باسمه تعالى
أيها الإخوة المواطنون،
إن إسرائيل غُرست في قلب هذه المنطقة في عملية استعمارية كبرى لم يشهد التاريخ لها مثيلًا فتشرد شعب فلسطين مع تأسيس إسرائيل إلى خارج وطنه وتكون جرح ينزف على الدوام في قلب هذه المنطقة يتفاعل مع أحداثها ويخلق تشنجًا فيها وفي العالم كله.
ثم شنت إسرائيل منذ تأسيسها وخلال ربع قرن حروبًا أربعًا ضد البقية من أرض فلسطين وضد الدول العربية المجاورة فخلقت بذلك آلامًا ومصائب منعت حركة التطور والإنماء في العالم العربي وفرضت استعدادات عسكرية ابتلعت القسم الأكبر من مدخوله والتهمت في قضيتنا نخبة شبابنا وكفاياتنا.
وخلال هذه المعركة كانت تتحرك مع حلفائها ومؤسساتها تستعدي العالم ضدنا، تشوه مواقفنا وتثير الأحقاد في وجهنا وتتآمر بمختلف الأنواع وفي جميع مناطقنا الواسعة علينا.
وما المأساة اللبنانية الدامية إلا فصل من فصول مؤامراتها ضد لبنان وشعبه، بعدما أُدينت في العالم واعتبرت دولة عنصرية لا تنسجم مع الأسرة الدولية.
ذلك لأن لبنان بتاريخه الرسالي وبوجوده المتميز وبنشاطه الحضاري كان شوكة في عينها.
بدأت تعتدي على الجنوب، تجمد اقتصاده وعمرانه وتشرد شعبه فملأت ضواحي المدن والعاصمة بالمهجرين وخلقت تناقضات سريعة وأضافت شبه مخيمات للبنانيين إلى جانب المخيمات التي وجدت للفلسطينيين من جراء اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني.
ثم بدأت تدس السموم وتهيئ لتفجير التناقضات التي تحدث عنها بوقاحة كبار مسؤوليها في رسائل متبادلة معروفة صدرت عام 1954.
أما المؤامرة التي كنا نتحدث عنها وتورطت الدول الكبرى فيها، بل استدرجت لأجلها فئات ومؤسسات عربية ولبنانية وحتى فلسطينية، فقد كانت نتيجة خطة إسرائيلية لئيمة، فهي المسؤولة عن مقتل أربعين ألف لبناني وعن دمار لم يشهد بلد عربي آخر مثله في أيام الحروب.
وكم مرة سقطت قنابلهم علينا وتدخلت عصاباتها فينا وعصفت سمومها بنا أثناء محنتنا الأليمة من دون رحمة. وها هي اليوم تعامل سكان الضفة الغربية مسيحيين ومسلمين كما عامل النازيون أبناء أوروبا المحتلة في الحرب الكونية الثانية.
أيها الأعزاء،
إن إسرائيل تطل اليوم على الجنوب تحمل الدواء والخدمات بيد وتقدم سلاحًا لحماية بعض اللبنانيين من الفلسطينيين والأحزاب اليسارية بيد أخرى، مغيرة دورها العدواني التقليدي، مدعية أمام العالم أنها تقوم بدور إنساني محض للبنانيين!
إن هذه الأدوية التي تقدمها إسرائيل اليوم لا تعالج قطرة من بحار الآلام والمصائب التي خلقتها للبنان ولأبناء الجنوب بالذات خلال ربع قرن. وإن الخدمات التي تدعي توفيرها لا تعادل ذرة من عالم من الجمود الاقتصادي والزراعي والفقر والتشريد الذي قدمته في هذه المدة. إن السلاح الذي تبعثه أو تستعمله بحجة حماية المواطنين في الجنوب، فإنه لا يوازي جزءًا من سيل الأسلحة والذخائر والحرب النفسية التي سكبتها في لبنان فملأت ساحات وطننا جثثًا وجرحى وأيتامًا وثكالى.
فيا أيها الإخوة الاعزاء،
إن هذا التبدل المفاجئ في الموقف هو الجزء الآخر من المؤامرة الكبرى التي صممتها وهيأتها ونفذتها إسرائيل ضد شعبنا ووطننا وأمتنا، والواجب المنطقي والمسؤولية الوطنية والإنسانية يدعوانا إلى الحذر والانتباه والتصدي له بكامل قدراتنا.
علينا أن نعلم أن كل قطرة من أدوية إسرائيل هي سم زعاف يسمم أجسامنا وأجسام أولادنا وأن كل من يذهب إلى مستوصفاتها إنما يذهب إلى وكر الأفاعي والحيات.
علينا أن ندرك أن كل خدمة تقدمها لنا إسرائيل وكل بضاعة نشتريها وكل رحلة توفرها لنا هي ضربة قاضية على وطننا وتاريخنا وكراماتنا.
وعلينا أن نعرف أن كل سلاح تستعمله إسرائيل باسم حماية أحدنا إنما هو طعنة تركزها في قلب وطننا وأجيالنا الصاعدة.
أيها الإخوة،
إنني أناشدكم باسم الله والإنسانية، باسم لبنان، باسم المسيح والإسلام أن تتجنبوا هذا المنزلق الكبير وأن لا تتورطوا نتيجة للتشنج في الهاوية.
إن التعامل مع إسرائيل والاستعانة بها بأي صورة وبأي حجم حرام وغدر وخيانة. وإن الصبر على الأذى والمرض والحرمان على رغم إغراءات إسرائيل، جهاد في سبيل الله وإنقاذ للوطن.
أيها اللبنانيون،
أجِّلوا خلافاتكم وخففوا استفزازاتكم وتشنجاتكم، فالعدو قريب لا يرحم أحدًا منكم ولا يفرق بين مسلم ومسيحي ولا بين يمين ويسار.
أيها الفلسطينيون،
وحدوا صفوفكم وجمدوا تناقضاتكم فليس العدو أقرب إلى رافضكم من غيره ولا يرحم يساركم من يمينكم.
أيها المقاتلون، أيتها الأحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية،
إن كل تفجير للموقف، وكل اعتداء على فرد أو قرية، وكل استفزاز وتشنج في هذا اليوم العصيب، يسجل لحساب المؤامرة الإسرائيلية ويخدم العدو بصورة واضحة. وكل تهدئة وتوحيد للمواقف، وكل خدمة وتسهيل للمواطنين وكل صبر وتحمل للاستفزازات الآتية من غير العدو، إبعاد للمؤامرة وتفشيل لها.
ويا أيها الأشقاء العرب،
إن محنتنا هي محنتكم وإن بلاءنا العظيم هو بلاؤكم. استعجلوا واستعدوا لإيقاف المؤامرة. إننا في لبنان، وفي جنوبه بوجه خاص، ننظر إلى مؤتمركم بفارغ صبر لكي يكون خطوة تاريخية أخرى من الدرب الذي شقه مؤتمر القمة في الرياض.
إننا ننتظر موقفكم لكي تحموا ظهرنا فنتصدى بأجسادنا وأرواحنا للمؤامرة.
وسبحانك اللهم ربنا ﴿لا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعفُ عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين﴾ [البقرة، 286].
* من نداء الإمام الصدر إلى اللبنانيين والعرب وجهه إثر انتهاء قمة الرياض وقبل انعقاد مؤتمر القاهرة بأيام. 21/10/1976