مثل السيد موسى الصدر في لبنان، ظاهرة متميزة في عطائها الديني والثقافي، فضلاً عن ابعادها السياسية والاجتماعية. وقد استطاع بفضل مواهبه ولياقاته، ان يحقق للمسلمين، خاصة الشيعة، واحدة من اهم قضاياهم المصيرية، وذلك بالذود عن هويتهم الحضارية، والحفاظ على استقلالية كيانهم الاسلامي، والدفاع عن حقوقهم المشروعة في بلد تحكمه الطائفية حتى النخاع. كما ان سماحته لم يألُ جهداً في الدفاع عن سيادة لبنان ووحدة اراضيه، ومناصرة قضاياه القومية والمصيرية، وكانت له في هذا المجال مواقف مشرفة يسجلها تاريخ لبنان بكل فخر واعتزاز.
بمناسبة الذكرى السنوية لتغييب الإمام الصدر، ارتأت المجلة ان تكون لها وقفة للتعريف بهذه الشخصية الفذة. وان تلقي الضوء على واحدة من المؤسسات التي اقترن نشاطاها باسم الامام الصدر، عبر حوار مع السيدة رباب الصدر مسؤولة شؤون المرأة في مؤسسات الإمام الصدر.
عائلته ونسبه
الإمام موسى الصدر ابن آية الله العظمى سيد صدر الدين بن سيد اسماعيل بن سيد صدر الدين احد اكبر العلماء في منطقة جبل عامل في جنوب لبنان – والسيد صدر الدين ابن سيد صالح شرف الدين كان من أكبر علماء زمانه. هاجر بعد زواجه من ابنه العالم المجتهد الكبير (كاشف الغطاء) إلى ايران واستقر في مدينة اصفهان، حيث رزقه الله هناك خمسة اولاد اصبح جميعهم فيما بعد من علماء الدين، وكان السيد صدر الدين (والد الإمام موسى الصدر) ثاني اولاده. وكان السيد اسماعيل اصغرهم. وهذا الاخير ترك اصفهان وهاجر إلى النجف الاشرف وبقي هناك حتى وافاه الاجل في عام 1959 تاركاً وراءه اربعة اولاد، كان السيد صدر الدين (والد الإمام موسى الصدر) ثاني اولاده.
مولده ونشأته
ولد موسى الصدر في مدينة قم عام 1928 وانهى دراسته الابتدائية والمتوسطة فيها، ثم دخل حوزة العلوم الدينية ودرس فيها العلوم الإسلامية والفقه، وفي الوقت نفسه كان يدرس الحقوق في جامعة طهران، حيث حصل على اجازة البكالوريوس في الحقوق الاقتصادية.
كان موسى الصدر يتقن العربية والفارسية كما كان يعرف اللغة الفرنسية والانجليزية. وبعد فترة من العمل في الحوزة العلمية في قم اصبح احد اساتذتها وبادر بتدريس الاصول والمنطق والفلسفة. كما قام بالتعاون مع مجموعة من الاساتذة باصدار مجلة شهرية باسم (الدين الاسلامي) وما تزال هذه المجلة تصدر في قم وتعتبر من اكبر النشريات الاسلامية في ايران.
ومما يجدر ذكره ان موسى الصدر سافر بعد وفاة والده عام 1955 إلى العراق وقضى هناك اربع سنوات في الدراسة في حوزة المجف الأشرف العلمية، حيث درس هناك علوم الفقة والاصول على يد مراجع كبار مثل المرحوم آية الله السيد محسن الحكيم، وآية الله الشيخ محمد رضا آل ياسين، وآية الله السيد أبي القاسم الخوئي.
دخوله لبنان
بعد وفاة آية الله شرف الدين المرجع الشيعي الأعلى في لبنان في 30/12/1957 كتب شيعة لبنان رسالة إلى قم وجهوا خلالها دعوة إلى السيد موسى الصدر طلبوا منه المجيء إلى لبنان وحث سماحة آية الله العظمى البروجردي السيد موسى الصدر كذلك على قبول هذه الدعوة وتزعم امور الشيعة هناك. فوافق على ذلك وسافر إلى لبنان عام 1959 واستقر في مدينة صور.
تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى
بعد دخوله مدينة صور بدأ ارشاداته الاسلامية وخدماته الاجتماعية على مستوى واسع وشامل وبدأ حركة شاملة في قرى جبل عامل، بعلبك والهرمل في سبيل انقاذ الناس من الفقر والحرمان وامتدت نشاطاته حتى شملت بقية مناطق لبنان، وقد تمكن سماحته في مدينة صور من ان يقوي اواصر الاخوة بين اللبنانيين والطوائف الدينية الموجودة هناك ... كما شارك في النهضات الاجتماعية وفي كثير من المبادرات الخيرة كمساعدة المؤسسات الخيرية والتنظيمات الثقافية، كما اعاد نشاط جمعية "البر والاحسان" التي كانت قد اسست ايام المرحوم شرف الدين ووضع لها برامج جديدة ونظاماً جديداً، وتولى بنفسه مسؤولية ادارة المؤسسة والاشراف عليها، كما بادر بجمع التبرعات والاعلانات من الناس الخيرين في سبيل تعليم الايتام ومساعدتهم من الناحية المادية، وبادر ايضاً بتأسيس مدرسة مهنية على مستوى عالٍ باسم مهنية اخرى خاصة بالفتيات باسم (بيت الفتاة) واسس بعد ذلك (معهد الدراسات الاسلامية) في صور.
سافر موسى الصدر إلى عدد كبير من البلدان العربية والاسلامية والافريقية والاوروبية وشارك في كثير من المؤتمرات العالمية واقام علاقات مع عدد من المؤسسات الانسانية والاجتماعية والثقافية على المستوى العالمي.
كما سعى في ظل النظام اللبناني القائم على اساس الطائفية إلى تشكيل مجلس خاص بالشيعة، حيث قدم ممثلو الشيعة في البرلمان اللبناني لائحة قانونية إلى البرلمان تنص على السماح للشيعة بتأسيس مجلس باسم "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" وصادق البرلمان اللبناني ورئيس جمهوريته عليها في 16/5/1967. وفي 23/5/1969 تم انتخاب الإمام موسى الصدر رئيساً للمجلس الإسلامي الشيعي الاعلى.
وبعد فترة من انتخابه رئيساً للمجلس اعلن الإمام موسى الصدر عن الاهداف التي يسعى المجلس لتحقيقها وهي:
أ- تنظيم شؤون الطائفة الشيعية، والسعي لتحسين وضعهم الاجتماعي والاقتصادي.
ب- اتخاذ موقف اسلامي كامل سواء من الناحية الفكرية والعلمية او من ناحية الكفاح والجهاد.
ج- القيام بمبادرات اساسية في سبيل عدم تشتت المسلمين والسعي إلى تحقيق الوحدة الكاملة بينهم.
د- التعاون مع جميع الطوائف الدينية والسعي إلى صيانة وحدة البلد.
ه- الاهتمام بالمسؤولية القومية والوطنية وصيانة الاستقلال والحرية في لبنان والدفاع عن اراضي البلد وحدوده.
و- مكافحة الجهل والفقر والظلم الاجتماعي والفساد الاخلاقي.
ز- مساعدة المقاومة الفلسطينية ومناصرتها ودعمها والمشاركة مع البلدان المتقدمة والاخوة العرب في سبيل تحرير الاراضي التي احتلها العدو الصهيوني.
