هي لحظة توقف فيها الزمن،
وأنهت الشمس دورانها،
غيب البدر المنير
وازدادت حلكة النهار
يعجز المداد عن خط حروف التاريخ المرصود لاسمه
والوقت غير مدرك لساعته،
الإمام اكبر من قيد السجان
وأرحب فضاءً من الزنزانة
هي الذكرى الثلاثون للقهر
هو آب الذي أدمت سياطه ظهورنا
هو الموعد الذي لا يملك حزننا ان يتخلف عنه
لانه الحاضر فينا أبد الدهر
نشتاق ان نحلم
ان نفرح
لكن حتى فرحنا، حين يكون حزينا
يداهمنا طيفه بالأمل، كأنه ضوء على الماء
الإمام الصدر أسر لنا بما لا يقوله لنا
كان يحدثنا عن اقتراب لحظة نهاية خريف الأشياء،
عن مواعيد لشتاء قادم يحمل الخير العميم
كان يدهشنا، يرسم عالماً مضيئاً بألوانه في الهواء
تبعناه بلا سؤال باتجاه الحياة
كان يرى أبعد من عيوننا، ليكتشف الإنسان الكامن فينا
دخل في أحلامنا وأيقظ فينا العنفوان
كتب مواسم ربيع لفصولنا المزدهرة بالقمح،
وأخبرنا ان شتلة التبغ أسطورة سوف توقظ المارد وتخرجه من القمقم
كان يعرفنا، وجوهنا والأسماء
وكنا نسعى لنتعرف عليه،
وكلما عرفنا بعض تفاصيله كنا نريد ان نعرف أكثر
مهنية برج الشمالي كانت مصنعه للرجال الرجال
الممتلئين عزة كحبوب الحنطة لحظة الحصاد
نخط على دفاتر أيامنا صفحات أقواله
نقرأها في كل صباح مرسوم على لوح الزمن:
إسرائيل شر مطلق
قاتلوا العدو بأسنانكم
كونوا موج البحر الذي لا يهدأ
عرفناه وصدقناه وآمنا بكلماته،
في لحظة ذلك الانفجار،
كانت الثورة والمقاومة تهمة تختبئ في مساكب النعناع وتحت الصخر.
سيدي سماحة الإمام
ها نحن نتوضأ بأقوالك
ونصلي في محراب إيمانك
ونتفيأ ظل عباءتك
ونسير في هدي حامل أمانتك
رافعين راية أمل
مرددين حيا على خير العمل
في ذلك الزمان سمعنا صوتا ينادي في برية الوطن، صوتا يريد لنا ان نلتحف العزة والكرامة وان يكون الوطن قويا بمقاومته، في ظل تقاعس الدولة عن أداء واجبها في حماية أبناء الجنوب والدفاع عن حدود الوطن والتصدي للاعتداءات الإسرائيلية، كان من الطبيعي ان يجد الإمام القائد السيد موسى الصدر في المقاومة قدراً لا مفر منه حين كان البعض يرفع شعار ان قوة لبنان في ضعفه.
استشرف الإمام الصدر باكرا مخاطر التسلل الإسرائيلي إلى ساحة الجنوب، وكل لبنان، وأطلق شعاره الشهير: ان التعامل مع إسرائيل والاستعانة بها بأي صورة وبأي حجم حرام وغدر وخيانة.
لم تقتصر حركة الإمام الصدر في مقاومة إسرائيل على الجانب السياسي، بل تجاوزته إلى الجانب المقاوم المباشر الذي تجلى في تأسيس أفواج المقاومة اللبنانية "أمل".
ألح الإمام الصدر على ضرورة الاستعداد والتدريب معتبرا ذلك واجبا مثل الصلاة ومعتبرا اقتناء السلاح واجبا كاقتناء القرآن، مؤكدا في الوقت نفسه ان "السلاح ليس لعبة بل علينا تجهيزه لمواجهة العدو"، وان للسلاح وجهة واحدة هي صدر جنود العدو الإسرائيلي.
كان دائما يؤكد على ان أول رصاصة تنطلق من بنادقنا ستغير المعادلات الداخلية والخارجية. فلنقف على أرجلنا ونتسلح. ونشكل مقاومة لبنانية.
انها واحدة من أروع نبوءات الإمام. نبوءة بما ستحققه المقاومة اللبنانية يطلقها الإمام الصدر قبل ولادة هذه المقاومة وقبل الاحتلال، والتي غيرت حقا كل المعادلات.
لقد كان الإمام الصدر يرى الخطر الصهيوني الداهم يتهدد الجنوب، وها هو يحذر في آذار 1978 من الاجتياح الصهيوني قبل حصوله بأسبوع. ثم ها هو يتنبأ بأن مسؤولية تحرير الأرض وإزالة العدو وإرهاقه، اذا لم يخرج من الجنوب، هي مسؤوليتنا وحدنا. لا نريد من أحد من الأشقاء، ان يساهموا في معالجة هذا الأمر. نحن سنتكفل بذلك وسنتحدى العالم بذلك".
لقد كان الإمام يقرأ في كتاب المستقبل، كان يرى إلى ما بعد اثنين وعشرين عاما (أيار 2000) وكان يدرك ان هذه المقاومة اللبنانية التي كانت آنذاك في طور التأسيس ستتمكن عاجلاً او آجلاً من إنجاز هدف التحرير وتحقيق النصر على رابع أقوى جيش في العالم وسوف تحقق مقولة انتصار الدم على السيف بإيمان مجاهديها بربهم وبحقهم في تحرير أرضهم.
