بمناسبة الذكرى السنوية الثامنة والعشرين لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه، استضافت قناة NBN مقابلة مع الحاج طلال حاطوم، عضو المكتب السياسي في حركة أمل، وذلك ضمن سلسلة لقاءات مع شخصيات سياسية بهدف إلقاء المزيد من الضوء على جوانب من شخصية الإمام.
المذيعة: نتابع لقاءاتنا الخاصة اليوم بالذكرى الثامنة والعشرين لتغييب الامام السيد موسى الصدر ومعي الحاج طلال حاطوم وهوعضو المكتب السياسي في حركة امل. حاج طلال التقيت الإمام القائد موسى الصدر مرتين في السبعينات, كيف كان اللقاء وكيف كان فكره ورأيه وشخصه؟
الحاج طلال حاطوم: اللقاء مع الإمام موسى الصدر لم يكن لقاءً خاصاً وكان من خلال الندوات التي يقيمها الإمام الصدر في المدارس والثانويات والجامعات. لأن الإمام الصدر كان يصرّ على أن يذهب الى الناس لا أن تأتي اليه الناس وكان يعرف ان الشباب متواجدين في الجامعات وفي الثانويات وفي المعاهد كان يقصد هذه المؤسسات لإلقاء محاضرات وكان لي الحظ أن التقيت بالامام الصدر في محاضرتين, مرة في برج البراجنة ومرة ثانية في بلدية برج البراجنة في مناسبة عامة. وأسرني منذ ذلك اليوم بفكره وبطريقة تعاطيه مع الجيل الشاب وبالطرح الذي كان يطرحه وكان مختلفاً عمّا يُطرح آنذاك في البلاد، خصوصاً أن البلاد كانت على أبواب الانتهاء من حرب الفتنة التي كانت قتالاً بين الطوائف والقبائل ما كان يرفضه الإمام الصدر ويصرّ على أنّ الحوار والتلاقي بين كل اللبنانيين هو أساس بناء لبنان الحديث الجديد الذي يحفظ جميع أبنائه. فهذه اللقاءات على قلتها وعلى عموميتها كانت دافعاً لأنتسب لحركة أمل والى أن أكون من الذين أُسروا بنهج الإمام الصدر والتزموا بخطه ونهجه منذ ذلك الحين.
المذيعة: الحوار اليوم موجود وقد دعا اليه دولة الرئيس نبيه بري, المقاومة ودورها, أيضاً هناك الطائف والطوائف, المشاكل, التشنجات, الفتن, كل ما يحدث اليوم وكل ما يدور اليوم على الساحة قد تحدث عنه وذكره الإمام المغيّب. إذا كنّا نريد التكلم عن الطائف حاج طلال أَوْجُه الشبه ما بين ما حوته وثيقة الإصلاح وإتفاقية الطائف؟
الحاج طلال حاطوم: في 11 أيار 1977 عقد المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى برئاسة سماحة الإمام القائد المغيّب السيد موسى الصدر اجتماعاً أقرّ فيه ورقة سُمّيت ورقة الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية للبنان. هذه الورقة فعلياً حوت رؤية ومشروع الإمام الصدر لبناء الدولة في لبنان. الدولة العادلة, الدولة القوية, الدولة التي تسودها المؤسسات, الدولة القادرة على حماية نفسها من الاعتداءات الخارجية ومن وأد الفتن الداخلية. ورقة الاصلاح التي قدمها الإمام الصدر باسم المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في العام 1977 حوت اصلاحات سياسية تحدثت عن أنّ الطائفة الشيعية هي جزء اساسي من الكيان اللبناني وهي تؤمن بأن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه وبأن لبنان لا يمكن أن يقوم إلا بالوحدة الوطنية وبالعيش المشترك لأن الطوائف في لبنان هي نعمة وأما الطائفية هي النقمة. وقد حوت أيضاً كَوْن الإمام موسى الصدر معنياً بشكل اساس بمسألة رفع الحرمان عن المواطنين اللبنانيين بغض النظر عن أي طائفةٍ أو منطقةٍ أو مذهبٍ انتموا اليه. كان يعتبر أن رفع الحرمان عن جبيل وعن عكار هو بنفس المساواة في رفع الحرمان عن أيّ مدينة أو دسكرة أو بلدة في الجنوب اللبناني. طبعاً مع خصوصية في الجنوب لأنه كان على خط التماس ولا يزال مع العدو الاسرائيلي للأرض الفلسطينية. فحوت أيضاً اصلاحات اجتماعية طالبت بالانماء المتوازن, طالبت بالعدالة الاجتماعية, طالبت بالمساواة بين كل المواطنين.
