الصدام السوري - الفلسطيني فوق أرض لبنان

الرئيسية آخر الأخبار تفاصيل الخبر
calendar icon 18 تشرين الأول 1976 الكاتب:موسى الصدر
* الصراع اللبناني ليس طائفياً أو طبقياً أو عقائدياً، بل شيء آخر هيّأ المجتمع للإنفجار.
* اسرائيل تزيّف معالم المعركة وتحوّل الانتفاضة البطلة إلى حركة دينية عابرة.
* تحرير الارض المقدسة أصعب القضايا الحقة في العالم على الإطلاق.
* المقاومة الفلسطينية يجب ان تتجه إلى تحرير الأرض المقدسة والابتعاد عن الشؤون الداخلية للبنان وللعرب.
* معنى اليسار هو القوى التغييرية، وهذا المعنى بغير صورة المعارك يجعل حركة المحرومين من قوى التغيير.
* عند اختلاف الأشقاء يجب على الانسان المسؤول تجنب الانحياز، وعدم تشجيع أحد الطرفين ضد الآخر.
* لبنان المستقبل ... إلغاء الطائفية السياسية، توافر الفرص، بروز العروبة الدفاع عن الجنوب.
*المذاهب ليست إلا مداخل .. والدين واحد.


لم يكن حديثنا مع الإمام السيد موسى الصدر، حديثاً عادياً، فالإهتمام الإعلامي، الرسمي والشعبي، الذي رافق زيارته للكويت، أفقد المجلات الأسبوعية، السياسية منها بشكل خاص، فرصة التفرد، واقتناص السبق المنشود. و"اليقظة" التي رافقت الإمام الصدر أثناء زيارته كظله، وراقبت ما قاله للصحافيين، وللوفود اللبنانية التي زارته مستفسرة عن أحوال وحال بلدها، اطّلعت أيضاً على الخبايا المخبأة من أسرار الحرب اللبنانية وأسرار الخلافات بين القيادات الإسلامية واحزاب اليسار، وبواعث الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الصدر من قبل أحزاب كمال جنبلاط وبعض فصائل المقاومة. وكان من هذه الاسرار ما هو للنشر وما هو لغير النشر، ويعلق الإمام الصدر نفسه فيقول: فقريباً لا بد من ان يذوب الثلج وتتبين الحقيقة.

في خضم هذه الزحمة الإعلامية كانت "اليقظة" تخطط ليكون حديث الإمام الصدر، من خلال معايشته للأحداث في لبنان منذ بدايتها وما قبل ذلك .. وحتى الآن، أشبه ما يكون بالوثيقة المطلوبة التي يمكن العودة إليها في الزمن المقبل .. فكان الحديث عملية تأريخ وتعليل لأسباب الأحداث التي تلاحقت ورسم أبعادها الآتية والمقبلة .. وبالرغم من ذلك فإن الإمام الصدر بادرنا مستبقاً شغفنا لمعرفة حقيقة ما جرى ويجري قائلاً:
لم يحن الوقت، لكي تظهر حقيقة الأزمة اللبنانية وأبعادها ودوافعها بشكل دقيق ..

* إذن كيف يمكن إنقاذ المواطن العربي .. اللبناني خاصة، من ضياعه من متاهة تعليل أسباب الحرب وسط الصخب الطائفي والعقائدي، اللبناني والفلسطيني، اليميني واليساري؟
... حتى الآن وبعد معايشتي للأحداث قبل الأزمة الدامية وبعدها أتصور أن الصراع اللبناني، لا يمكن وصفه بالصراع الطائفي، ولا الطبقي، ولا العقائدي. بل شيء آخر هيّأ المجتمع اللبناني للإنفجار، ثم دفع به إلى حافة الكارثة، واستغل في طريقه هذه الشعارات. وبإمكاني تسمية هذا الدافع بأنه شعور يشبه الشعور العنصري.

