أعلن مؤتمر "كلمة سواء" الخامس الذي نظمه مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات عن تشكيل نواة هيئة متابعة وطنية مهمتها العمل على إطلاق سراح الإمام الصدر ورفيقيه محمد يعقوب وعباس بدر الدين، ورفض كل محاولات الإبتزاز والمساومات التي يحاول "النظام الليبي" استخدامها.
جاء ذلك في البيان الختامي الذي أصدره المؤتمر خلال جلسة حاشدة في مبنى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، حضرتها قيادات شيعية وشخصيات وزارية ونيابية وسياسية ودينية وحزبية وإجتماعية، وألقيت خلاله كلمات لرئيس المجلس الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين (نيابة عنه) ونائبه المفتي الشيخ عبد الأمير قبلان ورئيس مجلس النواب نبيه بري والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
وكان من أبرز المشاركين في الجلسة الختامية إلى بري ونصر الله وقبلان كل من: وزير الزراعة علي العبد الله، وزير الطاقة والمياه محمد عبد الحميد بيضون ووزير الدولة بيار حلو، النواب: علي حسن خليل، محمد رعد، محمد برجاوي، علي عسيران، أيوب حميد، علي خريس، نزيه منصور، علي عمار وياسين جابر.
توصية شمس الدين
إفتتحت الجلسة الختامية للمؤتمر بتلاوة آيات من القرآن الكريم، ثم تقديم من حسين حمادي، تلاه نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى المفتي الشيخ عبد الأمير قبلان الذي تلا توصية من رئيس المجلس الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين تقترح أن يطالب المجتمعون الحكومة اللبنانية بأن تدرس قانونيًا وقضائيًا تكوين ملف يقدم إلى محكمة العدل الدولية لملاحقة قضية الإمام الصدر، كما تقترح التوصية اعتبار قضية الإمام الصدر ورفيقيه مثل قضية لوكربي.
قبلان
ثم ألقى قبلان كلمته التي هاجم فيها النظام الليبي ودعا الدولة اللبنانية إلى أن يكون لها موقف واضح وصريح تجاه هذه القضية الوطنية الكبرى وأن لا تؤخذ بالتهديدات، "فنحن شعب لا نخاف التهديد والوعيد وتاريخنا في المقاومة يشهد على هذه الحقيقة"، وسأل الدولة: لماذا هذا القلق من قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام الليبي، وهل هذا القلق مصدره الخوف من وقف المساعدات الليبية إلى لبنان؟ ومتى كانت هذه المساعدة؟ وأضاف: نعم، كانت عندما كان الإقتتال قائمًا في لبنان، ولكن عندما بدأ عصر المقاومة ضد إسرائيل، أين أصبحت هذه المساعدات؟
نصر الله
ثم تكّلم السيد نصر الله، ومما قاله: اليوم هناك من يدعو إلى نزع سلاح المقاومة والإمام موسى الصدر كان يدعو الدولة إلى تسليح الجنوبيين من أجل الدفاع عن أرضهم وعن بلدهم، ومن الإمام موسى الصدر تعلمنا أن أرضنا السليبة لا يمكن استعادتها بالوسائل السلمية، الأرض تستعاد بالجهاد والشهادة والدماء والتضحيات والحجارة والرصاص، والإستشهاديين كأحمد قصير وبلال فحص، ولو كنا نريد أن نستمع لنصائح البعض وعظاتهم لكان من المفترض أن يكون الجنوب اليوم ما زال تحت الإحتلال.
ودعا الدولة إلى وضع آلية لمتابعة ملف الإمام الصدر ورفيقيه، مقترحًا لهذا الغرض إنشاء لجنة وزارية تضم وزيري العدل والخارجية والوزراء الذين لهم صلة بهذا الموضوع.
أضاف: إذا كانت هذه الدولة غير قادرة على تحمل المسؤولية، فهناك أناس في هذا البلد قادرون على تحمل المسؤولية، ولكن ماذا سيكون موقف الدولة حينئذ، لو تحمل بعض الناس المسؤولية على طريقتهم.
