بمناسبة الذكرى الثلاثين لاختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين أثناء زيارة رسمية في ليبيا في رمضان المبارك 1398هـ/آب 1978م الذي يصادف يوم الاحد من 31 اب/اغسطس من الشهر الجاري ينشر موقع العالم الاخباري ما جاء من وثائق قضائية وأمنية في كتاب "الحقيقة لـن تغـيب" الذي نشره مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات:(القسم الاول):
أسباب وظروف زيارة سماحة الإمام إلى ليبيا:
تجاه اشتداد المحنة اللبنانية، وتعاظم الأخطار التي تهدد جنوبي لبنان بفعل العدو الإسرائيلي وممارساته اثر الاجتياح في 14/3/1978 والتي حالت دون تمكين الدولة اللبنانية من إخضاع هذه المنطقة لسلطتها لرفض إسرائيل الانسحاب من المنطقة الحدودية وتطبيق قرار مجلس الأمن الدولي 425 وذلك من أجل خلق وضع يخدم مخططاتها، وجد سماحة الإمام السيد موسى الصدر، قياماً منه بمهام مسؤولياته، أن الواجب يدعوه لعرض تطورات الوضع العام في لبنان وحقيقة المخاطر التي تهدد جنوبه، على رؤساء الدول العربية ذات الاهتمام والتأثير المباشر في معالجة هذه الأوضاع.
وفي هذا الإطار، قام سماحة الإمام بجولة شملت كلاً من الجمهورية العربية السورية والمملكة الأردنية الهاشمية والمملكة العربية السعودية والجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، داعياً لعقد مؤتمر قمة عربي محدود سعياً لإنهاء محنة لبنان وإنقاذ جنوبه، وهو ما أعلنه الإمام الصدر بنفسه في حديثه لصحيفة "أخبار الخليج" البحرينية والذي نقلت خلاصته صحيفة "النهار" في 24/7/1978.
في الجزائر، أجرى سماحته محادثات مع سيادة الرئيس هواري بومدين ومع السيد محمد صلاح يحياوي ومع مسؤولين آخرين في جبهة التحرير الوطني الجزائرية. وفي إحدى جلسات هذه المحادثات، أُشير على سماحته بزيارة الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية لما لقادتها من تأثير على مجريات الوضع العسكري والسياسي على الساحة اللبنانية إكمالاً لجولته وخدمة لأهدافها القومية والوطنية.
وأبدى سماحته أن زيارته الوحيدة لليبيا تمت عام 1975 وذلك للمشاركة بمؤتمر إسلامي عام وأنه سيلبي دعوة توجه إليه من سلطاتها للقيام بهذه الزيارة والاجتماع برئيسها وقادتها.
بتاريخ 28/7/78 استقبل سماحته في مكتبه القائم بأعمال السفارة الليبية في لبنان الذي أبلغه دعوة من مؤتمر الشعب العام في الجماهيرية العربية الليبية، لزيارة الجماهيرية والاجتماع بسيادة الأمين العام للمؤتمر، العقيد معمر القذافي متمنياً بدء الزيارة في 19 أو 21 آب 1978. قَبِل سماحة الإمام هذه الدعوة، وتريث في تحديد موعد بدء الزيارة.
بتاريخ 20/8/1978 أبلغ سماحته القائم بالأعمال الليبي رغبته في أن تبدأ الزيارة بتاريخ 25/8/1978 واضطراره إلى أن يغادر الجماهيرية قبل 1/9/1978 من أجل الاهتمام بزوجته المريضة التي تُعالج في فرنسا والعودة إلى لبنان لمتابعة شؤون ملحة. كما أبلغه أسماء أعضاء الوفد المرافق لسماحته.
قدمت سفارة الجماهيرية العربية الليبية في لبنان لسماحته، تذاكر سفره مع عضوي الوفد المرافقين الشيخ محمد يعقوب والسيد عباس بدر الدين. وقد تم حجز مقاعد لحساب السفارة بالدرجة الأولى في الطائرة بموجب كتابها إلى شركة طيران الشرق الأوسط رقم 4/3/430 تاريخ 24/8/1978.
