مؤتمر "كلمة سواء" السنوي الخامس: "المقاومة والمجتمع المقاوم"
(كلمات الجلسة الثالثة)
بداية أود أن أتقدم بشكري وتقديري للأخت رباب الصدر وللإخوة في مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات على تشريفي بهذا اللقاء بكم، وخاصة في هذه الظروف التي يواجه فيها الشعب الفلسطيني بلحمه ودمه جنود ودبابات الاحتلال بصلابة لا تقهر، ويصعب علي الحديث نظرياً عن تجربة المقاوم، وخاصة وأنتم تشاهدون يومياً تجربة المجتمع المقاوم. تخصيص هذا المؤتمر للحديث عن المقاومة والمجتمع المقاوم، في سعي لترسيخ إرادة المقاومة والممانعة للمشروع الصهيوني، وفي محاولة لإعادة الاعتبار للشعب الذي يهب هذه الإرادة معناها ومبناها ومداها، كما أود أن أشكرهم على إتاحتهم لي هذه الفرصة القيمة للحديث عن تجربة المجتمع المقاوم في فلسطين، الذي قال عنه أحد المحللين الإسرائيليين (إبيطال عنبر): "شعب بأكمله ضدنا، إنه شعب داهية، وإذا كان يبدو ظاهرياً انه يفتقر إلى القوة فهو مقدام شجاع بسبب نجاحه في النضال. والحرب ضده هي بمثابة عمل شاق ومتواصل في الاستخبارات والمكائد والضرب تحت الحزام.. إن المبادرة في أيديهم، إنهم يحاولون تحديد مقدار العنف ورد فعل الجيش الإسرائيلي .. وكل بضعة أشهر يقوم الفلسطينيون بتغيير تاكتيكاتهم، ويتأقلم الجيش الإسرائيلي معها، ثم ما يلبثون ان يغيروها مرة أخرى" دافار 20/10/1989. ولعله ليس من الصدف أن تنعقد هذه الندوة في ظل تأثيرات انتفاضة الأقصى التي اندلعت في الأراضي الفلسطينية المحتلة · وقبل أن أتحدث عن مظاهر التجربة الفلسطينية لا بد لي من تعيين الظروف والمعطيات الخاصة التي تميز التجربة الفلسطينية عن غيرها، والتي تتمثل بالعوامل التالية:
1- الاختلال الفادح في موازين القوى في الصراع الدائر منذ مطلع هذا القرن بين الفلسطينيين خاصة والعرب عموماً من جهة، وبين كل من المشروع الصهيوني ودولته إسرائيل (في ما بعد) من النواحي العسكرية والمادية والاقتصادية والتكنولوجية، ومن ناحية الإدارة والعلاقات الدولية· وحسبنا أن نذكر بأن التجمع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين استطاع أن يجند في العدد والعتاد ما يزيد عمّا استطاعت سبع دول عربية حشده في فلسطين في العام 1984. (راجع ملحق رقم 1) وأن المذابح المروّعة المعروفة التي ارتكبها الصهاينة ضد الآمنين والعزل من السلاح، والتي من أشهرها مجازر دير ياسين واللد والطنطورة ... الخ (راجع الجدول المرفق)، هي المسبب في نشوء مشكلة اللاجئين. وعلى سبيل المثال فقد أحصى الباحث د. سليمان أبو ستة حوالي 33 مجزرة ارتكبتها العصابات الصهيونية في العام 1948 لإرهاب الفلسطينيين وإجبارهم على ترك أراضيهم، وبلغ مجموع القرى التي نزح سكانها بسبب الهجوم العسكري 90 بالمئة من أصل 531 قرية، كما أن نصف اللاجئين تم تهجيرهم تحت حماية الانتداب البريطاني قبيل إعلان قيام دولة إسرائيل. والمعنى من ذلك أن اسرائيل قامت بوسائل القوة والإرهاب، وبفضل القيمة المضافة التي أضفتها عليها حكومة الانتداب البريطاني. وعلى العموم، فإن مقاومة الشعب الفلسطيني لم تلن لا ضد الانتداب ولا ضد العصابات الصهيونية رغم عدم التكافؤ في موازين القوى، وها هو هذا الشعب يواجه اليوم بلحمه ودمه، وبحجارته دبابات الاحتلال الاسرائيلي وطائراته وصواريخه وجنوده المدججين بالسلاح، مع العلم أن هذه الدولة تعتبر أكبر مستورد للسلاح في المنطقة، حيث تخصص أكثر من 15 بالمئة من موازنتها لشؤون الدفاع (تقدر موازنة العام 2000 بحوالي 60 مليار دولار) وهو مبلغ لا يقل عن 8 مليارات دولار، لا تدخل في إطارها المساعدات العسكرية الأميركية!
2- ارتباط المشروع الصهيوني ودولته إسرائيل بمشاريع السيطرة الاستعمارية والإمبريالية على الوطن العربي وبخاصة على المشرق العربي، وهو ما مكنه من استثمار الدعم الخارجي المادي والسياسي والإعلامي والتعاطف الدولي، ويكفي هنا أن نتحدث عن المعونات المالية التي تتدفق على الكيان الصهيوني حيث تبلغ هذه المساعدات أكثر من سبعة مليارات من الدولارات سنوياً، وتبلغ حصة الفرد فيه من المساعدات حوالي1600 دولار سنوياً، هذا فضلاً عن تمتع هذا الكيان بضمانة الولايات المتحدة الأميركية لأمنه واستقراره ولتفوّقه العسكري والتكنولوجي والاقتصادي، وتبلغ قيمة المساعدات الرسمية الأميركية لإسرائيل سنوياً 3 مليارات دولار، يخصص منها حوالي ملياري دولار على شكل مساعدات عسكرية.