أيضاً حوت اصلاحات على أساس التركيبة السياسية للنظام اللبناني لناحية قانون الانتخابات النيابية أن يكون النائب فعلاً نائباً عن الأمة جمعاء وأن يتم الانتخاب على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة فيصبح ابن عكار ينتخب ابن الجنوب وتزداد الوحدة والتلاقي بين اللبنانيين.
وهذا الموضوع بين هلالين هو ما دعا اليه ايضاً دولة الرئيس نبيه بري في جامعة الحكمة في شباط 2002 حيث دعا الى قانون انتخاب على مرحلتين, مرحلة اولى على أساس لبنان دائرة انتخابية واحدة ومرحلة ثانية الانتخاب على أساس القضاء.
طبعاً كل هذا يحتاج الى تحضير سياسي والى تحضير شرائح اجتماعية لتقبل فكرة التلاقي بين اللبنانيين والالتفاف حول مفهوم الدولة والوطن. أيضاً حوت وثيقة الاصلاح اصلاحات في مجال الاعلام بحيث أنّ الإعلام ليس مجرد اخبار فقط بل الاعلام هو فاعل ومتفاعل مع المجتمع الذي يدور في فلكه. لم تترك الوثيقة بنداً من البنود التي يمكن أن تؤسس لبناء دولة حديثة في لبنان إلا ولحظته أو قاربته بشكل أو بآخر. أهم ما في هذه الوثيقة عام 1977 كان رفض التوطين في ما لا يمكن القبول به، التوطين.
لأن التوطين ليس فقط ضرر للبنان بل هو قضاء على القضية الفلسطينية التي كان يعتبرها الإمام الصدر قضية مركزية للعرب وقضية أساسية في دحر الصهيوني عن الأرض الفلسطينية المحتلة. اذا أردنا ان نقوم بمقارنة بين وثيقة الاصلاح التي رفعها الامام الصدر في العام 77 وبين ما ورد في اتفاقية الطائف نرى حتى لا نكون مبالغين انّ حوالي ما بين 60 او 70 بالمئة من وثيقة الاصلاح ووثيقة اتفاق الطائف هي من بنود وثيقة الاصلاح التي رفعها الامام موسى الصدر عام 77 أي ان الامام استشرف في رؤيته البعيدة المدى لكل الامكانات التي يمكن أن تؤسس للبنان الحديث والتي يمكن ان تنهي قتال الطوائف والقبائل الذي كان دائراً في ذلك الحين, رغم أنه الكثيرين ممن كانوا في تلك الفترة أواسط السبعينيات كانوا لديهم طروحات لتصورهم للبنان ولكن ما ورد في الطائف تحديداً حوى بين 60 و70 في المئة مما ورد وثيقة الاصلاح التي رفعها الإمام الصدر.