جهوده في سبيل انقاذ المحرومين
منذ عام 1971 وما بعده استمر العدو الاسرائيلي باعتداءاته على جنوب لبنان. في مثل هذه الظروف ومن اجل الدفاع عن الجنوب اعلن الإمام موسى الصدر بأنه يجب توفير جميع وسائل الدفاع الجديدة لأهالي الجنوب، كما يجب ان تصان قرى ومناطق الجنوب وان تصبح التعليمات العسكرية فيها عامة واجبارية. وان توضع الاسلحة في متناول جميع اهالي الجنوب كي يتمكنوا من التصدي للعدوان الاسرائيلي والدفاع عن وطنهم. كما هاجم الإمام موسى الصدر الحكومة اللبنانية لتجاهلها الاوضاع في الجنوب وطلب إليها ان تلغي الامتيازات الطائفية، وان تفسح المجال للطائفة الشيعية المسلمة لتشغل مناصب على مستوى الوزارات والمديريات العامة في لبنان، كما طالب الحكومة بتعميم القوانين الخاصة بالتعليم والتربية والتنمية على جميع لبنان.
وعلى هذا الاساس تشكلت حركة المحرومين وفق المبادئ التي حددها الإمام موسى الصدر والتي عبر عنها هو بنفسه بالقول: ان حركة المحرومين انبعثت من الايمان الحقيقي بالله والانسان والكرامة والحرية الكاملة وهي ترفض اي نوع من الظلم الاجتماعي والعسكري والسياسي والطائفي، وتحارب الاستبداد والاقطاع والتفرقة.
تأسيس افواج المقاومة اللبنانية (حركة أمل)
في 20/1/1975 وبمناسبة عاشوراء الحسين (ع) القى موسى الصدر كلمة حماسية دعا فيها الشعب اللبناني إلى تشكيل فرق من المقاومة العسكرية للتصدي للعدو الصهيوني. وقد ذكر في هذا الخطاب: "الدفاع عن الوطن ليس من واجب الحكومة فقط بل هو واجب على جميع افراد الشعب وعلى الجميع ان يدافعوا عن بلدهم وارضهم وبيوتهم".
وفي مؤتمر صحفي عقد في 6/7/1975 اعلن بصراحة عن ولادة مجموعة مسلحة اسماها (افواج المقاومة اللبنانية) (أمل) في عالم السياسة الدينية في لبنان وعرف هذه الافواج بهذا الشكل" الافواج قاعدة ومقر الفتوة الابطال والفدائيون الذين يريدون ان يستجيبوا لصرخات وطنهم الجريح المظلوم المضرج بالدماء الذي يتعرض دائماً ومن كل الجوانب لاعتداءات العدو الاسرائيلي الظالم".
مبادراته لوقف الاملاك والاراضي
بدافع تقوية المؤسسات الاجتماعية والثقافية، والصناعية وتوسيعها، عمل الإمام الصدر على تأسيس الجمعيات الخيرية والمعاهد العلمية والحرفية كالمعاهد الزراعية والصناعية، كما عمل على بناء المدارس والملاجئ الخاصة بالمحرومين والايتام. كما قام بتطوير تشكيلات جمعية (البر والاحسان) في مدينة صور ورأسها هو بنفسه.
كما تمكن من خلال الاستفادة من ميزانية آية الله السيد ابي القاسم الخوئي ان يبني مبرة الإمام الخوئي للعناية بأولاد الشهداء في منطقة (برج البراجنة) في الناحية الجنوبية من بيروت وفي بعلبك والهرمل. كما اسس مراكز صحية مهمة في (حي السلم) في جنوب بيروت وفي برج البراجنة وفي مدينة صور ايضاً. كما تمكن من بناء مدرسة لتعليم العلوم الاسلامية في صور، وتم تسجيل كل هذه الاملاك وقفاً للطائفة الشيعية.
مساعي موسى الصدر في سبيل انهاء الحرب الداخلية
كان موسى الصدر يدرك هذه الحقيقة وهي ان قضية انهاء الحرب الداخلية في لبنان تحتاج إلى قرار عربي مشترك، وان هذا القرار لا يتحقق إلا ان يكون مسبقاً بتوافق عربي مشترك. وعلى هذا الاساس ذهب في 23/8/1976 إلى دمشق، ومن ثم إلى القاهرة ليقوم:
اولاً: بتصفية الجو السياسي للبلدين الذي كان يتكدر يوماً بعد يوم.
