العيد تجسيد للبركة الإلهية

الرئيسية صوتيات التفاصيل

يرمز عيد الأضحى إلى الكثير من المعاني الخيّرة وأهمها التضحية في سبيل إسعاد الآخرين. يتطرق الإمام الصدر في خطبتي عيد الأضحى إلى خدمة المحرومين والمعذّبين ومفهوم المؤمن الحقّ للعيد حيث يستحيل عند إدراكه له ينبوعًا من البركة الإلهية.

*تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.
الخطبة الأولى:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه وخاتم رسله محمد وآله الطاهرين.
أيها الإخوة الأعزاء،
نحن في هذا اليوم المبارك، في هذا العيد الذي جعله الله عيدًا للمسلمين، وأعاد عليهم بركاته ورحمته؛ وهذه البركات والرحمة تعود للإنسان إذا أراد، وإذا تقدم، وإذا سعى. فالرحمة والبركة في المنطق الديني وفي مفهوم الإسلام لا تخصص بدون استحقاق، فـ﴿ليس للإنسان إلا ما سعى﴾ [النجم، 39]، فإذا ما سعينا نستحق بركات من الله ورحمته. ولا شك أننا بسعينا واجتماعنا وتوجهنا ولجوئنا إلى الله سبحانه وتعالى، نحاول أن نسعى في سبيل كسب هذه الرحمة والمغفرة. المهم أننا نشعر بمفهوم هذا العيد، وأن مفهوم العيد ليس الفرحة، وإنما مفهوم العيد العبادة والرحمة والبركة. الإنسان يفرح لأشياء كثيرة قد لا تكون من مصلحته في نهاية الأمر؛ فالطفل الصغير إذا قُدِّم له لبس جديد يفرح ويرتاح، حتى ولو عاش في غير هذا الوقت من دون هذا اللبس، وحتى ولو كان واقع هذا اللبس ما لا يؤدي إلى السرور. والطفل الصغير أيضًا يفرح إذا قُدم له أكلًا لذيذًا أو لعبة جميلة، وإن كان في هذا الأكل من الأضرار والخسائر على جسمه ما يؤدي إلى صعوبات أخرى عنده. الطفل يفرح باللبس الجديد وبالأكلة الطيبة وباللعبة الجميلة ولكن هل نحن الكبار في السن والكبار في العقل والنضج -إن شاء الله- هل نحن أيضًا نفرح بهذه الساعات والأيام وهذه المظاهر دون انتباه إلى مكاسبنا في هذا اليوم؟
هذا هو السؤال إذا كنا ننتظر أفراحًا، فإذا كنا في مستوى الأطفال من الوعي ومن التفكير، فعلينا أن نفرح بكل هذه الأيام، لأنها فرص لتجدد الحيوية ولتجديد الملابس ولتجديد الزيارات. أما إذا كنا ننظر إلى الأمور بواقعها، وننظر إلى حياتنا في مختلف حقولها، فلا نجد إطلاقًا ما يؤدي إلى الفرح وإلى السرور. مصائب متعددة، محن مستمرة، كوارث على حياة أمتنا وعلى حياتنا، في كل لحظة وفي كل صفحة. ليس عندنا في جميع شؤون الحياة الخاصة والعامة ما نُحسد عليه وما نعتز به. ولهذا، مفهوم العيد عندنا يتحول إلى مفهوم البركات ومفهوم الرحمة، وليس إلى مفهوم الفرحة والسرور والراحة. فالحياة التي جعلها الله للإنسان، حياة مليئة بالموت، لا تنفصل الحياة عن الموت حتى –حسب التعبير القرآني- ﴿الذي خلق الموت والحياة﴾ [الملك، 2]. الموت خُلِقَ قبل الحياة، أو ذُكِرَ قبل الحياة؛ فالحياة التي نعيشها هي حياة ممزوجة بالموت، فليس هناك من التزام لبقاء أحد، أو لعدم موت أحد، أو لاستمرار حياة أحد بمقدار ما يشاء. إنما الحياة مقترنة بالموت، فأنت حينما تعيش، عليك أن تشعر بأنك تعيش حياة ممزوجة بالموت، حياة زيبقية، حياة كالسمكة لا تتمكن أن تسيطر عليها فهي تهرب من يدك، وكل لحظة تلاحقها هي تفر وأنت تمشي وراء الحياة. ما الذي يؤدي إلى استمرار الحياة وتجميد الحياة؟ لا يملك أحدنا تلك الوسائل، فالموت والحياة في الوقت الحاضر خارجان عن سيطرتنا وإمكاناتنا.
