هزيم: الإمام الصدر ثائر على الفكر الديني الجامد في المسيحية والإسلام (نص غير نهائي)

calendar icon 24 تشرين الثاني 2011 الكاتب:اغناطيوس الرابع هزيم

كلمة غبطة البطريرك أغناطيوس الرابع هزيم في افتتاح مؤتمر "كلمة سواء" الثاني عشر ممثلاً بالمطران غطاس هزيم

رسالة الإمام الصدر الدينية

لا شكّ في أنّ الإمام السّيّد موسى الصّدر هو من كبار الأئمّة المجدّدين الّذين انخرطوا في العمل من أجل الإنسان وخيره ومن أجل إعمار الأرض. فلم يكتفِ بالتنظيرات والكلام المجرّد بل نزل إلى أرض الواقع وخاض في مشاكل النّاس وسعى إلى ترجمة الرّسالة الدّينيّة إلى الحياة. لذلك جاهد الإمام من أجل الفقراء والمحرومين والمستضعَفين، ومن أجل إحقاق الحقّ وإعادة الكلمة إلى الإنسان أشرفِ مخلوقات الله.

وقد انطلق الإمام الصّدر من ثوابتَ آمن بها ودعا إليها في خِطبهِ وكتاباتهِ، وهي:
أ‌) الإيمانُ المشتركُ المسيحيُّ الإسلاميُّ باللهِ الواحد. ولو تعدّدت التّعبيراتُ عن الله، فاللهًُ واحدٌ لا يحُدُّه تعبيرٌ واحدٌ.
ب‌) الدّينُ واحدٌ ولو تعدّدت الدياناتُ.
ج‌) إنّ الدّيانتين المسيحيّة والإسلاميّة جُعِلتا لخدمة الإنسان وصونِ كرامته وحقّه في الحياة الفضلى والسّلام والمحبّة والوئام، وجُعِلتا أيضاً لإعمار الأرض والنّهوض بها.
د‌) تدعو الدّيانتان إلى قيمٍ روحيّة ومبادئَ خُلقيّة مشتركة، وتدعو إلى التّقاربِ بين المسلمين والمسيحيّين والاستفادة المتبادلة من العِبَر والعظات والنُّظم التي تنطوي عليها كلٌّ من الدّيانتين.

هذه الثوابت الأربعة شكّلت جوهر رسالةِ الإمام موسى الصّدر. وهو لم يتوانَ يوماً في خطبهِ وتصريحاتهِ ومحاضراتهِ عن الاستمرار في التّأكيد وإعادة التّأكيد عليها. فها هو في كنيسة الكبّوشيين، قُبيل اندلاع الحرب الأهليّة في لبنان، يُعلن أنَّ "الأديان كانت واحدةً، لأنّ المبدأ الذي هو الله واحدٌ. والهدف الّذي هو الإنسان واحدٌ. وعندما نسينا الهدف وابتعدنا عن خدمة الإنسان، نبذنا اللهُ وابتعد عنّا فأصبحنا فرقاً وطرائق قدداً، وألقى بأسُنا بيننا فاختلفنا ووزّعنا الكون الواحد، وخدمنا المصالح الخاصّة، وعبدنا آلهةً من دون الله، وسحقنا الإنسان فتمزّق".

وبالنسبة إلى الإمام الصّدر، الّلقاء لخدمة الإنسان يؤدّي إلى الّلقاء في الله. ففي المحاضرة عينها، يدعو إلى العودة إلى الطّريق السّويّة، متوجّهاً إلى المسلمين والمسيحيّين بالكلام: "اجتمعنا من أجل الإنسان الّذي كانت من أجله الأديان، وكانت واحدةً آنذاك (...) نلتقي لخدمة الإنسان المستضعف المسحوق والممزّق لكي نلتقي في كلّ شيء، ولكي نلتقي في الله فتكونُ الأديانُ واحدةً". وبالنّسبة إليه أيضاً، "كانت الأديان واحدةً حيث كانت في خدمة الهدف الواحد: دعوةٌ إلى الله وخدمةٌ للإنسان، وهما وجهان لحقيقةٍ واحدة". هذا يعني أنّ الإيمان بالله لا يكون حقيقيّاً إلّا إذا سبقهُ الإيمان بأنّ الدّين جُعِل لخدمة الإنسان، لا الإنسان لخدمة الدّين، وبأنّ الدّين الّذي لا يرفع من شأن الإنسان وكرامته ليس ديناً إلهيّاً، والله بريءٌ منه إلى يوم الدّين.
يبدو الإمام السّيّد موسى الصّدر في أقواله عن المسيحيّة عارفاً بها وملمّاً بكتابها المقدّس وبحياة السّيّد المسيح وتعاليمه. وهذه خطوةٌ لا بدّ منها للحوار أن يعرف المرء دين غيره في مصادره الأساسيّة لا من مصادره الذّاتيّة، لكي إذا ما خاض في الحوار أن يحاور في ما هو الدّين الآخر لا انطلاقاً من إيمانه هو بل كما يقدّمُ الدّين الآخر نفسه. كما يتبيّن أنّ فكر الإمام الصّدر ما زال آنيّاً ومفيداً لنا اليوم، حيث تسودُ ثقافة العولمة والأحاديّة الثقافيّة. فالإمام يدعو إلى احترام التّعدّديّة الدّينيّة والثّقافيّة والحفاظ على الخصوصيّات الدّينيّة. أمّا في موضوع الإنسان فيبدو الإمام ثائراً على الفكر الدّينيّ الجامد في المسيحيّة وفي الإسلام، داعياً إلى إعادة الدّور الأساسيّ الّذي خُلِقَ الإنسان من أجله، أي إعمار الأرض والعمل من أجل خير الإنسان إلى أيّ دين أو قوم انتمى. وتبقى نظرة الإمام إلى الأديان كافّةً قابلةً للتحقيق، من حيث إنّ الأديان وُجِدت لخدمة الإنسان وكرامته. لهذا ينبغي العملُ معاً من أجل إعادة الأديان إلى الهدف الّذي من أجله وُجدت، أي من أجل الإنسان.

source