ثانياً: بتوحيد موقف قادة البلدين ازاء الحرب الداخلية في لبنان.
كما قام برحلات عديدة بين مصر وسوريا وكذلك بين السعودية والكويت كما قام باتصالات عديدة مع رئيس جمهورية لبنان والمقاومة الفلسطينية استمرت حتى 13/10/76، كما قام بزيارة عدد من البلدان العربية واجرى حواراً مع مسؤوليها. وفي الحقيقة سعى ليحقق التضامن العربي في سبيل انهاء الحرب الداخلية في لبنان. وقد اثمرت هذه الجهود اخيراً بعقد مؤتمر الرياض في 16/10/76 ومن ثم مؤتمر القاهرة في 25/10/1976 وتقرر في هذين المؤتمرين انهاء الحرب الداخلية في لبنان بتدخل قوات حفظ السلام العربية.
ومع دخول قوات السلام العربية إلى الاراضي اللبنانية دعا موسى الصدر الشعب اللبناني إلى الابتعاد عن جو الحرب والاصغاء إلى القانون والتمسك بالوحدة اللبنانية وصيانة كيان البلاد واستقلالها، والعودة إلى بناء الوطن.
اختفاء موسى الصدر في ليبيا
قبل مغادرته لبنان اعلن موسى الصدر: "سأذهب إلى ليبيا لمقابلة العقيد معمر القذافي رئيس الحكومة الليبية". الا ان اجهزة الاعلام الليبية لم تنشر نبأ وصول الإمام الصدر ولا الايام التي مكثها هناك، كما لم تشر أية اشارة إلى لقائه العقيد القذافي او بقية المسؤولين الليبيين!.. وعلى الرغم من ان موسى الصدر كان يتصل عادة بالهاتف بعائلته وبالمجلس الاسلامي الشيعي الأعلى في كل سفرة الا ان اتصاله انقطع فجأة بعد سفره إلى ليبيا.
والجدير بالذكر انه تمت مشاهدة الإمام ومرافقيه للمرة الاخيرة يوم 31/8/1978 في ليبيا.
بعد انتشار نبأ اختفاء موسى الصدر واقامة مراسم العزاء في البلدان المختلفة اعلنت الحكومة الليبية بصورة رسمية: ان قائد الشيعة اللبناني قد غادر مع رفيقيه الاراضي الليبية بطائرة ايطالية اتجهت من غرب طرابلس إلى ايطاليا ليلة 31/8/1978!!!.
هذا وقد تم العثور على حقائب الإمام موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب في فندق (هوليداي N) في مدينة روما.
من جهة اخرى توصلت مؤسسة القضاء الايطالية بعد تحقيقات شاملة ان الإمام الصدر والوفد المرافق له لم يدخلوا الاراضي الايطالية ابدا. اعلن ذلك المدعي العام لمحكمة الاستئناف في روما يوم 12/6/1979. اجريت قبل ذلك تحقيقات ودراسات شاملة اشرف عليها مساعد المدعي العام في ايطاليا بحيث توصل في النهاية إلى نتيجة قاطعة وهو ان موسى الصدر ورفيقيه لم يخرجوا من الحدود الليبية ابدا! اعلنت هذه النتيجة من قبل مساعد المدعي العام في 19/5/1979.
قدم الإمام الصدر خلال وجوده في لبنان خدمات كثيرة في صور وجنوب لبنان دامت اكثر من 20 عاماً فتح خلالها آفاقاً جديدة من الحياة الاجتماعية امام المسلمين والشيعة هناك، كما بذل جهوداً كثيرة للحيلولة دون اراقة الدماء هناك، كما سعى لتوحيد حقوقهم ضد العدو الصهيوني، وكان يدعو في كلماته وزياراته دائماً إلى وحدة الامة الاسلامية وتكاتفهما ضد الاعداء، فكان نموذجا حياً للاتحاد والتفاهم بين الشعوب الاسلامية.