3- الطابع الفريد للاستعمار الاستيطاني - الصهيوني في فلسطين، الذي يختلف عن المحاولات الاستعمارية الاستيطانية في كل من الجزائر أو في جنوب أفريقيا، من عدة جوانب أساسية، فالاستعمار الاستيطاني - الصهيوني يعتمد سياسة الاستيطان - الاحتلالي الذي يتطلب إحلال المستوطنين اليهود واقتلاع أصحاب الأرض الأصليين، هذا أولاً.
وثانياً فإن الاستعمار الاستيطاني- الصهيوني في فلسطين لم يتم لغايات اقتصادية كما جرى في الجزائر أو جنوب افريقيا، أو غيرهما، وإنما تم لأغراض سياسية استراتيجية.
ومن الناحية الثالثة، فإن المستوطنين الفرنسيين كانوا ينتمون لدولتهم فرنسا، والمستوطنين البيض كانوا ينتمون للإمبراطورية البريطانية، أما المستوطنون الصهاينة فليس لهم دولة بعينها.
رابعاً وأخيراً، فإن الحركة الصهيونية تعتبر نفسها حركة قومية يهودية، وهي في سعيها لجذب اليهود لمشروعها برّرت نفسها بأيدلوجية قومية - دينية، وأحاطتها بالأساطير الغيبية، بينما لم تبرر المشاريع الاستيطانية الأخرى نفسها بأية مبررات أيدلوجية.
وفي الواقع، يخوض الفلسطينيون، ولهذه الأسباب، صراعاً فريداً من نوعه مع عدوّ له امتدادات دولية وخلفية أيدلوجية تنطلق من أنه صاحب الحق في أرض فلسطين، والمشكلة أن هذا الاعتقاد لا يتوقف على النخب السياسية الإسرائيلية، وإنما بات يشكل حيزاً مهماً في إدراك اليهود المستوطنين. وعليه، فإن الصراع هنا ليس صراعاً بين الشعب الفلسطيني من جهة ودولة الاغتصاب والاحتلال فحسب، وإنما هو أيضاً صراع مع المجتمع الذي ينتمي لهذه الدولة، والذي يتماهى مع أيدلوجيتها ومبرراتها وسياساتها، كما أن هذا الصراع لا يقتصر على الجوانب العسكرية أو على إشارات الدولة أو على الأراضي (الجغرافية)، وإنما هو صراع يشمل مختلف الرموز والرواية التاريخية والثقافة والمعتقدات الدينية، وهو صراع حاولت فيه الحركة الصهيونية وتحاول فيه إسرائيل، إنهاك الشعب الفلسطيني وإفناءه وإلغاءه أو تغييبه، وصولاً إلى شطبه من الخريطة السياسية.
إجمالاً، تلك هي وباختصار الميزات الخاصة لتجربة المقاومة في فلسطين، التي تبين الخريطة الصراعية التي يحاول من خلالها الشعب الفلسطيني - وفي معادلة غير مؤاتية - الصمود في وجه محاولات الإلغاء والتغييب، لتفويت الاستهدافات الإسرائيلية، وبالتالي لتأكيد حضوره وتطوير هويته وفرض حقيقته على الخارطة السياسية وفي المعادلات الإقليمية والدولية. فالفلسطينيون الذين كانت جولدا مائير تتجاهل حتى وجودهم باتوا حقيقة ساطعة، تشكل أحد أهم جوانب الأزمة التي يعانيها الكيان الصهيوني، اليوم؛ بحيث إن هذا الكيان لم يعد يستطيع تحديد هويته أو تعريف حدوده السياسية والجغرافية والبشرية، قبل تحقيق التسوية مع الشعب الذي عمل طويلاً على إلغائه أو تغييبه. وقد جسد الشاعر محمود درويش واقع حضور الشعب الفلسطيني في الذكرى الخمسينية للنكبة، وفي مهرجان جماهيري كبير في رام الله (1998)، بقوله: "نحن المولودين هنا على هذه الأرض السماوية المطعونين بليل خمسين عاماً من الاحتلال والتشريد، المجروحين من الوريد إلى الوريد، نعلن حضورنا المدوي في المكان والزمان رغم الأعاصير التي تحاول اقتلاع جذورنا من الأرض التي نحن أول أسمائها. بقوة البقاء والصمود والمقاومة وبصدق الحقيقة الفلسطينية العربية والحق في الوجود أسقطنا أكذوبة الشعار الصهيوني الكلاسيكي القائل بأرض بلا شعب لشعب بلا أرض والذي اعتمد على الخرافة المدججة بالسلاح والإرهاب لإخراجنا من الأرض ومن التاريخ ولتجريدنا من شرعية وجودنا الوطني ودفعنا إلى الغياب عن ذاتنا وعن الوعي الإنساني". (الحياة 15/5/1998)
أما بالنسبة للمظاهر التي عبر من خلالها الشعب الفلسطيني عن مقاومته للمشروع الصهيوني، فهي متعدده ومختلفة المستويات. وفي الحقيقة من الصعب اختيار المرحلة التاريخية للحديث عن هذه التجربة، إذ إن تاريخ الشعب الفلسطيني طوال العقود العشرة الماضية هو تاريخ انتفاضات وهبّات وثورات. فقد كان يمكننا أن نتحدث عن انتفاضات هذا الشعب في العشرينيات والثلاثينيات ضد الاستعمار البريطاني والمشروع الاستيطاني الصهيوني، أو عن صمود من بقي من هذا الشعب في أرضه بعد قيام الدولة الصهيونية ضد محاولات التهويد والإلغاء، وهبّة يوم الأرض في منتصف السبعينيات، أو على إرهاصات انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، في منتصف الستينيات، من مخيمات وتجمعات اللجوء والشتات، أو عن الانتفاضة الفلسطينية الكبرى التي اندلعت أواخر العام 1987، ولكن انتفاضة الأقصى حسمت هذا الموضوع باعتبارها مثلاً حياً عشناه بكل جوارحنا ومشاعرنا، بحيث انه يمكننا من خلالها استعراض مجمل التجربة التاريخية النضالية للشعب الفلسطيني، واتخاذها مثلاً للقياس عليه، ففي هذه الانتفاضة قدم الشعب الفلسطيني، ومن جديد، أنموذجاً حياً لمجتمع المقاومة، بتمتعه بالميزات الهامة التالية:
