حول احراق المسجد الأقصى

calendar icon 26 آب 1969 الكاتب:موسى الصدر

* حوار مع الإمام موسى الصدر حول إحراق المسجد الأقصى، صحيفة الجريدة، 26 آب 1969.
حاوره عادل مالك

* إذا مرّ الحريق دون ردّ مناسب نشكّ بوجود أمة اسمها أمة العرب!
* مقولة إن المسجد الأقصى بني على أنقاض هيكل سليمان كذبة تاريخية

* القضاء على الكعبة معناه إماتة الإسلام رمزيًا والقضاء على المسجد الأقصى معناه إماتة انتشار الإسلام
كان الإمام السيد موسى الصدر أول من انتزع بادرة دعوة رؤساء الطوائف في لبنان إلى عقد اجتماع في هذه الظروف الدقيقة لتدارس الأوضاع وصيانة الوحدة اللبنانية من محاولات التفرقة التي تبثّها جهات مختلفة بغية زرع الشقاق بين اللبنانيين.
وقد تحدث الإمام الصدر أمس على شاشة التلفزيون كعادته حديث الصراحة البسيطة الصادقة. كان قاسيًا في صراحته –ربّما- ولكن الظروف الحرجة تقتضي ذلك. وقد أوضح رئيس المجلس الشيعي الأعلى بعض الحقائق كاشفًا المزاعم القائلة بأن المسجد الأقصى بني على أنقاض هيكل سليمان وقال إنها أكذوبة تاريخية.
* نحن في صدد حدث هام في العالم العربي، وهو إحراق المسجد الأقصى. بعد هذه الجريمة، ما هو تعليق سماحتكم على هذا الحدث؟
- قبل أن أتحدث بالنسبة لرأينا وواجبنا أمـام هـذه الجريمة المروعة، أحبّ أن أتحدث في بعض نقاط لإيضاح الحقائق للرأي العام. يقولون إن المسجد الأقصى بني على أنقاض هيكل سليمان هذه كذبة تـاريخية لأن هيكل سليمان أو معبد سليمان هُدم قبل بناء المسجد الأقصى عدة مرات. وحينـما دخلت جيوش المسلمين إلى القدس لم يكن لهيكل سليمان أيّأثر. وحينما بنى المسلمون في أيـام الخليفـة عمر بن الخطاب المسجـد الأقصى، لو كان هنـاك هيكل سليمان ما كانوا ليهدموه لأنه لم يرد في تاريخهم أنهم هدموا معبدًا ليبنوا معبدًا آخر، مثل موقفهم من كنيسة القيامة، منعهم الخليفة من الصلاة في الكنيسة على الرغم من أنه يجوز الصلاة للمسلم في الكنيسة. ولكن حتى لا يتخذوا من هذا موقفًا فيصلوا في كنيسة القيامة ويتخذوها بقوة الزحف مسجـدًا. ولهذا، ليس هناك أيّ دليل على أنه كان يوجد هيـكل سليمان هُدم وبُني على أنقاضه المسجد.
إسرائيل المسؤولة والقرائن تشهد
النقطة الثانية، مسؤولية إسرائيل. مهما حاولت إسرائيل أن تشوش أو أن تموّه الحقائق، فإنها تتحمل بالنتيجـة كلّ مسؤولية. الدليل أنه منذ مدة طويلة يتحدثون في الجرائد والمجلات حول إحياء معبد سليمان إثارة وتركيزًا للإحساس العنصري الذي يريدون أن يركزوه باسم الدين. وقبل أقلّ من سنتين نشرت "التايم" مقالًا طويلًا تساءل فيه الكاتب كيف يمكن تحويل المسجد الأقصى إلى معبد سليمان؟ ويجيب الكاتب: لعلّه بواسطة الحريق. وهذا المقال موجود.
ثالثًا، التأخير والإبطاء في الإطفاء. إن أيّ دولة متأخرة في هذه الأيام يتمكن جهاز الإطفاء لديها من الوصول خلال دقائق إلى مكان الحادث.
رابعًا، الأفكار التي تنشرها إسرائيل للمسّ حساسية اليهود في العالم هي التي تشجع وتعمق هـذا الشعور في نفوسهم، وبالتالي لا يمكن لأيّ محكمة حقّ إلّا أن تدين إسرائيل بهذه الكارثة.
أهمية المسجد الأقصى إسلاميًا
ونقطة رئيسة أيضًا هي أبعاد هذه الحادثة. هل هذا الحرق حرق عادي؟ لماذا هذه الموجة العارمة من الاستنكار؟