مع السيدة رباب الصدر
* السيدة رباب الصدر، حبذا لو تحدثينا في البدء باختصار عن تاريخ تأسيس مؤسسة الإمام موسى الصدر واهم مجالات نشاطاتها؟
- تمارس مؤسسة الإمام موسى الصدر نشاطها الاجتماعي منذ عام 1962، حيث اخذت على عاتقها ومنذ اليوم الأول لتأسيسها مهمة خدمة المحرومين وتحقيق امال المسلمين الشيعة في لبنان وتطلعاتهم في الحياة الحرة الكريمة. وعموماً تتوزع نشاطات المؤسسة على مجالات متعددة بما في ذلك المجالات الثقافية والعلاجية والخدماتية، من خلال تشكيلات منظمة نابعة من حاجة المجتمع الماسة اليها. فهناك قسم التعليم والتأهيل والخياطة ورياض الاطفال والمعاهد الحرفية، وملاجئ للايتام وغير ذلك. فكما تعلمون يتسم لبنان بتعدد طوائفه واقلياته، وكل واحدة منها لها مؤسساتها ومراكزها المتنوعة الخاصة بها. وقد استطاع الإمام موسى الصدر بإنشائه هذه المؤسسة ان يحدث تشكيلات خاصة بالشيعة تلبي احتياجاتهم وتذود عن حرمتهم وتحق لهم حقوقهم المشروعة. ومن هنا تشاهد ان تشكيلات هذه المؤسسة اخذت تظهر إلى الوجود وتبادر بممارسة نشاطاتها الواحد تلو الآخر وفقاً لمتطلبات الظروف والحاجة الماسة إليها. فمتى ما ظهرت حاجة إلى مشروع أو مبادرة خاصة، نظراً لتغير الاوضاع السياسية المستمر في لبنان – كان سماحة الإمام الصدر يبادر إلى تنفيذه مباشرة، ويعد العدة اللازمة لمباشرة نشاطه، فعلى سبيل المثال لم تكن هناك حاجة في عام 1962 إلى بناء ملاجئ للايتام، لأنه لم يكن لدينا في الوقت اسرى او مفقودين او ايتام، اما في عام 1978، فقد رأى الإمام موسى الصدر أنه لا بد من التفكير بشكل جدي بمصير هؤلاء الابناء الذين فقدوا آباءهم في الحرب اللبنانية والاعتداءات الصهيونية على اراضي الجنوب اللبناني، ورعايتهم والعمل على بناء مستقبلهم، وهكذا الحال بالنسبة لقسم الخياطة الذي تضمه المؤسسة، والقسم الخاص بمكافحة الامية وغيره. ومن نعم الله سبحانه عليّ، انني كنت إلى جوار الإمام الصدر في مسيره اللاحب هذا، وكنت أشاهد القرارات الصعبة التي أتخذها الإمام الصدر لتحقيق عزة المسلمين الشيعة في لبنان، وبناء مستقبلهم الزاهر. وها أنا اشرف على إدارة الاقسام الخاصة بالمرأة في هذه المؤسسة، وقد بدأ عملي هذا بأمر من الإمام الصدر ورعايته وتوجيهاته. علماً بأن بعض هذه الاقسام قد تأسس في غياب الإمام الصدر.
