الوفاق اللبناني وصيغة 1943

الرئيسية آخر الأخبار تفاصيل الخبر
calendar icon 10 تشرين الأول 1977 الكاتب:موسى الصدر
* الخلاف بين أهل الجنوب أغلى لإسرائيل من أرض الجنوب ومائه.
* إن الذي أرادوه مستودعاً للأزمة يحمل مفاتيح الأزمة اللبنانية كلها.
* اللبنانيون عاشوا مع بعضهم أخوّة نادرة، لا مثيل لها في العالم، قبل صيغة 1943.
* هل نال اللبنانيون في الحرب مكسباً في الجنوب، لم يكن ممكناً الوصول إليه بواسطة السلام؟
أصحاب الحل والربط في الجنوب اللبناني ليسوا لبنانيين ولا فلسطينيين. الجنوب حديث العالم، واللعبة دولية، وقرار وقف إطلاق النار لا يأتي الا من نيويورك!


ولكن أين يقف اللبنانيون من "لعبة الكبار" هذه؟ ومتى يعود الجنوبيون المعذبون الى أرضهم؟
سماحة الامام موسى الصدر يقول: "إن الوضع يدعو للارتياح".. ومعه قالها هذا الاسبوع جميع الذين زاروا القصر الجمهوري.

ولأن رئيس المجلس الشيعي الأعلى، أكثر من غيره، في الصورة الجنوبية... وبدوافع جنوبية وغير جنوبية يسعى الى الحوار. فقد كان لنا معه هذا اللقاء:

*كيف تقيّمون الوضع في الجنوب اليوم بعد الاتفاق على وقف اطلاق النار؟
- يمكنني أن أقول إن محنة الجنوب هي في طور النهاية، وإنه بعد أن دخل خريطة الأمن اللبناني ارتاح وأراح. ارتاح الجنوب لأن السيادة اللبنانية بعد طول غياب عادت إليه تقدره ويقدرها، وسيتوج هذا اللقاء بين الجنوب وبين السيادة بدخول الجيش اللبناني، والجيش رمز السيادة.

وبذلك يخرج عن كونه أرضاً سائبة تعلّم الناس الحرام. وتثير شهية اسرائيل الطامعة في أرضة ومائه وفي الخلاف بين أهله. ولعله، أي الخلاف، بين أهل الجنوب، أغلى لإسرائيل من أرض الجنوب ومن مائه، لأنه الدليل الوحيد والسند الفريد لإيديولوجية وجود اسرائيل.

قلنا إن وصول الجيش والسيادة الى الجنوب يقضيان على المطامع الاسرائيلية وغير الاسرائيلية ليريحا الجنوب، والجنوب بدوره يريح لبنان. ولعلكم تذكرون أنه منذ أن وضع مؤتمرا الرياض والقاهرة حداً للصراع العربي في لبنان ودعماً للمبادرة السورية كان في الجو خياران:

الأول، وهو فصل الجنوب عن لبنان وترسيخ دعائم الأمن والسلام والبناء في لبنان، ونقل الأزمة الى مستودع الجنوب. وهذا الخيار رغم سهولته الظاهرية كان يمكّن اسرائيل من تحقيق مطامعها في الجنوب، حيث كان يدفع ببعض اللبنانيين من التقدم تمهيداً لإقامة حكم محلي يعطي اسرائيل بعض ما تريد من الأمن والماء. ثم إن هذا الخيار كان يخيل لبعض المنظمات الفلسطينية صوابيته. باعتبار أن الصراع المسلح في الجنوب يجعل قضيتهم مشتعلة وحاضرة في الأذهان العربية والدولية الى أن يتحقق الهدف من خلال الاعتراف الدولي والحضور في جنيف. وكان الضحية الوحيدة ابناء الجنوب وعمرانه وتاريخه. وربما كان الضحية أيضاً كيانه، بحيث إن استمرار الصراع كان يخلق في الجنوب ما عجز عن خلقه في لبنان، وهو التقسيم. ذلك لأن الخطر من إقامة مقاطعة موالية لإسرائيل في أقصى الجنوب أو ما يسمى في مصطلح الجنوبيين "بلاد بشارة"، وقيام مقاطعة أخرى في منطقة "بلاد الشقيف" موالية للفلسطينيين بحسب الشكل، وشيوعية بحسب المحتوى.

