كلمة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي الكلّي الطوبى في افتتاح مؤتمر "كلمة سواء" الثاني عشر ممثلاً بالمونسينيور كميل مبارك
الرؤية التغييرية والفكر الصدري
أصحاب الغبطة والسماحة والسيادة والفضيلة والمعالي والسعادة،
أيُها السَيدات والسَادة،
مقدمة
شرف وامتياز أن يُكلفني صاحب الغبطة مار بشاره بطرس الراعي بطريرك انطاكية وسائر المشرق، لأُعرب باسمه عن شُكره العميق على الدعوة التي خُصّ بها، كما خُصّ كِرامٌ كثيرون للمشاركة في هذا المؤتمر الذي تنظّمه مؤسسات الإمام الصدر، تحت عنوان التغيير الاجتماعي والسياسي عند الإمام الصدر.
ونحن إذ نُكبر فيكم الوفاء لهذا المناضل فكريًّا وعمليًّا، ننظر إلى العناوين التي تُضيء فكرة المؤتمر بإعجاب واهتمام، عَنيتُ الرؤية والنهج والرسالة. ولعلّ في تراتيبة هذه الكلمات، تناغم مع وقوف كلّ عاقل أمام أيّة صعوبة، يحاول الخروج منها بحلول منطقيّة هادفة وقابلة للتحقيق، مجيبةٍ على التساؤلات الثلاثة: ماذا يجب أن أفعل وكيف ولماذا؟
كلَ ذلك عبر إشراك الفكر الديني الذي يُنير طريق الفكرَيْن الإجتماعي والسياسي في عمليّة التغيير التي تهدف نحو الأفضل مع احترامٍ خالصٍ لكرامة الإنسان والخير العام.
1. وحدة الطبع البشري:
أيها السَادة،
كلّ رؤية تغييريّة تنطلق من ثوابت راسخةٍ، يُكتب لها النجاح إذا ما قَيّض لها الله أصحاب الإرادات الحسنة والنوايا الطيبة إلى أيّ دين انتمَوا، ليعملوا معًا على التكامل والنمو في إحساس الإنسان، فردًا وجماعات، بعزّة خالقه ومجده، إذ منه تأتي كلّ كرامة ويأتي كل حقّ ويتحقق كل خير، يتردد في الأرض فرحًا وَبِشرًا، ويصل إلى السماء ابتهالًا وشكرًا.
نحن نؤمن بوحدة الطبع البشري الذي وُهِبَ العقل والحكمة والنُطقَ وحُسْنَ التدبير، ومن هذه الوحدة تأتي إمكانية التفاهم بين الناس، على تحسين واقعهم وجمال مستقبلهم.
وإذا ما وُجدَت هذه الإمكانية وتحققت مفاعيلها العمليّة، انتفت الخصومة وزال الإقتتال وارتفع الطمع، وتوحدت الرؤيّة بالخير، وإن اختلفت بأساليب تحقيق هذا الخير، شرط ألاّ يصلَ الإختلاف إلى الخلاف الذي يتنافى مع وحدة الطبع، ويتعارَض مع كلّ ما يجعل الإنسانَ أكثرَ إنسانيّة، والمؤمنَ أصلبَ إيمانًا، والمحبّ لإخوته من الناس أخلصَ حُبًّا.
2. فرادة الشخص البشري:
كذلك نُؤمن أيها السّادة بفرادة الشخص البشري، وهذه الفرادة هي أساس التعدُد والتنوع وكثرة السبل في المناهج التفكيريّة وَوَقْعنتها على إيقاع الحاجات الإجتماعيّة، والضرورات التدبيريّة لكلّ جماعة وكلّ وطنٍ وكلّ أمّةٍ، بحسب ما تقتضيه ظروف هذه وذاك وتلك. وهذا التنوّع إذا ما قُرأ قراءة بنّاءة، يكون مصدر غنىً وسببًا للتضامن بين القوى العديدة الفاعلة، من أجل الوصول إلى ما تصبوا إليه البشرية في أمورها الزمنيّة، لكي تسعى بفرحٍ، نحوغايتها القصوى في عالم السعادة التي لا تنتهي.
3. كرامة الإنسان:
كما نؤمن أيّها السّادة بكرامة الإنسان الذي خلَقه الله نافخًا فيه من روحِهِ، العزّة والكرامة والهيبة وجميع الهبات التي أعطيناها، لنكون سادة الكون المخلوق وعابدين بالحبّ والطاعة لخالق كلّ ما يُرى وما لا يُرى في العالمين المنظور والخفي. ونحن إذا ما آمنّا بالكرامة الآتية من الله نُعبّرُ بها عن المساواة التي أرادها الله بين أبناء الجنس البشري. ومن دون هذه المساواةِ العادلةِ تمامَ العدل، لا مساواةَ ابتدعها الإنسان على الأرض، إلاّ وفيها بعض الإهتزاز في ميزان العدل، إذا ما نظرنا إليها مُعمّمة على أفراد بني آدم ومجموعاتهم. كما نجد أن ما من نظريّة ابتدعها العقل البشري بمعزل عن الوحي، تُشبع أحلامَ الإنسان وتطلعاتِه نحو الكمال الذي دُعيَ إليه.
خاتمة
أيها السّادة،
لو وضعنا هذه القناعات التي نؤمن بها تحت مجهر الفكر الصدري، ووضعنا فكر الإمام المُغيّب في الإصلاح الاجتماعي والتغيير نحو الأفضل رؤيَةً ومنهجًا ورسالةً تحت مجهر قناعاتنا، لوجدنا أنّنا نعملّ معًا من دون أن نبرمج هذا العمل، وأننا نسعى نحو أهدافٍ مباركةٍ تَصِلُ بالبشريّة، إذا ما فعّلَتْ القناعاتِ هذه وثمّرتها في سلوكيات الحياة العمليّة والأخلاقيّة، إلى حضارة المحبّة التي بشّر بها وعلَّمَ سُبُلها قداسة البابا يوحنا بُولِس الثاني.
وختامًا أكرّر شكر صاحب الغبطة داعيًّا لكم باسمه أن يوفقكم الله إلى ما فيه كلّ الخير. والسلام.