* ما الذي استطاعت مؤسسة الإمام الصدر أن تقدمه للمسلمين الشيعة في لبنان منذ تأسيسها وحتى الآن، ليتمكنوا من احتلال المكانة اللائقة بهم. بتعبير آخر ما هو وجه الاختلاف بين ما كان عليه الشيعة في لبنان قبل 32 عاماً واليوم؟
- بالتأكيد يوجد هناك من بإمكانه أن يجيب عن هذا السؤال افضل مني. فالذي رأيته خلال هذه الفترة يمكن ان يكون اقل من ذلك الذي رآه الآخرون. فقد كنت اسمع من اللبنانيين الشيعة بأنهم كانوا يشعرون دائماً بأنهم مضطهدون، ومعدمون، وانهم لا يتمتعون في المحافل السياسية بالمناصب والمسؤوليات التي توزع على الآخرين بالمجان. وعند مجيء الإمام الصدر إلى لبنان رأى بأم عينيه كل هذا الاضطهاد والحرمان والتمييز الطائفي والديني، فعمل على تأسيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى في لبنان، وتشكيل هذه المؤسسات الثقافية، وتشكيل افواج المقاومة اللبنانية، وجماعة الدفاع عن الجنوب، ومؤسسة حماية المحرومين، إلى غير ذلك. وعموماً توزعت نشاطات الإمام موسى الصدر على الصعيد السياسي، وصعيد مجالس الشيعة، والمجلس الإسلامي الشيعي الاعلى، والدفاع عن جنوب لبنان، فعندما جاء الإمام الصدر إلى لبنان كان المستوى العلمي والثقافي والاجتماعي للشيعة بسيطاً جداً، وقد استطاع الإمام الصدر بحمد الله وبمساعدة أبناء الشيعة كافة ان يرتفع بمستوى المجتمع الشيعي ويقضي على الفروق الاجتماعية والثقافية والسياسية التي كانت تميزه عن غيره من المجتمعات اللبنانية. ولعل من أبرز الخدمات الجليلة التي قدمها الإمام الصدر للمجتمع الشيعي اللبناني مساعدته على حفظ دينه وتقوية ايمانه واعادة ثقته بنفسه. والحجاب الاسلامي الذي تراه اليوم منتشراً بين صفوف المسلمات اللبنانيات، وكل هذه البطولات والتضحيات التي يسجلها كل يوم ابطال المقاومة الاسلامية، كل ذلك من بركات جهود الإمام الصدر واخوته العلماء الاعلام وأبنائه الخلص. لقد استطاع الإمام الصدر ان يعمل الكثير الكثير جداً خلال العشرين عاماً من حضوره المتميز في لبنان قبل ان يغيبوه من الساحة.
* هل تركت الثورة الاسلامية تأثيرها على المسلمين في لبنان، لا سيما مؤسسة الإمام الصدر؟ وما هي طبيعة هذا التأثير وما هو مداه؟
- مما لا شك فيه ان الثورة الاسلامية تركت تأثيرها في كل مكان، خاصة بطولات أبنائها وثباتهم في وجه مؤامرات الاعداء، وقولهم "لا" لكل محاولات الاركاع والتسليم. ان كلمة "لا" هذه لها قيمة كبرى لدى انصار الثورة ومريديها، حيث زرعت الثقة في نفوس جميع المسلمين ومن جملتهم نحن في لبنان. ان الجمهورية الاسلامية شرف ومفخرة لجميع المسلمين في كل مكان.
* كيف حصل ان سميت هذه المؤسسة باسم الإمام الصدر؟ وهل ان نشاطاتها مرتبطة بشخص الإمام الصدر؟
- في الحقيقة لم تكن المؤسسة قبل غياب الإمام الصدر تحمل اسم الإمام الصدر، إلا ان اعضاء هيئة ادارتها طالبوا بوضع اسم الإمام الصدر على هذه المؤسسة بعد غيابه، لأن الجميع كان يشعر بأن الايادي التي غيبت الإمام الصدر كانت تهدف من وراء ذلك إلى القضاء على اسم الصدر ونهجه. ولكي يبرهن للعدو بأننا، رغم غياب الإمام الصدر، لا يمكن ان نتخلى عن الهدف الذي كان يصبو إليه، والرسالة التي اضطلع بمسؤوليتها، سمينا هذه المؤسسة باسمه، وان هذه المؤسسة لا ترتبط لا من قريب ولا من بعيد بعائلة الإمام الصدر، وما أنا الا احد العاملين على انجاح برامجها اسوة ببقية ابناء المسلمين الذين يتحمل كل واحد منهم رسالة تجاهها، كل حسب طاقته وقدراته.