المذيعة: من هذا المنطلق كيف تفسر اليوم تغييب الإمام موسى الصدر وكيف ترى هل هذه الذكرى مختلفة عن الأعوام السابقة؟
الحاج طلال حاطوم: تغييب الإمام الصدر كان ضمن سياق عام مخطط لهذه المنطقة من العالم انطلاقاً من البوابة اللبنانية. تغييب الإمام موسى الصدر عن ساحة جهاده وعن وطنه وعن أهله وعن دوره الذي قال فيه مرة أنه :" لا أحد يحدّد لي دور, أن دوري محدد من الله". الإمام الصدر كان يحمل صيغة مشروع وطني للبنان البوابة لكل المنطقة كما نرى اليوم. كل ما يحدث في لبنان ينعكس بشكل أو بآخر على المنطقة بعامته. لأن التنوع الذي يحويه لبنان والتركيبة الخاصة التي يحويها لبنان إن لجهة العيش المشترك وإن لجهة تعدد الطوائف, أو لجهة الانفتاح والحرية والحفاظ على لبنانية اللبناني كانت هي السد المنيع في وجه كل محاولات التغريب والتقسيم والفدرلة والكانتونات والادارات المدنية والمحلية التي كانت من المخطط لها أن تنتشر في لبنان لكي يكون لبنان نموذجاً صغيراً لما سيشهده العالم الذي يعيش في هذه المنطقة وهذه البقعة الجغرافية. تغييب الإمام جاء من هذا المنطلق, أما بالنسبة للذكرى في هذا العام فلها ألف باب وباب.
الذكرى في هذا العام هي استثنائية بامتياز, دأبت حركة امل منذ التغييب الأول على اقامة مهرجان خطابي في نفس اليوم الذي غُيّب فيه الإمام الصدر في 31 آب, مهما كان هذا اليوم وهذا اصرار على أن أحباء الإمام الصدر وأبناء الإمام الصدر وأصدقاء الإمام الصدر واللبنانيون عموماً يصرون على ابقاء هذه القضية حية حتى تنجلي ملابساتها وحتى يعترف النظام الليبي بمسؤوليته عن هذه الجريمة النكراء التي تحتمل اكثر من الادانة، تحتمل حتى مطالبة القذافي بكشف حقيقة اخفاء الامام الصدر في ليبيا عام 78. هذه الذكرى في هذا العام أصرّ دولة الرئيس بري على أن تكون في صور, صور هي باحة القسم, صور هي مدينة الإمام الصدر, صور هي انطلاقة الامام الصدر, صور هي المدينة التي بدأ الإمام الصدر في العام 59 وانطلق منها الى كل لبنان. صور التي أسّس فيها المؤسسات التربوية والاجتماعية لرفع الحرمان عن الناس ولزيادة منسوب المستوى التعليمي للناس في تلك المنطقة كونها من الأطراف وصور هي بوابة الجنوب, هي التي على تماس مباشر مع العدو الصهيوني, صور المنكوبة اليوم بالمعنى الاجتماعي هي صور الإمام الصدر, صور المدمّرة اليوم بالمعنى المقاوم هي التي صدّت أعتى عدوان حدث في هذه الألفية على بلدٍ مثل لبنان, من أعتى قوة في المنطقة عالمياً, تُعتبر خامس قوة في العالم من حيث التجهيز وتمتلك من الأسلحة الفردية حتى السلاح النووي وما بينهما من السلاح الكيماوي والبيولوجي.
صور هي اليوم بوابة العودة الى الجنوب, عودة التحدي, حين دعا الرئيس نبيه بري الأهل الى العودة الى قراهم كان يقول جنوباً دُرْ, جنوباً دُر، لأن بقاء الجنوبيين في أرضهم هو وجه من أوجه التحدي لهذا العدو الصهيوني الذي حاول بالتدمير ان يُفقِد الجنوبي منزله ولكنه بالتأكيد لم يستطع أن يمس ارادة الجنوبي في البقاء في أرضه والتشبث بهذه الأرض.
صور اليوم هي شتلة التبغ التي جذّرت الناس ببقائهم في قراهم التي كان يريد العدو الاسرائيلي ان يجعلها ارضاً محروقة. صور هي الأرض التي رفضت الاحتلال فلفظته.
