المهدي والمهدوية

الرئيسية آخر الأخبار تفاصيل الخبر
calendar icon 24 تشرين الثاني 1970 الكاتب:موسى الصدر

من هو المهدي المنتظر في العقيدة الشيعية؟ وهل المهدوية فكرة إسلامية أصيلة؟ وهل هي نتيجة الشعور بالاضطهاد؟ ما شروط انتظار المهدي؟ وما حقيقة عمره وتفسيره العلمي؟ أسئلة لا تزال تُطرح حول المهدي، وللإمام الصدر أجوبته عن هذه النقاط، نستقيها من محاضرة "أسباب تأخر المسلمين وكيفية معالجته 2" بمناسبة ولادة الإمام المهدي في الخامس عشر من شهر شعبان الفضيل. 

*"أسباب تأخر المسليمن وكيفية معالجته 2"، 24 تشرين ثانٍ 1970، تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.
[...]
س: يقول البعض إن فكرة الإمام المهدي المنتظر عند الشيعة، منشأه من جراء ما لاقوه من اضطهاد وتعذيب، وهذا ما حدا بالشعوب والمذاهب الأخرى إلى القول بهذا القول، كفكرة المسيح، والمخلص وما إليها؟

ج: يا سيدي، فكرة الإمام المهدي المنتظر فكرة إسلامية وجزء من عقيدة الشيعة ومع قطع النظر عن الاضطهاد، هناك أدلة صريحة وروايات متواترة من النبي الكريم. ونص الرواية المتواترة هو: لو لم يبقَ من العالم إلا يوم واحد، لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج رجلًا من ذريتي اسمه اسمي وكنيته كنيتي يملأ العالم قسطًا وعدلًا بعد ما مُلىء ظلمًا وجورًا. فكرة المهدي جزء من عقيدتنا. نحن نؤمن بالمهدي إيماننا بالإمام علي، وإيماننا برسول الله. كشيعة جزء من عقيدتنا. وحتى الروايات الواردة عن الرسول الأكرم، حول المهدي (عليه السلام) متواترة عند الفرق الإسلامية الأخرى تمامًا. وقد لاحظتُ واتصلتُ وقرأتُ في أكثر من كتاب، والتقيتُ في مصر في هذه الرحلة الأخيرة بكبير الحفّاظ، الذي اسمه الشيخ حافظ التيجاني، فسألته عن رأيه بالأحاديث الواردة حول المهدي، فقال نحن نؤمن بذلك، وكثيرين من الإخوان، غير الشيعة، يؤمنون بالمهدي.
هذا ليس انعكاسًا عن الضغط إطلاقًا! عقيدة ثابتة. ولكن لهذه العقيدة تأثيرات على الوضع الاجتماعي إذا فهمناها بالشكل الصحيح. اسمحوا لي أن أوضح هذا الموضوع بشكل أوسع قليلًا.
الحقيقة أن فكرة المهدي في الأساس، وفكرة المهدوية ما هي؟
فكرة علمية واضحة مقبولة عند الجميع. نحن نشعر بأن الإنسان في تكامل دائم، أليس كذلك؟ الإنسان دائمًا يتفاعل مع الحياة، مع الكون، يكسب خبرة جديدة ويجرب تجارب جديدة، ثم يخطو خطوة نحو الكمال. الإنسان على طول في تكامل. نعم! هناك انحدارات في الحضارة الإنسانية نعتبرها تجارب، يعني مثلًا الحضارة إذا لاحظنا (graphic) الحضارة الإنسانية يبدأ من الأرض من الصفر ويرتفع، ولكن أحيانًا ينزل ويطلع وينزل ويطلع ولكن بمجموعه في صعود دائم. أحيانًا، فترات الانحدار هذه تأخذ مئة سنة، مئتين سنة، ثلاثمئة سنة، خمسمئة سنة، لكن هذه الانحدارات في تاريخ الإنسانية فترات محدودة تُعَدّ، والإنسان في خلال هذه التجارب دائمًا يسعى نحو الكمال.