أقول إن خطر التقسيم في الجنوب كان قائماً لو استمر الصراع المسلح فيه، ولو بقي خارج خريطة السلام اللبناني. ولا شك في أن التعتيم الاعلامي الذي بدأ إثر نهاية مؤتمري الرياض والقاهرة كان يساعد على ذلك.

أما الخيار الثاني: وهو الذي اخترناه وفقاً لاتجاه الرئيس الياس سركيس، ولتأييد قوة الردع العربية، فكان ادخال الجنوب في خريطة السلام، حتى ولو تطلب ذلك بعض الوقت ومزيداً من المصاعب. ولقد كان للبنان الوطن، ولرئيسه المخلص ،ولشعبه المؤمن، ونجاحه لأبناء جنوبه هذا الخيار، فيدخل الجنوب الى خطة السلام ومنها الى ضمير العالم العربي والى انتباه العالم كله. وها نحن نشاهد أن هذا الذي أرادوه مستودعاً للأزمة يحمل مفاتيح الأزمة اللبنانية كلها، ومدخلاً لمعالجة المحنة الكبرى التي يعاني منها الشرق الأوسط منذ ثلاثين عاماً.

السلوك الفلسطيني
*قال دوري شمعون "أخشى أن يكون وقف النار في الجنوب فاتورة فلسطينية مقابل شهادة حسن سلوك للاشتراك في جنيف" فما رأيك؟
- لا شك في أن موقف الفلسطينيين الإيجابي والتزامهم بتنفيذ اتفاقية شتورة كلها والمرحلة الثالثة منها بالذات، أحد الأسباب التي أكسبتهم الاحترام الدولي. وسهلت الوفاق الآتي من نيويورك والمكرس في البيان السوفياتي - الأميركي. وهذا يعني أن في كلام الأستاذ دوري شمعون هذا الجانب من الايجابية. مع العلم أن اسرائيل أيضاً قد نالت هدفاً غالياً على قلبها طالما تمنته، وهو الانضمام الواقعي لا الرسمي الى الحلف الأطلسي. وقد علمنا وقرأنا عن مقابلات وزير خارجية اسرائيل مع المسؤولين عن الحلف في بروكسيل. وهنا يبقى السؤال الوحيد الموجه الى اللبنانيين وهو: ماذا كسبوا من هذه الحرب في الجنوب، بل وفي لبنان كله؟ وهل نالوا في مجمل الحرب، أو من قسمها الجنوبي، مكسباً لم يكن ممكناً الوصول اليه بواسطة السلام؟

*هل تعتقدون أن مؤتمر جنيف سيعقد؟
- إن البيان السوفياتي - الأميركي أجاب عن هذا السؤال، فهما (أي السوفيات والأميركيون) كما تعلم رئيسا المؤتمر والداعيان له والداعيان لنجاحه. وما أخال أن التشنج الاسرائيلي إلا الدلال والخوف على أن تطالب اسرائيل بالمزيد من التنازلات التي قد تؤكد للمراقب أنها محتومة أيضاً وستطالب إسرائيل بها، كما ستطالب الدول العربية أيضاً ببعض التنازلات. وعلى أي حال إن التنازلات الاسرائيلية قد تكون سبباً لسقوط حكومة "الليكود" في اسرائيل.

*هل هناك عوامل غير محلية تؤخر في تحقيق الوفاق الوطني؟
- لا يمكنني أن أسمي تلك العوامل إلا رغبات ومصالح. وهذا أمر واضح جداً، كيف لا، وقد كانت هذه الرغبات سبباً للحرب كلها، فكيف يمكنها أن تسمح بالوفاق. إلا أنه لا يمكن أن تتحول هذه الرغبات الى عناصر حقيقية لمنع الوفاق السياسي إلا إذا أراد ذلك اللبنانيون أنفسهم. أولئك الذين كان بإمكانهم في بداية الحرب وفي أيامها أن يتجنبوا حدوثها أو استمرارها لو أرادوا ولو اتفقوا.

على أي حال إن الظروف المحلية والعربية والدولية مؤاتية اليوم أكثر من السابق، لذلك فإني لا أرى مانعاً أمام الوفاق السياسي.

