نداء الأنبياء

calendar icon 23 آب 1978 الكاتب:موسى الصدر

تختلف انتفاضة الشعب الإيراني عن كل الحركات المماثلة لها في العالم. فهي تفتتح منظورًا جديدًا للحضارة العالمية، ومن هنا فهي تستحق اهتمام جميع المعنيين اليوم بقضايا الإنسان والحضارة.
فحركة الشعب الإيراني برغم اتساعها وبرغم الاتهامات التي تلصقها بها السلطة، تتمتع بأصالة كبيرة سواء من حيث اتجاهها أو من حيث مكوناتها الشعبية، أو من حيث مبادئها وأهدافها، أو من حيث أخلاقياتها. فقوى اليمين غائبة عن انتفاضة الشعب الإيراني برغم وجود البترول والمصالح الكبرى التي يمثلها، وكذلك الأمر بالنسبة لليسار الدولي، فهو كذلك غريب عن هذه الانتفاضة، برغم وجود أكثر من ألفي كيلومتر من الحدود المشتركة بين إيران والاتحاد السوفياتي، والحزب الشيوعي الإيراني كذلك ليس له دور كبير في هذه الانتفاضة مع أنه من أقدم الأحزاب الشيوعية في المنطقة. إن قوى اليمين واليسار، في حدود ارتباطها المباشر بالكتلتين الدوليتين، ليس لها أي تأثير على الأحداث.
والشعب الإيراني يعرف ذلك تمامًا. فهو يدرك أن النظام الذي يتهم الانتفاضة بالرجعية، يتجاوز كل الأنظمة الرجعية من حيث انتهاكه للحريات وأساليبه البائدة في الحكم. يعلم الشعب الإيراني أن النظام لا يتردد في التضحية بمصالح الأمة وفي توزيع ثرواتها على القوى العظمى، ليحظى برضاها. وعندما يقارن الشعب هذا السلوك مع أصالة المعارضة فإنه لا يتورع عن التضحية من أجل هذه الأخيرة. وهو برغم أنه أعزل، فإنه يدلي بشهادة الدم بشكل بطولي ويولّد قوة لا يقدر شيء على تحطيمها.
والثوريون الإيرانيون، لا يمثلون شريحة اجتماعية محددة، فالطلبة والعمال والمثقفون ورجال الدين يساهمون معًا في الثورة. إنها حركة شعب في تنوع أجياله: في الأسواق، وفي المدارس، وفي المساجد، وفي المدن، وحتى في أصغر الدساكر.
وهذا ما يجعل النظام يتهم اليمين واليسار، الغرب والشرق، العرب وأنظمتهم المتعارضة، وحتى الفلسطينيين! وهو بذلك يعترف باتساع الانتفاضة الشعبية وعمقها.
وحركة معارضة نظام الشاه، تستند اليوم إلى إعلام خاص بها. فتصريحات قادتها وخطبهم المسجّلة تبلغنا بواسطة أولئك الذين تتوجه إليهم في قلب الشعب الإيراني.
في الحقيقة، إن هذه الحركة حافزها الإيمان، وأهدافها هي أهداف إنسانية مفتوحة وأخلاقية ثورية. هذه الموجة التي تهبّ على إيران اليوم تذكّرنا بنداء الأنبياء، قبل أن يحقّره أصحاب المِلل والنِّحل والمستفيدون. وهي حركة حدد زعيم المعارضة، الإمام الأكبر الخميني، أهدافها بوضوح في حديث أدلى به لصحيفة "لوموند" (تاريخ 6 أيار)، فشهد بأصالة هذه الحركة، مشيرًا إلى أبعادها القومية والثقافية والتحررية.
إن أحداث إيران، والمجرى الدراماتيكي الذي تتخذه، تضع العالم أمام جملة من المعطيات الأساسي
1-إن التجربة الإنسانية الفريدة التي تخاض في إيران تستحق أن يدرسها وأن يدافع عنها ضد الدعاية المغرضة، كل المهتمين بقضايا الإنسان والحضارة؛
2-إن نظام الشاه بعد أربعين سنة من السلطة وبرغم الإمكانيات الهائلة المتاحة أمامه، قد فشل. ليحمي نفسه من غضب الشعب، يمتلك في الوقت الحالي أكبر مخزون للأسلحة في العالم الثالث؛
3-إن القيم الأخلاقية للإنسان المتحضر باتت مهددة في إيران. وهي لا يمكن أن تُصان مهما كان الدعم العالمي الذي يحظى به النظام، طالما يواصل هذا الأخير سفك الدماء، وقمع الحريات، مع ادعاء الدفاع عن "التقدم" و"الديمقراطية"؛
4-إن النظام الذي بات يعاني خضات داخلية، كان بالأمس يتحدث عن الدفاع عن أمن الخليج والمحيط الهندي والصومال. ذلك أن شيئًا لم يزعجه أكثر من الحركات الشعبية: من ذلك "حركة المحرومين" اللبنانية، التي وجدت لدى الشعب الإيراني صدى كبيرًا.
إن المذابح التي تدمي إيران حاليًا والتي يحاول النظام إخفاءها، تستوقف الإنسان المعاصر وتتوجه إلى حسه بالمسؤولية، ويتعين عليه أن يتصدى لها بكل الأساليب وأولها أن ينقل إلى العالم صورة صحيحة عنها.

source