الأسرة والشباب

الرئيسية آخر الأخبار تفاصيل الخبر
calendar icon 14 أيلول 1972 الكاتب:موسى الصدر

عن الأم، عن الأب، عن الطفل، عن العائلة، عن إنسان المستقبل تحدث الإمام موسى الصدر إلى مجلة "الإنسان الجديد" المصرية مؤكدًا على أهمية التربية البيتية في صناعة الجيل القادم وتقوية المجتمع. وقد نشرت المجلة الحديث في مثل هذا اليوم من سنة 1972 في عددها الأول. وهذا هو النص كاملًا: 

* حوار صحفي مع الإمام الصدر  أثناء وجوده  في القاهرة للمشاركة في اجتماعات مجمع البحوث الإسلامية.
عن الطفل الذي هو رجل الغد.. عن الشاب الذي هو دعامة للمجتمع الجديد.. عن الأب.. عن الأم.. عن المجتمع ككل.. كان محور الحديث الذي أجراه مندوب "الإنسان الجديد".. عبر ساعات ثلاث.. مع سماحة الإمام موسى الصدر رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في لبنان.

قال الإمام موسى الصدر:
إن الطفل يجد في بداية حياته أمه أمام عينيه، فتكون بالنسبة له.. النافذة التي يطل منها على العالم والعين التي يختبر بها الوجود. وعلى شاكلتها تتكون رؤيته القاعدة، ومشاعره الأساسية ومفهومه عن كل شيء في الطبيعة وفيما وراءها.
وحينما تبرز الأم أمام الطفل مُطْلَقة في الأمومة، متفانية في رعايته، ذائبة في عطائها، منكرة لذاتها ولذاتياتها في سبيل طفلها.. حينما تبرز الأم أمام الطفل هكذا يصبح التكوين الجديد.. الطفل.. إنسانًا جديدًا.. مؤمنًا بالمطلق وبالقيم المثلى - مدركًا ذلك بعقله وبقلبه، مرتبطًا بأمه، وبما تمثله من قيم وبمن تمثله من المجتمع.
والأب أيضًا عندما يتفانى في سبيل طفله والإنفاق عليه ورعايته وتربيته.
والمعلم الذي ينشد تعليم الطالب وتربيته بصورة مطلقة وينظر إلى الأجر كوسيلة لمتابعة رسالته.
والطبيب الذي يوجه خبرته إلى سلامة الناس وحمايتهم من الأمراض دون أن يجعل المال هدفًا أساسيًا.
وهكذا ينمو الطفل مؤمنًا بالمثل العليا، مرتبطًا بذاته في المجتمع بحيث يصبح جزءًا من مجتمع أبويه مكملًا له.
وماذا لو اختلف وضع الأم؟
يرد الإمام موسى الصدر- رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في لبنان بقوله:
عندما يختلف وضع الأم عن هذه الصورة.. يشعر الطفل بعطائها المحدود وخدمتها الموقوتة بساعات محدودة توفيرًا لطاقاتها أو صرفًا لها في الذاتيات، واستبدالًا عن رعايتها بالغير مقابل دفع عوض لذلك..
عندما يجد الطفل أمه بهذه الصورة فهو لا شك يتكون تكوينًا آخر.. تكوينًا لا يؤمن بالقيم والمثل التي لم يدركها أصلًا.. وإذا آمن بها فالإيمان هو سطحي مهما حاول المربّون.
وتبعًا لذلك -وهو شيء طبيعي- فإن الطفل ينفصل عن الأم وعن مجتمعها لأن علاقته معها تحولت إلى أمر نسبي ومحدود يمكن التعويض عنه.
والأب أيضًا إذا كانت أبوته محدودة أو مقترة أو يُستعاض عنها بمال. والمعلم الذي يحول تعليمه إلى بضاعة تُباع أو تُؤجر. وكذلك الطبيب الذي يتخذ من عيادته محلًا تجاريًا يبيع فيه العلاج، غير مبال بما يفرضه عليه واجبه الإنساني، هؤلاء وأمثالهم يساهمون مساهمة فعالة.. بتصرفاتهم في بناء كيان الشباب كيانًا محدودًا ومفصولًا فصلًا كليًا عن الماضي.
