الوطنية والقومية

الرئيسية آخر الأخبار تفاصيل الخبر
calendar icon 09 كانون الأول 1969 الكاتب:موسى الصدر

* حاوره بشير عميرة
(طرحت صحيفة العمل هذه الأسئلة على عدد من المفكرين والرؤساء الروحيين وفي طليعتهم الامام الصدر، 9/12/1969.)

• رجال الدين موجهون مؤمنون لا يفقدون الأمل.
• تدخل رجال الدين في القضايا العامة له أثره في تطويق الجانب الطائفي من الازمة.
• الخلاف بين المواطنين ليس في المبادئ، بل في التنفيذ المقترن بالمصالح الخاصة.
• الإحساس بالعروبة لا يعني التنكر لكيان لبنان، وعلى اللبناني أن يشعر بأكثر من بلده وطائفته.
• أنا مستعد للتعاون مع أي هيئة وطنية تعالج الامور بإخلاص.

المقدمة:
أجاب الامام موسى الصدر رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أمس على أسئلة أربعة "للعمل" كانت قد طرحتها على الأب داغر رئيس جامعة القديس يوسف. ويأتي هذا الحديث ضمن سلسلة لقاءات مع الرؤساء الروحيين في لبنان حول الخطوات العملية التي يمكنها تأهيل الشعور الوطني عند جميع اللبنانيين فيعيشون فعلاً أخوة متحابين متكاتفين للذود عن حياة وكرامة هذا البلد أياً كان المدنس الغشيم ...

* منذ زمن غير قصير وهواجس الخوف تتحكم باللبنانيين: بعضهم يتساءل عن مصير كيان مهدد بغزو إسرائيلي وآخر سوري فلسطيني، وبعض ثانٍ يتحسر على هيبة حكم مفقودة، فيقابلهم الرؤساء الروحيون بكلام مسؤول ومواقف إجماعية كلها أمل وعافية. بصفتكم أحد الذين أخذوا المبادرة في تهدئة الخواطر، ما هي بِنَظَرِكُمْ العوامل والخطوات التي يمكنها ترجمة رغباتكم الصادقة (المعبر عنها بقوة وثبات في خطبكم العديدة) إلى معتقدات يتقبلها جميع المواطنين بشكل أكيد ويعيشونها بمحبة وحيوية؟
- إن مواقف رجال الدين هي تعبير عما يجب أن يكون لا عما هو واقع، حيث أنهم كموجهين مؤمنين، لا يدخل في قلبهم اليأس ولا يفقدون الأمل. وهذا يعني أنهم فيما يقولون، يدعون المواطنين إلى الأمل والعزم على تخطي الصعاب والتوجيه إلى الدقة في التصرف والترفع والإخلاص في المواقف. ومن جانب آخر فإني أعتقد أن الخلاف في المبادئ والمعتقدات ليس موجوداً بين المواطنين بل الخلاف في الأغلب في التنفيذ الذي يقترن بالمصالح الخاصة ويؤدي إلى الشك والغموض، ويساعد على ذلك عدم تحمل النقد وعدم الرغبة في الحوار والإيضاح. لهذا كله، فإنني مع بعض زملائي من رجال الدين نرى أن الإخلاص وحسن الظن والتصرف بروح المسؤولية وتحمل النقد واحترام آراء الآخرين وغير ذلك من المبادئ الأخلاقية تساهم إلى حد كبير في علاج المحنة وحل المشكلة.

* ألا تعتقدون أن اختلاف الشعور القومي هو السبب الجوهري والرئيسي لهذه الهواجس، وأن إزالته يمكن أن تكون في عقد سلسلة حلقات شعبية تدور حول تأصيل الشعور في أن لبنان هو وطن ذو كيان قائم بذاته مستقل يتعاون إلى أقصى حدود التعاون مع شقيقاته الدول العربية ضمن إطار من الاحترام المتبادل لشخصية كل بلد؟
- الحقيقة إني لا أرى اختلافاً في الشعور القومي في لبنان لسببين: أولاً: إن الكثير من الذين يدعون الشعور الوطني اللبناني يعيشون في الحقيقة الشعور العائلي الضيق بصورة إقليمية أو طائفية أو حزبية. ولذلك لا نرى عندهم تحسساً بمشاكل مناطق أخرى أو طوائف أخرى أو أحزاب أخرى بمستوى تحسسهم بأنفسهم. ثانياً: إن الشعور بالوطن اللبناني لا يتنافى إطلاقاً مع الشعور بالقومية وذلك عندما نلاحظ أحاسيس ومشاعر العرب في سوريا والأردن والعراق والجمهورية العربية المتحدة. فإنهم يشعرون بوطنهم ويحافظون عليه ويعتبرونه كياناً قائماً بذاته وفي نفس الوقت يحسون بوحدة المصير والمصالح مع إخوانهم العرب. وبكلمة، لا يعني الإحساس بالعروبة في لبنان التنكر لكيان لبنان والإحساس الأصيل العميق بهذا الوطن، وهذا الإحساس ألمسه عن تجربة واطلاع بوضع أبناء لبنان جميعاً. ولذلك كله فإني أعتقد أننا بحاجة ملحة إلى توسيع الشعور في نفس المواطن اللبناني وجعله يشعر بأكثر من إقليمه أو بلده أو طائفته. وعلينا أن نحاول تجسيد هذه الأحاسيس بأعمال ونشاطات وقد آن الأوان لإبراز هذه المشاعر لخدمة الجنوب الذي أصبح مهدداً اجتماعياً وسياسياً ودفاعياً.

* هناك تململ عل الأقل عند الشباب من تدخل رجال الدين في الشؤون السياسية يقابله البعض في أن هذا التدخل مرغوب فيه لا بل ضروري في الأمور الوطنية. هل تلاحظون فرقاً أساسياً بين المواضيع السياسية والمواضيع الوطنية؟
- إن تذمر الشباب أو بعضهم من تدخل رجال الدين يعود إلى ما اعْتَادُوا من التدخل التقليدي من قبل رجال الدين في الأمور السياسية أو القضايا المتنوعة. والحقيقة ان مداخلات رجال الدين هذه المرة تختلف جداً عن الأساليب التقليدية ولذلك كان لها تأثير بالغ في تطويق الجانب الطائفي من الأزمة وسوف يكون لها نتائج أخرى.

* هناك إقتراح حل عملي هو التالي: بعدما صارت مؤسسة "أسبوع الفكر الملتزم" مستقلة عن حزب الكتائب اللبنانية الذي أنشأها، وتألفت على أثر الندوة الثانية لجنة متابعة يتميز أعضاؤها في أنهم جميعاً رجال فكر وعلم، ما رأيكم في أن تكون هذه المؤسسة الفكرية نواة هيئة وطنية تعمل على تحقيق معاني خطبكم، وماذا تقترحون كي يكون عملها مثمراً وفعالاً على الصعيد الوطني؟
- إن قيام أي هيئة وطنية مخلصة تعالج الأمور بدراسة وإخلاص واستمرار سوف يخدم القضية الوطنية في لبنان وأنا أرحب بها ومستعد للتعاون معها.

العمل، صحيفة