حيث ان بعض الفئات في لبنان (الموارنة) كانت تتمسك بوجودها السياسي وتمايزها في المنطقة، ولم تكن ترغب في ان تذوب في الوطن الذي أنشئ سنة 1943، والذي وضعت قواعده سنة 1920. هذه الفئة كانت تتذرع بوضع الأقليات في المنطقة العربية، وتقول إنها ستصبح مضطهدة إذا رضيت بالمواطنية العادية. ولذلك تمسكت منذ تأسيس لبنان الكبير بمراكز ووظائف أساسية في الدولة تمكنها من الاحتفاظ بوجودها السياسي المميز.

وأمام وعي المواطنين المتصاعد، ورفضهم لهذا التمايز، كانت هذه الفئة تستعين بالقوة المادية والمعنوية والعسكرية المتوفرة لديها، نتيجة لتمسكها بتلك المراكز والوظائف. ومن الطبيعي أن المواطنين في أكثريتهم، رغم تمتعهم بمستوى من الحياة يساوي أو يتقدم مستوى حياة المواطن العربي العادي في أكثر الدول العربية، (...) ومع الاقصى وكنيسة القيامة وغيرهما من المؤسسات الدينية العظيمة.

ثانياً، الغريب ان هذه الاحداث تمر أمام أعين العالم الاسلامي دون رد سوى الاحتجاجات الكلامية، وعندما نتذكر موقف المسلمين من حادثة حرق المسجد الاقصى، وما استتبع ذلك من اجتماع الرباط.. ثم لا شيء، عندما نتذكر ذلك يزول عنا الاستغراب ويسيطر علينا الألم.

ثالثاً، في تصوري، أن موقف اسرائيل يكشف عن سر خطير وهو أن اسرائيل، أول من تعلم من الاحداث في لبنان.. وبالتالي بدأت تستغل هذه التجارب بصورة فعالة. حيث ان المواطنين، في الارض المحتلة، خلال استمرارهم في الانتفاضة المشرقة، أثبتوا، أنهم مصممون على متابعة النضال، وأنهم لا يتراجعون لمجرد استعمال العنف او التهديد أو الوسائل المتوفرة حتى الآن لدى اسرائيل. ولذلك تحاول اسرائيل ان تزيف معالم المعركة وأن تحول هذه الانتفاضة الوطنية البطلة، إلى حركة دينية عابرة انفعالية، ومن الطبيعي أن الاصطدامات الدينية في اسرائيل لا تتمكن من خلق مشكلة أساسية لها ... بل العكس هو الصحيح، حيث ان الصدام الديني بين المسلمين واليهود يثبت من جديد ان التعايش بين الاديان في الشرق الاوسط مستحيل. وهذه هي فلسفة وجود اسرائيل في الاساس. وهذه اللعبة تعلمتها اسرائيل من لبنان، حيث ان بعض الاطراف حاول ان يختلق، بواسطة الاعتداء على المساجد والكنائس والمصاحف، ورجال الدين، هياجاً طائفياً يشوه معالم الصراع من جهة، ويكتسب المقاتلين من جهة أخرى وهكذا كانت الأزمة اللبنانية في بعض نتائجها درساً للعدو ..

سكت الإمام الصدر قليلا ثم أورد البيت الشعري التالي:
وهذه من علاه احدى المعالي .... وعلى هذه فَقِسْ ما سواها ...

رابعاً، يذكرنا هذا الوضع بلعبة الاستعمار القديمة في الهند، حيث كان المسلمون يصبحون في بعض الأيام ويجدون أن محراب المسجد ملوث. ثم يصبح الهنود لكي يروا بقرة مقتولة في أحد شوارعهم. وهكذا كان ينفجر الصراع الديني لكي يبعد عن المواطنين جميعاً تحسساً وطنياً واتفاقاً شاملاً ضد المستعمر.

خامساً، وعلى هذا الاساس فلا بد من الانتباه الشديد من قبل القادة في الأرض المحتلة، حتى لا يتمكن العدو من استدراج المواطنين إلى معركة تختلف عن معركتهم الحقيقية ولا تخدم إلا عدوهم.