فإذًا، نحن الحياة التي عشناها، والتي أخذناها من الله سبحانه وتعالى، كانت حياة مقترنة بالموت. فإذا مات أحد أو عاش أحد أو أصيب أحدنا بمصيبة، أو فقد عزيزًا، فقد أصبح شيئًا من الطبيعة الحقيقية للحياة، ما خرج عن السنة الإلهية الكونية. فكل واحد منّا يعيش بين الموت وبين الحياة في جميع لحظاته.
وهكذا مشاكل الأمة وكوارثها ومحنها وآلامها. صحيح أنها تؤدي إلى الأحزان والآلام في حياة الإنسان، ولكن حينما يشعر الإنسان أن كل ما نعانيه من صعوبات ومن مشاكل فهي من صنع أيدينا ﴿ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس﴾ [الروم، 41]، لماذا نحن نعيش في هذه الأجواء وفي هذه الظروف الصعبة؟ لأننا أردناها هكذا، لأننا رضينا بهذه الحياة، نحن ومن سبقنا من آبائنا. نحن الذين كونّا الحياة بهذا الشكل القائم، وبهذا الشكل غير المشرّف. فإذًا، لا يمكننا أن نضع يدًا على محنة عامة أو خاصة إلا ونحن السبب في تكوين هذه المحن والأحداث. فإذا كان من ذل على الأمة، وإذا كان من فقر أو مرض أو جهل، وإذا كان من خلاف أو شقاق، وإذا كان من ميوعة أو فساد أو إلحاد، فنحن الأسباب ونحن بإمكاننا أن نعالج. هذا هو المنطق القرآني لأنه لا يمكن -حسب المنطق القرآني- أن يحصل أي شيء في المجتمع، إلا والإنسان مسؤول عنه من حيث يريد، ومن حيث لا يريد: ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾ [الرعد، 11]، ﴿وأن ليس للإنسان إلا ما سعى﴾ [النجم، 39]، و﴿ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون﴾ [الروم، 41]. وعلى هذا الأساس، فنحن حينما ننظر إلى واقع أمتنا، وإلى واقع حياتنا الاجتماعية، وإلى واقع شعبنا نتألم ولكن لا نيأس؛ نتألم ولكن لا نهمل ولا نترك، نشعر بأن ما حصل ليس من إرادة الله ومن فرض الله علينا. إذا انكسرنا أمام عدونا، ما هكذا أراد الله، حتى نقول هذه إرادة الله، فلنسكت ولنستسلم ولنشكر الله الذي لا يحمد على مكروه سواه. كلا، إن الله لا يريد لنا ذلك، بالعكس إن الله يريد لنا العز فـ﴿لله العزة ولرسوله وللمؤمنين﴾ [المنافقون، 8]. ولكن نحن حينما ننظر إلى هذا الواقع، نجد أن هذا الواقع من صنعنا، فالساعة التي أردناها أن نرجع وأن نتراجع وأن نصحح أغلاطنا وصعوباتنا وأخطاءنا، بنفس الساعة الإنسان يعود إلى تأييده ويبدأ الخط الأساسي النير، إلى إصلاح شؤونه وشؤون مجتمعه.
فإذًا، نحن في الحياة التي نعيشها والتي لا يشبه جانب من جوانبها الأعياد، أي عيد؟ وأي فرحة؟ بأي شيء نرتاح؟ وعلى أي شيء نفرح؟ حينما ننظر إلى هذا الواقع نعزي أنفسنا بأن ما نصاب به من مصائب، إنما هي واقع الحياة. حينما وُلدنا ما التزم ربنا أن يعطينا حياة دون موت، وصحة دون مرض. هل التزم ربكم بذلك؟ حينما وُلدنا نحن هل الله التزم وتعهد خطيًا أو شفهيًا بأنك تعيش بلا موت؟ وأنك صحيح بلا مرض؟ وأنك غني بلا فقر؟ ما التزم هكذا. بالعكس من ساعة الولادة، كل يوم كنت أسمع موت أحد أو فقد جار أو مرض عزيز أو خسارة غني أو تحولات بين الأفراد وبين الشعوب. فإذًا، من الذي قال لك أو قال لي أن الله وهبك حياة من دون موت، وفرحة دون حزن، وسلامة دون مرض حتى إذا مات أحد من أقربائي أو أصدقائي أو إخوتي أو نفسي أُفاجأ بما حصل. أبدًا! لا مفاجأة، شيء طبيعي. كان هكذا، وكان من المقرر أن يموت وما التزم أحد لنا أن لا نموت، أو لا يموت لنا أحد.