يوم الجمعة بتاريخ 22 رمضان 1398 هـ الموافق 25 آب 1978، سافر سماحة الإمام السيد موسى الصدر يرافقه فضيلة الشيخ محمد يعقوب والصحافي الأستاذ عباس بدر الدين (صاحب وكالة أخبار لبنان) إلى الجماهيرية الليبية، وكان في عداد مودعيه في مطار بيروت القائم بالأعمال الليبي السيد محمود بن كورة. ولدى وصوله مطار طرابلس الغرب استقبله عن السلطات الليبية رئيس مكتب الاتصال الخارجي في مؤتمر الشعب العام السيد أحمد الشحاتة.
أقام سماحة الإمام الصدر ومرافقاه في فندق الشاطئ بطرابلس الغرب، ضيوفاً على سلطات الجماهيرية الليبية.
أغفلت وسائل إعلام الجماهيرية الليبية أية إشارة إلى قدوم زائرها الرسمي سماحة الإمام الصدر، كما أغفلت أي خبر عنه خلال إقامته بضيافتها، لدرجة أن القائم بالأعمال اللبناني في طرابلس الغرب الأستاذ نزار فرحات لم يعلم بوجوده في هذه المدينة إلا عندما اتصل به الأستاذ عباس بدر الدين بتاريخ 28 آب 1978م، وذلك وفقاً لمضمون تقرير القائم بالأعمال الرسمي المحفوظ في وزارة الخارجية اللبنانية.
انقطاع أخبار الإمام وبدء التحرك الرسمي:
ومنذ وصول سماحة الإمام الصدر إلى ليبيا، وطيلة الأيام اللاحقة، لم يرد منه أي اتصال هاتفي أو رسالة أو خبر لأي كان في لبنان(1)، وذلك خلاف عادته في أسفاره. وكذلك حال مرافقيه، علماً بأن أحدهما وهو الأستاذ بدر الدين الذي صَحب الإمام الصدر في هذه الزيارة من أجل تغطية أخبارها في وكالته، وهذا الأمر لم يتحقق.
بعد أن تأخرت عودة الإمام الصدر ومرافقيه من ليبيا، واستمر الاتصال بهم منقطعاً، طلب المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى من القائم بالأعمال الليبي في لبنان بتاريخ 4 شوال 1398هـ الموافق 6 أيلول 1978 معلومات في الموضوع، فماطل في إجابة الطلب أربعة أيام عرض بعدها المجلس الموضوع على رئيس الحكومة اللبنانية الدكتور سليم الحص الذي استدعى على الفور القائم بالأعمال الليبي بتاريخ 10 أيلول 1978م وأكد له الطلب رسمياً وبصورة مستعجلة. فأجابه ظهر اليوم التالي "أن الإمام الصدر ومرافقيه غادروا ليبيا مساء يوم 28 رمضان 1398 هـ الموافق 31 آب 1978م إلى روما على متن طائرة الخطوط الجوية الإيطالية (الرحلة رقم 881)".
نظراً لما أثاره هذا الجواب من قلق، حاول رئيس الجمهورية اللبنانية الأستاذ الياس سركيس بتاريخ 12 أيلول 1978م الاتصال هاتفياً بالقذافي، لاستيضاحه في الموضوع وإبلاغه أن ضيوفه لم يصلوا إلى وطنهم ولم يظهروا خارج ليبيا، إلا أن هذه المحاولة لم تنجح بالرغم من تكرارها مراراً في اليوم ذاته، فالمتكلم الليبي على خط الهاتف المطلوب في طرابلس الغرب كان يجيب أن القذافي غير موجود على هذا الخط وكان يعطي رقماً آخر وكان هذا الرقم يطلب دون جدوى...
أما رئيس الحكومة اللبنانية فقد تمكن من الاتصال هاتفياً في اليوم ذاته برئيس الحكومة الليبية الرائد عبد السلام جلود الذي استمهل في بادئ الأمر للإجابة، ثم أجاب في مخابرة لاحقة مكرراً الجواب الذي قدّمه القائم بالأعمال الليبي، ومضيفاً "إن الإمام لم يكن راضياً وغادر ليبيا دون إعلام الجهات الرسمية بموعد سفره ليجري وداعه رسمياً. وأن أحد الموظفين السيد أحمد الحطاب شاهد سماحة الإمام صدفة أثناء وجوده في مطار طرابلس الغرب فودّعه".