1- الإيمان بعدالة القضية والإرادة الحرة والأمل بالانتصار برغم الظروف غير المتكافئة والمعروفة. فهذه العوامل هي التي من شأنها أن تنتج مجتمعاً مقاوماً يتوحد ضد واقع الاغتصاب والاحتلال في فعل جماعي، وهو ما لمسناه وشاهدناه في مجمل التجربة النضالية الفلسطينية. فأطفال الحجارة باتوا مَعْلمَاًً من معالم الكفاح الفلسطيني، فالطفل الفلسطيني (بحسب ميشال السبع) عندما يمسك الحجر يشعر أنه يمسك سلاحه المتمكن منه وهو إذ يقذفه بقذف معه قوته ومشاعره ·· وإخراج ما في ذاته من ثأر وألم ودافع للحياة. (المستقبل 15/10/2000). أما الأم الفلسطينية (بحسب داوود الشريان) فهي تزفّ أولادها كل صباح إلى المواجهات ضد عنف الصهاينة في الأرض المحتلة وتتصرف مثل أم العريس وهي تعلم انهم قد لا يعودون إليها، تعلم أنهم ذاهبون إلى الموت المحتوم ولا تكتفي بتحريضهم على الخروج والجهاد والاستشهاد فحسب، بل تخرج معهم وتساندهم وتعلمهم الصبر ورمي الحجارة وممارسة الرفض وإظهار الغضب. كل نساء العالم ينتحبن من الموت ويقفن وراء الرجال إلا نساء فلسطين، يعلّمن الرجال المواجهة ويشيّعن الشهداء بالزغاريد ويلدن كل يوم غضباً. (الحياة 17/10/2000).
2- الوحدة الوطنية وهي التي تجلت بأرقى صورها في هذه الانتفاضة، كما في الانتفاضات السابقة، فقد وقف الشعب الفلسطيني وقفة رجل واحد، بقياداته ونخبه وفئاته الشعبية، وقد امتدت هذه الانتفاضة إلى الأراضي الفلسطينية المغتصبة في العام 1948، حيث عبّر الفلسطينيون، الذين صمدوا في أرضهم وحملوا الجنسية الإسرائيلية مضطرين، عن غضبهم على دولة الاغتصاب والاحتلال، مؤكدين هويتهم الوطنية وارتباطهم بشعبهم وبقضاياه، كما اندلعت المظاهرات الغاضبة في مختلف مناطق اللجوء والشتات لتؤكد وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة أهدافه ومصيره. والمعنى من ذلك أن العدو الإسرائيلي فشل في محاولاته تهويد من تبقّى من العرب في فلسطين، إذ حافظ هؤلاء على هويتهم الوطنية والقومية وباتوا شوكة في حلقه وشاهداً على اغتصابه وعنصريته وزيف نظامه الديمقراطي، وفي الحقيقة فان العرب في الدولة الإسرائيلية استطاعوا أن يصمدوا في وجه كل محاولات وسياسات التهويد والتذويب والتهميش، وفي ظروف جد قاسية ومعقدة، فبنوا حركتهم الوطنية وصانوا هويتهم الفلسطينية، وطوروا ثقافتهم العربية، ومن أوساطهم قدم الشعب العربي الفلسطيني كوكبة من ألمع شعراء وأدباء العرب من مثل محمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم وإميل حبيبي وسالم جبران وعلي محمود طه، وغيرهم. أما الفلسطينيون في مناطق اللجوء والشتات فلم يذوبوا، في محيطهم، ولم ينسوا أرضهم الغالية فلسطين، ضمن مقولة "الكبار يموتون والصغار ينسون"، فها هي المظاهرات ومسيرات الغضب يتقدمها الأطفال والفتية الذين لم يولدوا لا هم ولا حتى آباؤهم في فلسطين، مؤكدين حقهم في أرض الآباء والأجداد، وحقهم في الهوية والوطن. وكما هو معروف فقد نقل الأجداد والآباء ذاكرتهم إلى أبنائهم وأحفادهم، كما انتقلت أسماء المدن والقرى الفلسطينية إلى أماكن اللجوء والشتات التي قطنها الفلسطينيون، وأطلقوا أسماء شهدائهم على أطفالهم وعلى مدارسهم وشوارعهم، وتغنوا بقصائد شعرائهم من الشاعرين الشهيدين نوح إبراهيم وعبد الرحيم محمود إلى إبراهيم طوقان وأبي سلمى ويوسف الخطيب وفدوى طوقان، وصولاً إلى محمود درويش وتوفيق زياد وسميح القاسم، وكثيرين غيرهم. وباتت خارطة فلسطين وصور القدس والشهداء تزين بيوت الفلسطينيين، وتشحذ ذاكرتهم وتبلور هويتهم. وقد فجّر واقع النكبة شكلاً من أشكال التحدي لدى الفلسطينيين، فلجأوا إلى تحصيل العلم والثقافة لإعادة بناء ذاتهم ولملمة جراحهم، وظهر بينهم الكتاب والمبدعون من مثل إدوارد سعيد وغسان كنفاني وكمال ناصر وهشام شرابي وجبرا ابراهيم جبرا، وأحمد دحبور ورشاد أبو شاور ويحيى يخلف، ومصطفى الحلاج كما ظهر بينهم المربون والمهندسون والأطباء والبناؤن الذين ساهموا في نشر التعليم والثقافة كما ساهموا في عملية بناء كثير من البلدان العربية. وقد توج الفلسطينيون في مناطق اللجوء والشتات هذا المسار بإطلاقهم لثورتهم المعاصرة وبتأسيسهم لمنظمة التحرير الفلسطينية التي باتت المعبّر عن قضيتهم وعن وحدتهم وعن هويتهم الوطنية.
