الطائفية نظام تخلف

الرئيسية آخر الأخبار تفاصيل الخبر
calendar icon 23 تموز 1971 الكاتب:موسى الصدر

حاوره غادة سلهب
(مقتطف من الحديث)

*وجود الطوائف في لبنان خير مطلق، أما النظام الطائفي فشرّ مطلق.
*الشعب اللبناني في المناطق المتخلفة لم يكن طرف الحوار في تقسيم المنافع.
*الزعماء أخذوا المكاسب لأنفسهم ولأصدقائهم.
*النظام الطائفي كرّس الاقطاع السياسي وأعطاه لون القداسة.
*النظام الطائفي ضد مصلحة لبنان لأنه يحول دون وصول الكفاءات إلى المراكز المناسبة
.

سمعت عنه قبل أن أراه وعرفته قبل أن أتعرّف إليه. عرفته من خلال كلماته الصحفية.. من خلال تصريحاته التلفزيونية.. من خلال معارفه والمقربين اليه.
وسعيت اليه بأسئلتي اللهفى، وكلي ثقة من أنني مهما حاولت تضخيم الأسئلة أو تحميلها بعض الحرج والاحراج، فسماحة الامام الصدر ليس قادراً على الاجابة ببساطة فحسب بل لديه القدرة الكافية على تحوير مفهوم السؤال كيفما يشاء أو تحويله عن هدفه الى هدف آخر يرتضيه.
ما سطرت يلخص بعض انطباعاتي عن الرجل الكبير، وأردت لانطباعاتي أن تتجسّد، فكان لقائي بسماحته.

دخلت عليه "معممة" الرأس بوشاح احتياطي اجباري.. مقره دائماً وأبداً في أحد أدراج مكتب مسؤول في بيت الطائفة الشيعية، لا بد لمن يريد لقاء الامام من المرور به، وعبور حدوده.
وحين وقف سماحته مرحباً، اضطررت أن أشرئب برأسي عالياً كي تستطيع نظرتي الوصول الى وجهه وردّ الترحيب بمثله، بالرغم من أنني أعتبر من الحجم الثقيل والطويل..
وتكلم العملاق ببشاشة، فجلس "الصفر" براحة! وشعرت على الفور أن انطباعاتي "الغيابية" عن سماحته صحيحة مئة في المئة، ولكنها بعض بعضه.
بادرت سماحته قائلة:

*يوصم لبنان بالتخلف بسبب تسليمه بالطائفية كأمر لا مفرّ منه، فما هو رأيكم في ذلك؟
- أعتقد أن وصم لبنان بالتخلف فيه شيء من الواقعية، ولكن فيه أيضاً الكثير من القسوة، خاصة بالنسبة للطائفية بالذات. قبل كل شيء أودّ أن أعطي رأيي بالطائفية، وطبعاً أعني الطائفية السياسية، أي النظام الطائفي القائم. أنا أعتقد أن الأشخاص الذين وضعوا النظام الطائفي في لبنان لم يكونوا سيئي النية، بل كان عندهم شيء من حسن النية بالنسبة لوضع لبنان، والسبب في ذلك أن لبنان في أبواب استقلاله، كان مؤلفاً من مناطق وفئات مختلفة عن بقية المناطق، كما أن طبيعة علاقاتها الواسعة مع الدول الأوروبية وانسجامهما الكلي مع الحضارة الأوروبية جعلتها من المناطق المزدهرة بالمدارس والمستشفيات والمثقفين والعمران، بينما كان هناك مناطق أخرى مثل الجنوب أو عكار أو البقاع تفتقر كل الافتقار الى ما كانت تتمتع به وقتها المنطقة الأولى، وعليه، كان تخلفها واختلافها - أي اختلاف المناطق - بطبيعة الحال، ينعكسان على الطوائف اللبنانية أو على المذاهب اللبنانية حسب تعبيري.
فالانسان المتمكن المثقف يتمكن من وضع أولاده في المدارس والجامعات، وإعطائهم كفاءات أكثر وثقافة أكثر، وهذا يعني أن أولادهم سيتقدمون ثقافة وعلماً وحضارة. والغني بطبيعة علاقاته ووجود رأس ماله واتصالاته العالمية سيصبح أغنى. والفقير سيصبح أفقر، وعليه وجدوا أن الديموقراطية المطلقة "الليبرالية" تؤدي الى بقاء الفئات المتخلفة والمناطق المحرومة في لبنان بشكل أقوى حرماناً وأكثر تخلفاً، فوضعوا قانون "6 - 6" مكرر، حتى يعطوا إمكانية العمل للجميع، ويوفروا الفرص المناسبة للفئات والمناطق المتخلفة.

هذه النية الى جوار الكفاءات الشخصية طبعاً، كانت تكريساً للميّزات التي تتمتع بها بعض الفئات اللبنانية. ولكن عملياً هذه الغاية لم تحصل، والسبب في ذلك أن طرف الحوار في تقسيم المنافع وفي توزيع المكاسب لم يكن للشعب اللبناني في المناطق المتخلفة أو في المذاهب المتخلفة، وإنما كان للقادة والرجال البارزين والزعماء، فهؤلاء أخذوا مكاسب الطبقات والفئات والمناطق المتخلفة لأنفسهم ولأصدقائهم ولن يعرفوا ويتعرفوا عليه بطبيعة عملهم.

ففي الفئات المختلفة المتخلفة منذ القديم وحتى الآن، نجد أنفسنا أمام أرقام بالنسبة للأمية في المناطق اللبنانية حسب إحصاءات الأونيسكو، وبالنسبة لعدد المشردين، وبالنسبة للعمران في المناطق المتخلفة اللبنانية، وبالنسبة للتربية المدنية، وبالنسبة لعدد الموظفين في الدوائر، نجد أنفسنا أمام أرقام مذهلة تؤكد أن تخلف الفئات النسبي بالنسبة للفئات الناجحة أو المحظوظة، لم يتغير عن السابق أبداً، بل على العكس، ربما صارت الفروق أكثر. فالنظام الطائفي لم يعط مفعوله، ولذلك أنا الآن مقتنع في ذاتي بأن النظام الطائفي ليس من مصلحة لبنان في شيء، بل يحول دون وصول الكفاءات الى المراكز المناسبة. وهذا "تخلف" بطبيعة الحال. أنا من المقتنعين بأن وجود الطوائف والمذاهب في لبنان خير مطلق للبنان، ولكن النظام الطائفي شرّ مطلق على لبنان!.

ولست أدري متى يجب أن نثير هذا الموضوع ونطالب بالتحرّك على هذا الصعيد، انني أتصور أن إثارة هذا الموضوع يخضع الى حدّ كبير لظروف المنطقة وللأوضاع العالمية، وللوقت المناسب الذي يرتئيه اللبنانيون المخلصون من أجل الإتفاق على إلغاء هذا النظام.
فإذا تخطينا قضية النظام الطائفي في لبنان، لا يبقى أي مظهر من مظاهر التخلف النسبي فيه. أنا أعرف أن النظام الطائفي هو الذي كرّس الاقطاع في لبنان، الاقطاع السياسي، إذ أنه يعطي لهذا الاقطاع لون القداسة.

إن نسبة المثقفين في لبنان كبيرة جداً، وعليه فلا تخلف إذا ألغيت الطائفية.
أتدرين؟ حسب الإحصاءات الأخيرة نسبة الأميين لا تتجاوز 20% ونسبة الجامعات هنا نسبة كبيرة جداً، والشعب اللبناني كأفراد، أعتقد أنه من أغنى الشعوب في العالم.

الدبور، صحيفة