ويستطرد الإمام موسى الصدر قائلًا:
إن الطفل بحاجة ماسة لرؤية وجه الله في أمه أولًا.. ثم في أبيه، وبعد ذلك في المعلم والطبيب وغيرهما. وذلك لكي يؤمن بالله وبالقيم العليا. وإلا فإن الإيمان بالمطلقات وبالله.. يكون ينبوعهما تصور وافتراض.
وماذا عن الشباب المعاصر؟
يجيب الإمام موسى الصدر بقوله:
يمكن لنا أن نتبين على هذا الأساس وضع الشاب في مجتمعنا المعاصر بعد أن فقد الرعاية البيتية في الغرب والشرق، وبعد أن وجد نفسه في رعاية الخادمات والممرضات، وفي حرمان كامل من الرعاية الأبوية وعاطفة الأم المطلقة وبعد أن عاش المجتمع التاجر الذي وضع لكل شيء ثمنًا حتى للخدمات الدينية.
ويستطرد الزعيم الإسلامي الشيعي الكبير:
إن غياب الله والمثل العليا عن حياة وأعماق الشاب المعاصر يساعد على:
1 - القلق الذي هو أثر للتحرك الشامل وتغير كل شيء حول الانسان. فالعلم والصناعة والأنظمة الاجتماعية والاقتصادية.. في تغير دائم مترابطة بعضها بالبعض. فيجد الإنسان ذاته في تحويل دائم، وعدم استقرار.
2 - تفكك المجتمع وضعف العلاقات التي تربط أفراد المجتمع بعضهم ببعض حيث أن اختلاف المبادئ يجعل القواعد متفاوتة والمصالح متضاربة فلا وحدة تربط بين الأفراد وتجمعهم. ويتحول التنافس الذاتي في هذا الوضع إلى صراع طبقي أو فئوي مرير لا يبشر أبدًا بنتائج مثمرة.
ويجدر بنا أن نقول ونؤكد أن هذا التفكك قائم أيضًا بين الماضي والحاضر وبينه وبين المستقبل. إن التفكير والتقدم العلميان يفصلان بين الماضي والحاضر ويدفعان الأجيال الصاعدة إلى عدم الخضوع لأفكار السابقين وعدم الرضى والاكتفاء بإنتاجهم الفكري.
فإذا انفصل ذلك الرباط العاطفي فمعنى ذلك انفصال الأجيال بعضها عن بعض بصورة نهائية. وربما كان هذا هو السبب الأساسي لعنف الثورات الشبابية. بل نجد في الحركات الأخيرة في العالم تحطيمًا كاملًا وإهانة لجميع انتاج السابقين.
وتزداد المشكلة تعقيدًا عندما تزداد سرعة التغيير في المجتمع الإنساني العام في العلوم والصناعات والأنظمة الحياتية المتنوعة. حيث أن هذه السرية مع فقدان المطلق، من شأنها أن تجعل الوجود الانساني كله في تغيير وخلق سريع ودائم.
والنتيجة كما يراها الزعيم الإسلامي الإمام موسى الصدر..
أن ما يحدث في العالم اليوم وما تراه بين الشبيبة المعاصرة هو نتيجة طبيعية لمجتمعنا.. ولذلك فإن المشكلة ستزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم.. إذا ما استمرت الأحوال على ما هي عليه.
وما هو العلاج؟
لا علاج إلا بتقوية التربية البيتية ودعمها.. وإلا بتحكم المبادئ المطلقة والمثل العليا في علاقاتنا.
وبذلك نجعل الطفل مرتبطًا بالماضي والمستقبل، مؤمنًا بالمثل العليا فنعيد إليه اطمئنانه واحترامه لماضي أمته وتفانيه لبناء مستقبلها.

الإنسان الجديد - المصرية، مجلة