3- الاستمرارية والديمومة، وهي من أهم سمات المجتمع المقاوم، ولعل هذه السمة باتت لصيقة بالتاريخ الكفاحي للشعب الفلسطيني، الذي يخوض صراعاً مفتوحاً منذ مطلع هذا القرن ضد المشروع الصهيوني، فقد شهدت فلسطين هبات وانتفاضات وثورات في موجات متواصلة، لعل أشهرها، قبل العام 1948، كانت ثورة 1936، إذ أعلن الشعب الفلسطيني في هذه الثورة العصيان المدني ضد دولة الانتداب البريطاني، وتوج ذلك بالإضراب الكبير الذي استمر طيلة ستة أشهر من نيسان حتى أيلول من ذلك العام، كما أعلن مقاطعة البضائع التي تنتجها المستعمرات الصهيونية، وتحريم بيع الأراضي لليهود، وقد وصل الأمر في هذه الظروف حد إعلان الثورة المسلحة ضد الانتداب البريطاني والعصابات الصهيونية. وقد قامت القوات البريطانية بكل ما تمتلكه من آلة حربية بقمع هذه الثورة بكل وحشية، ولجأت إلى اعتقال الثوار وإعدامهم ونفي قادتهم، ولما أصبحت الكوفية الفلسطينية رمزاً للثوار عمد سكان المدن إلى ارتداء الكوفية والعقال بدلاً من الطربوش وذلك لتغطية تسلل الثوار القرويين، أو الذين يعيشون في الجبال، والحيلولة بذلك دون تمكن أفراد البوليس والجيش من تمييزهم. (تاريخ فلسطين الحديث د. عبد الوهاب الكيالي ص 293). وينقل وليد الخالدي في محاولاته الهامة لإعادة كتابة تاريخ النكبة، عن محمد عزة دروزة، رصده لخسائر الفلسطينيين (في النصف الثاني من عقد الثلاثينيات) على يد الجيش البريطاني، قوله: "بلغ عدد المعتقلين خمسين ألفاً وعدد الشهداء سبعة آلاف وعدد الجرحى عشرين ألفاً وعدد البيوت المنسوفة ألفين. أنظر: "مذكرات محمد عزة دروزة" (بيروت دار الغرب الإسلامي،1993،ج5، ص 550). وبلغ عدد الأسلحة المصادرة من الفلسطينيين خلال الفترة 6391-0491، بحسب المصادر الرسمية البريطانية: 6371 بندقية و 0322 مسدساً و 1812 قنبلة و 420 بندقية صيد. (أنظر: الموسوعة الفلسطينية: الجزء الثاني ص 1049).
في الواقع هذه الانتفاضة هي مرحلة من مراحل نضال الشعب الفلسطيني. هناك تساؤلات عديدة. يتم أحياناً تحميلها أكثر مما تحتمل، وكأن هذه الانتفاضة هي الأخيرة في سلسلة النضال الفلسطيني، في الحقيقة هذه الانتفاضة هي مرحلة من مراحل كفاح الشعب الفلسطيني. وهناك تساؤلات عديدة:
التساؤلات تقول ان هذه الانتفاضة فتحت المجال لتحرير فلسطين، هي بمعنى ما في مواجهة، في المواجهة الاستراتيجية ضد المشروع الصهيوني، في ترسيخ عقلية الصراع وإرادة الصراع ضد الكيان الصهيوني، هي فتحت معركة تحرير فلسطين، لكنّ أصلاً هذه المعركة لم تغلق، هي معركة مفتوحة. إلا أنّ الانتفاضة لها أهداف محددة: من أهدافها طرد الاحتلال، طرد الاستيطان والمستوطنات من الارض المحتلة. بهذا المعنى أقول انه يجب عدم تحميل الانتفاضة أكثر مما تحتمل. المهمة المركزية اليوم أمام الانتفاضة أو أمام قيادات الانتفاضة هو إطالة أمد الانتفاضة، فكلما طال أمد الانتفاضة اليوم في المعركة، على طول النفس، استطاع الشعب الفلسطيني أن يحقق أهدافه، كلما طال أمد الانتفاضة استطاع الشعب الفلسطيني أن يكسر ارادة الاحتلال، الاحتلال يراهن، بمعنى ما، على توتير الانتفاضة.
الانتفاضة هي طاقة معينة، يريد الاحتلال توتير فعاليات الانتفاضة حتى تستنفد طاقاتها في أقل فترة من الوقت، حتى يستطيع أن يلملم شتاته ويعيد ترتيب أوراقه، إن كان داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أو خارجها. لذلك من المهم جداً، ويجب أن نكون حذرين في التعاطي مع هذا الموضوع، الانتفاضة كلما استمرت ضمن وتائر معينة ومنتظمة مع مراعاة القدرة على الصمود عند الشعب الفلسطيني لأن الشعب له امكانيات محددة وله طاقات محددة، وخاصة أنه في اطارٍ من الحصار غير العادي. فكلما طال أمد الانتفاضة وحافظت على طول نفسها، استطاعت أن تحقق أهدافها. أيضاً الانتفاضة استطاعت أن تقلب المجتمع. المجتمع المقاوم من سماته أيضاً أن يستفيد من نقاط ضعف العدو، نحن تحدثنا عن نقاط التفوق لدى العدو، ولكن هناك نقاط ضعف. لقد شاهدت، وأنتم أيضاً شاهدتم، على شاشة المنار أو على الشاشات العربية، كيف كان أحد الجنود الصهاينة يطارد طفلاً، في مشهد كان الطفل يركض والجندي يركض خلفه، ولكن في لقطة أخرى استدار الطفل وقذف الجندي بحجر، بمشهد ثالث، هذا الجندي استدار الى الخلف وهرب، وصار الطفل هو الذي يركض وراء الجندي.