من هنا فالذكرى هذا العام هي ذكرى استثنائية بامتياز, هي عنوان بأننا جميعاً يجب ان نكون على مستوى التحدي في اعادة اعمار ما دمّره العدو الصهيوني, صور هذا العام من المتوقع ان تشهد حشداً يفوق التوقعات من محبي الإمام الصدر ومن أبناء الإمام الصدر ومن كل الطوائف ومن كل المذاهب بكل تلاوينهم وبكل فُسيفسائهم السياسية والطائفية والاجتماعية. لأن هذه العودة الى صور اليوم هي أساس التحدي للعدو الصهيوني الذي لا يزال يتربّص بنا الدوائر والشرور.
المذيعة: حاج طلال الإمام المغيب موسى الصدر هو ليس اماماً للشيعة فقط وقد زرتَ احدى المناطق في البقاع ووجدت باحدى الكنائس احدى اقواله, فكيف هذا الامر وكيف كان شخصه؟
الحاج طلال حاطوم: لا يمكن لأحد أن يتكلم عن الإمام الصدر كإمام للشيعة فقط, لم يحدث ان تحدث لبناني أو مسلم أو عربي أو كل الاحرار في العالم عن الإمام الصدر بصفته فقط اماماً للشيعة في بلدٍ صغير اسمه لبنان. الامام الصدر كان اكبر من لبنان، الامام الصدر كان أكبر من العروبة, كان الإمام الصدر على مستوى العالم, وجوده في لبنان أسّس لنوعية جديدة من التعاطي بين رجل الدين المُعمّم وبين السياسي القائد وبين المصلح الاجتماعي وبين رجل الفكر الذي يدعو الى الحوار والتلاقي. من هنا, أجمع اللبنانيون بكل أطيافهم السياسية وبكل أطيافهم الطائفية أجمعوا على أنّ الإمام الصدر هو امام المقاومة وامام الوطن وليس اماماً للشيعة.
الإمام الصدر له من المآثر ما يعجز اللسان عن التفوه به في مقابلة محصورة, أو تعجز الكتب عن حصره بين دِفّتيها, الامام الصدر كان داعية وحدة وكان رافضاً للقتال وللاقتتال بين اللبنانيين تحت اي عنوان كان, كان همه الأساسي مقاتلة ومقارعة العدو الصهيوني. من هنا كان شعاره الأساس الوحدة الوطنية اللبنانية هي أفضل وجوه الحرب ضد العدو الصهيوني, طالما أننا متوحدون في داخلنا اللبناني ومتفقون على العداء للشر المطلق اسرائيل فلا تستطيع اسرائيل أن تَنفُذ من نوافذ الفتنة والشرذمة والاقتتال الداخلي.
من هنا كان الإمام الصدر في غير موقف وفي غير مناسبة حول هذا الموضوع وحول هذا الشعار منها مثلاً أنه حين حوصرت دير الأحمر والقاع اعتصم في المهنية العاملية. وقال القول الشهير: "أي اعتداء على دير الأحمر أو على القاع هو اعتداء على عمامتي وعلى جبتي وعلى محرابي وعلى بيتي وعلى أولادي", لأنه كان يعتبر الأهل في دير الأحمر وفي القاع هم لبنانيون والحفاظ على الوحدة اللبنانية والابتعاد عن الاقتتال الطائفي الذي كان سائداً هو أساس اعادة بناء لبنان الوطن.
فهذه الأقوال تُحفظ للإمام الصدر بحروفٍ من ذهب في كُتب التاريخ وفي ذاكرة اللبنانيين الذين عايشوا الإمام الصدر والذي يحملون هذه الذكرى من جيلٍ الى جيل ويخبرون الأجيال الجديدة عن من هو الإمام الصدر وعن الدور الذي قام به في لبنان خلال فترة الحرب الفتنة التي كانت سائدة في أواسط السبعينات، وخلال تعاطيه مع كل الشرائح الاجتماعية نفس المستوى. أما بالنسبة للحوار فالامام الصدر رفض حتى عزل ما كان يُعرف آنذاك بالقوات اللبنانية الكتائب وقال: "بدل أن تعزلوهم حاوروهم" حتى نصل نحن واياهم الى نقاط مشتركة تؤسس لأن يكون لبنان وطناً نهائياً لجميع أبنائه وليس لفئة دون فئة وليس فيه مواطن من فئة اولى ومواطن من فئة خامسة بل أن يكون الجميع سوايسة امام القانون, الجميع متساوون في الحقوق والواجبات, وليس فقط في الحقوق حتى لا تتحول الحقوق الى امتيازات عند البعض والى احساس بالغبن عند البعض الآخر.
