة الذين تبنوا مشكلة التفاوت الطبقي، وحذّروا المجتمع من الانفجار الطبقي بدون شك لأنهم وجدوا أن الطبقة العمالية تتكون بطبيعة الصناعة في داخل مواطن الأغنياء وأصحاب الأموال. فالقرب بين العامل المحدود وبين الرأسمالي المترفع المرفَّه أوجد عنده شعورًا بالخطر... تذكروا ونصحوا، لماذا؟ لأنه هناك قرب بين الطبقتين، الطبقة ليست صنمًا يُعبد. المشكلة في التفاوت في أي تفاوت كان، المشكلة في الفروع لو كانت الفئات المختلفة والمناطق اللبنانية المختلفة بعيدة بعضها عن بعض كان الخطر أقل. لكن المناطق قريبة، كل ابن حدود خلال ساعات في بيروت، التلفزيون، والصحيفة، والإبن العامل، والبنت المهاجرة، وابن العم وغيره وغير ذلك يجعل جميع أبناء لبنان في مكان واحد وفي ساحة واحدة.
أنا أرى أكثر مناطق الشرق الأوسط حتى الحدود اللبنانية -التي أنا أشكو عنها وهي تشكو- أفضل حالًا من بقية المناطق في الشرق الأوسط، ولكن المشكلة في التفاوت والتمييز.
على هذه الساحة وجدت في لبنان مشكلة اجتماعية جديدة غير الحروب وغير مشكلة الاختلاف الطبقي سمِّها مشكلة "الاختلاف المَنْطَقي" التي من سوء الحظ اكتسبت لونًا طائفيًا، والجوع لا يعرف الطائفة، والظلم ينفر منه كل مؤمن. هذا الاختلاف الشائع بهذا البلد مكشوف وإذا ما قال "السيد موسى" أو ما قيل في "نادي الخريجين" يقال في مكان آخر وبواسطة عناصر أخرى. حتى إذا ما قيلت، الشاب يتهم المسؤولين، يتهم الناطقين بألسنتهم، يتهم الممثلين، يتهم الشباب والمثقفين بمؤامرة الصمت. والحديث الشريف يقول: الساكت عن الحق شيطان أخرس 1.
فإذًا، علينا أن نقول وأن نذكِّر أن الحديث الشريف يقول: "كاد الفقر أن يكون كفرًا"2، ويقول الحديث الصادر عن صحابي كبير من أصحاب رسول الله (ص): عجبت لمن بات جوعانًا كيف لا يصبح شاهرًا سيفه. الإنسان الذي قاله ما كان يفكر بالرئاسة ولا بالسياسة ولا بالخلافات، إنسان مواطن مؤمن متدين وهو واحد منهم، والحديث الشريف يقول: "الفقر سواد الوجه في الدارين". هنا السؤال لماذا نحن نقول للفقير الذي حُرِم في الدنيا أنك أيها الفقير محروم في الآخرة؟ نعم. لأن الفقير هو الذي رضي لنفسه الفقر. الفقير منظلم وليس مظلومًا، والمنظلم أحد الظالمين، الذي يتحمل الظلم يساوي في الظلم: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ [هود، 113]. هذه آية قرآنية وليست كلمات صادرة عني.
أيها الإخوة الأعزاء،
هذه الظاهرة الاجتماعية الجديدة، اختلاف المناطق التي تغطي وتعبِّر عن اختلاف الطوائف، وليست مشكلة طائفية وإنما مشكلة اجتماعية في مناطق مختلفة متقاربة متفاوتة بمئة ألف مرة مثل الأرض هنا وهناك، يهدد حاضر لبنان ومستقبله.
إذا ما قلنا، ما أعلنّا، ما أنذرنا ووبخنا المسؤولين في وضعهم وفي مالهم، فالمستقبل ليس لهم ولا لنا. نحن نقول وننتقد ونقسو ونؤلِم، وبطبيعة الحال نتألم ويُقسى علينا ونُصد ونضطهد، لكن هل [هناك] ترحيب بهذه السهام التي تأتي حتى ولو "تكسرت النصال على النصال"، لأننا نعلم أن مستقبل لبنان في هذا الوضع انفجار منطَقي، إذا صح التعبير، ولا أقول طائفي وهذا يهددني كما يهدد المسؤولين. لماذا في هذه الفترة العصيبة في تاريخ الأمة، لماذا لا نعمم العدالة؟ والمشاريع جاهزة والدراسات موجودة، والتمويل ولا أسهل منه.
قلت في أحد الاجتماعات أنه مسؤول عربي كبير في دولة خليجية منذ زمن مر عليّ وقال أن مشروع الليطاني نحن مستعدون أن نموله إذا ضمنا سلامة التنفيذ. قلت له مشروع الليطاني قد يكلف مليار ليرة، قال ولو كلف مليارين ليرة. أنتم تعرفون أن اليوم أصحاب الأموال يفتشون عن مركز لتوظيف أموالهم... مشكلة التمويل ليست مشكلة، جميع المشاريع اللبنانية، جميع الشركات جميع أقنية الري، جميع المدارس، جميع المشاريع الزراعية، حضروها وكونوا أمناء في أموال لتنفيذ هذه المشاريع، ولتشغيل الناس.
أتذكر دولة أوروبية معروفة تستدين وتشغل وتوسع طرقاتها لأجل العدالة الاجتماعية لأن ليست القضية قضية الأرباح بالنسبة إلى الدولة، وللحساب بأن التبغ سعره غالٍ بالنسبة للعالم، ومعدل التبغ عندنا سعره خمسة ونصف، ومعدل السعر في العالم أقل. مع العلم أن المعلومات تؤكد أن سبب تفاوت المعدل ليس المزارع ولا جنس التبغ، بل أن في لبنان يكلف كيلو التبغ من يد المزارع إلى ظهر الباخرة يكلف خمس ليرات ونصف والمعدل العالمي ليرة وثلث.
[...]
فإذًا، المطلوب صيانة لبنان، مفهوم العاصمة، يعني إذا أرادت الحكومة أو الدولة أن تعصم الحدود وتعصم حدود المجتمع وتعصم لبنان فلا مجال إلا تعميم العدالة والقضاء على هذه الظاهرة الجديدة: التفاوت في المناطق. المشكلة التفاوت في المناطق ولا علاج لها إلا بالعدالة والإنصاف.
والسلام عليكم.
سؤال: الدوافع أيضًا والمصادر أصبحت واضحة، وما هو العلاج؟
جواب: تتحرك بالعلاج، الضغط أولًا ، واذا ما أفاد طبعًا لا بد من تحرك أكثر وأكثر حسب الظروف، الإنسان لا يستعمل من رصيده أكثر من الحاجة. ونتمنى أن نصل إلى نتائج، يأس لا يوجد عند المؤمن، الأمل دائمًا موجود فيه.
سؤال: لماذا لا تقوم سماحتكم بتقديم دعوة إلى أغنياء لبنان الجنوبي؟
جواب: اليوم كان عندي اجتماع لأغنياء الجنوب، وسيعلنون بأنهم مستعدون لتنفيذ المشاريع شرط ضمانة الدولة للأوضاع. أنا أستأذن لظروف معينة وشكرًا جزيلًا والسلام عليكم.
______________________
(1)- را: صحيح مسلم، ص214.
(2)- بحار الانوار، ج27، ص247.
source