المؤمنون

الرئيسية آخر الأخبار تفاصيل الخبر
الكاتب:موسى الصدر

التفكّر في آيات الله من أفضل أعمال شهر رمضان المبارك، والقرآن الكريم كتاب الله يدعونا في هذا الشهر الفضيل إلى التأمل في معانيه وكلماته لنتزوّد منها بالعِبر والحكم والموعظة الحسنة. وقد حلَّ صوت الإمام الصدر ضيفًا على الصائمين في فترة السَّحر في الإذاعة اللبنانية، حيث قام بتفسير بعض الآيات القرآنية والسور القصار، تقويةً وإفادة للمؤمنين.
نستعرض خلال شهر رمضان ثلاثين تفسيرًا للإمام الصدر، وعنوان تفسير اليوم: "المؤمنون"، وفيه يتطرق الإمام الصدر إلى شخصية المؤمن القرآنية، وإلى ضرورة محاسبة النفس في العشر الأواخر من شهر رمضان لمعرفة مدى الإفادة من هذا الموسم الإلهي. النصّ كاملًا:

* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر، (د.ت).
نعتقد أننا دخلنا في العشر الأخيرة من شهر رمضان، أيّ فترة الاستنتاج. وعلينا قبل كلّ شيء أن نحاسب أنفسنا، ماذا أخذنا من شهر رمضان، هذه الفرصة الإلهية التي تقوي أجسادنا، وتنير عقولنا، وترهف مشاعرنا وأحاسيس قلوبنا؟ نسأل الله أن نكون ممن استفاد من هذا الشهر، ولا نكون ممن يقول النبي الكريم عنه:
 "فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم"[1].

ولكي نتمكن من معرفة استفادتنا من شهر رمضان المبارك، ومدى هذه الفائدة، نضع في هذه الليلة مع هذه الآيات الكريمات مرآة صافية أمام أعيننا، هذه المرآة التي تفسر مفهوم المؤمن، هل وصلنا إلى هذه الدرجة أم نحن في طريق الوصول إلى هذه الدرجة؟ هذا هو الجواب عما إذا كنا من المستفيدين من هذا الشهر، أو من المحرومين من فوائد هذا الشهر.
السورة تقول: ﴿قد أفلح المؤمنون﴾ المهم أن المؤمن هو الناجح، ولكن من هو المؤمن بالدرجة الأولى: ﴿الذين هم في صلاتهم خاشعون﴾ [المؤمنون، 2] لا يمكن أن يستغني الإنسان المؤمن عن الصلاة وعن الخشوع في الصلاة، وذلك لأن الصلاة ضمانة الإيمان، الصلاة توجه إلى الله سبحانه وتعالى، وحركات عندما تكون خاشعة أيّ أن الصلاة تأخذ جسمنا بحركاتنا، وعقلنا بانتباهاتنا، وقلبنا بخشوعنا نصلي لله بكلّ وجودنا.
وهذه الصلاة تضمن إيماننا، أما إذا تركنا الصلاة، خففنا الصلاة، أو لم نكن خاشعين في الصلاة، أو ما بالينا بشؤون الصلاة، فهذا الضعف في الممارسة يؤدي إلى الضعف في الإيمان. والقرآن الكريم في أماكن عديدة يؤكد أن الذي يقوم بالأعمال السيئة، أو لا يمارس واجباته، فإنه معرض للإلحاد والانحراف والكفر، لأن ترك الممارسة يؤدي إلى ضعف الأساس.
إذًا، الصلاة ضمانة لبقاء الإيمان، وهي تجعل الإيمان ينتشر ويتعمق في كلّ وجود الإنسان. عند ذلك، الإنسان يشعر بالمسؤولية الكاملة، ويعرف أن الوقت عزيز، وأنه مسؤول عن إسعاد أمة، وعن كمال نفسه، وعن كمال إخوانه.
من الطبيعي عندما يشعر الإنسان بهمّ وبمهمة وبهدف، لا يورط نفسه في الباطل، ولا يجعل وقته يُهدر لهوًا ولغوًا. إذًا، المؤمن هو الذي عن اللهو يعرض، أيّ لا يمارس عملًا باطلًا، لأنه عندما يمارس عملًا باطلًا لاغيًا يفني ساعة من حياته، أو يومًا من عمره أو أكثر. وعندما يشعر أن عليه المسؤولية وعليه أن يتحرك بكلّ وجوده، لكي يستفيد من عمره في سبيل خدمة الله وإسعاد البشر، من الطبيعي أنه يعرض عن اللهو. ثم أن الإيمان لا ينفصل عن الاهتمام بشؤون المعذبين، ونحن قد أكدنا أكثر من مرة في هذه الندوة أن الإيمان الحقيقي ذو بعدين: بعد إلهي متجه إلى الله، وبعد بشري متجه إلى الناس ولا يفترقان.
إذًا، المؤمنون هم الذين للزكاة فاعلون، وبعد ذلك فالإنسان له طاقات وله حاجات، فكما أن حاجته إلى الأكل والشراب من الله سبحانه وتعالى، حاجته إلى الجنس أيضًا حقيقة وواقع يعيشها الإنسان في حياته.
وإذا أعطينا لكلّ حاجة ما يحتاج الإنسان إليها من تلبية، وما تجاوزنا الحدود الحقيقية، وما تركنا أن تطغى حاجة على سائر الحاجات، فالحاجة وتلبيتها تصبح نعمة من الله سبحانه وتعالى. وقد أكد القرآن الكريم والأحاديث الشريفة أن حاجة الإنسان إلى الزواج نعمة من الله، سبب لكمال الإنسان، وتلبية هذه الحاجة نعمة من الله أيضًا. ولكن إذا الإنسان ينمي هذه الحاجة وتطغى على حساب بقية الحاجات، فهذا انحراف. كما أن الأكل إذا طغى طغت حاجته على الإنسان وجعلت سائر الحاجات خافية أمام هذه الحاجة، فهذا انحراف.
ولذلك يؤكد القرآن الكريم أن المؤمن هو الذي يحفظ فرجه إلا على زوجه، عند ذلك ليس ملومًا بل ممدوحًا من الله سبحانه وتعالى. ثم يضيف القرآن الكريم، أن المؤمن هو الذي يرعى أمانته وعهده ويحافظ على صلاته، ﴿أولئك هم الوارثون﴾ [المؤمنون، 10] سعادة الدنيا والآخرة.
والبقاء أمام هذه الكلمة بعض الوقت ضروري، رعاية الأمانة ورعاية العهد، ﴿إن العهد كان مسؤولًا﴾ [الإسراء، 34] الأمانة من الله، والأمانة من الناس، وأمانة الذات، يجب مراعاتها، والذي يتخلف عن أداء الأمانة ولا ينفذ عهده، فهو منحرف وليس بمؤمن.
إذًا، ليس الإيمان هنا إيمانًا تجريديًا، بل يجب أن يقترن بالصلاة وبالإعراض عن اللغو، وبالاهتمام بشؤون المساكين، وبحفظ الفرج إلا على الحلال، وبالحفظ للأمانة والعهد، هؤلاء هم المؤمنون الناجحون.
نسأل الله أن نكون منهم، وأن نستعين بالصيام للوصول إلى مثل هذا المقام. وقد أُمِرنا في القرآن الكريم ﴿واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين﴾ [البقرة، 45]. فُسِّر الصبر بالصيام، فلنحاسب أنفسنا حتى نعرف مدى وصولنا إلى هذا الحد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

________________________
[1]  وسائل الشيعة، ج10، ص313.

source
عدد مرات التشغيل : 9