الرسالة الإلهية (1)

الرئيسية آخر الأخبار تفاصيل الخبر
الكاتب:موسى الصدر

* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر، (د.ت).
بسم الله الرحمن الرحيم

﴿قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين* يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم﴾ [المائدة، 15-16]
صدق الله العظيم
إن مطالعة الآيات القرآنية تضع أمام الإنسان صورة الرسالة الإلهية التي حملها الأنبياء، وفي أوصاف تتكرر مع كل نبي ومع كل رسالة. وهي صفات الهداية، والنور، والوضوح، والكتاب، والحكمة والتزكية. وعندما نقارن هذه الرسالة الموجهة إلى الإنسان مع تصوير الخلق، ومراحلها في الآيات الأخرى نقترب من إدراك الهدف من الرسالة، ومن إرسال الرسل. فلنتلُ هذه الآيات: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿سبح اسم ربك الأعلى* الذي خلق فسوى* والذي قدر فهدى﴾ [الأعلى، 1- 3].
نتلو الآيات، ونرى أن الخلق هو بداية لمراحل التسوية والتقدير والهداية، وأن الوجود كله يتحرك في اتجاه واعٍ، يبدأ بالتكوين والتنوع، ثم يوضع لكل شيء حد وقدر. ويكتمل بتحمل كل شيء دوره واهتداءه إلى مسؤوليته. وهذا الإهتداء في الموجودات كلها، هو الذي ينفي العبث واللهو، والتفاهة في الخلق. وينفي القرآن الكريم عن الخلق، في أماكن أخرى، اللهو واللعب نفيًا قاطعًا. وقيام الموجودات بدورها الكوني في المصطلح القرآني، يسمى بالسجود، والتسبيح والصلاة، في آيات كثيرة نتلو منها هذه الآيات: ﴿ألم ترَ أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب﴾ [الحج، 18]، وهذه الآية: ﴿سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم﴾ [الحديد، 1]، وهذه الآية: ﴿ألم ترَ أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون﴾ [النور، 41].
إن هذه الصورة الواقعية الرائعة التي يرسمها القرآن الكريم عن الخلق، وكأن الكون كله حياة، وحركة، وتناسق، وتناغم في الأدوار، ووحدة في الجوهر وفي الهدف، إن هذه الصورة تقارنها صورة مقترحة على الإنسان، عندما يطبقها يصبح منسجمًا مع الكون، ناجحًا، ويخرج عن الغربة، وعن الفشل في حياته. وعن هذه الصورة، يعبر القرآن الكريم بالهداية وبالنور. كما تتضمن الصورة، الصلاة والتسبيح والسجود. فلقد هدى الله الإنسان، بواسطة الأنبياء، والكتب إلى مسؤولياته، وإلى سبل كماله وسعادته في حياته، وحدد الهدف في الآية التي تلوناها إلى مراحل ثلاث:
1- الإهتداء إلى سبل السلام.
2- الخروج من الظلمات إلى النور.
3- والهداية إلى الصراط المستقيم.
فالسلام، وهو ضد الحرب، والتصادم بين الإنسان وبين نفسه، وبينه وبين الإنسان، أي الناس وبينه وبين الموجودات.
السلام هذا، يحصل عندما يمارس الإنسان دوره الطبيعي، المتناسب والمنسق مع الأدوار الكونية الأخرى؛ حيث إن كل دور يكمل الأدوار الأخرى، ويكتمل بها. وهذا التكامل المتبادل، حقيقة السلام المطلوب. وسبله، هي التعليمات الإلهية التي تقدم للإنسان بواسطة الأنبياء.
والسلام هذا، في نفس الإنسان، وفي المجتمع وفي الوجود، قاعدة للمرحلة الثانية من هدف الرسالة، وهي الخروج من الظلمات إلى النور. من الظلمات بمختلف أنواعها: من الجهل، والمرض، والتأخر، والظلم والفقر... إلى النور: بجميع اشعاعاته، من علم، وصحة، وتقدم، وعدل وكفاية. إن السلام أساس لكل عمل إصلاحي، ولكل فكر سليم. فالنفس الحاقدة لا تقبل التقدم والكمال. والمجتمع المتناقض المتفسخ من الداخل، لا يصلح لتنمية بذور التقدم. وأخيرًا، نصل إلى المرحلة الثالثة من الهدف، وهي الوصول إلى الصراط المستقيم.
وإذا لاحظنا، أن التعاليم الدينية، تؤكد في كلمة ﴿إن ربي على صراط مستقيم﴾ [هود، 56]، ندرك أبعاد هذا الصراط، الذي هو أقرب وأدق طرق الكمال، وأكثر انسجامًا مع الوجود كل الوجود. ففي هذا الصراط، تتجند طاقات الفرد والجماعة، دون أن تهدر من الفرد أو من الجماعة أية طاقة.
فنسأل الله أن يهدينا إلى الصراط المستقيم ﴿صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾ [الفاتحة، 7].
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

source
عدد مرات التشغيل : 3