المذيعة: حاج طلال كان يقول الامام الصدر الطوائف نعمة والطائفية نقمة, برأيك لأي مدى هذه المقولة جرّبناها في لبنان وأثبتت مصداقيتها.
الحاج طلال حاطوم: ما هو مفهوم الطوائف في لبنان, البعض يعتبر ان الطوائف هي نقاط محورية للحصول على امتيازات. نحن نعتبر ان الطوائف في لبنان هي نعمة لأنها تشكل التنوع الديني والتمازج الحضاري الذي في العام 2000 حين زيارة البابا الى لبنان سمّى لبنان بلد الرسالة ودعا الى ان يكون التعايش بين الطوائف في لبنان نموذجاً يُحتذى في كل العالم. الإمام الصدر كان سباقاً ومنذ انطلاقته للعمل في لبنان كان يدعو الى الوحدة بين اللبنانيين ولم يدعو الى الوحدة بين الطوائف, دعا الى الوحدة بين اللبنانيين على أن تبقى الطوائف هي منارات دينية وفكرية تشع حضارةً على كل اللبنانيين يُستفاد من التمازج في ما بينها ولا يُعمل على الاختلافات في ما بين الطوائف.
الإمام الصدر حين شكّل هيئة نصرة الجنوب لم يشكلها من المسلمين وشكّلها من كل الأطياف الموجودة في الجنوب لأن الحفاظ على لبنان يستدعي التوحّد حول عدوٍ واحد.
في احدى مقولات الامام الصدر كان يقول "ان محنة اللبنانيين هي في افتقارهم الى مفهوم العدو الواحد". اليوم نرى أنّ ما زرعه الإمام الصدر منذ انطلاقته للعمل في لبنان بدأ يتحقق بالتفاف اللبنانيين جميعاً حول وحدتهم الوطنية وحول عيشهم الواحد المشترك وحول مفهومهم لأن لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه وهذه قوة لبنان الحقيقية في مواجهة العدو الصهيوني.
المذيعة: في هذه الذكرى الاستثنائية هل في الامكان ان يكون هناك جواب او ردّ أو اي من الأمور التي تُوضّح أن الإمام موجود في ليبيا او غير ليبيا.
الحاج طلال حاطوم: كل التحقيقات التي جرت في لبنان والتي أجرتها السلطات الايطالية والتحقيقات الدولية المشتركة التي سألت بعض المسؤولين في النظام الليبي آنذاك، وكل التصاريح تدل على أن الإمام الصدر غُيّب في ليبيا, ولم يغادر ليبيا. وفي أكثر من مرة كان واضحاً ان النظام الليبي وليس الشعب الليبي. النظام الليبي يسعى الى طمس حقيقة قضية الإمام الصدر بالرغم مما صدر عن المحقق الايطالي من ادانة واضحة لليبيا عام 1982 وبالرغم من الوفد الأمني القضائي المشترك الذي شكله لبنان لبحث قضية الإمام الصدر. المشكلة مع النظام الليبي هو ليس ان الإمام الصدر مواطناً شيعياً, المشكلة مع النظام الليبي هي ان الامام الصدر قائداً وطنياً وزعيماً وطنياً بامتياز بغض النظر عن الطائفة. نحن لا نقبل ان يُغيّب أي رجل من القيادات اللبنانية بغض النظر عن طائفته او انتمائه السياسي. المسؤولية واضحة على النظام الليبي في كل هذه التحقيقات. حاولت ليبيا غير مرة ان تقايض قضية الامام الصدر بأنواع متعددة من الصفقات, حيناً بالقول بأنها لم تكن تضبط كل الأوضاع الأمنية لأجهزتها في تلك