في مشهد آخر، أحد المعتقلين وضعوه في السيارة، وهو داخل السيارة كان يضرب الجندي الذي يعتقله، وشاهدنا أيضاً النساء اللواتي يجمعن الحجارة للأولاد، لأولادهن. هذه نقاط تفوّق، لأن هذا الشعب يدافع عن أرضه، عن ذاكرته، عن ثقافته، عن انتمائه لهذه الارض. اليوم انتشرت شائعة بأن الامهات الفلسطينيات يتخلين عن أطفالهن وعن أولادهن وكأنهن لا يملكن حس الأمومة، هذا كلام غير صحيح على الاطلاق.
أيضاً النساء الفلسطينيات، بينهن وبين أنفسهن، يجوز أنهن شعوراً بالعزة والنخوة يحاولن إظهار شكل من أشكال القوة والعنفوان، الحقيقة أن المرأة الفلسطينية تحاول أن تكابر على مشاعرها الانسانية، ولكنها بينها وبين نفسها تنتحب وتبكي. ولكنها ترفض لأولادها العيش بالذل والهوان، لذلك يدفع الامهات بأولادهن إلى المتاريس. طبعاً اليوم ليس الجنود الاسرائيليون هم الذين يأتون إلى داخل المدن الفلسطينية، لا، بل الشباب الفلسطيني والامهات والاولاد والكبار والصغار هم الذين يذهبون إلى حيث جنود الاحتلال ويشتبكون معهم لطردهم من الارض الفلسطينية. أما الدعاية، أما الكلام عن أن الأمهات الفلسطينيات لا يخفن على أولادهن فهذا كلام غير معقول. أما الام اليهودية، فطبعاً ذلك الذي جاء من روسيا أو من أوكرانيا أو غير معروف قرعة والده من أين، طبعاً هذا سيخاف على أولاده، طبعاً فهؤلاء الذين أحضروا أولادهم كانوا يعتقدون أنهم ذاهبون إلى بلد مثل اميركا، يريدون التنعم والعيش برفاهية وفيلا وسيارة فولفو وفيديو وكل متطلبات النعيم. لا إنهم لم يجدوا هذا. الانتفاضة من أهم مكاسبها اليوم بهذه الطخطخة المحدودة التي نراها على مستعمرة جيلو، أو مستعمرات قطاع غزة، أو أي مستعمرات أخرى، هي أنها جعلت من حياة هؤلاء المستوطنين المرتزقة، الذين جاؤوا الى فلسطين، جعلت من حياتهم جحيماً في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا مكسب استراتيجي من مكاسب انتفاضة المسجد الاقصى. اليوم عدد قليل من المستوطنين هم الذين بقوا في المستوطنات هؤلاء يمكن أن نقول عنهم انهم نواة صلبة للمستوطنات لانهم يعتمدون أن يتبنوا الافكار الدينية المتطرفة، وهم من غلاة المتطرفين من الصهاينة أما باقي المستوطنين الذين جاؤوا يشمون الهواء في فلسطين لأن فلسطين ليس فيها شعب ولا مقاومة، هؤلاء رحلوا. الانتفاضة، او المجتمع المقاوم هو الذي يستطيع أن يعتمد على نقاط قوته في مواجهة نقاط الضعف عند العدو.
4- التعويض عن اختلال موازين القوى، من خلال التغلب على قوة العدو وخوض عملية مقاومة طويلة الأمد ومتعددة الأشكال والمستويات ضده بدءاً من رفض الانصياع للأوامر العسكرية أو التعاون مع الاحتلال وتحدي سلطاته، إلى العصيان المدني، إلى المظاهرات والمواجهات المحدودة، مروراً بالانتفاضات المتعاقبة، وصولاً إلى انتهاج الكفاح المسلح وسيلةً من وسائل المقاومة. وكل هذه المظاهر استخدمها الشعب الفلسطيني في كفاحه العنيد والطويل والمرير. وفي مجمل الانتفاضات، كما في انتفاضة الأقصى واجه الفلسطينيون بأجسادهم جبروت الآلة العسكرية الإسرائيلية، في محاولة منهم لجره إلى حرب من نوع جديد لم يعتد عليها، باستخدام استراتيجة الضعيف في مواجهة استراتيجية القوي حيث تتعمد إطالة أمد هذه المقاومة وتحييد تفوقه العسكري - التكنولوجي فيها، وبخاصة أن هذه الحرب تجري في المناطق التي يسيطر عليها، في سعي منها لإنهاكه وتفكيك سلطته واستنزاف قواته وتشتيتها، بخاصة أنه يفضل الحرب خارج المناطق التي تخضع لسيطرته، كما أنه يمتلك عناصر التفوق في الحرب النظامية التي يفضلها حرباً خاطفة وتكنولوجية. والمعنى هنا أن المجتمع المقاوم يعتمد على تنظيم طول نفس المقاومة أو الانتفاضة، في محاولة كسب المعركة على الرأي العام لفضح عنصرية إسرائيل وعدوانيتها ولا إنسانيتها وفرض إرادة الشعب المقاوم في المعادلات السياسية. في هذا الإطار كتب زئيف شيف المحلل العسكري المعروف في وصف انتفاضة العام 1978: "تسرب إلى الجيش وبصفة خاصة إلى المستويات القيادية الإحساس بأنه تدور هناك في المناطق حرب ربما كانت أصعب من الحرب الاعتيادية (...) لقد تسرب الإحساس بان هذه الحرب هي حرب استنزاف أكثر تعقيداً بسبب طبيعتها المركبة وقد رفعت