لدى استقصاء أخبار سماحة الإمام، بسؤال العائدين من ليبيا بعد حضورهم احتفال "الفاتح من سبتمبر"، تبين:
* أنه كان في استقبال سماحته عند وصوله إلى مطار طرابلس الغرب السيد أحمد الشحاتة رئيس مكتب الاتصال الخارجي في الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام.
* أن سماحته مع مرافقيه حلّوا ضيوفاً على الأمانة العامة لمؤتمر الشعب العام ونزلوا في فندق الشاطئ بطرابلس الغرب.
* أن السيد أحمد شحاتة أجرى مباحثات مع سماحته بتاريخ 26و27 آب 1978، وفي إحدى جلسات هذه المباحثات أجرى التلفزيون الليبي تصويراً وسجل حديثاً لسماحته، لكن هذا التسجيل لم يبث.
* أنه سُجل حديث طويل لسماحته عن الشؤون اللبنانية والعربية الراهنة، من أجل بثه في إذاعة الوطن العربي في الجماهيرية، إلا أن إذاعة هذا الحديث مُنعت.
* أنه منذ وصول سماحته إلى طرابلس الغرب بتاريخ 25/8/1978 كان ينتظر إبلاغه موعد اجتماعه بالقذافي، وكان قد أبلغ عن اضطراره للسفر إلى باريس قبل 1/9/1978.
* أن مرافقي سماحة الإمام كانا ينويان السفر إلى باريس. ولذا طلب أحدهما السيد عباس بدر الدين من القائم بالأعمال اللبناني في ليبيا بتاريخ 29/8/1978 تأمين تأشيرة له لدخول فرنسا. أما سماحته والشيخ محمد يعقوب فكانا حائزين تأشيرتين صالحتين من السفارة الفرنسية في بيروت.
* أن سماحته ومرافقيه شوهدوا معا يخرجون من فندق الشاطئ حوالى الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم 31/8/1978 ليستقلوا السيارات الموضوعة بتصرفهم، من أجل الانتقال للاجتماع بالقذافي الذي أكد فيما بعد أنه كان حدد موعداً لهذا الاجتماع في الساعة الواحدة والنصف من بعد ظهر اليوم نفسه، وأن الاجتماع لم يتم وأن سيادته أُبلغ أن سماحته سافر.
إنتشر خبر اختفاء الإمام الصدر وأبرزته الصحف اللبنانية في صفحاتها الأولى بتاريخ 12 أيلول 1978م، وتناقلته الإذاعات ووسائل الإعلام العالمية، ولوحظ أنه في هذا التاريخ أوردت إحدى الصحف اللبنانية الوثيقة الصلة بالسلطات الليبية الخبر تحت عنوان "هل لأحداث إيران علاقة بهذا اللغز"؟ وأدرجت هذه الصحيفة في متن الخبر أسباباً تعلل بها التوجه نحو إمكانية علاقة القضية بأحداث إيران. كما لوحظ أن وكالة الأنباء الكويتية أوردت في نشرتها بالتاريخ ذاته أن الإمام الصدر موجود منذ بضعة أيام في إيران، ونسبت هذا الخبر إلى مصادر رسمية ليبية، وتبين أن مصدر هذا الخبر هو مدير مكتب وكالة الجماهيرية الليبية للأنباء في بيروت.
ملاحظات حول البيان الليبي الرسمي:
تفاعلت القضية على الصعيد الشعبي في لبنان، وعلى الأصعدة الرسمية محلياً وفي الخارج، لبنانياً وعربياً وإسلامياً، طوال الأيام اللاحقة، وتعددت الاتصالات من مراجع عدة بالقذافي، وبقيت السلطات الليبية ساكتة لا تولي القضية أي اهتمام، إلى أن اضطرت تحت ضغط المراجعات والرأي العام العالمي وبعد تحرك بعثة التحقيق اللبنانية وأجهزة التحقيق الإيطالية إلى إصدار بيان رسمي نشر بتاريخ 18 أيلول 1978م، تزعم فيه "أن الجماهيرية تولي الأمر اهتماماً كبيراً" و "أن الجماهيرية تلقي بكامل ثقلها مع القوى الإسلامية والتقدمية لمعرفة مصير الإمام موسى الصدر وإنقاذ حياته وحياة رفيقيه" (هذه الأقوال والتعهدات بقيت كلاماً دون أي تنفيذ).
