العدالة للجميع

الرئيسية آخر الأخبار تفاصيل الخبر
calendar icon 22 اذار 1974 الكاتب:موسى الصدر
*على الدولة أن تؤمن لجميع المواطنين العيش الكريم والفرص المتكافئة والحماية أمام الاعتداءات الاسرائيلية.
*للمواطنين الحق من الموازنة بنسبة حاجتهم إلى عمران وتنمية وحاجات ضرورية.
*المسؤولون ملتهون بمعالجة المشاكل عن طريق تأجيلها أو المساومة عليها.
*سأبقى جزءاً متواضعاً من ضمير الوطن ألوم وأحتج وأضغط لخير لبنان وأهله.
*إن مدى تحركي لا يتجاوز حدود مسؤولياتي الدينية والوطنية.
*أتوجه إلى الشعب أن يتحرك ويشكل قوة ضاغطة لوضع الأمور في نصابها.

المهرجان الشعبي الذي دعا إليه الامام موسى الصدر في بعلبك أحدث هزة في الأوساط السياسية والديبلوماسية في لبنان. لم يحدث أن ضم مهرجان سياسي من قبل مثل هذا الحشد الهائل. والذي لفت أنظار المراقبين أن الذين حضروا المهرجان جاءوا على حسابهم. لم ينظم أحد وسائل نقلهم. أعلنت الدعوة، وقيل للناس أن الامام يدعو إلى مهرجان فجاءوا بأسلحتهم وملأوا الساحات هتافاً ورصاصاً وقسماً بأن يقدموا أرواحهم فداء لدعوة الامام.
وقد سيطر على المهرجان جو روحي وصوفي قلما شهدته المهرجانات السياسية. "لقد خلع الامام حذاءه ومشى حافياً فلقد كانت قدماه متورمتين من المشي... ومن الاستراحة إلى المنصة لاقى الصدر مشقة كبيرة حتى أن عباءته تمزقت قليلاً. كلٌ يريد لمسه ومعانقته...".

قبل المهرجان، ظهر على زعماء منطقة بعلبك الهرمل شيء من التردد في الاندفاع وراء النائب حسين الحسيني في معركته ضد كامل الأسعد. لقد خشوا أن يركب الحسيني الموجة الشعبية التي تسير وراء الامام الصدر، فينتزع منهم زمام المبادرة في المنطقة، ولذلك كان المؤتمر الصحفي الذي دعا إليه في 15/3/1974 ينقصه التأييد الكبير الذي لاقاه الحسيني في بداية معركته مع الأسعد. ولكن الموقف تبدل يوم الأحد. لقد شعر زعماء منطقة بعلبك الهرمل أن القواعد الشعبية التي يعتمدون عليها للوصول إلى المقاعد النيابية قد أصبحت بين يدي الامام الصدر. ولم يعد أمامهم خيار إلا أن يلحقوا بالتيار قبل أن يتجاوز زعاماتهم.
ويوم الاثنين، وبعد أن ظهرت صور المهرجان في الصحف، وبعد المقال الافتتاحي الذي كتبه غسان تويني بعنوان: "بؤساء ومحرومون.. ومسلحون" ووصف فيه الشيعة في لبنان بأنهم بروليتاريا الأرض. وبعد الأصداء التي أحدثها المهرجان في طول لبنان وعرضه، تنادى فريق كبير من الزعماء والنواب الذين ينتمون إلى مختلف الطوائف، فعقدوا اجتماعات متفرقة كان يسيطر عليها سؤال واحد: إلى أين؟

وتساءل أحد النواب أمام فريق من زملائه: ماذا يحدث لو نزل الامام الصدر إلى الجامع العمري وسط بيروت، واعتصم هناك؟ هل تعرفون أن بيروت ستصاب بالشلل خلال أقل من 42 ساعة؟ هل تعرفون أن الحزام الذي يحيط بالعاصمة هو حزام شيعي؟
وطرح نائب آخر سؤالاً حائراً: ماذا يريد الامام؟
كيف ستنتهي هذه القضية؟ إن تصاعد دعوة الإمام قد تؤدي إلى خروج الأمر من أيدي العقلاء؟
وتساءل نائب آخر: ألا تعتقدون أن الأمر قد أصبح في يد رئيس الجمهورية؟ إنه وحده الذي يستطيع أن يجيب على هذا السؤال.

وقال أحد النواب الحاضرين: لقد زرت القصر الجمهوري ولم أرَ الرئيس مرتاحاً أكثر مما رأيته اليوم. إنه لا يعتبر المهرجان شيئاً غير مألوف. لقد قال أن الناس دائماً تجتمع حول رجال الدين، فما بالك إذا كان هذا الرجل هو الامام؟
ومعظم الاجتماعات التي عقدت يومي الاثنين والثلاثاء انتهت بضرورة الاتصال بالامام موسى الصدر وسؤاله إلى أين؟

ومساء الاثنين، وفي مكتبه القائم في الطابق الثاني من مبنى المجلس الشيعي أجاب الامام الصدر على هذه التساؤلات بوضوح وبساطة وعزم الرجل الذي يعرف ماذا يريد ويعرف أن ما يريده يجب أن يتحقق ضمن إطار "الثورة الاجتماعية" العادلة والمشتركة بين مختلف طوائف لبنان.