فإذا لاحظنا النشاط الإنساني في مختلف جوانبه، يعني في حقل العلم، في حقل الأخلاق، في حقل المذهب، في حقل الفلاحة، في حقل التكنولوجيا، في حقل الفلسفة، في أي حقل، نجد أن الإنسان دائمًا جهة السير له نحو الكمال، ولأجل خلقٍ أفضل. هذا الاتجاه نحو الكمال له غاية، له نهاية، له مثالية. المثالية الكاملة في كل شيء هو اكتشاف كل الحقائق. الإنسان في الحقل الاجتماعي أيضًا له تجارب، جرّب مدة الاستبداد، جرّب مدة (Féodalité) الإقطاع، جرّب مدة طويلة الرأسمالية، الآن يجرب الإنسان الاشتراكية، بألوان وأشكال مختلفة جرّب الديمقراطية، جرب الاستبداد، جرب الجمهورية، جرب الملِكية، وهكذا الإنسان في تجربة دائمة ومع كل تجربة يستفيد، يفشل، ينجح، يتجه إلى الكمال.
أفضل الأنظمة الممكنة، أو النظام المثالي الذي ينشده كل متحرك، أن نجد نظامًا يكون الإنسان فيه، يجد أمامه فرصة للنمو في جميع الكفاءات. لا تكون فرصة الدراسة محدودة لفئة دون فئة، لا تكون فرصة الشغل محصورة بفئة دون فئة، لا يكون فرصة إرضاء الطموح مختصرة على فئة دون فئة. المجتمع المثالي الذي لا يكون فيه ظلم. المجتمع المثالي، حسب ما يقول المثل، أن يشرب الغنم والذئب من مورد واحد، هذا المثل الشعبي الشائع يعني. النظام المثالي الذي ينشده الإنسان، وأيُّ نظام آخر حتى ينجح له شرطان:
الشرط الأول، الاستعداد، استعداد القبول عند الناس. الناس كيف يستعدون؟ إما يتعبون يهلكون، يتعبون من الفشل الذريع؛ إما يكتملون فيرون الكمال، يصير عندهم استعداد لقبول أي فكرة تلبي حاجاتهم، الاستعداد.
الشرط الثاني، القائد. كفرد أو كجماعة، تعبِّر عمّا في نفوس الناس... الثورات التي تنجح في العالم كيف تنجح؟ قائد الثورة أو قواد الثورة يطرحون شعارًا، هذا الشعار يلبي حاجات الناس وأحاسيس الناس فيلتفوا حول الثورة وتنجح.
بنفس السبب الأنبياء ينجحون. النبي يقدم رسالة إلهية، هذه الرسالة الإلهية تلبي حاجات الإنسان في مختلف جوانبه، ولذلك، يُسند النبي فينتصر النبي. وإلا الفرد أو مجموعة قليلة من الناس، لو ما كان أمامهم تلبية عامة أو شعور بأن هذه الرسالة تلبية لمشاعرهم، لا يمكن أن تنجح أيّ حركة أو أيّ ثورة أو أيّ ديانة في العالم. حتى القرآن الكريم يصرح بأن الدين فطرة، يعني النبي حينما يبشر الناس بالدين، يجد في نفوس الإنسان تلبية، لأن فطرة الإنسان تلبي حديث الرسول. فإذًا، أيّ حركة ناجحة، وأيّ نظام يريد أن ينجح له شرطان: الشرط الأول الاستعداد في النفوس، الشرط الثاني الداعي، القائد أو القواد.
الشرط الأول، يتوفّر نتيجة للتجاوب، المجتمع المثالي، حينما يكون عند الناس الاستعداد الدائم، أو [على] حدّ تعبير هذا الحديث حينما امتلأ العالم ظلمًا وجورًا، والناس يرغبون أن يجدوا عدلًا وقسطًا. المبشِّر بهذا النظام هو المهدي. فكرة المهدي، هذا هو المبشر بالنظام المثالي الذي يلبي حاجات المجتمع المتعطش. هذا هو المهدي، هذه فكرة المهدي، ليس الاضطهاد الذي يدعو إلى فكرة المخلص عند المسيحية أو عند الشيعة أو عند السنة أو عند الفئات المختلفة. حتى الإنسان غير المضطهد، الرغبة في الكمال تجعل في نفسه استعدادًا لقبول دعوة المبشر. فإذًا، المهدي مصداق للقائد الذي يبشِّر بالنظام المثالي، وينجح حينما تكون الاستعدادات والنفوس مهيأة لقبول هذه الدعوة.