تابع: الليبيون يتكلمون عن لجنة تقصي حقائق أو لجنة تحقيق مشتركة ليبية – لبنانية، هذه اللجنة مهمتها تضييع الإمام وتبرئة معمر القذافي، هذه اللجنة مهمتها ان تذهب وتعود لتقول نعم الإمام خرج من ليبيا – بكل صراحة – هذه اللجنة مرفوضة، أي جهد يؤدي إلى تضييع الإمام وتجهيل الفاعل هو عمل مرفوض.
على هذا الأساس، اليوم مع الأسف وصلنا إلى مرحلة حتى أي تعبير إحتجاجي نعاقب عليه، في يوم من الأيام تحدثت السيدة أم رائد في مقابلة تلفزيونية وهي أخت الإمام، وقالت الحقيقة، وإذا بليبيا تهدد لبنان بقطع العلاقات وتهدد.
ومنذ عدة أيام ولأن السفير الليبي لم يدع إلى الجلسة الإفتتاحية (لمجلس النواب) كتعبير إحتجاجي، مع الأسف بعض الناس في لبنان اعترضوا على رئيس المجلس بأنه لا يحق له أن يفعل هذا، بالعكس لو دعا رئيس المجلس السفير الليبي وهو لم يفعل ولن يفعل إلى هذه الجلسة لكان وجه إهانة إلى الشعب الذي يعتبر هذا المجلس ممثلًا له ، وإذ تأتي خطوة قطع العلاقات وطرد العمال اللبنانيين في ليبيا ووقف استيراد بعض المنتوجات الزراعية وما شاكل، وهذا يدل على عقلية التعاطي معنا، وفي الحقيقة لا يجوز أن نعالج هذا الأمر على أساس أن المشكلة بيننا وبين ليبيا هي مشكلة تفاح وعمال لبنانيين، فهذا يشجعهم على الوصول إلى مرحلة يمنع فيها على مثلي وأمثالكم أن نذكر إمامنا المغيب والمخطوف والمعتدى عليه.
أضاف: ليبيا تقول أنها تريد أن تكافىء الشعب اللبناني بعد الإنتصار بأنها تريد أن تشتري منه قليلًا من البضائع دعمًا لصموده، أنا أقول لهم بالنيابة عن "أمل" وعن "حزب الله" وكل المجاهدين في لبنان أن الذي صنع هذا الإنتصار وكان طليعة الجهاد والشهادة هم أبناء وتلامذة الإمام موسى الصدر، وإذا كانت ليبيا تريد أن تقدم هدية للبنان ومكافأة ومساعدة للبنان على انتصاره يجب عليها أن تعيد إليه الإمام ورفيقيه.
ودعا إلى تشكيل لجنة وطنية عليا، وليس شيعية، لأن قضية الإمام الصدر هي قضية وطنية، على أن تكون مهمة هذه اللجنة متابعة القضية بشكل دائم ويومي، مقترحًا أن يبادر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى إلى تشكيل هذه اللجنة "ونحن جنود وعسكر في هذه القضية".
وختم قائلًا: أقول لك يا سيدي وإمامي وقائدي، لقد قلنا قبل أشهر للأسرى عهدًا لن نترككم في السجون، ونحن قوم لا نترك أسرانا ومجاهدينا وشهدائنا وآمالنا في السجون.
بري
وألقى الرئيس بري كلمة سلط فيها الضوء على مسيرة الإمام الصدر في مواجهة إسرائيل، لافتًا الإنتباه إلى أنه "وبمواجهة العدوان كان لا بد من المقاومة كنتيجة حتمية إلا أن إنتاج المقاومة كمشروع كان من بنات أفكار الإمام السيد موسى الصدر".