هذا بالنسبة إلى حياتنا الخاصة ومصائبنا الشخصية، وعلى الصعيد العام نحن أمام ما حصل من الصعوبات والكوارث، علينا أن نحلل أن الذي حصل هو من صنع أيدينا. فإذًا، الحزن والبكاء وعدم الفرحة لا فائدة فيها، أردنا أو ما أردنا؛ العلاج الحقيقي أن نفهم سبب هذه الصعوبات ونحاول علاجها. سببها منّا، وعلاجها منّا، كما يقول الإمام في البيت المنسوب إليه:
دواؤك فيك وداؤك منك [*]
هذا هو الأساس في المنطق الديني التربوي. فإذًا، نحن أمام العيد الذي نفرح، والذي نقرأ في كل صلاة من صلوات العيد تسع مرات: "الذي جعلته للمسلمين عيدًا"، أراد الله أن يكون هذا اليوم عيدًا لنا فبماذا أراد؟ باستعداده للرحمات، باستعداده لنزول البركات، بعودة العناية الإلهية إلينا، بإعطائنا فرصة جديدة للتفكر والتدبر وإصلاح الشؤون. فإذا أردنا، بإمكاننا أن نعيد عزنا ومجدنا وصحتنا وسلامتنا وأفراحنا، وإذا ما أردنا فليس لنا أكثر من ذلك أبدًا.
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿والعصر * إن الإنسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾ [العصر]
الخطبة الثانية:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه وخاتم رسله محمد وآله الطاهرين.
وبعد،
نحن في هذا العيد الذي نشعر بعناية الله وعودة رحمته، لا شك أن الحقيقة وأن الفرحة الحقيقية، وأن المعايدة الحقيقية هي أن لا نكون فرحانين بين البؤساء ومحزونين ومسرورين بين أصحاب الأحزان. فالإنسان بطبيعة حاله عنده شعور بآلام الآخرين، كل فرد منّا في أي ظرف من الظروف يشعر بآلام الآخرين ولو بصورة بسيطة تجريدية. مثلًا، أي واحد منا إذا شاهد حادث سيارة أو إذا وجد طفلًا يتيمًا، أو إذا وجد ميتًا يحزن بطبيعة الحال. هذا الشعور موجود في نفس الإنسان يعني الله سبحانه وتعالى خلقنا وخلق في نفسنا بادرة ونواة للتحسس بآلام الآخرين. هذا شيء واضح، كل واحد منّا يشعر بهذا الإحساس... إذا عالجناه، ومارسناه ومشينا ورائه، ينمو ويشتد ويتوسع ويتقوى في نفس الإنسان. أما إذا اكتفينا بهذا الشعور، فسوف يصبح من الهواجس، يعني أنا أتألم بالنسبة لآلام الآخرين ولكن لا أقوم بأي عمل تجاه هذا الألم. بالتالي هذا الشعور بمواساة الآخرين أو بمشاركة الآخرين يتجمد ويتقلص ويكتفي بالحزن السريع الذي هو أشبه بالذاكرة أو بالهاجس في نفس الإنسان؛ أحسُّ ثم أنصرفُ إلى أشغالي وأنانياتي ومصالحي الخاصة. أما إذا شعرت ومارستُ عملًا، إذا وجدت مريضًا ما اكتفيتُ بتحسسي بالألم، سعيتُ، ساعدتُ، عدتُ، أتيتُ بالطبيب، ساعدتُه للعلاج. هذا الشعور ينمو، يتجسد، يتحول إلى توسع في وجودي واتصالي بالآخرين في حياتي. وجدتُ يتيمًا أو مريضًا أو مسكينًا أو صاحب مصيبة أو صاحب حاجة أعيش معه بحزن ثم أمارس حزني وأساعده، هذا الشعور عندي ينمو ويتوسع. هذا هو الذي يسميه الإسلام بالإيمان، يعني الإنسان إذا ما أحسّ بآلام الآخرين، وما مارس لعلاج مشاكل الآخرين، فهذا لا يسمى في منطق الإسلام مؤمنًا.