من هو المهدي؟ للشيعة رأي خاص يقولون رجل من ذرية رسول الله اسمه اسمه وكنيته كنيته، ولهم عقيدة خاصة بالنسبة للعمر والولادة؛ بحث كلامي، قد نطرحه في مكان آخر إذا أردتم، وبعد ذلك فكرة المهدي وتأثيرها على المسلمين، هذه النقطة التي أريد أن أقف عندها بعض الشيء. وطالما معًا رح أرجع لنفس السؤال، مسألة العمر.
فكرة المهدي كانت فكرة خدمت المجتمع الإسلامي خدمتين عظيمتين:
الخدمة الأولى، الأمل الدائم، لأنه بلغ الأمر في سابق الزمن -وربما اليوم نفس الشيء- بلغ الأمر بالمسلمين إلى أن أبواب العالم كلها سُدَّت في وجههم. أهل الحق كانوا مضطهدين، مشردين، منبوذين، في هذه الفترات العصيبة من الضغط، لو ما كان من أمل كانوا يستسلمون (أهل الحق) ويذوبون في مجتمع طاغٍ، أو أمام سلطان جائر، أو أمام استعمار مسيطر. لو ما كان من أمل كانوا يذوبون. ما الذي أبقى الأمل في هذه النفوس؟ فكرة المهدي. يعني مهما بلغنا من الظلم والاضطهاد والصعوبات والمشاكل، كنا نشعر بأنه لا، هناك يوم ما انتهينا، سوف يبعث الله رجلًا، سوف يأتي مخلص، سوف...، سوف... هذا الشيء حفظ لنا الأمل، هذه النتيجة الأولى من فكرة المهدوية.
النتيجة الثانية، وأرجو الانتباه لها، فكرة المهدي جعلت المؤمنين بالفكرة في استعداد دائم... استعداد دائم، لأننا كنا نؤمن بالانتظار. ما هو الانتظار؟ الانتظار يعني الاستعداد. الآن إذا أنت كنت على موعد مع شخص، الساعة تسعة صباحًا مثلًا، رحت إليه في البيت وجدته لا زال في الفراش غير قائم من الفراش، وغير مستحم وغير مرتدٍ ثيابه وغير مستعد للخروج... هل يصحّ أن يقول لك أنا كنت منتظرك؟ هذا ليس انتظارًا. الانتظار هو الشخص الذي هو مستعدٌ لحظة ما أنت تدقُّ الباب، يكون حاضرًا. هذا مفهوم الانتظار. وفي الأدعية الواردة حول المهدي، ومنها دعاء العهد، هذا واضح، أنه شاهرًا سيفي يعني شخص المنتظر هو المستعد للخروج، وكان عند أهل الحق. أتذكر استعداد دائم حتى مؤخرًا، أنا متذكر كنت طفلًا، وكنا نسكن في أيام الطفولة في مشهد الإمام الرضا في خراسان، وأبي كان رجل دين كبير... أنا متذكر أن أبي كان يقتني سيفًا طويلًا (بوقتها ما كان كلاشينكوف، هلق كلاشينكوف لازم نقتني)، في مخزن من مخازن بيتنا، والذي قدّم له هذا المخزن رجل دين زاهد وتقي. فآباؤنا والمؤمنون كانوا على استعداد دائم للخروج. هذا مفهوم الانتظار، غير المفهوم أنه كل شيء... نحن لا نعمل شيئًا، صاحب الزمان يجيء يصلح الشأن. هذا ليس انتظارًا، هذا تمامًا مثل التحريف الذي حصل في مفاهيم إسلامية أخرى.
فكرة المهدي أمل واستعداد. هذه هي فكرة المهدي، ولا شك أن هذه الفكرة خدمت كثيرًا، وإذا صححناها اليوم في نفوسنا تخدم كثيرًا.