تابع: نقول لبعض الأقلام ولبعض المزايدين بأن نبيه بري لم يتصرف كرئيس مجلس نيابي عندما لم يدع ممثل النظام الليبي إلى المجلس النيابي، انني منذ تسع سنوات حتى الآن لم أتصرف جيدًا كرئيس مجلس نيابي إلا في كل مرة كنت لا أدعو ممثل النظام الليبي إلى أي دعوة رسمية في المجلس النيابي، ليس لأن الإمام الصدر له وشائج وأبوة على حركة أمل وحزب الله والشيعة وعلى الجميع، ليس لهذا الأمر فقط، الإمام موسى الصدر أليس لبنانيًا؟ أليس قائدًا وطنيًا؟ هل وصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن من انتصار المقاومة والوحدة الوطنية ومن الوصول حتى إلى الطائف وقبل مجيء قوات الردع العربية إلى لبنان لولا الإمام موسى الصدر؟
أضاف: في المقابل هل يعقل أنه ومن أجل عظام جندي إسرائيلي معتدٍ ُتبدي إسرائيل استعدادها للإفراج عن ما بين 1000 و5000 أسير، وهل يعقل أن البريطانيين حفروا أكثر من مرتين البقاع الغربي بحثًا عن رفات جنديين؟
وسأل الذين يتكلمون عن حرية الإعلام: أليس عباس بدر الدين صحافيًا؟ معقول أن نصبح مخطئين إذا تحركنا؟ ثم إنني طوال عمري أعمل هكذا، لماذا هذه السنة أثير الموضوع، لماذا فعلًا يحاولون هم إيجاد مشكلة في البلد؟ أنا باعتقادي لأنهم "يلاقون وجهًا".
وشدد على أن الإمام الصدر ليس لحركة أمل ولا لحزب الله ولا للشيعة، بل هو لكل اللبنانيين ونحن نطالب به لأننا ندافع عن الإنسان في لبنان، وأنا في هذه الحال ألاحظ أنني أدافع عن البطريرك صفير وعن المفتي قباني وعن كل رجل دين فهؤلاء رجال الدين يحبون أن يسافروا كثيرًا.
تابع: نتحدى أن يقولوا أن أمل أو حزب الله أو أبناء الإمام الصدر قد قتلوا مواطنًا ليبيًا أو خطفوا مواطنًا ليبيًا، حتى في الزمن الذي يتحدثون فيه عن الميليشيات.. أليس بإمكاننا هذا الأمر؟ في إحدى المرات، تم اعتقال ثلاثة ليبيين، وقال لي المجاهد مصطفى الديراني أنه تم التحقيق معهم فطلبت منه أن يفرج عنهم في الليل، قبل أن يطلع الصبح.
أضاف: كيف نجتمع على المقاومة في لبنان ويمكن أن نسامح في موضوع سيد المقاومة، ومؤسس المقاومة؟! كيف يكون هذا الأمر؟ كيف يمكن أن نجتمع ونتغنى طوال النهار بالعيش المشترك ونترك مصير أحد أهم أركان العيش المشترك في الظلام؟
أنا أعرف ما الذي يحدث وأنا أعلم أن هناك محاولات لتحركات أمنية، فليعلموا أن التحركات الأمنية هي "شغلتنا"، عندما نريد أن نكون رؤساء مجالس نيابية نصبح كذلك، وعندما نريد أن نكون مقاومين نعمل مقاومين. ما من يوم من الأيام فصلنا بين هذين الأمرين. نقول لا لجان التنسيق ولا لجان تحقيق مشتركة، هذا الأمر ليس حادثة سيارة أبدًا. الإمام الصدر خطف وأخفي في ليبيا ومصيره مسؤولية النظام الليبي وهذه القضية ليست موقفًا شخصيًا وليست موقفًا حزبيًا وليست موقفًا طائفيًا أو مذهبيًا.
البيان الختامي
وأصدر المؤتمر في ختام أعماله بيانًا أكد فيه ضرورة التصدي للخطر الصهيوني ولخطر الحرمان بكافة أشكاله، على أن الإستجابة الناجعة لهذين الخطرين هي في المقاومة والمجتمع المقاوم كما أسس لهما الإمام الصدر وأرسى مقوماتهما.
وأهاب المؤتمر بالأمة أن تستعيد رؤية الإمام الصدر الوطنية التي تعتبر لبنان وطنًا نهائيًا لجميع أبنائه.
وجاء في البيان أن المؤتمرين ينحنون إجلالًا لشهداء المقاومة الذين رووا بدمائهم الطاهرة أرض الوطن وقد تحرر معظمها ويتعاهدون على صيانة وتطوير هذا النصر.
وبارك المؤتمر انتفاضة الأقصى مهيبًا بكل القوى الحية دعم الشعب الفلسطيني في نضاله المشروع لاستعادة كامل أرضه وسيادته ولعودة لاجئيه، ولاجتثاث الخطر الصهيوني الذي يستهدف كامل الأمة.