الفترة التي كانت تدعي فيها الانفتاح على جملة من الحركات الثورية أو الحركات التحررية من بعض القوى الفلسطينية او من بعض القوى العالمية الأخرى من الجيش الايرلندي الى غيره. ولكن في كل مرة كان يثبت كذب هذا الادعاء وكانت الوقائع تدحض هذه المحاولات الليبية حتى ان الليبيين في احدى المرات عرض ان يُقايض مصير الامام الصدر بحفنة من الاموال.. بثلاثين من فضة. لكن الرفض الذي قوبل به بأن الإمام الصدر موضوعه ليس موضوع مالي وليس موضوع آخر, موضوع الامام الصدر هو كشف ملابسات تغييبه عن ساحة جهاده وعن وطنه وعن اهله وعن دوره في لبنان وفي المنطقة في العموم، لأن الامام الصدر ايضاً كان له الدور الكبير في الاطاحة بنظام الشاه بايران وكان من الداعمين لكل حركات التحرر وكان من الذين يرون للمستقبل بأن الخطر الاسرائيلي ليس خطراً آنياً مرحلياً بل هو خطر دائم على لبنان وعلى المنطقة. أساس المشكلة في أن هناك محرومين من ارضهم هم الفلسطينيون مع محرومين في ارضهم هم اللبنانيون, لديهم عدو واحد مشترك هو العدو الصهيوني الذي اغتصب الأرض الفلسطينية ولم يتّفق مستواه السياسي الحاكم منذ تأسيس ونشوء ما سُمّيَ بالكيان الاسرائيلي حتى اليوم على الحدود. هل تصدقين ان دولةً في العالم لا تملك حدوداً جغرافية مع الدول المجاورة؟ الكيان الصهيوني هو الوحيد الذي لا يملك حدوداً جغرافية حتى الآن لأن أطماعه التوسعية لا يمكن ان تنتهي في مكان او بقعة جغرافية محددة بل يسعى الى ابتلاع وهضم كل المحيط تحت عنوان: "ارضك يا اسرائيل من الفرات الى النيل". موضوع الثبوت, جريمة الاخفاء والتغييب والاختطاف على النظام الليبي ليست بحاجة الى تأكيد فهي مؤكدة بذاتها, المطلوب كشف ملابسات هذه الجريمة ووصول الحقيقة حول مصير الإمام الصدر الى خواتيمها, غير هذا... لا مجال للبحث اين الامام الصدر وكيف اختفى, ما تبقى هو نوع من العمليات الامنية الصغيرة لا تقدم ولا تؤخر, الموضوع بكلّيتها السياسية والاخلاقية والضميرية بمفهوم الاختطاف هي تهمة مثبتة على النظام الليبي.
المذيعة: يعني كان الإمام الصدر بذل جهداً كبيراً مثل ما تفضلت وتحدثت بكل المواضيع وهي وقف الحرب اللبنانية أو ما عُرف بحرب السنتين وشارك بالعديد من الاعتصامات لوقف عمليات القتل على الهوية. ما هو الدور الذي لعبه الامام المغيّب بهذا الاطار؟
الحاج طلال حاطوم: الإمام الصدر كان داعية حوار وداعية تلاقي, وكان يقصد الكنائس والمساجد بنفس السوية. كان يذهب الى كل المناطق والى كل الدول العربية, وجولته الى الدول العربية قبل اجتماع المجلس العربية مشهورة لأنه كان يؤسس لوقف الاقتتال الطائفي أو حرب الفتنة, سُمّيت بحرب الفتنة حرب السنتين في لبنان ولم يأْلُ جهداً ولم يرتح يوماً إلا وقام فيه بعمل دؤوب لوقف الحرب, ولربما احد اسباب تغييبه هو هذا السعي لوقف الحرب في لبنان.