أما مسألة العمر يا أخي، مسألة العمر، مسألة علمية مفسَّرة، أوجزها بكلمات حتى لا أخرج عن خط الحديث.
في الحقيقة أن الإنسان حينما يموت في هذه الفترة المعينة من الزمن، نحن... الإنسان يموت أحيانًا أربعين، خمسين، ستين، سبعين، تسعين على مختلف المراحل؛ الموت بهذه الصورة أمر غير طبيعي. الموت في هذه الصورة ناتج إما عن الجراثيم، وإما عن سوء في التغذية، وإما عن عدم تمكن [من] إنتاج الخلايا خلايا شابة هناك أسباب للموت، وإما حوادث مفاجئة. فإذا تقدم علم الإنسان فقضى على الجراثيم وقضى على شيخوخة الخلايا وقضى على الحوادث، وقضى على سوء التغذية يعمِّر أكثر من هذا المبلغ. وبتعبير فلسفي، حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز على حدّ سواء. يعني الإنسان الذي ممكن أن يموت في أربعين أو خمسين أو ستين أو تسعين ممكن أن يموت في مئة ومئتين وثلاثمئة وأربعمئة وألف. وهذا المفهوم، إمكانية تطوير عمر الإنسان، مفهوم بديهي وعليه محاولات واسعة النطاق في الأوساط العلمية العالمية؛ هناك المئات من العلماء دراساتهم كلها حول كيفية إطالة عمر الإنسان.
وهكذا نجد أن الإنسان بطبعه يشعر وحتى علماؤه يعرفون بأنه يجب أن نموت بهذه الفترة التي نحن نموت فيها. وعلى الصعيد التجريبي نحن نجد معمّرين كثيرين بين بني الإنسان. نجد حيوانات تعمّر ألف سنة أو يزيد، نجد أشجار تعمّر ألف سنة أو يزيد، ولا تقل أن هناك فرق بين الإنسان والأشجار والحيوانات. سبب طول العمر واحد، يعني الإنسان كموجود يختلف عن هذه الآلة. الآلة خلاياها ثابتة واحدة تُستهلك، فتنتهي. الإنسان خلاياه تتغير دائمًا، خلاياه يعني أنا كل خلية عندي تنمو وتولِّد ثم تتحول إلى أوساخ وتخرج من الجسد. يعني اليوم الخلايا الموجودة في جسمي وجسمك كلها جديدة. قبل 13 سنة أو 12 سنة ما كانت ولا خلية واحدة بجسمك من الخلايا الموجودة عندك. الإنسان ليس موجودًا واحدًا، موجود متبدل دائمًا؛ خلية تتحول إلى خلية ثانية، خلية ثالثة خلية رابعة. فإذا تمكَّن العلم من أن يؤمِّن للإنسان ظروفًا حياتية، تتحول الخلايا من دون أن تشيخ، أو تصطدم بالجراثيم، والميكروبات، أو تعمل حوادث، يتمكن الإنسان أن يعيش طويلًا. والحيوان خلاياه متعددة ومتبدلة، والأشجار خلاياها متبدلة ومتعددة.
وعلى الصعيد الإسلامي، القرآن الكريم يصرِّح في واقعة نوح أنه دعا قبل الطوفان ﴿ألف سنة إلا خمسين عامًا﴾ [العنكبوت، 14]، والذي يؤمن بالقرآن الكريم طبعًا يصدق ويصدق إمكانية هذا الشيء. ثم في سورة يونس، وفي واقعة يونس، صاحب الحوت: و﴿لولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون﴾ [الصافات، 143-144]. ولذلك، بإمكاننا أن نؤكد إمكانية طول عمر الإنسان أكثر بكثير مما نحن نعمِّر كما يبدو ذلك، في الأرقام المنتشرة من قبل مؤسسات عالمية، أن عمر الإنسان المعاصر في زيادة أيضًا، معدل العمر قبل عشر أو 15 سنة كان شيئًا، اليوم معدل العمر زِيد عليه عشر أو 15 سنة أخرى. وهذا بحث طويل ذكرت بعض رؤوس أقلام حتى إن شاء الله نتمكن في فرصة ثانية من أن نتحدث فيها.
[...]

source