الانتفاضة الفلسطينية ثمن استمرار السيطرة الإسرائيلية الى مستويات لم نعرفها من قبل سواء بمصطلحات كلفة أستخدام القوة أو الضجة التي ترافق الأحداث. الآن إسرائيل هي المعنية بوضع حد للوضع المحتمل ان يزداد خطورة قريباً ... ان أولئك الحفاة من غزة فرضوا الموضوع على جدول أعمال المنطقة والعالم وهم ومحركوهم سيفرضونه مرة بعد أخرى إلى ان ينشأ توازن جديد بين الطموح الإسرائيلي الأصيل للأمن وبين الطموح الفلسطيني للتحرر. وعلى الرغم من أنه لم يسقط في الاضطرابات حتى الآن ضحية إسرائيلية واحدة فإن للحرب ثمناً، وثمة إحساس لدى الجيش الإسرائيلي أنها قد تكون أقسى من حرب عادية. وهي اضطرته الى تغيير انتشاره، وتطلبت موارد إضافية وأدخلت التشوش في برامج تدريبه وإذا لم تنتصر إسرائيل في هذه الحرب فإنها ستضعف على نحو يستعصي على العلاج". (هآرتس 12/2/1988). أما المحلل اوري نير فيقول: "كان الهدف الاستراتيجي لمنظمي العصيان تفتيت مؤسسة الحكم الإسرائيلي بغية الإثبات للملأ ان إسرائيل عادت غير قادرة على الاحتفاظ بالمناطق المدارة، وكان التكتيك الذي اتبعته القيادة السرية للانتفاضة يقوم على القضم (هآرتس 18/3/1988) أما عضو الكنيست (سابقاً) جادي ياسيف (مبام) فيقول: "إن مجتمع الانتفاضة يتسم بالصلابة والقدرة على التكيف وأصبح كصخرة قوية جداً وصلبة جداً لا تستطيع إجراءاتنا وموجاتنا القمعية سواء المعقولة أو غير المعقولة منها إلا شطفها وترطيبها ولكنها لا تكسرها أو تستأصلها من مكانها (عل همشمار 6/1/1989). (راجع الملحق المرفق حول فعاليات الانتفاضة).
5- تنظيم المجتمع المقاوم ، يحتاج المجتمع المقاوم إلى تنظيم ذاته في مواجهة الاحتلال ولكنه أيضاً يحتاج إلى مثل هذا التنظيم لبناء أوضاعه الذاتية، أي لبناء مرتكزات ومؤسسات سلطته البديلة السياسية والاقتصادية والإدارية والاجتماعية، وفي الظروف الفلسطينية الخاصة فإن عملية بناء المجتمع الفلسطيني هي جزء من عملية الصراع ضد الاحتلال. وتأسيساً على ذلك، فإنه في مجمل الهبّات والانتفاضات الفلسطينية تم تشكيل لجان قيادية ولجان متخصصة اعتبرت بمثابة قيادة بديلة وقيادة للانتفاضة، فنشأت ظاهرة اللجان القومية في ثورة العام 1936-1939، وفي الانتفاضة الفلسطينية في العام 1987 نشأت ظاهرة اللجان الشعبية التي كانت بمثابة جهاز الانتفاضة. وكما هو معروف، لم تكتف هذه اللجان بإدارة أشكال الانتفاضة، وإنما ظهرت بكونها بمثابة سلطة يومية لتأمين حاجات الشعب ولبناء مؤسساته وإدارة شؤونه. ويؤكد "ميرون بنفنستي"، رئيس مركز معلومات الضفة الغربية ونائب عمدة القدس سابقاً، هذه الحقيقة بقوله: "لقد بنى الفلسطينيون للمرة الأولى قاعدة سياسية واجتماعية تمكّنهم من خوض صراع طويل ... انهم ينشئون بدائل اقتصادية واجتماعية وثقافية .." فعلى الصعيد الإداري: طرحت اللجان الشعبية نفسها كشكل جنيني للسلطة الشعبية الوطنية البديلة. وقامت اللجان المتفرعة عنها بمهامها في مجال تخصصاتها المختلفة من مثل لجان: الصحة، التعليم، الحراسة، التضامن الاجتماعي، الزراعة، الاعلام، الإرشاد، الاقتصاد ... وقد غطت نشاطات هذه اللجان مختلف أحياء المدن والمخيمات والقرى وقدمت خدماتها المتنوعة لجماهير الانتفاضة. يقول زئيف شيف: إن "الهدف العملياتي المباشر من الانتفاضة هو خلق وضع يفقد فيه الجيش الإسرائيلي السيطرة على المناطق أو على أجزاء منها" ... وتضيف صحيفة "عل همشمار" على ذلك مؤكدة عقم الإجراءات الإسرائيلية المضادة بقولها: "كلما تم اعتقال نشطاء من اللجان يأتي آخرون ويحلون محلهم. لا نستطيع أن نضع جندياً إسرائيلياً مقابل كل فلسطيني، وفي نهاية الأمر فإن الجيش لن يستطيع منافسة لجان الانتفاضة، وهزيمتُهُ تكمن في ظهور هذه اللجان. كم من معسكرات الاعتقال الأخرى يمكن ان تقام؟ من غير الممكن اعتقال كل الضفة فكل لجنة تُعتَقل تنبت واحدة أخرى مكانها. "كذلك تحدث الصحفي يوئيل ماركوس عن العقل العربي الذي يبتكر اختراعات تمنح الفلسطينيين قدرة غير محدودة على الصمود يقول ماركوس: "الرأس العربي يبتكر طيلة الوقت اختراعات وردّاً على الإجراءات العقابية والوسائل المضادة التي يخترعها العقل (عقل!) اليهودي ... ويزداد في المناطق المحتلة الإحساس بأنه على الرغم من القوة التي نمتلكها، فإن العرب ينجحون في الإيقاع بنا في الشرك الذي ينصبونه لنا يومياً .. وقد تعلم السكان زراعة الخضروات في ساحة المنزل لمواجهة فترات حظر التجول الطويلة وقد أدى إغلاق المدارس الى إعطاء دروس في المنازل سراً ... وقد تكيف التجار على العيش مع حظر التجول ومع الاضطرابات فبعضهم يواصلون التجارة من منازلهم وبعضهم يبيعون بشكل متجول والورش الصناعية مستمرة في العمل من وراء الأبواب المغلقة وأكثر المنتجات التي يتم شراؤها من إسرائيل هي علب الدهان ذات الألوان الأخضر والأحمر والأسود، وهذه الادوات يمكن ان تجدها في حقيبة كل طفل حيث لا يستغرق رسم علم فلسطين على الجدار أو الحجر سوى بضع دقائق، وتقوم السيدات بشغل وحياكة ملابس بألوان العلم الفلسطيني لأطفالهن، وحتى الحلوى تصنع بالألوان المناسبة، انهم يعلقون الأعلام على أعمدة الكهرباء ونقوم نحن بإنزال بعض منها .. وهذه لعبة مجنونة لا نهاية لها .. وليس هذا فحسب، وإنما أيضاً بالانتظام في لجان خاصة لإدارة شؤون حياتهم بأنفسهم وكل منطقة يختفي منها الجيش الاسرائيلي (لأنه لا يستطيع البقاء طيلة الوقت في كل الأماكن) سرعان ما تصبح "منطقة محررة" ترفع فيها الأعلام ... إنهم قادرون على الصمود عشر سنوات أو عشرين سنة أخرى، على أمل ان تأتي النهاية - الترجمة العملية لنضالهم". (هآرتس 24/1/1989)
ما أريد أن أختم به هذه المداخلة هو التأكيد:
أولاً، ان هذه الانتفاضة هي حلقة في سلسلة نضال الشعب الفلسطيني،
وثانياً، ان هذه الانتفاضة كانت حالة فعل جماعية أعادت الاعتبار لدور الشعب في المقاومة، كما أنها أعادت الاعتبار للخيارات الأخرى، فالخيار ليس بين طريق الحرب أو طريق المفاوضات والقبول بالإملاءات والخضوع للغطرسة الإسرائيلية، فثمة خيار يتمثل بالمقاومة الشعبية طويلة الأمد، التي لا يستطيع العدو إنهاءها في الوقت الذي يريده، كما لا يستطيع قهر إرادة الشعب أو هزيمته. الحقيقة يستطيع الجيش الاسرائيلي ان يقهر جيشاً، أن يفكك جيشاً، ان يحطم دبابات جيش، طائرات جيش، لكنه لا يستطيع قهر إرادة شعب. شعب يقف امام الدبابات دون اي سلاح، لا يمكن ان يهزم ارادة شعب، لا يوجد اي سلاح.
ثالثاً، لقد أعادت الانتفاضة القضية الفلسطينية إلى أحضان الجماهير العربية التي خرجت لتعبّر عن مكنوناتها وعن رفضها لكل أشكال التطبيع مع الدور الصهيوني ورفضها الخضوع لسياساته واستعدادها للتضحية من أجل مواجهة التحديات التي يفرضها.
رابعاً، على الصعيد الرسمي استطاعت الانتفاضة فعل ما بدا أنه مستحيلاً في زمن الشقاق العربي، حيث اجتمع شمل القمة العربية.
خامساً، وأخيراً، فإن الانتفاضة كانت بمعنىً ما فعلاً ثقافياً وإنسانياً، فقد ساهمت في إعادة تثقيف الأجيال الجديدة من الأطفال والفتيان الفلسطينيين وعلى امتداد الساحة العربية بثقافة الصراع والمقاومة والممانعة ورفض التطبيع، والثقة بالنفس، والانتصار لقيم الحرية والكرامة والعدالة. وبالنسبة الى الشعب الفلسطيني فقد ساهمت الانتفاضة بتثقيف الشعب الفلسطيني وتصليب وحدته وبلورة هويته الوطنية والقومية. وأختم بكلام شاعرنا الكبير محمود درويش: "نحن الذين وهبنا أنفسنا للحرية والسلام، لن تخمد فينا روح المقاومة والشبق للحرية على أرضنا التي لم نولد على أرض سواها. فنحن هنا منذ الأزل وسنبقى هنا إلى الأبد. وستبقى القدس منارة أرواحنا وعاصمة بلادنا إلى الأبد.
أخيراً، أقول لكم بأن هذه الانتفاضة ستستمر وتتطور الى أن يحقق الشعب العربي الفلسطيني، بإذن الله، وبدعم أمته العربية وأمته الاسلامية، أهدافه الوطنية في هذه المرحلة من مراحل الصراع العربي الصهيوني الطويل والمديد والمرير. وشكراً لكم.
ملاحق:
حول تناسب القوى في حرب 1948 راجع: د. سلمان أبو ستة: "حق العودة حق قانوني ومقدس، وممكن أيضاً، مجلة المستقبل العربي، بيروت، السنة 19، العدد 208، حزيران يونيو 1996. ويورد أبو ستة المعلومات التالية: عدد القوات أثناء الانتداب:
- قوات الفلسطينيين بلغت 2500 مناضل موزعين على أكثر من 500 مدينة وقرية بمعدل 20 لكل قرية و 100 لكل مدينة.
- قوات فوزي القاوقجي (جيش الإنقاذ) 3135 معظمها موجود في المنطقة العربية من خطة التقسيم.