حوار الأطراف
*ما تعليقكم على قول الشيخ بيار الجميل: إن "الجبهة اللبنانية" و"التجمع الاسلامي" هما الطرفان الطبيعيان في الحوار؟
- ... ولم يقل الشيخ بيار الجميل إنهما الطرفان الوحيدان للحوار. ومن الطبيعي أنهما طرفان طبيعيان. وعلى كل حال، فإن صيغة الحوار بين الأطراف لا أعتقدها سهلة ومتيسرة اليوم، بالاضافة الى أن الحوار بين القيادات مع وجود جروح وتشنج في القواعد، قد يخلق مزيداً من التصلب في المواقف يعيق الوفاق.

أما الصيغة الناجحة للوفاق فهي في تبني الرئيس سركيس صيغة مفصلة للبنان المستقبل بعد التشاور مع الأطراف، وأظن أنه قد حصل مثل هذا الشيء. ثم يطرح الرئيس هذه الصيغة على الرأي العام للتصويت. ومن ثم يبادر هو إلى جمع الأطراف في اجتماعات ثنائية وثلاثية وأكثر..

*هل تعتقدون أنه من المفيد بعد، عقد قمة روحية كما كنتم تسعون في السابق؟
- حتماً إن عقد هذه القمة مفيد دائماً، ولها نتائج لا يمكن أن تحصل في أي لقاء آخر. وقد كنا نعتقد أن عقد مثل هذا اللقاء منذ تسعة أشهر كان يمكنه أن يوفر الكثير من الوقت والجهد والمال والأعصاب، سيما وأن الطرح كان أن تكون القمة بالتعاون مع الرئيس سركيس. وعلى كل حال فالوقت ملائم والنتائج، وإن اختلفت، متوفرة.

*ما هي نتائج لقائكم مع عاصم قانصوه، وهل بحث معكم التعاون مع "الجبهة الوطنية العريضة"؟
- قلت في حديث صحفي ما عندي إثر اللقاء، وليس عندي مزيد من التعليق، وقد قلت كلاماً يشبه التصريح المشار إليه بعد مقابلتي للأستاذ وليد جنبلاط "اجتمعنا مع الأستاذ عاصم قانصوه العضو التنفيذي للمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى والأمين العام لمنظمة حزب البعث. وقد عرض الأستاذ قانصوه تعاون حركة المحرومين مع الجبهة المفتوحة، وسيتخذ المكتب السياسي للحركة قراراً في هذا الأمر في اجتماعه المقبل".

اعجاب بالبطريرك
*ما تعليقكم على زيارة البطريرك خريش الى فرنسا؟
- إنني أحمل احتراماً وثقة بالنسبة الى غبطة البطريرك. وذلك نتيجة فترة التعايش معه في الجنوب، ومن خلال هيئة نصرة الجنوب بالذات. فقد استمعت الى أحاديثه وكنت أتتبع بإعجاب مواقفه أثناء الأزمة الدامية. ولا شك أنني سررت بالتكريم الذي لقيه غبطته في فرنسا، وشعرت بأن هذا التكريم هو للبنان ولرؤساء الطوائف كلهم وللرئيس سركيس بصورة خاصة. وأعتقد أنه بعد عودة غبطته سيتحفنا بالمزيد من النتائج للبنان ولوحدته ولتنمية الضمير المؤمن ولتقوية أواصر المودة بين اللبنانيين.

*هل ترون أن صيغة الـ 43 ما زالت مناسبة؟
- إذا كان المقصود من صيغة 43 هو التعايش بين الفئات اللبنانية ذات الاتجاهات السياسية المختلفة وبين الطوائف اللبنانية، فإني أعتقد أن هذا يسبق في تاريخه عام 1943، ويعود الى مئات السنوات، حيث عاش اللبنانيون مع بعضهم بعضاً بأخوة نادرة لا مثيل لها في العالم. أما ما عدا ذلك فان صيغة 43 عبارة عن إطار عام يضم اتفاقاً على تكوين لبنان المستقل الواحد، وهذا اعتبره مجرد إطار ضروري لأي بلد مستقل، وهو، أي الإطار، بحاجة الى المضمون الذي نفتش عنه اليوم، عندما وجدنا أن المضمون الذي وضع في ذلك الاطار المقدس لم يكن ناجحاً من أجل بناء شعب واحد ومجتمع متماسك.
source