أين مسؤولية إيران في قضية الإمام الصدر؟

calendar icon 02 كانون الأول 2000 الكاتب:سالم مشكور

خلال المؤتمر الأخير الذي عقد في بيروت حول فكر الإمام موسى الصدر المقاوم، لم يكن الحضور الإيراني (كلمة لخرازي قرئت بالنيابة ومشاركة باحث آخر) يغني عن طرح سؤال جوهري طالما خالج أذهان المهتمين بمصير الصدر هو: أين هي مسؤولية إيران في هذا الموضوع؟

لا أقصد بذلك، مسؤولية إيران في تغييب الإمام الصدر، رغم التحليلات التي ترجح اتهام بعض الإيرانيين الثوريين الذين كانوا في لبنان خلال السبعينات، على الضفة المقابلة للصدر، وأصبحوا بعد انتصار الثورة في إيران، من رموزها.

لكن هذه التحليلات لا تستند إلا على مقولة " من المستفيد؟" والتوسع في البناء على هذه المقولة يطاول الكثير من الأسماء وهو ما اعتمده النظام الليبي نفسه لتشتيت المسؤولية وإبعادها عنه.

لكن المقصود هنا، هو مسؤولية إيران في الكشف عن مصير الإمام الصدر، ويبدو مستغرباً جداً،أن تقوم دولة لرجال الدين الشيعة في إيران ويمضي على وجودها أكثر من عقدين، دون أن نسمع عن تحرك جدي رسمي من هذه الدولة لكشف ملابسات عملية اختفاء أحد القادة الشيعة، وهو رجل دين وزعيم سياسي، فضلاً عن حمله الجنسية الإيرانية، وانتمائه إلى مدرسة قم الدينية التي انطلق منها إلى جنوب لبنان.

وربما يشير استمرار التجاهل الإيراني إلى استمرار هيمنة الخط الرسمي، القريب من القيادة الليبية والمتحفظ عن فتح ملف الصدر، بل المتحفظ سابقاً عن مجمل آداء الصدر في لبنان.

ومع نهاية الشاه، وقيام النظام الإسلامي، أفرزت الساحة السياسة الرسمية في إيران خطين متباينين في الموقف من الإمام الصدر: الأول، مؤيد له وقوامه الشخصيات السياسية التي عاشت في لبنان وحظيت برعاية الصدر ومؤسساته، بل إن بعضهم ساهم في إنشاء بعض هذه المؤسسات، مثل مصطفى شمران، إضافة إلى مهدي بازركان، أول رئيس للوزراء في عهد الجمهورية الإسلامية ووزير خارجيته الأول صادق قطب زادة، وغالبيتهم من أعضاء حركة "الحرية" في عهد الجمهورية الإسلامية. أما الخط الآخر، فتألف من الأشخاص الذين ارتبطوا، خلال إقامتهم في لبنان، بعلاقات وثيقة بمنظمة "فتح" وكانوا تالياً معارضين للإمام الصدر. ومن رموز هؤلاء، الشيخ محمد منتظري نجل الخليفة السابق للإمام الخميني الشيخ حسين علي منتظري الذي اغتيل في تفجير مقر "الحزب الجمهوري الإسلامي" وكذلك جلال الدين فارسي ومحمد صالح الحسيني، الذي اغتيل في لبنان لاحقاً.

حاولت الحكومة المؤقتة برئاسة مهدي بازركان التحرك في اتجاه ليبيا ومطالبتها كشف ملابسات اختفاء الصدر، إلا أن هذه المساعي واجهت معارضة حادة من جانب خط محمد منتظري بحجة ان جماعة بازركان يريدون " الإيقاع بين إيران وليبيا البلد الثوري الذي يواجه الولايات المتحدة". وقتها جاء رئيس الوزراء الليبي عبد السلام جلود إلى طهران في زيارة رسمية.

وأمام فندق الاستقلال الذي أقام فيه، نظم أعضاء حركة " الحرية" وأنصارها تظاهره طالبت الحكومة الليبية بالإفراج عن الإمام الصدر. وخلال تلك الزيارة التقى جلود الإمام الخميني، لكن بصحبة محمد منتظري وآخرين من الخط الموالي لليبيا، وعندها أعلن جلود استعداد ليبيا لتشكيل لجنة ليبية – إيرانية مشتركة لكشف مصير الصدر. وانتهى الأمر عند هذا الحد، ولم يسمع شيء عن اللجنة منذ ذلك اليوم.