- الإخوان المسلمون في الجنوب 500
- مقابل ذلك عدد الجنود الصهاينة 62،500
بعد الانتداب:
لبنان: 700، سورية 2000، العراق 2500 وازداد بعد ذلك، شرق الأردن 4500، مصر: 2،800 ثم 9،292ثم 28,500 في المرحلة الأخيرة، يضاف إليهم 1100 سعودي و 1،675 سودانياً. لم تكن لديهم قيادة موحدة، بل على العكس توقفت إحدى الجبهات عن القتال عندما نقلت إسرائيل كل قواتها إلى الجنوب ضد الجيش المصري في عملية يوآف في أكتوبر.
مقابل ذلك الإسرائيليون: 74،450 في أغسطس ثم 99،221 في أكتوبر 1948 ثم 121،000 في أوائل 1949 (19،18) وكان لديهم طيران قوي وبحرية، وبالطبع قيادة موحدة.
راجع أيضاً: وليد الخالدي، بناء الدولة اليهودية، 1897-1948 الأداة العسكرية- مجلة الدراسات الفلسطينية 39، صيف 1999 حيث يقول: ارتفع ملاك هذا الجيش الإسرائيلي (هاجاناه وإرغون وشتيرن) إلى 74،450 (12آب/أغسطس1948)، ثم إلى 88،033 (19تشرين الأول/أكتوبر 1948). وإلى 757 و 97 (5 شباط/ فبراير 1948). وبلغ ما وصل إلى هذه الميزانية من تبرعات الجالية اليهودية في أمريكا وحدها 50 مليون دولار، جمعت ما بين كانون الثاني/يناير وآذار/ مارس 1948 عن طريق غولدا مئير التي كان بن - غوريون قد أوفدها إلى الولايات المتحدة لهذا الغرض. وكان مبلغ 50 مليون دولار في ذلك الحين يشكل ضعف ميزانية جيش مصر لعام 1946/1947
سجل بالمجازر التي نفذتها العصابات الصهيونية وإسرائيل
عدد القتلى
|
التاريخ
|
الموقع
|
اسم المجزرة
|
22/7/1946
|
القدس - فلسطين
|
فندق الملك داوود
|
|
13 شهيداً
|
18/12/1947
|
فلسطين
|
الطيرة
|
10 شهداء
|
18/12/1947
|
فلسطين
|
الخصائص
|
60 شهيداً
|
1/1/1948
|
الكرمل- فلسطين
|
بلد الشيخ
|
60 شهيداً
|
14/2/1948
|
الجليل - فلسطين
|
سعسع
|
254 شهيداً
|
9/4/1948
|
فلسطين
|
دير ياسين
|
جميع سكان القرية
|
12/4/1948
|
طبريا- فلسطين
|
ناصر الدين
|
جميع سكان القرية
|
3/5/1948
|
فلسطين
|
بيت داراس
|
500 شهيد
|
12/7/1948
|
فلسطين
|
اللد
|
75 شهيداً
|
28/10/1948
|
الخليل - فلسطين
|
الداوايمة
|
72 شهيداً
|
1948
|
لبنان - الجنوب
|
بيت "حولا"
|
10 شهداء
|
7/12/1951
|
القدس
|
شرفات
|
69 شهيداً
|
14/10/1953
|
فلسطين
|
قبية
|
50 شهيداً
|
11/12/1955
|
سورية
|
النطيحة
|
50 شهيداً
|
10/10/1956
|
فلسطين
|
قلقيلية
|
48 شهيداً
|
29/10/1956
|
فلسطين
|
كفر قاسم
|
480 شهيداً
|
2-12/11/1956
|
فلسطين ومصر
|
رفح وغزة والعريش
|
80 شهيداً من العمال
|
12/2/1970
|
مصر
|
مصنع أبو زعبل
|
46 شهيداً من التلاميذ
|
8/4/1970
|
مصر
|
مدرسة بحر البقر
|
123 راكباً
|
21/2/1973
|
سيناء
|
الطائرة الليبية
|
71 شهيداً
|
آذار 1978
|
لبنان- الجنوب
|
العباسية
|
أكثر من 500 شهيد
|
16-18/9/1982
|
لبنان/المخيم الفلسطيني
|
صبرا وشاتيلا
|
29 شهيداً من المصلين
|
25/2/1994
|
الخليل- فلسطين
|
الحرم الإبراهيمي
|
109 شهداء
|
18/4/199
|
لبنان
|
قانا
|
7/6/1981
|
العراق
|
قصف المفاعل العراقي
|
حصيلة القمع الصهيوني خلال سنوات الانتفاضة الخمس حسب: "إحصائية إذاعة القدس" حتى تاريخ 25 كانون الأول ديسمبر 1992:
- عدد الشهداء (1605) شهداء.
- عدد الجرحى (135158) جريحاً.
- المعتقلون (112084) معتقلاً، فيما طلب للتحقيق والاعتقال الإداري حوالي (400000) مواطن فلسطيني. (أشارت مؤسسة التضامن الدولي لحقوق الإنسان في تقرير إحصائي لها أن سلطات الاحتلال اعتقلت منذ العام 1967 نحو 850 ألف معتقل فلسطيني).
- المواطنون الذين صدرت بحقهم أحكام عسكرية (17990) محكوماً.
- الأشجار المقتلعة (135980) شجرة.
- المنازل التي هدمت (2561) منزلاً.
- المنازل المغلقة (1846) منزلاً.
- العمليات العسكرية الفلسطينية (9783) عملية.
- خسائر العدو من العمليات العسكرية الفلسطينية (244) قتيلاً.
- جرحى العدو من العمليات الفلسطينية (3658) جريحاً.
- إصابات العدو نتيجة الفعاليات الشعبية (6263) إصابة.
عن: فضل شرورو- قراءة في أحداث شهر، السفير 4/1/1993.