القرآن الكريم والسيرة المطهرة يؤكدان ذلك: ما آمن بالله واليوم الآخر من بات شبعانًا وجاره جائع. الإنسان حينما يشعر بأن جاره جائع، بطبيعة الحال البشري يتألم، لكن إذا اكتفى بهذا الألم وما حاول أن يشرك جاره في أكله أو في حياته، الحديث الشريف يقول، هذا غير مؤمن؛ وإن كان يقول أنا مؤمن، وإن كان يصلي ويصوم ويحج، لا يكفي هذا. إذا ما مارس وما شارك وما ساعد وما بلور هذا الشعور حتى توسع، فهذا ليس بمؤمن.
والقرآن الكريم أيضًا صريح في سورة الماعون: ﴿أرأيت الذي يكذِّب بالدين﴾ [الماعون، 1]، تحب تعرف من الذي يكذِّب بالدين ليس فقط الذي يكفر، ليس فقط الذي لا يصلي، ﴿فذلك الذي يدعُّ اليتيم﴾ [الماعون، 2]، هذا الشخص الذي يردع ويُحرم ويتمنع ويعارض ويحارب مساعدة اليتيم، الشخص الذي لا يساهم ولا يساعد في أوضاع أيتام الأمة، هذا هو الذي يكذب بالدين.
فإذًا، الإيمان بالله والتصديق برسالة رسول الله لا ينتهيان عند اعترافك بـ "أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله"، ولا ينتهيان عند صلاتك وصيامك، وإنما يحتاجان إلى ممارسة عملية للتخفيف من آلام الآخرين، ولمشاركة الناس في مصائبهم، وإلا فليس هناك من إيمان، ﴿فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * والذين هم يراؤون * ويمنعون الماعون﴾ [الماعون، 4-7]. المصلي الذي يمنع الماعون، يعني الذي يمنع قضاء حاجة الجار، قضاء حاجة الأخ مع تمكنه، حتى ولو كانت الحاجة بصحن، أو كأس، أو قِدْر، أو ظرف، أو آنية. أنت عندك، وجارك ليس عنده؛ أنت عندك، وقريبك ليس عنده؛ أنت عندك، وابن بلدك ليس عنده، وليس هناك من موانع لمساعدته، إذا امتنعت عن هذه المساهمة ﴿فويل للمصلين﴾ [الماعون، 4]، أنت المصلي، ويلٌ لك. هذا هو المنطق الإسلامي في قضية الإيمان.
فإذًا، كل منّا بمجرد ما يرى ميتًا، يقول (نش نش نش نش)، ويقول لا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول إنّا لله وإنّا إليه راجعون. ولكن هل هذا هو الشعور الإنساني؟ هذا ليس فضلًا لك، أساسًا، الله حينما خلقني خَلَقَ في نفسي الشعور بآلام الآخرين. الفضل يكون لي إذا جسّدتُ هذا الشعور، ونميتُه وجعلتُه ينطلق إلى العمل الخارجي، إلى المساعدة الفعلية، إلى المساهمة في تخفيف آلام الآخرين. هذا هو الإيمان، ومن دون هذا فلا إيمان ولا أمان ولا تصديق برسالة رسول الله. هذا المفهوم الصحيح عن الإيمان، المساعدة العملية يعني أنت تشعر، وأنا أشعر بأن وجودي لا ينتهي عند نفسي وعند أولادي وامرأتي، أو عند بعض أقربائي. أنا سعادتي بسعادة مجتمعي وشقائي بشقاء أمتي؛ أنا لا يمكن أن أسعد بين مجتمع فقير أو مجتمع محزون أو مجتمع مريض؛ متى أسعد؟ حينما أعيش معهم، حينما أسعد معهم، حينما أساعد في رفع معنوياتهم، حينما أساهم في تخفيف الآلام عنهم، حينما أبذل سعيي لنصرتهم ولتأييدهم.
