إن الفكر هو السمة المسيطرة على كل جوانب شخصية الإمام في رضاه وغضبه في كلامه عن السياسة أو المجتمع. ونطقه بأحكام الشريعة بمقاصد الأحكام برميها إلى قلب السامع وذهنه فينشدُّ السمع إليه أسيراً لمبتغاه وترهف الحواس مشحوذه وهي تتابع الألفاظ المثقلة بحمل المعاني ورسم الصور حتى يلين البيان طيِّعاً له فيصدق التعبير كصدق ومصداقية صاحبه الإمام، فيخال السامع أنه ينطق بما عجز عنه فيوكِّله قيادة الثقة والحب مع خفق القلب. يعيش القارئ لفكر الإمام موسى الصدر في مدرسة آداب فيبين كلامه وكأن أدب الحديث او حسن تأديب الرسالة للمؤدَّب. والفكر عند الإمام ليس ترف شاعر وناشر، بل مخزون كلمة البركان في مسيرة التغيير. فلا مغالاة إن قلنا انه امة في رجل أو رجل في أمة. واستخدم القرآن الكريم هذا التعبير في وصف النبي ابراهيم عليه السلام بأنه كان أمة وذلك لدور ابراهيم في التصدي وثنية عصره ونشر الإيمان في مجتمعه بعد ان كان وحيداً.
ويصعب على المرء أن يصدق ان الإمام الصدر يُسجن أو يُخطف وكأن الأمر احد خوارق الطبيعة ذلك الاحساس بإخفاء الإمام يكون اشبه بخوف الناس من الزلازل أو الفيضان وكأن كسوف وخسوف الشمس والقمر. بل الحدث أشبه بسرقة وهج الثورة والشهيد. من سولت له نفسه إختلاس الدمعة من مآقي الحسينيين، وأي شاذ عن الفطرة في تحليل حرام او تحريم حلال، من حبب القاتل والسارق والجلاد في نفوس وقلوب البؤساء، من يستطيع سجن الشمس يمكنه ان يصدق ان الإمام الصدر يُغيب ولكن دون نسيانه والبعد عن خطه وتعاليمه كل المعجزات.
إليك ابا صدري حنّ القلب واشتاق الخطاب إليك يا غفاري هذه الامة وسلمانها ومقدادها تتوجه أفئدة اخوانك وتلامذتك في ذكرى امتداد خنجر يوضاس نحوك، من البقاع وأنت حلمه وحكايته للمجد والخلاص ومن الجنوب الذي يجيبك يا داعي الله من بيروت العاصمة القلب الذي يخفق دلالة حياة الوطن ومن الشمال الذي أرقك حرمان إنسانه في هذا الموقف نأخذ منك يا سيدي لنرجع إليك. ولنوفي العنوان بعض حقه نعود إلى رحاب عملك ومحراب جهادك.
وهكذا تتمايز عظمة المجاهدين والمصلحين والقادة والباحثين والعلماء والشهداء بمقدار الدور الذي يتكفلونه والأثر الذي يتركونه، فالفرق كبير بين ان يكون النتاج للذات وبين نتاج لذات الامة لتتجسد آمال الأمة وآلامها فيمن يمثلها وينطق باسمها.
بعد جفاف في تاريخنا وعطش لإنساننا ومجتمعنا وإنتظار طويل كان حضور الإمام موسى الصدر في الوطن لبنان متسلحاً بعلم أبى ان يكون إلاّ لله مع قوة الشخصية وعزيمة لا تلين في وجه المصاعب.
وسرعان ما ترجم إيمانه بربه ودينه، الإسلام القرآني كا يفهمه موسى الصدر إلى ساحة جهاد عنوانها رفض الظلم بكل اشكاله، إتقاءً لنار التخلف والمرض والجهل والتفكك "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكه النار".
فقيامة وطن العدالة والمساواة خير رد على أعداء الوطن وأفضل وسيلة في تمنيع وتحصين ولاء المواطن للوطن ولتتحول التوارات على الوطن إلى الوطن. كما ان بقاء ابناء ست وجاريه وصيف وشتاء على نفس السطح، لن يكون إلا اداة تخزين الإنفصام بين المواطنين بل وتخزين الصواعق التي تفجر الوحدة الوطنية وشر معول هدام لصرح الوطن ووحدته أرضاً وشعباً ومؤسسات. إنها ثوابت الإمام بأن لا يتحول الشعب إلى مجتمع استهلاك فيعتصر لصالح المحتكرين بالإضافة لإمتيازات فئة على حساب جيش عمال البلدية والبور والطاولات وعمال المصانع أصحاب الدخل القليل.