وهذا البيان الليبي الرسمي، الذي أكد مجدداً أن الإمام الصدر ورفيقيه غادروا طرابلس الغرب في الساعة الثامنة والربع مساء 31 آب 1978 م متجهين إلى روما بطائرة "اليطاليا" (الرحلة 881)، تضمن مغالطات عدة، منها:
1- القول إن الإمام الصدر "زار الجماهيرية مرات عدة من قبل": هذا الكلام غير صحيح لأن الإمام الصدر لم يزر ليبيا من قبل سوى مرة وحيدة في أواخر شهر آب 1975م للمشاركة في مؤتمر فكري إسلامي.
2- القول في مطلع البيان الرسمي إن الإمام الصدر "تربطه بالجماهيرية علاقات متينة مبعثها التقدير والاحترام"، وتكراره في ختام البيان بالقول "تؤكد أمانة الخارجية أن الإمام الصدر تربطه بالجماهيرية علاقات أخوية متينة وتكن له كل احترام وتقدير".
هذا القول عن العلاقات لا أساس له من الصحة، لأنه لم تقم بين الإمام وبين الجماهيرية الليبية أية علاقة، من أي نوع كان.
أما القول عن التقدير والاحترام، فتدحضه ممارسة عبد السلام جلود الذي أقام في لبنان أكثر من 45يوماً خلال شهري حزيران وتموز 1976، في ظروف القتال، عقد أثناءها اجتماعات ولقاءات مع مختلف القادة والزعماء ورؤساء الفعاليات والأحزاب والتنظيمات في لبنان، واستمع إلى وجهات نظر الجميع، من مختلف الفرقاء، دون أن يجتمع مع الإمام الصدر. وعندما التقيا صدفة في دمشق بتاريخ 12/7/76، وعد جلود الإمام بالاجتماع به في بيروت عند عودتهما إليها، وحصلت هذه العودة بتاريخ 14/7/76 واستمر جلود في بيروت مدة أسبوعين بعدها متابعاً اجتماعاته واتصالاته الواسعة دون أن ينفذ وعده.
3- أما الأقوال والوقائع الأخرى التي أوردها البيان الليبي الرسمي المنشور بتاريخ 18/9/78 فتدحضها التحقيقات القضائية التي ستعرض نتائجها لاحقاً.
تصريح القذافي لوفد العلماء:
بتاريخ 21/9/78م توجهت مسيرة شعبية كبرى، من بيروت إلى دمشق حيث كان يعقد "مؤتمر قمة الصمود والتصدي" لإثارة قضية الإمام الصدر في هذا المؤتمر.
وبطلب من القذافي، تمّ اجتماع خاص بينه وبين وفد من المسيرة تألف من العلماء أصحاب الفضيلة الشيخ عبد الأمير قبلان، الشيخ أحمد الزين، الشيخ عبد الحليم الزين والشيخ خليل شقير.
وفي هذا الاجتماع صرّح القذافي:
1- أنه كان حدّد موعداً للاجتماع بالإمام الصدر في الساعة الواحدة والنصف بعد ظهر يوم 31/8/78 م، إلا أن الإمام لم يحضر وقيل للقذافي أنه سافر.
هذا القول يثير السؤالين الآتيين:
أ- لماذا لا يحضر الإمام الصدر هذا الاجتماع وهو الذي جاء إلى ليبيا من أجله، ومكث فيها أياماً ينتظر موعده الذي حدّد قبل ست ساعات وخمس وأربعين دقيقة من التوقيت المحدد في البيان الليبي لإقلاع الطائرة التي قيل أن الإمام سافر بواسطتها إلى روما، علماً بأن الطائرة أقلعت بعد ثلاثة أرباع الساعة من هذا التوقيت؟
ب- أين كان الإمام الصدر في ليبيا خلال الفترة الواقعة بين موعد الاجتماع بالقذافي وبين الموعد الفعلي لإقلاع الطائرة، وهي فترة بلغت سبع ساعات ونصف.
ولماذا لم تُجْرِ السلطات الليبية تحقيقاً في هذا الأمر بعد انتشار نبأ الإخفاء؟
إلا أن المعلومات المتوافرة من مصادر عدة، تؤكد حصول الاجتماع ووقوع نقاش حاد خلاله وتباين شديد في وجهات النظر بمسألة محنة لبنان والدور الليبي.