* من أبعاد الصراع في لبنان ومن خلال احداث الضفة الغربية ومنطقة الخليل في فلسطين المحتلة هل يمكن رسم بعض تصوراتكم حول مستقبل القضية الفلسطينية؟
- لقد قادت المقاومة الفلسطينية معركة التحرير في البداية بصورة ناجحة وفريدة، وان كانت متأخرة، حيث ان علاج المشكلة، وتحرير الارض المقدسة، قضية تعد من أصعب القضايا الحقة في العالم، بل أصعبها على الاطلاق، ومع الاعتماد على الطريقة التي عولجت بها حتى عام 1967، لم يكن في الافق اي احتمال للنجاح. فإسرائيل ثمرة الحضارة الغربية، مع تفاعلاتها في الشرق، ولا تقتصر أبعادها إلى اليهود في العالم. بل انها تعتمد على قوة الحضارة الغربية ودولها وثقافاتها وإعلامها، حتى وعقدها، كما سمتها بعض الصحف الفرنسية إبّان الحرب عام 1967 بقولها: إن الوليدة الوحيدة للغرب في خطر. والحقيقة ان اسرائيل تعبر عن شعور المجتمع الغربي الذي يرى نفسه رسول الحضارة، ويحاول تحطيم الحضارات كلها، ليقيم على أنقاضها حضارته، حتى يصبح العالم مستهلكاً لإنتاجه ومستورداً لتصديره، ومنفذاً إرادته ... ومسبحاً بحمده.

إن الاستعمار في معناه العسكري والسياسي والاقتصادي والفكري، والتبشير بشكل الدعوة الدينية والخدمات الإنسانية، كما التحالفات التي يشترك فيها الغرب. هذه الأمور حلقات تستمر في الشرق بوجود اسرائيل، التي أُسست في زعمهم لكي تحضر الشرق، ولكي تكون حامية مصالحهم وبوليس أمنهم، ومانع جمع شمل العرب، ووسيلة لاستعمال القسم الاكبر من دخل العرب في شراء بضائع الغرب العسكرية وغيرها من متطلبات المواجهة. ثم أن وجود القوة الثابتة يدفع قسماً من العرب إلى الطرف الآخر وإلى استهلاك بضائعه والدوران في فلكه، مما يجعل التزام العرب بنتائج وجود إسرائيل مستوعباً للجميع. كل هذا بالاضافة إلى ان اختيار هذا الرسول "اسرائيل" من قبل الغرب دون غيرها يعتبر تكفيراً عن العقد التي أصابتهم من جراء الممارسات العنصرية اللاسامية خلال قرون والتي بلغت القمة في الحرب الكونية الثانية ومذابح النازيين.

إذن وجود إسرائيل، ليس صدفة، ولا ظاهرة منعزلة عن مسير التاريخ الحديث بل هي من صميمه ولذلك فالسلوك الطبيعي التقليدي باتجاه التحرير، لا يدعو إلى التفاؤل. وقد كنا منذ عام 1948 بل قبله حتى عام 1967 نسلك ذلك الطريق وقد فشل، بل وقد ساهمنا خلاله في ترسيخ اسرائيل وتوسعتها واجتذاب مجد لها لم نكن نتوقعه.

بعد استراحة استمرت حوالي ست ساعات استقبل الإمام الصدر فيها العديد من الشخصيات الزائرة وأكثر من وفد من الأخوة الرعايا اللبنانيين المقيمين في الكويت ... عدنا إلى جلستنا في قسمها الثاني.

