من خطف عباس بدر الدين، ذلك الصحافي المربوع القامة على رشاقة والأبيض الوجه البشوش على عصبية مكبوتة، عباس الدمث، الدقيق الرقيق والسلس المقتر والهادئ، من خطفه، ولماذا؟
لقد كان هذا الصحافي يمتلك في منطقة اللعازارية "وكالة أخبار لبنان" التي تعاونت معها لفترة غير قصيرة في السبعينات مع الزملاء محمود زين العابدين، علي القيسي، وسكرتير تحرير جريدة "السفير" حالياً محمد بنجك.
وبرأيي إن العمل الصحافي في وكالة أنباء محلية هو مهم في إعداد الصحافي المبتدئ وهو مهم وأساسي جداً لمن يريد امتلاك خبرة مركزة فعلاً، باعتبار أن الوكالة الصحافية تساعد الصحافي المبتدئ على التنوع في التعامل مع مصدر المعلومات وتكثف نشاطاته وتضمن له المتابعة الدقيقة لسيل المعلومات المكشوفة أمامه، كما هي تقلبه على مدارج كتابة الخبر والتحقيق والريبورتاج كما توجده في مصادر الأحداث المتنوعة والطارئة، كما هي تؤثر على معنوياته تأثيراً كبيراً عندما يجد خبره موزعاً على أكثر من صحيفة أو وسيلة إعلام.
العمل الحيوي
من هذا المنطلق اعتبرت أن العمل بالوكالة المحلية أمر حيوي في تجربتي الصحافية في ذلك الحين، فكيف الحال وقد تعاونت مع أستاذ محترف في هذا المجال وصائغ الأخبار الذهبية الزميل الغائب عباس بدر الدين!
لم يكن لعباس بدر الدين ارتباطات سياسية غير عادية في كل ما كان يحيط بحياته ونشاطاته واهتماماته فهو فقط قارب وصادق الإمام السيد موسى الصدر متابعاً مثلنا مرحلة صعود هذا الشهب الذي اخترق الحياة السياسية اللبنانية بلغز كبير لم يزل قائماً إلى جانب لغز اختفائه عن مسرح الأحداث ... ولكنه فتح لأقرانه رجال الدين خاصة الشيعة في أن يلعبوا درو القادة السياسيين في لبنان.
وأعتقد أن علاقة عباس بالإمام الصدر هي علاقة عادية يغلب عليها الانتماء الشيعي والجنوبي الصرف والعلاقة الصحافية بمعنى العلاقة العامة التي كان أكثرية الصحافيين مأخوذين بها في ذلك الوقت!
بدا عباس مهتماً ومتابعاً يومياً لنشاط وأخبار الإمام الصدر ونشاركه في الوكالة بهذا الاهتمام والمتابعة لكون الإمام الذكي الدمث والفطن والمحبب وكأنه أحد كبار كرادلة "الفاتيكان" لإتقانه اللغات الأجنبية ولعيونه الخضر وسحنته الجميلة وطول قامته ووهرة حضوره وطلته وفعاليته وأناقته الدائمة الفياضة على هالة من سحر الشخصية وجاذبيتها.
وكان الإمام الصدر يزورنا أيضاً مع مرافقة المهضوم والكثير الحيوية والشك والحذر الشيخ يعقوب في الوكالة لترتيب الأخبار أو للاطلاع على بعض الأحداث أو لمناقشة المستجدات السياسية، وربطتني به صداقة خاصة؟
وذات يوم أبلغني عباس أنه مضطر للسفر برفقة الإمام الصدر إلى ليبيا... ، وطلب مني والزملاء الاهتمام بشؤون الوكالة وبقية الأخبار إلى حين عودته، وقال أنه سيبقى برفقة الإمام حوالي الأسبوع.
إلى ليبيا
...وقال لي عباس أن الإمام الصدر أبلغه على ما أعتقد أن الدكتور مالك بدر الدين ابن عمه كان مقرراً أن يرافق الإمام الصدر في هذه الرحلة ولكنه انشغل بأمور طارئة حيث اعتذر وألغى سفره، فأحال الإمام بطاقة السفر المناطة بالدكتور مالك إلى الزميل عباس... إلى ليبيا ولكن عباس سافر ولم يعد فقد اختفى كما هو معروف؟
حاولت وكالته الصمود على يد زوجته ولكن الصمود لم يكن ممكناً طول هذه المدة من الانتظار، انتظار صحافي كان علامة فارقة في عالم صحافة وكالات الأنباء المحلية!!
البريء
ولا شك أن عباس بريء وهو دفع في اختفائه إلى جانب الإمام موسى الصدر ثمناً لم يكن هو مسؤولاً عنه، بل كون ملازمته للإمام جعلته ما بين المختفين، وبالتالي فإن الصحافة اللبنانية قصرت في مجال إثارة مسألة الصحافي عباس بدر الدين كونه من أوجه القمع للصحافيين على المستوى الإقليمي والدولي وهي لم تثر قضيته بما يناسب ذلك الحدث. وبالتالي لا قيمة لأي عمل نقابي في أن لا يكون بمستوى قضية من هذا النوع قضية صحافي اختفى في ظروف غامضة لا علاقة له بها سوى كونه ينشط إلى جانب شخصية سياسية أو دينية!.
وقضية عباس بدر الدين هي قضية كل صحافي على الإطلاق، وهي مسألة منفصلة تماماً عن كل الاعتبارات الأخرى، وهي مسؤوليتنا نحن زملاء بالتحديد كما هي مسؤولية الحريات العامة والحرية الصحافية... ولكن الكلام ممنوع فقد منع الكلام (...).