وتأيد ذلك بشكل خاص في حديث الملك خالد والملك فهد بتاريخ 25/2/1979 للوفد الذي زار السعودية بموضوع الإمام وكان في عداده النائبان الأستاذان محمود عمار ومحمد يوسف بيضون.
وتوالت معلومات من مصادر دولية وخاصة ومنها أقوال صرح بها سراً وزير الخارجية الليبي السابق التريكي تفيد أن الإمام ورفيقيه احتجزوا بعد الاجتماع.
2- كما صرّح أن سفر الإمام الصدر ومرافقيه حصل دون إعلام السلطات الليبية. وأن أحد الموظفين الليبين السيد أحمد الحطاب تعرّف عليه في المطار فقام بتوديعه. هذا القول يثير أيضاً سؤالين:
أ - لماذا يغادر الإمام الصدر ليبيا وهو بضيافتها الرسمية، دون إعلام السلطة المضيفة؟
ب- كيف يتيسّر للإمام ومرافقيه مغادرة الفندق مع حقائبهم باتجاه المطار، قاصدين السفر، دون أن تتمكن السلطة الليبية من معرفة هذا الواقع في حينه وهي التي تعتمد نظاماً صارماً في المراقبة، لا سيما وأن الأمر يتعلق بضيف رسمي وبشخصية كبرى؟
3- وصرح أيضاً بأنه يعتبر قضية إخفاء الإمام الصدر إهانة عربية وإسلامية لليبيا نظراً لحرمة الضيف، ولذا فإنه يهتم بها ويضع كل إمكانياته لكشفها واتخذ إجراءات للتحقيق وأوفد بعثة إلى إيطاليا وأنه سيبلغ المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بالنتائج.
برقية أمانة الخارجية الليبية:
هذا القول لم يقترن بأي عمل سوى كتاب وحيد أرسلته السفارة الليبية في بيروت بتاريخ 28/9/78م إلى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وفيه تورد نص برقية أمانة الخارجية الليبية المتضمنة أن المخابرات الإيطالية أكدت حضور الإمام الصدر والشيخ محمد يعقوب إلى فندق "هوليداي إن" في روما بتاريخ 1/9/78م، وأن حقائبهما سُلمت إلى النيابة العامة الإيطالية، وأن "جميع وسائل الإعلام الإيطالية تُجمع على أن الدلائل تثبت وصوله (أي الإمام الصدر) إلى روما، وأن اختفاءه قد يكون وراؤه أجهزة المخابرات المختلفة الإيرانية والإسرائيلية والاميركية وكذلك الكتائب الحمر والمنظمات الألمانية المتطرفة".
ملاحظات حول نص البرقية:
فضلاً عن الاستخفاف الظاهر في سرد هذه المعلومات ومضمونها، فإن هذه المعلومات الرسمية الليبية تتنافى مع المعلومات الصحيحة التي توصلت إليها آنذاك أجهزة التحقيق الإيطالي التي كانت استجوبت:
1) عناصر الشرطة والجمارك في مطار فيوميتشينو- روما بتاريخ 20/9/78.
2) طاقم الطائرة الإيطالية للرحلة 881 التي غادرت طرابلس الغرب مساء 31/8/78م بتاريخ 24/9/78.
3) ركاب الدرجة الأولى في هذه الطائرة، بتاريخ 25/9/78.
4) مستخدمي وعمال فندق "هوليداي إن"بتاريخ 26/9/78.
والذين توافقت إفاداتهم جميعاً ـ بعد إطلاعهم على صورة وأوصاف كل من الإمام الصدر ورفيقيه ـ وكشفوا حقيقة أن الإمام الصدر ورفيقيه لم يكونوا في عداد ركاب الطائرة المذكورة ولا في عداد الواصلين إلى مطار فيوميشينو، وأن الشخصين اللذين حجزا غرفتين في الفندق المذكور باسم الإمام الصدر والشيخ محمد يعقوب وتركا فيه حقائبهما مع جوازي سفرهما، لم يكونا الإمام الصدر والشيخ محمد يعقوب المميزة أوصافهما. وهذه التحقيقات كانت أبلغت قبل 28/9/78 م إلى جميع المراجع القضائية والأمنية والحكومية المختصة في روما، بتقرير المفوض رئيس شرطة الحدود في مطار فيوميشينو تاريخ 25/9/78 م وتقرير رئيس شرطة روما تاريخ 27/9/78 م.