إن نعمة الاوطان في نظر الإمام يحافظ عليها بألا يستجدي مواطن حقه في وطنه. فالحق للمواطنين وليس للطوائف وطائفية الطوائف ومواريثها وحساباتها وحتى لا يسقط المواطنون فريسة اطماع الأعداء لهم والوطن على حد سواء، وبعدها تضيع الأصالة وتنتهك السيادة وكل ذلك نتلافاه بإلغاء الطائفية السياسية في الوطن لبنان لتكون الكفاءة هي المعيار لأي مركز وموقع وذلك نابع من فكر التشيع عند الإمام الصدر ذلك الفكر الذي يرفض تولي المفضول مع وجود الفاضل من اجل صياغة فن العدالة في المجتمع لوضع الإنسان المناسب في المكان المناسب.
وكم كان اهل الحكم قد وفروا على لبنان من مآسي حين حذر وكانت المهرجانات أن استفيقوا قبل خراب الدور والقصور.
انبلج فكر الإمام الصدر مع المجتمع حركة وعي وقيم ومواثيق شرف في الأصلاح والمصالحات بين الأهل لإبعاد شبح الفتن عن الناس وحتى لا تبقى سياسة فرق تسد ولنشهد مقولة بقاعي من الجنوب وجنوبي من البقاع. وكان الخطاب والمحاضرة في محافل الأهل والجامعة والكنيسة والحسينية والمسجد كما إحياء ذكرى الشهداء وعيد المعلم ودعاء السحر.
والمؤسسات والمبرات بيوت الأيتام وأصحاب الحاجة وسائل توجيه وتصنيع وتمنيع في وجه المستعمرين والمستثمرين.
احبه المسيحي كما المسلم في انشودة العيش المشترك واحترمه المحازب ولو تلقى غصن موسى الصدر المثمر حجارة احيانا، فأصبح العلم والمنارة للفلسطيني واللبناني ليكون المحرومون في أرضهم اخوة للمحرومين من أرضهم. وهكذا لا يهدأ الصدر دقيقة واحدة عن نفض غبار العصور عن المواطن والفكر وتصويب الهدف إلى الحق والحقيقة الهادفين.
ويرمي الإمام الصدر ببصره نحو القبلة في لبنان الجنوبي بما للجنوب من نصيب في الموقع والمسؤولية تجاه فلسطين السليبه وإسرائيل الغاصبة، فتدخل كلماته قلب المجاهد لصناعة تاريخ نكتبه بأيدينا. "اسرائيل شر مطلق والتعامل معها حرام" فيلتهب الصدريون حماساً لمقاتلة اسرائيل وليصلي على فدائي ارتفع إلى ربه في كفرشوبا ساعة قلَ المعتبرون والمتبرعون وساعة رأى الأزمة الشرق أوسطية تُكنسُ إلى لبنان ومن لبنان إلى جنوبه ليصبح كل الجنوب في ثلاجه الازمة والمؤامرة إقتصاداً وعمرانا ومستقبلاً فثار وبلغ "لا نقبل ان يبتسم لبنان ويبقى جنوبه متألما". "والجنوب أمانة يجب ان تحفظ بأمر من الله والوطن". وجاوب إنسانه حركة أمل على ذلك "بأنه ليس أغلى من الجنوب إلا الرب الذي خلق الجنوب".
ولا غَرْوَ ان تقرأ ماضى موسى الصدر حاضراً اليوم ويستمر ليقاتل العصر الصدري العصر الإسرائيلي.
ونظر الإمام إلى التكامل مع سوريا الشقيقة مع قدر في الموقف تجاه الذين يكيدون لسوريا وعروبتها ورئيسها وشعبها وكانت الكلمة العنوان من يستطيع ان يزوِّر التاريخ لا يستطيع تزوير الجغرافيا وليس غريبا ان نكون كحركة أمل قد كتبنا بدمائنا أكثر اسطر المعاهدة السورية اللبنانية.
دخل الإمام الصدر ضمير شعبه فأصبح انشودته وقسمه ولم يقل له احد اذهب انت وربك فقاتلا إنّا ههنا قاعدون، بل هب جيش المحرومين يسيِّج القائد بحبات القلوب وبتلبية قل نظيرها في التاريخ وذلك لنهجه وخطه وحركته وبرهن ابناء الإمام وأخوته وجمهوره الحقيقيون على أنهم ليسوا من الشعوب المهزومة والضعيفة التي تحطم رجالها العظام كما الأطفال تحطم دماها ولعبها ثم تبكي عليها قوى موقعهم به وقوى بهم وتوحدوا بعد تركه من التخلف ولا اصعب إلى ان وصل بهم الشعار "بالروح بالدم نفديك يا إمام". ولا ادري اهو شعار أم تطبيق شعائر...!
وسار على نهجه الشهداء بقبضة الإيمان في وجه القبضات الحديدية الإسرائيلية فشهرت الأمة تراثها في وجه اعدائها قبل ان تشهر سلاحها فأنجب فكر موسى الصدر المقاومة وآذان التحرير في بلال فحص وحسن قصير، محمد سعد وخليل جرادي والسيد عباس الموسوي، ابو زينب وسناء محيدلي ونزيه قبرصلي وكسر الحسيني والزينبية عقدة الخوف فواجهوا الأعداء بملكة الشهادة والجهاد فاستخدموا الحجر والزيت المغلي والجسد ومنظر العين غير خيال الفكر.