المذيعة: كيف عبر الى الحوار من ذلك التاريخ, وخاصة كان معلوماً, كان رجل حوار وكان يدعو دائماً الى نبذ القوة والبحث عن حلول سياسية للخروج من الأزمات؟
الحاج طلال حاطوم: لا أحد يُحبّذ العنف وخصوصاً اذا كان العنف يطال ابناء البلد الواحد وابناء الجلدة الواحدة. الإمام الصدر كان يؤمن بأن اللبنانيين جميعاً محكومين بقدرٍ هو العيش مع بعضهم البعض في وطن نهائي لهم جميعاً. كل الأمور الباقية كانت تفاصيل, كان يبحث عن العنوان الأساس, عن الشعار الأساس, وحدة لبنان. كيف تتم الوحدة؟ ليس بصيغة الغالب والمغلوب وليس بصيغة المحروم وصاحب الامتيازات, بل تتم بالحوار والتلاقي على النقاط المشتركة بين جميع اللبنانيين في نظرتهم الى لبنان وفي نظرتهم الى لبنانيتهم وفي نظرتهم الى اعدائهم والى اصدقائهم, هذه العناوين بجملتها كان الامام الصدر يسعى الى توحيدها بين مختلف اطياف قوس القزح اللبناني اذا أردتِ, مصراً على أن لبنان لا يمكن ان يكون الا النقيض للكيان العنصري الصهيوني، وبالتالي المطلوب التعايش بين كل الطوائف لتكون نموذجاً اساسياً لتمازج الحضارات وحوار الحضارات وليس تصادم الحضارات. كان يحاور الجميع, كان ذو باعٍ طويلفي الحوار, كان ذو صدرٍ طويل في الحوار, تعرض لأكثر من عملية اغتيال من بعض من كانوا يعتبرون انهم في الخط الواحد وفي الخندق الواحد مع حركة امل ومع الامام الصدر ولكنه كان يصر على التغاضي عن كل هذه التفاصيل تحت البحث عن الشعار الواحد الموحد وعن ضرورة التلاقي الروحي والسياسي والاجتماعي في بلدٍ شِئناهُ وارتضيناه وطناً نهائياً لنا جميعاً.
المذيعة: يعني هل بالحوار يجب ان تحل الأمور ام هل هو العنوان للمرحلة المقبلة من بعد ما رأينا كل هذه الأمور التفصيلية إن كان بأوجه الشبه في الطائف, في المقاومة, في التعصب الطائفي وان كان هناك الفتنة الطائفية يعني كل هذه المواضيع هل نستطيع أن نسأل أو أن ننطلق ما بعد أو ماذا بعد الحوار؟
الحاج طلال حاطوم: لبنان دخل في التجربة, في حرب الفتنة, ودخل في التجربة في الاجتياحات الصهيونية المتعددة, ودخل في التجربة في الاقتتالات الداخلية الطائفية, وكل هذا لم يؤدِ الى نتيجة. ما يؤدي الى نتيجة هو الحوار, اذا لم يؤدي الحوار الى نتيجة ترضي جميع اللبنانيين وتحفظ حقوق كل اللبنانيين وتؤمّن المساواة بين كل اللبنانيين, فما هو الذي يمكن ان يؤدي الى قيامة لبنان. الحوار دعا اليه الامام الصدر وأصرّ عليه وعقد الندوات واللقاءات والجلسات الحوارية وخطب في المساجد والكنائس وفي المدارس وفي الجامعات وفي المعاهد وفي المنتديات وفي الساحات العامة..... داعية حوار بين اللبنانيين. وهذا ما أسس لوقف حرب الفتنة وبدء محاولة بناء لبنان. لكن العدو الصهيوني لم يترك لبنان يرتاح فكان اجتياح الـ78 ثم كان اجتياح الـ 82 ثم معركة صيدا في الـ 85 ثم الـ93 ثم الـ96 ثم الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة ثم محاولة الدخول الى الوحدة اللبنانية لتمزيقها وشرذمتها, ولكن اللبنانيون اتفقوا في الطائف على مجموعة قواسم مشتركة بالتأكيد لا ترضي طموحات الجميع ولكنها بالتأكيد أيضاً تؤسس لمرحلة جديدة لبناء لبنان الدولة والوطن.