* هل لدى المؤسسة الامكانيات اللازمة لاحتضان ورعاية جميع اليتامى الذين ابتلعت الحرب المدمرة والاعتداءات المتكررة آباهم وذويهم؟
- نحن قبل الحرب كنا نقبل كل من يتقدم من ابناء الطوائف والمذاهب الاخرى للانضمام إلى المؤسسة والاستفادة من خدماتهم، ولكن الحرب اللبنانية فرقت شمل الجميع وشتتهم، ونحن الآن نتكفل شؤون (300) يتيم فقط علماً ان هناك أكثر من (300) الف يتيم في لبنان. ذلك ان 70% أو 80% من اهداف الاعتداءات الصهيونية والحرب الداخلية تتمثل في ابادة الشيعة في لبنان والقضاء عليهم، ولذلك فإن معظم اليتامى قد قتل آباؤهم وذووهم في هذه الاعتداءات والحرب. ولا يخفى ان ثلاثمئة يتيم تتكفلهم المؤسسة عدد بسيط جداً مقابل هذا العدد الضخم من الايتام.
* هل تقتصر النشاطات الثقافية لمؤسسة الإمام الصدر على الايتام وحدهم؟
- المؤسسة بأقسامها المختلفة ونشاطاتها المتعددة تقدم خدماتهما لمختلف ابناء المسلمين، ويحظى الايتام في هذه المؤسسة برعاية خاصة، سواء في مجال تربيتهم وتعليمهم، أو في مجال توفير مستلزمات حياتهم الحرة الكريمة وتحقيق متطلباتهم، وعموماً هناك الكثير من الاعمال تنجزها المؤسسة خارج نطاق نشاطاتها، من قبيل علاج المرضى في المستشفيات الخاصة، او متابعة قضايا الاسرى والمعتقلين لدى الميليشيات والسعي لإطلاق سراحهم، إلى غير ذلك.
* هل لدى المؤسسة برامج خاصة تساعد منتسبيها على المنافسة الحرة الشريفة والابتكار والابداع، كتقديم جوائز للمتفوقين مثلاً؟
- بالتأكيد حيث تقام المهرجانات السنوية لمكافأة المتفوقين وتشجيعهم على مواصلة العطاء والابداع. ومما يذكر في هذا المجال ان الطالب الاول على لبنان في الامتحانات الرسمية للمدارس كان من مدرستنا. كما ان طالبات قسم التمريض التابع لأحد معاهد المؤسسة، واللاتي يبلغ عددهن 32 بنتاً، قد تم قبولهن جميعاً في الامتحان العام، واهدت لنا وزارة التعليم اللبنانية ميدالية بهذه المناسبة كما اهدى لنا رئيس الجمهورية ميدالية ايضاً هذا العام.
* كما تعلمون، يقف المسلمون اليوم في مواجهة غزو ثقافي استكباري يهدد كيانهم وهويتهم في مختلف البلدان الاسلامية. كيف تواجهون الغزو الثقافي الاستكباري في لبنان خاصة في جنوبه، وهل توصلتم إلى سبيل ناجع للمواجهة؟
- سؤال مهم وفي محله، بالطبع لا بد من القول اننا بدأنا نشعر بالقلق منذ ان اخذوا يتحدثون عن السلام، وربما هناك القليل الذي يدرك الخطر الذي تهدد الشباب في جنوب لبنان. فهل فكرت الدولة فيما ستفعله للناس هناك مقابل الاخطار التي تتهددهم؟ اننا بدورنا لم نألُ جهداً في توعية الناس والمحافظة على استعدادهم القتالي للدفاع عن انفسهم مقابل الهجمات الشرسة التي تشن ضد دينهم ومعتقداتهم. اننا ومن خلال نشاطات مؤسسة الإمام الصدر استطعنا ان نحصن هذا الجيل بالايمان الواعي والثقافة الايمانية وان نحذرهم من اساليب اعداء الدين والانسان الذين لا يروق لهم ان يروا الانسان المسلم متمسكاً بدينه ومجسداً لتعاليمه في تعامله وسيرته واخلاقه. قد حرصنا في هذه المؤسسة على استغلال اوقات الفراغ على افضل نحو وذلك بإعداد برامج سياحية وسفرات ترفيهية ومسابقات رياضية، ونشاطات فنية وادبية، ولذلك ترى اوقات فراغهم مملوءة بالنشاطات المفيدة.