قال الإمام الصدر متابعاً جوابه على السؤال: ومع ظهور المقاومة، برزت في الأفق عناصر جديدة تجعل المعادلة لمصلحة العرب في نهاية المطاف والعناصر هي:
1- اعتماد عنصر الفداء وهذا يقلب معادلات القوة كلها. حيث أننا عندما نحسب الحاضر والمستقبل في معادلة القوة بيننا وبين العدو نأخذ بعين الاعتبار قوانا العسكرية والاقتصادية والسياسية، وقوة أصدقائنا كما نحسب قوة المقاطعة التي تُبقي من اسرائيل جسماً غريباً ... ومع دخول عنصر الفداء في الساحة، ندخل حياة الإنسان كقوة جديدة، في الميدان، بعد أن كانت آثار الحياة وحدها في الساحة ولم تكن الحياة نفسها .. ان انتصار الشعوب في الجزائر وفي فيتنام وغيرهما على القوة التي تفوقها، كان مستنداً إلى عنصر التفاني لدى الشعوب، فإن الذي يحمل روحه ويدخل في ساحة الحرب غير الذي يدخل في معركة يسعى خلالها أن يضع قوته لإضعاف الخصم. إن الفدائي يجعل الحياة بحد ذاتها سلاحه ويستعملها بأنجح وسيلة، فيسلب من الخصم ما يفوق قوة وجوده بدرجات، بل بآلاف الدرجات، ثم ان موته لا ينهي قوته، بل يثير الآخرين ويجندهم زرافات ووحدانا إلى المعركة. وهذا بعض معاني قوله تعالى: ﴿... ولا تحسبنَّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء عند ربهم يرزقون، فرحين بما أتاهم الله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم﴾ ]آل عمران، 169-170].

2- إن بروز الشعب الفلسطيني في ساحة المعركة بعد عام 1967 جعل الضياع في المسؤولية منتهية وأبرز المسؤول الحقيقي في النضال .. وضع حداً للاتكالية، أو للاكتفاء بنوع واحد من العطاء، أو للمتاجرة بالقضية من خلال التحمس لها. وهذه الأساليب الثلاثة كانت بارزة في الأفق قبل عام 1967 وبالتالي كانت المعركة خاسرة سلفاً.

3- بروز الشعب الفلسطيني في الساحة أسقط من يد إسرائيل الورقة الأخلاقية، وأن اسرائيل هي كفارة لذنوب الغرب وجعل أمامها ورقة أخرى تؤكد ان الغرب حاول ان يهب ما ليس يملك وأنه ظلم شعباً آخر، حتى يرفع الظلامة عن اليهود الذين ظلمهم هو وكفر وعوّض عليهم من أرض غيره.

4- إن مرحلة ما بعد عام 1967 التي كانت بداية فترة السلام العالمي والاتفاق الشامل بين الشرق والغرب وإنهاء العقد المستعصية مثل فيتنام، وتخفيف الخلافات الحادة في الصين وفي ألمانيا. إن كل هذه الامور كانت تكشف عن درجة عالية من الذكاء وصل إليها الاستعمار، وهو يحاول ان يبرز بمظهر العادل والانسان، وجاءت المقاومة الفلسطينية لكي تحل محل القضايا العادلة النضالية في العالم. وبالتالي دخلت وحدها في ضمير المناضلين وكوّنت قوة كبيرة برز حجمها في عام 1974 عندما دخل أبو عمار إلى الامم المتحدة معلناً انتصار الثورة الفلسطينية في العالم.

وأضاف: هذه هي بعض عناصر القوة لدى الثورة (...) وجسر الباشا وتل الزعتر والنبعة بأيدي الاحزاب اليمينية المسلحة. كما ابتلت المقاومة والاحزاب المتحالفة معها بفشل مؤلم في الكورة وفي الساحل الشمالي .. وهكذا تغيرت معادلة الثورة، وفي غير صالح المقاومة.

إن المرحلة الثانية من الأزمة اللبنانية بما احتوت من أحداث مفاجئة كانت مرحلة قاسية على المقاومة الفلسطينية حيث أنها بالإضافة إلى الخسارات الكثيرة في الأرواح وفي الأسلحة .. وفي المخيمات، خسرت المقاومة كثيراً من قاعدتها واعتبارها لأنها برزت أمام العالم وهي تتدخل في الحرب الاهلية، والقضايا الداخلية اللبنانية، كما وأنها اتُّهمت في الإعلام العالمي بخوض معارك طائفية في لبنان. ثم أن اضطرارها للقيام بتحمل شؤون لبنانية أرهقها وأحرجها. كل ذلك بالإضافة إلى حدوث التوتر بينها وبين حليفها الاستراتيجي سورية .. وإذا كان بعض القادة من المقاومة يتحملون مسؤولية هذا التدهور فإن المسؤولية الكبرى لهذه الخسائر الكبيرة تتقاسمها الأحزاب اليمينية، واليسارية اللبنانية على حد سواء.