دولة الرئيس الاخ نبيه بري حين دعا في 2 آذار من العام الماضي الى جلسات الحوار كان لبنان يكاد يذهب الى جهة المجهول بارتفاع منسوب السجالات السياسية والمهاترات الاعلامية الى اعلى الدرجات وكدنا ان لا نصل الى نتيجة في هذا الحوار على الشاشات والسجالات, كانت الدعوة الى الحوار في 2 آذار, ولكن الحوار لم يبدأ فعلياً في 2 آذار, بدأ قبل ذلك بكثير حيث مُهّدت الطريق بالاتصالات واللقاءات العلنية وغير العلنية بين كل الاطراف الممثلة لكل شرائح المجتمع اللبناني حتى توافقنا على فكرة الحوار.
وحين جلس اللبنانيون بقياداتهم الى طاولة الحوار وجدنا ان الكثير مما كان يُطرح في الشارع يمكن حله بالتوافق وبالحوار المباشر بعيداً عن المهاترات وعن محاولات استجلاب شعبية صغيرة هنا, او استجلاب طائفة هناك, او استجلاب مذهب هناك, او الحصول على مكاسب ضيقة آنيّة. حين وضعنا مصلحة لبنان نُصْب أعيننا بناءً للمسلمات والثوابت الوطنية التي لا يمكن التنازل عنها كانت سكة الحوار قد سارت والكثير من المواضيع التي كانت مدار نقاش وسِجال تحولت الى اجماع لبناني, للتذكير فقط انّ ما صدر عن طاولة الحوار في اجتماعاتها التسع او العشر لم يكن بالأكثرية, بل كان بالاجماع, اجماع كل اللبنانيون على ما تمّ الاعلان عنه عن لسان دولة الرئيس نبيه بري مدير جلسات الحوار, والذي لعب دوراً محورياً في تقريب وجهات النظر وفي تخفيف حدة الاحتقان والتشنج بين مختلف الأفرقاء الجالسين الى طاولة الحوار. هذا الحوار كان مقدراً له أن يصل الى خواتيمه ويُجنّب لبنان الكثير من الخضات والهزات وابعاد لبنان عن جهة المجهول الى جهة بناء الوطن. لكن العدو الاسرائيلي كان دائماً كلما اقتربت جلسات الحوار من الوصول الى نتيجة في بندٍ من البنود المطروحة على الطاولة كان في أحد المرات يُجهّز قواته على الحدود الجنوبية, في أحد المرات كان يخرق جدار الصوت فوق طاولة الحوار, في أحد المرات يخطف المزارعين اللبنانيين أو الرعاة اللبنانيين أو الصيادين اللبنانيين ليقول أنني أنا أيضاً جزءٌ من هذا الحوار ويجب أن تأخذوا بعين الاعتبار أنّ الوحش الصهيوني موجود على حدودكم وانتبهوا أيّ توافق بينكم يسدّ عليّ منافذ الدخول الى فتنة الى لبنان سوف أواجهه بالاعتداء على كل مقوّمات لبنان, وفعلاً هذا ما حدث. والا كان مقدّراً أن الاستراتيجية الدفاعية لحماية لبنان من الاعتداءات الاسرائيلية كانت بنداً من البنود المطروحة على طاولة الحوار, اذا لم يحقق الحوار النتائج المرجوة لبناء الوطن, فلا أحد يظن بأن العنف أو الاعمال العنفية او الخضات الداخلية او الانقسامات او السجالات ستؤدي الى نتيجة.
المذيعة: شكراً حاج طلال حاطوم عضو المكتب السياسي لحركة أمل, شكراً مشاهدينا على المتابعة فاصل ونكون مع الشيخ خلدون عريمط.