شركة الخطوط الإيطالية:
حسمت شركة "اليطاليا" المسألة بالنسبة إليها، ببلاغ صدر عنها وبثه التلفزيون الإيطالي مساء يوم 25/9/78 متضمناً أن سماحة الإمام السيد موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب والصحافي السيد عباس بدر الدين، لم يكونوا بذواتهم وأشخاصهم في طائرة الشركة المذكورة (الرحلة رقم 881) التي أقلعت مساء يوم 31/8/78 من مطار طرابلس الغرب إلى روما.
وبث التلفزيون الإيطالي، بعد هذا البلاغ مباشرة، مقابلة شخصية مع قائد الطائرة للرحلة المذكورة، أعلن فيها أنه بعد اطلاع طاقم الطائرة على صور سماحة الإمام والشيخ محمد يعقوب والسيد عباس بدر الدين، أكدوا جميعاً أن هؤلاء الأشخاص لم يكونوا على متن الطائرة في رحلتها هذه، لا بالملابس الدينية ولا بالملابس المدنية.
فندق هوليداي إن:
أكد مدير هذا الفندق السيد سكرو كارو، في التحقيق المحلي وحسب المعلومات المتوافرة لدى البعثة الأمنية اللبنانية برئاسة الرائد نبيه فرحات، إن الشخصين اللذين دخلا الفندق في الساعة العاشرة من صباح يوم 1/9/78 وعرفا عن نفسيهما باسم موسى الصدر ومحمد شحادتة، لم يكونا سماحة الإمام الصدر ومرافقه الشيخ محمد شحادتة يعقوب، وذلك بعد اطلاعه واطلاع مستخدمي الاستقبال في الفندق على صورتيهما. وأعطى مدير الفندق أوصاف كل من الشخصين الذين دخلا الفندق، وهي لا تنطبق في شيء على أوصاف سماحة الإمام ومرافقه.
وأفاد المدير أنهما كانا حجزا غرفتين لمدة عشرة أيام، إلا أنهما لم يمكثا فيها أكثر من عشر دقائق خرجا بعدها بثياب مدنية ودون عودة، تاركين في غرفتيهما حقائب وجوازي سفر، عرف في التحقيق أنها تعود لسماحة الإمام والشيخ محمد يعقوب ووجدت حقيبة اليد خاصة سماحة الإمام مخلوعة، وهي تفتح بطريقة الأرقام.
وهذه الإفادة والمعلومات أوردت معظمها وكالة "رويتر" في روما بتاريخ 2و3/10/78 كما هو ثابت في نشرتها. كما أدلى بها مدير الفندق في مقابلة بثها التلفزيون الإيطالي بالتاريخ ذاته.
وثمة ملاحظة مهمة، وهي أن الشخص المنتحل اسم الشيخ محمد يعقوب، ملأ بخط يده البطاقة المخصصة لنزلاء الفندق، عنه وعن رفيقه المنتحل اسم سماحة الإمام، وهذا الخط ليس خط الشيخ محمد يعقوب، ثم أن هذا الشخص أورد في البطاقة اسم "شحاده" على أنه اسم العائلة، في حين أن هذا الاسم هو اسم (الأب) وليس اسم (العائلة)، وهذا الالتباس وقع لأن الاسم الكامل في جواز السفر الذي كان في حيازته ورد هكذا: محمد شحاده يعقوب.
التأشيرات على جوازي السفر:
تبين أن جواز سفر كل من سماحة الإمام والشيخ محمد يعقوب، تضمن تأشيرتين أعطيتا بتاريخ 31/8/78 في طرابس الغرب من السفارة الإيطالية والسفارة الفرنسية. وفي هذا الشأن تبرز الملاحظات الآتية:
الملاحظة الأولى: إن جوازي السفر المذكورين يحملان تأشيرتين صادرتين عن سفارة فرنسا في بيروت، وصالحتين، فلم يكن من موجب للتأشيرتين الجديدتين. هذا ما أثار استغراب سفارة فرنسا في ليبيا عند طلب التأشيرتين، وهي استوضحت سفارة فرنسا في بيروت بهذا الشأن قبل إجابة الطلب، وأفادت في الاستيضاح أن الذي حضر طالباً التأشيرتين موظف في الخارجية الليبية حسب إفادته. ورداً على الاستيضاح أجابت السفارة في بيروت بتسهيل المعاملة كون صاحبها هو الإمام الصدر.