* اين تقف مدارسكم في مستواها العلمي والفني مقارنة بالمدارس الخصوصية والحكومية؟
- نحن اصلاً لا نقارن انفسنا بالمدارس الحكومية لأن مستواها منخفض جداً. نحن نقارن انفسنا بمدارس الارساليات والتي هي بإشراف I.C فهنا توجد مدارس تابعة للسفارة الفرنسية، واخرى مرتبطة بالجامعة الاميركية، فإذا ما قارنا انفسنا بهذه المدارس، وبالالتفات إلى ان مدارسنا مجانية وخاصة فإن مدارسنا لا تقل عنها مستوى ان لم تكن افضل منها. اذ اننا نستفيد من افضل السبل والمناهج في التربية والتعليم. كما ان معلمي مدارسنا يخضعون لإشراف مستمر من قبل اخصائيين في التربية، وتقام لهم دورات تدريبية في مناهج التربية والتعليم والرياضيات واللغات، كما ان لدينا اسبوعياً من 3 إلى 4 مفتشين يزورون المدارس للاشراف على سير التدريس وتفقد مستوى التعليم، والتأكد من سلامة الاساليب التي تمارس مع الطلبة.
* هل لمؤسستكم نشاطات خارج لبنان؟
- نأمل ان يكون لنا ذلك، وقد وصلتنا بالفعل طلبات بهذا الشأن. إلا ان الصراعات اللبنانية لم تسمح بذلك. نأمل ان يتحقق ذلك في المستقبل، ونحن مستعدون لوضع جميع امكانياتنا وطاقاتنا في خدمة المسلمين والمحرومين.
* كيف يتم تأمين نفقات المؤسسة؟
- اعتمادنا الأول على الله سبحانه، وعلى الاصدقاء المؤمنين الخيرين والابرار، الذين تعهدوا بأداء بعض الالتزامات المالية سواء من الحقوق الشرعية والزكاة، او كصدقات وتبرعات في سبيل الله، وهناك مساعدة متواضعة تقدمها لنا كل من وزارة الثقافة ووزارة الشؤون الاجتماعية لا تفي بـ 10% من نفقات المؤسسة. ونحن الآن بصدد التفكير في إنشاء مصنع لحياكة البسط، ولدينا اموال تصلنا من مبيعات الصناعات اليدوية التي يتم انجازها في معاهد الخياطة والتطريز. كذلك هناك الكثير من الخدمات تقدم للمؤسسة مجاناً من قبل الخيرين من الاطباء والاساتذة والفنيين، ومثل هذا يوفر للمؤسسة مبالغ تنفق في مجالات أُخر.
* اذا ما رغب الافراد الخيرون والمؤمنون خارج لبنان في تقديم مساعداتهم إلى مؤسسة الإمام الصدر، كيف يتسنى لهم ذلك؟
- بالطريقة التي يرتؤونها. فبعض المساعدات تقدم للمؤسسة بصورة مساعدات نقدية، واخرى بصورة بضاعة واجناس، كالملابس ووسائل الخياطة إلى غير ذلك من المعدات التي تخدم نشاطات المؤسسة. فكل واحد بإمكانه ان يقدم المساعدة التي يراها ضرورية لدعم نشاطات المؤسسة. ونحن عموماً نتعامل مع مصرف لبنان، هذا بدوره لديه فروع كثيرة في مختلف البلدان العربية وفي اوروبا وافريقيا. واذا كان هناك من يرغب في تقديم مساعدته فبإمكانه ارسالها عن هذا الطريق، إلى مصرف لبنان، فروع بيروت، مؤسسة الإمام موسى الصدر.