إصرار الإمام الصدر على ضرورة قيام مجتمع مقاوم تعمم فيه ثقافة المقاومة درسا يوميا، مجتمع صامد وصابر ورافض لكل أشكال التعامل او اليأس او الاستسلام للقدر، كان الوجه الآخر غير المعلن، لإصراره على تأسيس مقاومة مسلحة ضد العدو الإسرائيلي في جنوب لبنان.
وبعد ان أعلن بمناسبة ذكرى عاشوراء في 2 شباط 1974 في بلدة ياطر الحدودية "أننا نحن حفظة لبنان" وانه هو "الشيخ المريض مستعد ان احمل البندقية واقف معكم على الحدود"، انتظر عاشوراء العام 1975 لكي يطلق دعوته لتشكيل مقاومة لبنانية.
ففي 20 كانون الثاني 1975 وفي خطابه بمناسبة ذكرى عاشوراء في الكلية العاملية في بيروت أعلن الإمام القائد السيد موسى الصدر فكرته بوضوح قائلاً: هل الخوف من اعتداءات إسرائيل لا يتطلب منا الاستعداد للمعركة وحمل السلاح؟ هل يحتاج الدفاع عن النفس إلى الاستشارات والتفلسفات والتجريدات؟ اذا لم تدافع السلطة عن الناس فلتتركهم يدافعون عن أنفسهم بسلاحهم، كما فعل عدد من الأبطال في الطيبة فأعطوا بريق أمل ورؤية جديدة... ويضيف: إسرائيل تدبر لنا المؤامرات ونحن نحزن الحزن المترف. واجب الإنسان، كل انسان أرادت السلطة أم لم ترد، ان يتدرب ويتسلح كعلي بن أبي طالب (ع) والحسين بن علي (ع)، واذا لم يجد استعمال السلاح فذلك انحراف عن خط علي (ع) والحسين (ع). واجب كل مواطن وأقولها بلسان الإمام الحسين (ع) ان يقاتل، واجبنا ان نكون مقاومة لبنانية قبل ان نشرد في أراضينا... على كل شابٍ ان يتدرب ويحمل السلاح لتأسيس مقاومة لبنانية تلقن العدو درساً، واذا مات منا عشرة ومنهم واحد فهذا عظيم.. الدفاع عن الوطن ليس واجب السلطة وحدها، واذا تخاذلت السلطة فهذا لا يلغي واجب الشعب في الدفاع... حركة الإمام الحسين (ع) لا تربي أذلاء بل تربي أبطالاً يرفضون السكوت على الظالم، نحن لا نقبل ان تبقى أرضنا بلا دفاع، وعلى الحكومة ان تعلن موقفها، اما ان تدافع او لا تدافع، والمسؤول الذي لا يعمل على حفظ لبنان فليجلس في بيته. هذه مطالبنا ولسنا مستعدين لدفع ثمن المعادلات السياسية. ولن ننتظر أميركا او الاتحاد السوفياتي او الدول العربية لتدافع عنا. أنهم سيدافعون عنا فقط عندما نبدأ القتال. أول رصاصة تنطلق من بنادقنا ستغير المعادلات الداخلية والخارجية. فلنقف على أرجلنا ونتسلح ونشكل مقاومة لبنانية...
لا تكتفي مضامين هذا الخطاب بإظهار عزم الإمام السيد موسى الصدر على تشكيل مقاومة لبنانية، وإنما تحدد أيضا الثوابت الكامنة فيها. فالثابت الوطني تدل عليه لبنانيتها ومبرر قيامها في الدفاع عن الوطن.
وقد أعاد الإمام الصدر التذكير بهذه الثوابت خلال إعلانه ولادة أفواج المقاومة اللبنانية أمل التي باشر تأسيسها منذ 1973 قبل انكشافها إثر انفجار لغم أثناء التدريب في عين البنية في 5 تموز 1975.
وقد لازمت هذه الثوابت تاريخ المقاومة ضد إسرائيل منذ لحظة إعلان ولادتها إلى يوم انتصارها، وهي الثوابت التي رأى إليها الإمام الصدر بما هي شروط للاستمرارية والانتصار، بحيث يكون الانحراف عنها إلى حسابات وسياسات فئوية عائقا لها واستنزافا للمقاومة واستدراجا لها في متاهات تبقي إسرائيل على احتلالها وتبقي لبنان في مهب الريح.
نحن يا سيدي الإمام على العهد وعلى الوعد
نبقى على حزن الانتظار
نبقى على فرح العودة
وتبقى حركتك أمل تحمل رايتها اسمك تحت ظل النبيه الأمين
ويبقى الوطن كل الوطن، يصوب اتجاهاته على دقة بوصلة خطك وصوابية نهجك وصحة رؤيتك إليه وتماما كما أردته: وطناً نهائياً لجميع أبنائه، نعزز فيه عوامل المنعة ونصون عيشة المشترك ونفتخر بغناه بطوائفه، نحفظه بالوحدة الوطنية التي يحمل مهرجان حضورك هذا العام عنوانها:
الوحدة الوطنية ضمانة لبنان.
