سقى الله زمناً كانت قضية اخفاء الامام موسى الصدر وتغييبه قضية وطنية يهتم لها كل اللبنانيين فيشاركون في فعاليات ونشاطات الذكرى السنوية يداً بيد فتكون المناسبة محطة وطنية جامعة كما أراد الامام المغيّب الذي ذهب ضحية إيمانه بلبنان الواحد الموحد وكرّس جهده لبناء الجسور وردم الفجوات بين الطوائف ورفع عالياً شعار لبنان لكل بنيه على قاعدة المواطنية والمساواة. نستذكره كل عام فيكبر في نظرنا وتكبر الحسرة على تغييبه رمزاً لبنانياً اصيلاً. كم كانت تغيرت أشياء كثيرة لو كان حاضراً بيننا وفي طليعتها ما يقوم به أدعياء وراثة خطه ونهجه من أعمال وممارسات تكاد أن تودي بلبنان خدمة لدول ومخططات اقليمية لا يستفيد منها لبنان على الاطلاق. تكاد ترسخ الطلاق بين الفئات والمجموعات اللبنانية. بل اكثر من ذلك الطلاق بين المذاهب الاسلامية التي كان توحيدها والتقريب في ما بينها شغل الامام الشاغل.
أقول هذا الكلام وأنا أستمع الى الدعوة العامة الى جميع اللبنانيين التي وجهها رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري حامل الامانة الصدرية ورئيس حركة "أمل" في أن لحضور مهرجان ذكرى تغييب الامام في مدينة بعلبك, فتساءلت أي لبنانيين يقصد الرئيس بري؟ وهل أبقت الممارسات التي يقوم بها تحالف "أمل" و"حزب الله" منذ سنتين مجالاً ليعتبر اللبنانيون ان دعوة الرئيس بري جدية؟ اذا كانت هذه الدعوة بروتوكولية ومن "عدة الشغل" للتحضير لهذه المناسبة فليكن كذلك, اما اذا كانت الدعوة جدية فإن الامر يحتاج الى نقاش واسع لنرى ان كثيراً من اللبنانيين – ويا للأسف – لم يعودوا على نفس الموجة الاثيرية لتلبية هذه الدعوة وأكاد أجزم بأنهم يعتبرون أنفسهم غير معنيين بها.
لماذا هذا الفراق وهذا الابتعاد؟ جواب بسيط اذ يمكن القول ان ورثة خط الامام الصدر أي تحالف "أمل" و"حزب الله" وبممارساتهم السياسية والمذهبية قد أساؤوا كثيرا الى شريحة كبيرة من اللبنانيين مسلمين ومسيحيين واختاروا ان يكونوا طرفاً في نزاع وطني وداخلي افتعلوه لغايات غير داخلية وتمريراً لبرامج اقليمية سورية وايرانية, فوضعوا أنفسهم في مواجهة لبنانيين آخرين لا يشاطرونهم الرأي والمبدأ ما أدى الى تعطيل البلد وجنوحه الى متاهات خطيرة من المواجهات السياسية والطائفية والمذهبية, حيث تكاد هذه الممارسات المستمرة ان تطيح الوطن والكيان. واذا كنا نريد ان نحدد اكثر فنقول انه منذ اليوم الاول لاغتيال شهيد لبنان الكبير رفيق الحريري ذهب ورثة خط الامام الصدر تحالف "أمل" و"حزب الله" الى اتخاذ مواقف سياسية غير مبررة في محاولة لتغطية القاتل التي اشارت اليه كل الاصابع ولم يقدم هذا التحالف ولو موقفاً واحداً يؤكد تضامنه او وقوفه الى جانب بقية اللبنانيين ولا سيما المسلمين السنة الذين اعتبروا الاغتيال موجهاً اليهم تماماً في رمزية مماثلة لرمزية اخفاء الامام الصدر. وقد شعر السنة بطعنة في الظهر اذ انهم وقفوا الى جانب الطائفة الشيعية الكريمة لسنين طويلة مطالبين بكشف حقيقة اخفاء الامام ورفضوا كل الاغراءات المادية والمعنوية التي قدمتها الدولة المتهمة بعملية الاخفاء لقادة الطائفة الروحيين والزمنيين للوقوف معها كرأس حربة ضد أبناء وطنهم المسلمين الشيعة وفضلوا مناهضة النظام الليبي وقوفاً منهم الى جانب الحق. وما ترك السنة محفلاً او نشاطاً الا وشاركوا فيه للمطالبة باطلاق الامام او تبيان مصيره فماذا كان رد ورثة الامام الصدر؟ كان رداً غير مقبول من السنة. وهل استكثرتم على من وقف الى جانبكم أن تقفوا الى جانبه مرة واحدة؟ هل تستكثرون من دروز ومسيحيين يطالبون بالكشف عن قتلة الرئيس رفيق الحريري ومعاقبتهم وقوفكم الى جانب هؤلاء ولو لمرة واحدة؟ فلو كنا نريد تعداد الاساءات التي حصلت منذ اغتيال الرئيس الحريري وحتى اليوم التي كان مصدرها تحالف "أمل" و "حزب الله" لكنا نحتاج الى صفحات ولكن يمكن الاختصار بالقول: ما هكذا تورد الإبل. ولا تستطيعون اطلاقا تدمير الهيكل على مدى سنوات ثم تدعون اللبنانيين جميعاً الى مشاركتكم مصابكم الذي كان قبل سنتين فقط مصاب جميع اللبنانيين.
على تحالف "أمل و "حزب الله" في هذه المناسبة التي نرجو فيها الله تعالى من كل قلوبنا وبدعاء صادق ان يفك أسر الرجل الكبير الامام موسى الصدر الذي لو كان حياً ما وصلت الطائفة الشيعية الى ما وصلت اليه اليوم ونذكر هذا التحالف بوجوب اعادة قراءة ما يمارسه سياسياً خصوصاً ما يستهدف الطوائف الاسلامية الاخرى والعلاقة معها من سنّة ودروز وما قصّروا يوماً في الوقوف والدفاع والمقاومة عنكم ومعكم ولكم ولتكن المناسبة وقتاً لاستحضار مبادئ الامام وتصحيح النهج والممارسة كي تعود الذكرى وطنية لكل اللبنانيين ويستجيب اللبنانيون دعوة المشاركة التي تصبح عندئذ فعلية لا شكلية.