وشدد المؤتمر على ضرورة تحصين المناطق المحرومة عمومًا، والجنوب تحديدًا.
ورأى أنه إذا كانت المقاومة شيعية البنية، فإن استمرارها واستثمار انجازها، وتكوين وتطوير المجتمع المقاوم، هي قضية وطنية وعربية وإسلامية.
وأشار المؤتمرون إلى أن الإمام الصدر هو أب المقاومة وملهمها ومرشدها، وقضيته بالتالي ليست قضية شيعية وحسب بل لبنانية وعربية وإسلامية وإنسانية، والمقاوم الأول لا يجوز أن يبقى أسيرًا بعد أن تحرر معظم الأرض.
واقترح المؤتمر على الدولة اعتبار الإمام الصدر رجلًا من رجالات الإستقلال، حيث أن الخط الذي رسمه الإمام، قاد إلى الإستقلال الحقيقي تجاه أعتى وأخطر قوة غاصبة في العصر الحديث.
واعتبر أن تغييب الإمام الصدر في ليبيا، ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والأستاذ عباس بدر الدين، هو استهداف للمشروع الإنساني الحضاري المقاوم الذي أطلقه الإمام مشيرًا إلى أن صمت العالم حيال قضية الإخفاء وصمة مريبة وبمثابة تواطؤ مع الفاعلين.
وأعلن المؤتمر عن تشكيل نواة هيئة متابعة وطنية سيتم لاحقًا الإعلان عن أسماء أعضائها وآلية عملها ودورية تواصلها مع الرأي العام. وقد تحددت مهمتها ببند وحيد:
- العمل على إطلاق سراح الإمام السيد موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والأستاذ بدر الدين.
وحدد المؤتمرون إطار عمل الهيئة بالآتي:
1- إدانة النظام الليبي على فعلته وعلى تماديه في ضرب النهج المقاوم في أصله وصميمه، ومطالبته بالإفراج الفوري عن الإمام ورفيقيه.
2- تحميل الحكومة اللبنانية الجديدة المدعومة من المجلس النيابي الجديد مسؤولية تحقيق هذا الإفراج، وذلك باستخدام كافة الوسائل بما فيها اللجوء إلى محكمة العدل الدولية ومحكمة الجزاء الدولية وجامعة الدول العربية ومؤتمرات القمة العربية والإسلامية ومجلس الأمن الدولي وغيره من منظمات الأمم المتحدة، بما في ذلك تأليف لجنة حقوقيين غايتها الوحيدة كشف حقيقة المؤامرة التي غيبت الإمام في ليبيا، والعمل على عودته ورفيقيه.
3- تعمل الهيئة على دعم مجهودات الحكومة اللبنانية، وعلى تنسيق أو متابعة كافة الأنشطة الأخرى ذات العلاقة بالقضية.
4- مطالبة الحكومة اللبنانية باعتماد الشفافية في مستجدات القضية(...).
5- الرفض التام لكل محاولات الإبتزاز أو المساومات التي يحاول النظام الليبي استخدامها، حيث أن وطنًا دفع آلاف الشهداء ثمنًا لسيادته، لن يقايض رمزه الوطني في سوق التفاح، ولن يغص بعدة آلاف من مغتربيه الذين لطالما كان الإمام الصدر باعثًا لطموحاتهم وزارعًا لبساتين آمالهم.
6- تنظيم أساليب الضغط الضرورية والمناسبة والمتنامية وعلى شتى الصعد وفي كافة المحافل لحين إجلاء الغموض وتحديد المسؤوليات ومعاقبة الجناة.
ختامًا، عبر المؤتمر عن قلقه المزدوج: التوجس مما يتداوله الإعلام حاليًا حول إعادة تأليف لجان من شأنها تظهير وتبرئة النظام الليبي، عبر البدء بالقضية من جديد وكأن لا قيمة لكل التحقيقات والنتائج التي خلص إليها القضاء اللبناني والقضاء الإيطالي. والقلق لأننا لم نتعلم من درس اختطاف الإمام ورفيقيه في ليبيا, فوضعنا في عهدة من لا عهد ولا ذمة له مصير الآلاف من أبنائنا في ليبيا.