وقال الإمام الصدر متابعاً: بعد هذا العرض لتطورات وضع المقاومة في لبنان يمكننا أن نكشف بوضوح جواب السؤال.
إن المقاومة يجب أن تتجه إلى تحرير الارض المقدسة وأن نحرص حتى القسوة للابتعاد عن الشؤون الداخلية للبنان وللعرب وعن الخلافات العقائدية.
إن المقاومة عليها أن تصبر وتملأ صفوفها وصفوف رفاقها وحلفائها والعالم كله بأنها توجه كل البنادق إلى صدر العدو، وانها تضع كافة الطاقات في سبيل التحرير وأنها تصنف الناس على أساس موقفهم من قضية فلسطين ليس الا. وانها لا تعترف بالتصفيات الأخرى التي حصلت في العالم فلا يسار عندها ولا يمين ولا رجعية ولا غيرها، بل العالم كله ينقسم إلى قسمين، أنصار الثورة وأعداء الثورة.

* تعتبر أهداف اليمين اللبناني من اختلاقه للأحداث المؤلمة واضحة، فهل يمكن معرفة اليسار؟
- إن أهداف اليسار أيضاً واضحة، وهي مسجلة في كتب عقائدهم. أما اليسار الدولي، كالشيوعيين فإنهم ينظرون إلى المعركة كطريق إلى إقامة نظام يرتضونه، والقوميون من اليسار، فالهدف الأساسي من تحركهم تغيير النظام في لبنان وفي العالم العربي. وقد أعلن اليسار اللبناني عن برامج مرحلية شاملة قدمها قبل الانفجار. ولكن القسم الأكثر من الأحزاب هذه كانت في المعارك تتصرف على الطريقة التقليدية اللبنانية اجتذاب الجماهير وإدانة التيارات الأخرى .. وفي تصور الشيوعيين والتقدميين والاشتراكيين أن قسماً من الجنوب، والمنطقة الغربية من بيروت يصلح لإقامة حكم اشتراكي فيه يدعم من قبل الدول الاشتراكية كما حصل في أنغولا.. وقد أعلن زعيم اليسار – كمال جنبلاط – أن حكمهم مقبول من جميع الأطراف .. وبالطبع لم يذكر ان حكمهم مقبول من قبل اسرائيل، ولكن إسرائيل أعلنت أنها تفضل إقامة سلطة للتحالف اليساري على وجود جيش سوري في الجنوب .. ولا بد أن نضيف أن معنى اليسار هو القوى التغييرية، وهذا المعنى بغير صورة المعارك يجعل حركة المحرومين من قوى التغيير..

كما أن بعض قادة الأحزاب اليسارية في لبنان رغم شعاراته التغييرية كان دائماً في طليعة المحافظين، وحماة النظام كما كان يتصرف بعقلية الإقطاع الطائفي المصنف للناس، وهذا مما يخرجه عن صفوف اليسار ويجعله في القسم اليميني من جبهة اليمين. بالإضافة إلى أن هؤلاء دائماً يحاولون ان يقدموا مبرراً لهزائمهم وضحية لأخطائهم وانحرافاتهم. ولذلك فعندما سقطوا في وادي الهزائم المنكرة وكان السبب في سقوطهم انحرافات مكشوفة، حاولوا ان يحمِّلوا حركة المحرومين وشخصي مسؤوليات أعمالهم والمؤسف أن حملاتهم تتجاوز نطاق الإعلام إلى حملات مسلحة. ونحاول بإصرار وألم ان نبتعد عن التصادم معهم وقد مضيت في هذه المحاولة خطوات كثيرة بالتعاون مع فتح .. أسأل الله أن يجنبنا معركة الأهل والإخوان.