الملاحظة الثانية: إن سماحة الإمام والشيخ محمد يعقوب ليسا صاحبي الإرادة في الاستحصال على هاتين التأشيرتين اللتين لم يكن لهما لزوم بسبب حيازتهما تأشيرتين سابقتين صالحتين، وذلك يستنتج من كونهما لم يكلفا القائم بالأعمال اللبناني في ليبيا بهذه المهمة عندما كان بزيارتهما في الفندق قبل يومين فقط (أي بتاريخ 29/8/78) وتسلم بحضورهما من السيد عباس بدرالدين جواز سفره من أجل تأمين هذه التأشيرة له إلى فرنسا وهي لم تكن معطاة له في بيروت.
الملاحظة الثالثة: إن وجهة سفر سماحة الإمام بعد طرابلس الغرب، معروفة بتصريحات سماحته قبيل مغادرة بيروت وأثناء وجوده في ليبيا، وهذه الوجهة هي (فرنسا) حيث تُعالج زوجته ويقيم أولاده. ولذا لم يطلب تأشيرة سفر إلى إيطاليا قبيل مغادرته بيروت، كما لم يطلب بتاريخ 29/8/78 من القائم بالأعمال اللبناني تأمين هذه التأشيرة ولم يطلبها منه أيضاً السيد عباس بدر الدين عندما سلمه جواز سفره بالتاريخ المذكور لتأمين تأشيرة فرنسا. علما بأن السيد بدر الدين اعتبر مسافرا مع سماحة الإمام والشيخ محمد يعقوب بتاريخ 31/8/78 في ذات الطائرة إلى روما، وهو لو كان حقيقةً يرغب في هذا السفر لكان طلب التأشيرة إلى ايطاليا وفي وقت طلبها إلى فرنسا.
السلطات الإيطالية:
إن المسألة بالنسبة للسلطات الإيطالية، كما هو ثابت في معلومات البعثة الأمنية اللبنانية إلى روما، هي أنه لا يوجد أي تأكيد بأن سماحة الإمام أو أياً من مرافقيه دخل الأراضي الإيطالية أو مر بالترانزيت في مطار روما. بل أن بعض نواحي المعلومات لدى وزارة الداخلية الإيطالية تؤكد أنه لم يصل أي واحد منهم إلى إيطاليا.
وفيما يخص السيد عباس بدر الدين، الذي وجد باسمه إجازة إقامة لمدة 84 ساعة ينزل خلالها في فندق "ساتلايت" بروما، ليتابع سفره إلى مالطا بتاريخ 1/9/78 على متن طائرة اليطاليا (الرحلة 490)، فإن تحقيقات الانتربول أثبتت أن هذا الراكب لم يعثر له على أثر في الفندق المذكور ولم يغادر إلى مالطا أو سواها.
أما الصحافة الإيطالية التي استأثرت هذه القضية باهتمامها، وتابعت أخبار التحقيق فيها، وأفردت لها تحقيقات صحافية ومقالات، فإنها أكدت هذه المعلومات، ونقتطف هنا مما نشرته صحيفة "المساجيرو" حديثاً تحت عنوان (هل اختطف حقاً الإمام موسى الصدر) وفيما يلي ترجمته حرفياً:
"المؤكد أن سماحة الإمام ومستشاره ليسا الشخصين اللذين ركبا الطائرة التي غادرت طرابلس. وبالتالي فإن الإمام لم يغادر إطلاقاً العاصمة الليبية، وان الشخصين اللذين ركبا الطائرة ونزلا في فندق (هوليداي ان) في روما ليسا إلا شخصين متنكرين أُرسلا للتضليل والإيحاء بعملية اختطاف لم تتم إطلاقا حتى في أي مكان آخر..."