في الحقيقة إن أبعاد هذا العمل واسعة جدًا، اعتداء على الناس واعتداء على المؤسسات الإلـهية، على الأرض وعلى السماء، اعتداء على الحاضر واعتداء على الماضي. تركيز ومبالغة في العنصرية التي لا تعرف حدًّا حتى ولا أقدس المقدسات عند الآخرين. والمسجد الأقصى بالذات له مدلول رمزي كبير عند المسلمين لأن الإسلام ولد في مكة، والإسراء وهو انتقال النبي إلى القدس، تعبير رمزي عن توسع الإسلام وانتشار الإسلام. ومسّ هذا الرمز معناه تجميد الإسلام في نقطة معينة، ومشابه للقضاء على الكعبة. القضاء على الكعبة معناه إماتة الإسلام رمزيًا والقضاء على المسجد الأقصى معناه إماتة انتشار الإسلام. وسبب هذه الكارثة الجريمة هو بلا شكّ التهويد والتهويد يعني تحويل القدس إلى مدينة يهودية.
نشكّ بالأمة العربية إذا
وهنا نقول إن الخطر لا يخصّ الشعائر والمؤسسات الإسلامية وحدها، بل يهدد المؤسسات المسيحية لأن التهويد معناه القضاء على المؤسسات المسيحية والإسلامية على حدّ سواء. وخلاصة الكلام، إن هذه المؤسسات وهذا المسجد أصبحت الآن معرضة للخطر، والنية متجهة إلى التهويد والسبب واضح. ولهذا، وبكلّ وضوح وبكلّ هدوء أعصاب نتمكن أن نقول اليوم إن العرب، كأمـة، على المحكّ، والإيمان بصورة عامة في الشرق على المحكّ، وبصورة خاصة الإسلام والمسلمين. فإذا مرّت هذه الإساءة من دون ردّ فعل متوازٍ مع فظاعة الجريمة، فإني أعتقد أن هذا دليل على أننا سنشكّ بوجود إيمان أو كيان أو أمة اسمها أمة العرب.
لبنان ودوره الكبير
* علينا الآن أن نقوم بدور معين فكيف تحددون هذا الدور؟
- حسب ما ذكرت من أن الخطر بلغ النهاية، وأنه لا يمكن أن يبلغ أكثر من هذا فمفروض أن جميع الطاقات من جميع المؤمنين من جميع العرب أن تتجند لخدمة وصيانة هذه المؤسسات.
* وجهتم دعوة لعقد مؤتمر يضم جميع رؤساء الطوائف في لبنان، فأين بلغتم في الاتصالات الخاصة بعقد هذا المؤتمر؟ 
- الحقيقة إننا نحن كمواطنين علينا واجبات، ولبنان كبلد عربي عليه واجبات. ونحن بصورة خاصـة في لبنان نتمكن من أن نقدم خدمات لا يتمكن غيرنا من أن يقدمها ومن جملة هذه الخدمات نتيجة لشكل لبنان وتكوينه المؤلف من طوائف مختلفة، نحن نتمكن من أن نقدم خدمات فعالة. نحن نعلم أن هذه الطوائف الموجودة في لبنان لها زملاء في الخارج، ولبنان بصورة خاصة له جاليات كبيرة في الخارج. وإذا تمكنا من أن نجند هذه الطاقات: طاقات أبناء الجاليات، وطاقات أبناء الطوائف التي لها علاقات وزملاء في هذا البلد، نتمكن من أن نؤثر على الرأي العام العالمي بصورة واضحـة. وفي هـذا السبيل حاولت أنا أن أقدم دعـوة إلى رؤساء الطوائف جميعًا حتى يجتمعوا.
أهداف المؤتمر
هل حدد موعد الاجتماع؟
- حتى الآن بوشرت الاتصالات مع رؤساء الطوائف للاتفاق على موعد. وإن تكوين هـذا المؤتمر من شأنه أن يقوي الوحدة الوطنية، وثانيًا صيانة للمحبة، لأنه ليس من المستبعد أن تعمد إسرائيل إلى أسباب مختلفة لخلق فتن، كما ظهر بعد اتهام الشاب الأسترالي والتركيز على دينه. فإذًا، هناك أخطار تحدق بهذا البلد، وإن وجود هذا المؤتمر يصون ذلك. ثم إن تنسيق العمل داخل المؤتمر للتأثير على زملائنـا وأبنـاء جالياتنا في الخارج الذين يشكلون قوة كبيرة، ولهذا السبب سوف نتمكن أن نستفيد من وجود عدة طوائف في هذا البلد لأكثر من نتيجة، وهذا يكون نواة حقّ ودليل خير لهذا البلد وهو دائمًا يخدم العرب والحقّ.
هل أنت متفائل بانعقاد هذا المؤتمر، وهل تعتقد أنه سيحقق الأهداف المرجوة منه؟
- أنا متفائل جدًا. وفي هذه المناسبة أرجو وأتمنى مساعدة الرأي العام اللبناني وقادة الفكر وأصحاب القلم وكلّ عنصر خير في هذه البلدان يدعو ويؤيد هذه الدعوة حتى نتمكن أن نسهل الصعاب العديدة في هذا السبيل. ولكن لا أعتقد أن هناك صعابًا لأن نيّات رجال الدين، خصوصًا في هذه الظروف العصيبة لا شكّ أنها أسمى من أن يقف في وجهها أيّ محذور. وأنا متفائل جدًا أنه في فترة وجيزة ينعقد هذا المؤتمر.

source