وهذا في يقيني ما ولد حجر سجيل فلسطين في إنتفاضته ليعانق جنوب لبنان جنوب فلسطين كما حمل فكر الإمام الصدر في حتواه حركة تمرد على الفكر التعريبي الهادف إلى غسل الأدمغة والفرنجة لأجيالنا. لقد كفل العميل معمر القذافي في مهمة إخفاء الإمام الصدر وإزاحته عن ساحة جهاده كوجه من اوجه مؤامرات معمر القذافي.
الكل يعلم ان القذافي أتى للحكم بدبابة سوبرمانية وحيدة ضد دولة السنوسي مُلَمَّعاً على اساس أنه مسلم وعربي رغم وجود قاعدة ويلسْ الأميركية وقواعد بريطانية العسكرية وإيطاليا ايضاً. وفجأة بعد ان استقر له الحال يعلن أنه عربي "واحرقوا الكتب الماركسية" ولا ينسى أحد كيف انه اشترى السلاح السوفياتي آنذاك برضا أميركي لأن السوفيات كانوا بحاجة للعملة الصعبة لشراء القمح الأميركي علما ان القذافي أُعطى من السلاح النوعي ما لم يعطاه الرئيسان عبد الناصر وحافظ الاسد.
وسرعان ما يعلن نفسه بطلاً للوحدة العربية التي تدغدغ خواطر الامة. ولكن تلك الوحدة التي يعلنها القذافي فاشلة تحمل بذور موتها قبل ولادتها مع السودان، والمغرب، والجزائر ومصر وسوريا حتى ييأس الناس من الوحدة. وهكذا باسم الوحدة يقضي على الوحدة.
وباسم الإسلام يحاول ان يجهز على الإسلام حين يشك في جمع القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والسنة النبوية ايضاً.
وباسم العروبة يخرج عن العروبة وعن جامعتها جامعة الدول العربية ويرسل بمئتي حاج ليبى إلى القدس المحتلة من العدو الإسرائيلي "اخواله" وذلك حتى قبل إتفاق اوسلوا.
ومن المعروف ايضاً أهداف المسرحية الأميركية في مهاجمة ليبيا لذرِّ الرماد في العيون ولتكريس حكم معمر القذافي الذي يعترف باسقاط طائرة لوكربي والطائرة الفرنسية وتكليف الخزانة العربية الليبية بالعديد من مليارات الدولارات لأهل الضحايا حيث كل العقل والضمير يرفض الأرهاب والأعتداء على الآمنين والأبرياء أينما كانوا في البر والبحر والجو.
ومن هنا نعرف سر الكيد للإمام موسى الصدر من قبل ذئب الصهيونية معمر القذافي حيث كان الظن بانه إذا فقد الرأس ضاع الجسد وضاعت تجربة الإمام الصدر وضاع فكره ومبتغاه في إيجاد المقاومة في وجه اسرائيل من جهة والحفاظ على وحدة لبنان وعروبته من جهة أخرى. مع الحادي والثلاثين من شهر آب في كل عام يستفيق المخطوفون في ذكرى المخطوف لتجديد العهد غير آبهين بوعوره المسلك ووخز الأشواك.
كما تستفيق انه الإعلام المأجوره لتلميع صورة معمر القذافي الإرهابية مع تناقض في الكلام والموقف عند تلك الأجهزة الفاقدة للحياء وقيم الإعلام حيث تخدر ضميرها المزعوم بأموال معمر القذافي.
سيبقى فكر الإمام الصدر مداد الحقيقة لنضال كل الأحرار وسيبقى فكر الإمام الصدر ملهماً لعشاق الحرية والوحدة ومناراً للثائرين ضد الظلمة والجلادين.
ونخلص إلى القول ان فكر الإمام موسى الصدر حقق نتائج اهمها:
1- لقد حقق فكر الإمام الصدر حضوراً للذين لا صوت لهم ليكون لكل منهم صوته وإرادته وفعله وخياره الحر.
2- لقد قهر فكر الإمام موسى الصدر بسنته الحسنه في مشروع المقاومة، وحقق النصر على جيش اسرائيل الذي لقبوه بالجيش الذي لا يقهر.
3- اسس وحدة لبنان وعروبته.
هذا هو الإمام الصدر الذي هو في نظري أكبر من مصلح وأصغر من معصوم. ونحن في حركة أمل كلمة الإمام الصدر وإرادته ردنا على إخفائه العهد بالوفاء للإمام وقيمه وتعاليمه لربه قيدنا ديننا ولو قبضنا على الجمر.
وامل بنصر الله