رسالة المنظمة الإرهابية:
تلازم كتاب السفارة الليبية مع رسالة منظمة إرهابية وهمية
تلازم كتاب السفارة الليبية المذكور أعلاه والمؤرخ في 28/9/78م مع رسالة أودعت بذات التاريخ بريد المحطة المركزية للسكة الحديدية في روما موجهة إلى الصحيفة الايطالية "بايزي سييّرا" وموقعه بإسم "منظمة اللبنانيين العلمانيين من أجل لبنان موحد وعلماني" جاء فيها:
"إن المنظمة اختطفت الإمام الصدر في 31/8/78 فور وصوله إلى روما حيث كان سيلتقي ثلاثة ممثلين إيرانيين معارضين لنظام الشاه. وأن اختطافه تم بفضل عباس بدر الدين الذي ينتمي إلى المنظمة وهو الآن في أميركا الجنوبية". وأضافت الرسالة: "إن الشيخ محمد يعقوب قُتل، فيما هو يحاول الهرب من المكان الذي سجن فيه في روما، وسيعلن قريباً المكان الذي دُفن فيه. وأن الصدر موجود الآن في أمستردام، وأن اختطافه ليس إلا بداية تحطيم دعائم الرجعية التي دمرت لبنان وأن الإمام خائن وسيحاكم ويلاقي حكم الشعب". وأضافت: إن على المفاوضين من أجل إنقاذ الإمام أن يذهبوا إلى فندق ماريوت في امستردام وفندق "شيراتون" في بروكسل وفندق "هوليداي إن" في روما، في العاشر من شهر تشرين الأول في العاشرة قبل الظهر...".
هذا ولقد أثبت التحقيق الإيطالي وكذلك التحقيق اللبناني عدم حضور أي شخص إلى أي من الفنادق المذكورة في الموعد المحدد، كما أثبت التحقيق أن هذه المنظمة لا وجود لها، وأن الرسالة من نسيج خيال الجهة التي احتجزت الإمام الصدر، وذلك بغية التضليل وتشعب التحقيق. وأعلن رئيس شرطة الأجانب في "امستردام" أن زج اسم هذه المدينة في القضية ليس إلا مجرد عملية تضليل.
هذه النتيجة التي توصل إليها التحقيق بالنسبة إلى هذه الرسالة، تلتقي تماماً مع حقيقة كتاب السفارة الليبية المؤرخ في 28/9/78 م الذي قصد منه الإيهام بان وراء القضية منظمة إرهابية، ويظهر بجلاء أن الرسالة والكتاب المتوافقي التاريخ والمعنى هما من نسيج فكر واحد.
تصريحات مسؤولين ليبيين:
التصريحات اللاحقة الصادرة عن المسؤولين الليبيين
بتاريخ 25/4/79 م نشرت صحيفة "كيهان" الإيرانية ووزعت وكالة الصحافة الفرنسية ووكالة أنباء الجماهيرية الليبية تصريحاً للرائد عبد السلام جلود الموجود في إيران آنذاك، تضمن: "أن وثائق قدمت إلى الحكومة الليبية تظهر أن الإمام الصدر غادر الجماهيرية فعلاً إلى روما حيث نزل في أحد الفنادق"، وقال: "إن الحكومة الإيطالية أبلغتنا بأن الإمام الصدر قد وصل بالفعل إلى إيطاليا".
هذا التصريح دفع الحكومة الإيطالية إلى إصدار تكذيب علني له، بواسطة سفيرها في طهران وسفيرها في بيروت، أُبلغ خطياً ورسمياً إلى وزارتي خارجية إيران ولبنان وإلى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ونشرته الصحف الإيرانية واللبنانية بتاريخ 6/5/79 م.
وبعد هذا التكذيب سُئل في فاس (المغرب) أمين الخارجية الليبية الدكتور علي عبد السلام التريكي عن مكان وجود أو إخفاء الإمام الصدر، فأجاب: "اسألوا لبنان." لقد نشرت الصحف اللبنانية وقائع السؤال والجواب بتاريخ11/5/79 م.
هذا الجواب فيه تراجع واضح عن الموقف الليبي السابق باتهام إيطاليا، وكان محل تعليق وزير الخارجية اللبناني بقوله: "إنه تصريح غريب وعجيب".
وأخيراً عندما سئل القذافي خلال مؤتمر صحافي عقده في الكويت عن مكان الإمام الصدر، أجاب" ... هو الآن بين إيطاليا وفرنسا (!!!) اختفت الحقيقة في هذه الساحة...".
يتبع ....