* حقيقة موقفكم من التدخل السوري، ما يتردد عن تعاونكم مع القوات السورية في لبنان؟
- مسألة الوقوف إلى جانب الجيش السوري، فإن الموقف يتلخص في النقاط التالية:
أولاً: لقد كان الصف الوطني بجميع عناصره، ومنهم ابو عمار وكمال جنبلاط قد طلب التدخل السوري السياسي والعسكري بعد سقوط الكرنتينا والمسلخ.. وكانت فرصتهم لا تحد بعد دخول الجيش السوري وسقوط الدامور ومحاصرة زغرتا وزحلة واحتلال القرى في عكار.

ثانياً: عند اختلاف الأشقاء يجب على الإنسان المسؤول تجنب الانحياز وعدم تشجيع أحد الطرفين ضد الآخر، سيما اذا كان الربط بينهما مصيرياً مثل المقاومة وسوريا.

ثالثاً: لقد كان أبو عمار وكبار قادة المقاومة يؤكدون أن علاقات المقاومة بسورية استراتيجية وانهم لن يصطدموا بالسوريين وكانوا عشرات المرات يطلبون مني الاتصال بالقادة السوريين وتقريب وجهات النظر فيما بينهما. وبكلمة مختصرة كانت المقاومة تصر على إبقاء العلاقات بيني وبين سورية حميمة حتى لا تنقطع الجسور كلها.

رابعاً: بقيت حتى الآن عسكرياً إلى جانب المقاومة في الشياح، وفي الجنوب وفي كافة ضواحي بيروت. كما وأن جميع طاقاتنا وعلاقاتنا بكافة الاطراف وبسورية وضعت لخدمة المقاومة.

خامساً: إن صيانة المقاومة هي أحد أهدافنا الأساسية وجزء من ميثاق حركة المحرومين وفيا، بينما العلاقات مع سورية، مع الدول العربية الأخرى هي جزء من التزاماتنا القومية العامة التي تصنف العلاقات بمقدار تأثيرها.. وتجاوبها مع وضعنا في لبنان .. أما الحملات الظالمة فهي تقصد استعداءنا لسورية وهذا بالإضافة إلى انه ظلم يحرم المقاومة من باب طالما استفادت منه، وهي الآن في (.......)

سادساً: إن موقف قمة عرمون كلها بقي مثلنا حريصاً على إعادة العلاقات بين سورية والمقاومة ومفتي الجمهورية اللبنانية في بيانه بمناسبة رمضان وفي جميع مواقفه يعلن ذلك.

سابعاً: لقد أعلن الرئيس الأسد أن القوات السورية توضع بتصرف قمة عرمون، وأعلن عن استعداده لإقامة حوار مع المقاومة برعاية قمة عرمون وطلب وضع تفاصيل للعلاقات الفلسطينية – السورية من قبل القمة وسيلتزم هو بتنفيذها، وكان سحب الجيش السوري من طرابلس بناءً على طلب هذه القمة في أول تواجده هناك.

ثامناً: إن التاريخ يشهد ان إهمال سورية لمحنة لبنان أو استمرارها في دعم الأحزاب بعد معركة الجبل كانا سيؤديان إلى تدخل عربي في لبنان وإلى تدخل اسرائيلي وإلى تقسيم لبنان وإلى اشعال نار الفتنة في العالم العربي كله .. يكفي ما عانيناه وما عانته الامة من أزمة لبنان نتيجة للمواقف العاطفية المرتجلة المعتمدة على الشائعات والاتهامات.

* جنوب لبنان إلى اين؟
- إذا لم تعالج الازمة فالجنوب تتقاسمه الأحزاب الشيوعية اللبنانية واسرائيل، التي ستجعل من قطاع منه حزاماً لأمنها ولتصريف بضائعها ومركزاً لوسائلها التجسسية والتآمرية. وهذا الخطر لا يتناسب إطلاقاً مع مستوى اهتمام المقاتلين به .. ان الجماعات الحاكمة شأنها هنا شأن المواقف في الأزمة كلها تتصرف بأنانية وغباء، واستهتار للنتائج وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون.

* كيف يمكن تصور لبنان المستقبل؟
- إلغاء الطائفية السياسية، توافر الفرص لجميع الكفاءات تنمية شاملة، بروز العروبة، وانطلاق المواقف منها .. الدفاع عن الجنوب .. تلك ستكون نقاط بارزة في مستقبل لبنان.