كانت السفارة الليبية في إيران تعمل بنشاط يفوق حدود عمل السفارة العادي، وكان السفير الليبي سعد مجبر صاحب نفوذ كبير من خلال "الخط الليبي" داخل تركيبة السلطة، رغم الممانعة التي كانت تبديها حكومة بازركان الموقتة، والتي وصلت أحياناً إلى حد الصدام. فقد وجهت ليبيا دعوة إلى جمع من القريبين منها لزيارتها، وقيل حينها أنه أرسلت طائرة خاصة لنقل الوفد، إلا أن بازركان أصدر أمراً بمنع الوفد من مغادرة المطار، كونهم لم ينجزوا المعاملات الرسمية للسفارة، فاعتصم أعضاء الوفد في المطار، وأقاموا مهرجاناً خطابياً "ثورياً" ألقى فيه منتظري (الذي كان يلقب بـ " رنغو") ومحمد آيت وجلال الدين فارسي خطباً حماسية تكللت بخطبة للسفير الليبي أيضاً، مما شكل تجاوزاً لحدود صلاحيات السفير الديبلوماسية.

وعندما تكررت تصرفات محمد منتظري وخرقه القانون أصدر المدعي العام للثورة الإسلامية آنذلك الشيخ أذري قمي أمراً باعتقال منتظري، مما دفع والده إلى إعلان أن ابنه يعاني اضطراباً نفسياً، بسبب التعذيب الذي لقيه أثناء الاعتقال في عهد الشاه.

لكن التجاذب بين مؤيدي الصدر، ومؤيدي ليبيا، انتهى بسقوط الحكومة الموقتة، وهيمنة المتطرفين من خط منتظري على الكثير من مرافق السلطة، خصوصاً بعد إقالة رئيس الجمهورية أبو الحسن بني صدر، وزوال آخر مواقع نفوذ من عرفوا بـ " الليبراليين".

في تلك المرحلة ازداد التدخل الليبي في إيران ليدخل مجال إيران الإقليمي، خصوصاً العلاقة مع المعارضة العراقية، فكان أن أدى التنسيق بين السفارة الليبية و " مكتب حركات التحرر" في الحرس الثوري والمسؤول عن علاقات إيران بالأحزاب، والتنظيمات الخارجية إلى استبعاد التنظيمات الإسلامية العراقية المعارضة، وإلى توجيه الدعم إلى جماعات جاءت بها السفارة الليبية مثل مجموعة أياد سعيد ثابت الذي حظي بدعم مالي ولوجستي إيراني كبير، قبل أن يهرب عائداً إلى صفوف النظام في العراق.

ومنذ ذلك الوقت، دخل ملف الإمام الصدر خانة النسيان، خصوصاً وأن إيران كانت في مرحلة الحرب العراقية الإيرانية، منشغلة بشؤونها، ومحتاجة إلى دعم ليبي - سياسي لإحباط محاولات العراق تصوير الحرب باعتبارها إيرانية –عربية، ولوجستي في ظل الحصار التسليحي المفروض عليها، وحاجة إيران إلى السلاح الليبي خصوصاً صواريخ أرض – أرض البعيدة المدى والتي دارت بواسطتها حرب المدن بين العراق وإيران.

لكن الحرب انتهت عام 1988، ومعها تراجعت الحاجة الإيرانية لليبيا، دون أن يدفع ذلك إلى تحريك ملف الصدر ثانية.

أكثر من ذلك، إن بعض رجال السلطة في إيران حالياً، يرتبطون مع الامام الصدر بأواصر عائلية، فزوجة الرئيس خاتمي، هي ابنة شقيقة الصدر، ومعاون وزير الخارجية الإيرانية لشؤون الشرق الأوسط، محمد الصدر، هو ابن شقيق الإمام، وهذا ما يجب أن يشكل دافعاً جديداً لدور إيراني في تحريك الملف وكشف مصير الصدر المغيب.

ولا يشترط لذلك أن تخوض إيران عداء مع ليبيا، بل بإمكانها التدخل ودياً وانطلاقاً من العلاقات الثنائية العميقة، للتوصل إلى صيغة ما مع الرئيس الليبي، لتسوية الأمر، عبر إخراج معين يوصل إما إلى إطلاق الصدر، إن كان حياً، واما الكشف عن مصيره فقط.

يقول السياسي الإيراني جلال الدين فارسي الموالي للقذافي في كتابه "الزوايا المظلمة": "للأمانة يجب أن أقول إنني لا أعتقد أن السيد موسى الصدر غادر ليبيا".

تطورات الأشهر الأخيرة أثبتت أن قضية الصدر غير قابلة للنسيان، وهي أشبه بكرة الثلج التي تكبر باستمرار وتنعكس برودة شديد في علاقات ليبيا مع لبنان وربما مع غيره مستقبلاً. والدور الإيراني المطلوب، كفيل بتدعيم صدقية إيران الإقليمية.

source