هذه هي حياة الإنسان. والعيد أيضًا، تجسيد لهذه المفاهيم لأن البركة الإلهية لا تنزل إلا إذا كان الإنسان يشعر، لماذا قيل [إنه] على الحاج بصورة واجبة، وعلى المسلم غير الحاج بصورة مستحبة أن يقوم بذبح خروف، بأضحية وسمي العيد بالأضحى؟ طبعًا لا يعني الاكتفاء بشيء معين، إنما هذا رمزي... تعبير أنك أيها المسلم لا يمكنك أن تفرح ولا يمكنك أن تأكل الطيبات في يوم العيد إذا ما أدخلت في بيت جارك ولو على الأقل كفًا من اللحم. في باب الإفطار، وفي خطبة الرسول الأكرم (عليه الصلاة والسلام) يقول: ألا من فطَّر منكم صائمًا -هذا بشهر رمضان- كان له بذلك العتق من النار، يقول أحدهم: يا رسول الله نحن لا نملك شيئًا حتى نفطّر الناس. قال: اتقوا الله ولو بشق تمرة، اتقوا الله ولو بشربة من الماء. هذا ألا تقدر [أن] تعطيه؟ شقفة من تمرة، المقصود أنك تحس وتمارس هذا الإحساس. عندك خبزة واحدة، خذ ثلث هذه الخبزة الذي لا يقلل ولا يزيد. تأكد أنت أن المآكل التي نحن نأكلها أكثر من حاجة جسدنا، هذا رأي طبي. الأكل الذي يأكله الإنسان الشرقي، هذا أكثر من حاجته بثلاثة أضعاف. أنا أؤكد لك لو أكلتَ، أو أكلتُ أنا ثلث هذا الأكل لن تموت، ستبقى نشيطًا قويًا صحيحًا سليمًا. أكثر الأكل الذي نحن نأكله يُرمى خارجًا. إذا خصصت ثلث هذا الرغيف، وشاركتُ جاري أو فقيري أو رحمي، من باب المثل التأكيد على المشاركة الواسعة على أن لا تكون أنانيًا، لا تفكر إلا في نفسك؛ هذا المطلوب في الإسلام.
أنت يوم العيد تحضر الطيبات إذا تمكنت، ولكن لا هناء لك إذا ما أدخلتَ في بيت جارك كفًا من اللحم، أو كمية من الخبز، أو شيئًا يؤدي إلى دخول الفرحة في قلوب أيتام هذا البيت أو فقراء هذا البيت، هذا رمزي. الزيارات والمعايدات رمزية، تعبير عن المحاولة لصفاء القلب وللمشاركة مع الناس.
نكتفي بهذا الحد أيها الإخوة الأعزاء. العيد وكسب بركات العيد بأن تحاول إدخال الفرحة في قلوب الناس، وفي نفوس الناس، وأن تمارس شعورك بالتخفيف عن آلام الآخرين؛ وأن تحاول التحسين في الوضع، صفاء القلب، غسل الأحقاد، مصافحة ومعاتبة وزيارة للأشخاص الذين قاطعتهم خلال السنة، وإدخال سرورٍ في بيت أو بيتين. أما كنت تحب أن تحج في هذه السنة، فتأكد أنك إذا أعلتَ أهل بيت من المسلمين، فكسوتَ عراهم، وأطعمتَ جياعهم أحب عند الله من حجة وحجة وحجة إلى سبعين حجة كما يقول الحديث الشريف، فيما عدا الحج الواجب كما نحن نعرف.
فإذًا، نحن في هذا اليوم نسأل الله أن يباركه لنا، ومباركة هذا العيد علينا بأن نحاول تجسيد شعورنا وتحقيق ما نحس به بالنسبة لمشاكل الآخرين وصعوبات الآخرين، وهكذا نتمكن أن نعيش سعداء. ومباركة هذا العيد على أمتنا أن نشعر نحن كأفراد بأن ما حصل وما يحصل هو جزء مما أردنا، جزء مما أردنا، ليس كله: ﴿ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون﴾ [الروم، 41]، الله ضربنا هذه الضربة حتى نرجع، ليست هذه الضربة كل ما نستحق، نحن نستحق أكثر من هذا، فالذي نُكبنا به وضُربنا به، ما هو إلا جزء مما نستحق من العذاب من جراء خلافاتنا وأنانياتنا ومزاجراتنا ومزايداتنا واستغلالنا وتجاهلنا لحقوق الآخرين، وإهمالنا لواجباتنا العامة جزء مما نستحق لعلنا نرجع.
رحمة الله لا تزال تنتظر عودتنا إلى الخط، وتصحيح أخطائنا. نرجو أن يكون في هذه السنة ما يشجعنا للاستئناف وللأمل وللفرحة في العيد المقبل.
والسلام عليكم ورحمة الله.
_____________________

[*]- من أبيات تُنسب للإمام علي بن أبي طالب: داؤك منك وما تبصر                    دواؤك فيك وما تشعر

source
عدد مرات التشغيل : 14