* يتحدثون عن اتحاد كونفدرالي بين سوريا، الاردن ولبنان؟
- في تصوري ان الاتحاد في الوقت الحاضر مستحيل لأن لبنان ممزق، وفلسطين في محنة والاتحاد عمل وموقف ومصير لا يمكن تسلقه والقفز عليه.

* ما رأيكم بتحرك جنبلاط الأخير؟
- إن الافادة من المواقف المتنافسة تشكل الخطر السياسي لبعض القادة ومن جملتها طلب التدخل الفرنسي الذي رفضه سابقاً بعنف .. والحقيقة ان التدخل غير العربي يؤدي إلى التقسيم وإلى دفن القضية الفلسطينية وإلى ابعاد العروبة عن لبنان نهائياً.

* دار حول كيفية تنفيذ الاتفاق السوري – الفلسطيني الذي أُبرم منذ مدة لغط حول كيفية تمثيل اللبنانيين ما أسباب التأخير في ذلك؟
- لقد تأخر تنفيذ هذا الاتفاق لأن التمثيل اللبناني كان ناقصاً، حيث ان جبهة الكفور كانت ممثلة وبحضور ممثلي الاحزاب اليسارية، كان تمثيل المسلمين منحصراً باليسار وهذا أمر مرفوض ورفضته سوريا ايضاً .. وبعد ان حصل الاتفاق على تمثيل الرئيس سركيس للبنان .. انتهى الخلاف .. وبدأت الاجتماعات.

وقبل ان تنتهي الجلسة الثالثة والأخيرة .. وقبل ان نودع الإمام الصدر، لاحظ في عيوننا كلاماً نريد قوله .. ولكن نخشى او لنقل نخجل ان نطرحه .. فقال "إن شاء الله أخذتم الزاد المطلوب" وأنا أرى في وجوهكم كلاماً تريدون قوله. قلنا: الحقيقة سماحة الامام إن بعض الانباء تردد بين الفترة والاخرى عن خلاف بدأ يشق طريقه بينكم وبين سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد .. أو بطريقة أوضح بين الطائفتين الإسلاميتين الكبيرتين في لبنان .. السنة والشيعة.

- دون ان يتمهل او يتردد قال: الحقيقة إن الازمة اللبنانية، رغم مساوئها وكلها مساوئ تحمل حسنات، أهمها التلاحم الاسلامي بين السنة والشيعة بصورة مثالية .. فالاجتماعات العامة بدأت بناءً على دعوة مشتركة من سماحة المفتي ومني في دار الفتوى .. والاجتماعات المصغرة كانت في دار سماحة المفتي في عرمون. كما أن المقاتلين في مختلف جبهات القتال في زحلة وضواحي بيروت، الفنادق، رأس النبع، كانوا جنباً إلى جنب يقاتلون ويستشهدون معاً. وفي المواقف السياسية جميعها منذ بدايات الازمة، حتى الآن، وعبر الأزمات كانت المواقف الاسلامية موحدة حتى في هذه الرحلة انني أمثل رفاقي في قمة عرمون ايضاً.

وختم الإمام الصدر بقوله: إن لبنان يحاول أن يتجاوز هذه المحنة لأن المذاهب ليست إلا مداخل والدين واحد ولا يجوز إعطاء المذاهب حجماً أوسع من حقيقتها .. نتمنى ان الكويت الشقيقة تساعدنا على ذلك ونحول دون بعض الأصوات الشاذة التي تحرض على المذهبية الضيقة الحاقدة.
... وهكذا أعطى الإمام الصدر بعض الصور وبهدوء وموضوعية رسم حقائق بعض الجوانب الخفية من أسرار الاحداث.. ولكن يبقى هناك الكثير منها وكما قال الإمام في بداية حديثه: لم يحن الوقت، لكي تظهر حقيقة الازمة اللبنانية وأبعادها ودوافعها بشكل دقيق .. لكن برأينا فإن الزمن كفيل بها.
اليقظة الكويتية، مجلة