*ما هو المطلوب سيدنا؟...
- إن جميع المطالب تتلخص في كلمة واحدة هي "العدالة" لجميع المواطنين. ومن الطبيعي أن العدالة مفهومها شامل لأوضاع المواطنين الحالية والمستقبلية.
يعني، أن على الدولة أن تؤمن لجميع المواطنين، ومن جملتهم أبناء الطائفة الاسلامية الشيعية جميعاً ودون استثناء وبقطع النظر عن الانتماءات، العيش الكريم والفرص المطلوبة المتكافئة.
وبوجه تفصيلي، نريد أن يشعر كل مواطن "والشيعي مواطن أيضاً" منذ ولادته وعند دراسته وبعد تخرجه أنه غير مصنّف وأنه مواطن عادي وليس من الدرجتين الثانية والثالثة.
لذلك، لا بد من توفير العناصر التالية:

1- على الدولة أن تؤمن حماية المواطن أمام العدو الخارجي وبصورة خاصة أمام الاعتداءات الاسرائيلية وحمايته أيضاً أمام التعديات والتجاوزات التي تحصل عادة من المنحرفين والمجرمين والطامعين، لكي يشعر بكرامته وصيانة أرضه وحماية عرضه ورزقه ولقمة عيشه، دون أن يضطر لحمل السلاح وللاستعانة بغير دولته أو حكومته.

2- إن الموازنة العامة في مداخيلها تعتمد على جميع المواطنين وما يدفعونه مباشرة وغير مباشرة إلى خزينة الدولة. لذلك فلهم الحق الطبيعي والقانوني في هذه الموازنة بنسبة حاجتهم إلى عمران ومشاريع تنمية وتأمين الحاجيات الضرورية للحياة.
وبهذه المناسبة أتذكر كلاماً لبدوية عندما سئلت "أي أبناؤك أحب إليك"؟ فقالت:
صغيرهم حتى يكبر..
وغائبهم حتى يحضر..
ومريضهم حتى يشفى..
وهذا يعني أن العدالة تتطلب إلى جانب الانسانية أن يكون اهتمام الموازنة والمسؤولين عنها بتنمية المناطق المتخلفة في أطراف لبنان وفي ضواحي بيروت.

3- ثم إن هناك آلافاً من المواطنين لا يحملون بطاقات هوية لبنانية مع العلم أن جميعهم لبنانيون منذ آلاف السنوات وهذه المشكلة تحل بتشكيل محكمة خاصة متجولة لتصحيح أوضاعهم وتزويدهم بأقل درجات حقوق المواطنين أي بطاقة الهوية.

4- أما الفرص فهي تأمين المدارس ذات المستوى اللائق والمتساوي لجميع المواطنين، وقد ذكرت يوم الأحد لجمهور الحاضرين في بعلبك، أننا لا نرى في مدينة بعلبك مدرسة واحدة سوى مدرسة من أيام الفرنسيين. والباقي بيوت مستأجرة غير صالحة.
والصحة حق طبيعي للمواطنين الذين نرى مئة ألف منهم في الهرمل وضواحيه وجروده ليس لديهم مستشفى ولا أي مؤسسة صحية حكومية أخرى.
والماء والكهرباء لجميع المناطق. وأنت تعرف أن مئات الألوف من المواطنين لا تتوفر لديهم الا يوماً واحداً في الأسبوع مياه الشرب. أما ري الأراضي فان في الجنوب ما يزيد على 75 ألف هكتار من الأراضي المهيأة للزرع ولكن الماء لا يتوفر لاروائها الا من الآبار ومياه الجمع في البرك غير النظيفة.
وفرص المعيشة والعمل لا بد من توفيرها. فالصناعيون متفقون على امكان تأسيس صناعات أو نقلها إلى الجنوب والبقاع لتوفير المناخ الملائم للصناعة من وسائل نقل وأمن وغير ذلك. وهم يؤكدون أن المناخ والاتساع في الرقعة واليد العاملة والاتقان في العمل شروط تتوفر هناك بصورة أفضل.
وهذا النقص هو الذي يساعد على النزوح إلى بيروت والحياة في الأحياء المتخلفة جداً حول بيروت.

5- أما وأن مئات الآلاف من أطراف لبنان قد سكنوا في ضواحي بيروت فلا بد من تأمين وسائل العيش الكريم لهم.
وكم أودّ "للحوادث" أن تأخذ صوراً واضحة "لحي السلم" في برج البراجنة والكرنتينا، والرمل العالي وبعض أحياء برج حمود لكي يطلع المواطن العادي على أسباب هذه الصرخات المحزنة التي تصدر عن الحناجر.

6- أن الطرق الرئيسية "الأوتوسترادات" إلى الجنوب والبقاع والشمال تخفف الضغط السكاني عن بيروت وتجعل المواطن يعيش بكرامة في بيته وينتقل إلى مكان عمله بسهولة.

7- وفي الوظائف لا بد من إعطاء صورة للمواطنين أصحاب الكفاءات أن أبوابها مشرعة للجميع وحسب اختصاصاتهم دون حاجة إلى ولاءات سياسية غير الولاء الوطني والكفاءة ودون حاجة إلى انتماءات طائفية مختلفة.
وأضاف الامام يقول: هذه المطالب الواضحة السهلة تنفذ من خلال ما قدمناه في مذكرة نشرناها على الرأي العام والتي تتناول مشاريع يجب أن تنفذ "الليطاني، العاصي، مشاريع التنمية، اقامة المدارس، عدم سحب مياه الليطاني إلى بيروت وإرواء بيروت من نهرها أو من نهر ابراهيم، نفق الزلقا - شتورا وغير ذلك".
إنني أنظر إلى حاضر لبنان وإلى مستقبله بعين قلقة، وبقلب مضطرب، ولكني مع الأسف أرى أن المسؤولين ملتهون بمعالجة المشاكل عن طريق تأجيلها أو المساومة عليها أو إرضاء بعضهم للبعض الآخر دون الانتباه إلى ما يجري في نفوس الأكثرية الساحقة أو المسحوقة من أبناء الوطن.
هذه هي طلبات المواطنين والشيعة منهم. أما أنا فكما ذكرت وعاهدت الله أنني لا أريد شيئاً أبداً.. وسأبقى جزءاً متواضعاً من ضمير الوطن ألوم وأحتج وأضغط لخير لبنان وأهله. وأتمنى من خلال مجلة "الحوادث" الكريمة أن يدرك المسؤولون والمواطنون والقراء هذه الحقيقة دون محاولة لطمسها بأبعاد شخصية عدا إصراري العنيد على منع تدخل السياسيين في شؤون المواطنين الدينية وعدم التلاعب بها وتركها بعيدة سامية مشرقة.
إن لبنان والمنطقة بأسرها على أبواب عهد جديد ومنطلق من التاريخ خطير. فالبلد الذي لا يفكر بحاضره وبمستقبله لا يحسب له في هذه المرحلة والمراحل القادمة أي حساب، ونحن نعتبر أن لبنان كان يعوّض دائماً بدوره الكبير عن حجمه الصغير وبمواقف أبنائه ونوعيتهم عن كمية المواطنين وعددهم. وهذه الظاهرة بارزة جداً في الصحف اللبنانية وفي المبادرات التي يقوم بها أبناء لبنان في العالم العربي وفي المهاجر.
نريد لبنان يفعل ولا ينفعل، يعطي ولا يأخذ، يبادر ولا ينتظر، مع العلم أن السياسة الدفاعية والاقتصادية والتربوية والاجتماعية في لبنان الآن مليئة بالانفعالات والتأثرات والانتظارات..

*سيدنا، المعروف أن الحوار المباشر مقطوع بينكم وبين الدولة.. وقال سماحته مقاطعاً:
- وغير المباشر أيضاً.

*إلى أين ستصلون في تصعيدكم للحملة...
- لقد أعلنت مرات ومرات أن مدى تحركي كرئيس ديني لطائفة من كبريات الطوائف اللبنانية لا يتجاوز حدود مسؤولياتي الدينية والوطنية. وهذا يعني أنني أمارس جميع أنواع الضغط في إطار يحفظ مصلحة الوطن وكيان البلد وحق الطائفة في التعبير.
وهذا ينحصر في المواقف التي أسميناها سلبية ولكنها قاطعة وجازمة ومؤثرة. ومن الطبيعي أن الظروف المعاشة في الوطن وفي المنطقة والمفاجآت والمبادرات ستؤثر على تلك المواقف ولذلك فلا يمكنني الآن تحديدها بالضبط.

وختم الامام الصدر حديثه بقوله:
إنني أغتنم الفرصة مع "الحوادث" لكي أوجه نداءً إلى ضمير لبنان المتمثل في أكثرية هذا الشعب الطيب الذي عرف كيف يحفظ ويرفع وطنه في أحرج الظروف، أن يتحرك ويكون قوة ضاغطة لوضع الأمور في نصابها ولإخراج البلد من هذا الوضع المتدهور مؤكداً للبنانيين ولمن يهتم بلبنان أنني على عهد مستمر مارسته خلال أربع عشرة سنة من حياتي العامة في لبنان.

وسأبقى على هذا العهد بإذن الله.
source