لم تبحث القمة العربية قضية تغييب الإمام موسى ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، رغم أن وزير الخارجية علي الشامي قال بأن هذا البند تضمنه جدول وزراء الخارجية العرب الذي سبق ان اجتمعوا في القاهرة، وعاكس بذلك رأي امين عام الجامعة عمرو موسى الذي نفى وجود اي بند بهذا الخصوص، وقال بأن هناك فقرة تتعلق بالإمام الصدر ورفيقيه، لكن مع هذا لم تبحث القمة لا من قريب ولا من بعيد في القضية، رغم مشاركة لبنان عبر مندوبه في الجامعة العربية السفير خالد زيادة. فهل كان هذا التوقع مفاجئا؟ أم أنه امر طبيعي، لا سيما وأن لبنان لم يقاطع القمة نهائيا, وأوصل نصف رسالة فقط عبر مشاركته المتدنية المستوى؟ وماذا يقول المعنيون بقضية تغييب الإمام الصدر ورفيقيه؟
"الأفكار" استضافت في مكاتبها نجل الشيخ محمد يعقوب النائب السابق عن دائرة زحلة حسن يعقوب وحاورته على هذا الخط الساخن، فأكد ان الإمام الصدر ورفيقيه أحياء يرزقون في معتقلات ليبيا، واعتبر أن مشاركة لبنان في القمة وحتى على مستوى مندوبه في الجامعة هي إهانة للقضاء وانقلاب على البيان الوزاري.
وسألنا بداية:
* الملاحظ أن اهالي المغيبين في ليبيا وهم: الإمام موسى الصدر والشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين يرفضون كلمة "رحمهم الله" ويصرون على انهم أحياء، فإلى ماذا تستندون في ذلك؟
- بعيداً عن مسألة الأدلة والقرائن التي تتطلب نقاشا واسعا، نحن نعتقد انهم ما زالوا احياء يرزقون حسب تحقيقاتنا.
* لكن نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام سبق ان قال في حوار مع الاعلامي الراحل نبيل خوري بأنهم توفوا. فكيف تقرأ هذا الكلام؟
- عبد الحليم خدام كانت لديه مهمة اساسية على الساحة اللبنانية، وهي القضاء على نهج الإمام موسى الصدر، وبالتالي محاولات إلغائه من الذاكرة ونشر حالة النسيان عند جماهيره وفرض امر واقع معين كل ذلك كان جزءا من مهمة عبد الحليم خدام، والذي كان أكثر الذين تحدثوا مع المسؤولين اللبنانيين عن الإمام الصدر ورفيقيه بالقول يرحمهم الله، حيث نقل هؤلاء عنه هذا الكلام. وطبعا خلفية المؤامرة تعني خدام ايضاً، لأنه كان أحد المهندسين لمرحلة ما بعد التغييب.
* هل معنى ذلك انه شارك في التغييب؟
- لن اقول بأن شارك أو كان يعرف ذلك، وإنما اكتفي بالقول أنه كان إحدى الأدوات المباشرة لإدارة معينة على الساحة اللبنانية، لتغطية هذا التغييب وحرف المسار باتحاه آخر.
التغييب واجتياح الجنوب ووعد قداسة البابا
* ما كان الهدف في تقديرك من تغييب الإمام الصدر ورفيقيه؟
- لا بد أن هذا الموضوع يستدعي بحثا معمقا، وسأختصره في نقاط اساسية، وهي اولا: أنهم غيبوا في آب (اغسطس) عام 1978، وهذا العام هو عام الاجتياح الاسرائيلي فيما عرف آنذاك بعملية الليطاني التي وصلت إلى حدود نهر الأولي. واليوم نستطيع الربط جغرافيا مع القرار 1701 الذي يحدد النطاق الجغرافي ذاته، في وقت كان والدي يشرح نظرية "الجدار الطيب" وأرض اللاأحد، أو المحروقة التي يراد لأهلها أن يختاروا بين إثنين: إما التهجير وإما قبول العمالة، وبالتالي عدم كل وسائل الحياة في هذه المنطقة، ما يعني أن هذه كانت توطئة للعمل الذي استغرق لسنوات عديدة ما قبل العام 1978، إلا ان العمل المكوكي الذي قام به الإمام الصدر وكان يرافقه الوالد في زياراته العربية باتجاه الضغط لانسحاب إسرائيل من لبنان، حيث كانت قمة الرياض آنذاك المهنية بذلك، والتي ضغطت باتجاه انسحاب اسرائيل، لأن العرب آنذاك توحدوا حول هذا الهدف، وكان الفضل في ذلك للإمام موسى الصدر الذي قام بجولاته العربية المكوكية. وهذه القمة هي التي شكلت أداة الضغط على مجلس الأمن، حتى صدر القرار 425 الذي يعتبر السلاح الديبلوماسي الدولي الوحيد الموجود في يد لبنان، والذي شرع عمل المقاومة ايضاً.
واضاف:
- تحرك الإمام الصدر تجاوز ذلك، حيث كثف رحلاته العربية، وكانت نصيحة الرئيس الجزائري آنذاك هواري بومدين، حيث كان الإمام مع الوالد ومصطفى شمران وعباس مكي، بأن يلتقي معمر القذافي الذي يغذي القوى التي تواجه الإمام الصدر، فاتصل الإمام بمعمر القذافي، وذلك قبل شهر ونصف الشهر من زيارته لليبيا، حيث كان الهدف من تحركه توحيد الصف العربي باتجاه الضغط على إسرائيل. وفي يوم 31 آب (اغسطس) عام 1978، كان على عتبة قليلة جداً من لقاء "كامب دايفيد" بين الرئيس انور السادات و"مناحيم بيغن" داخل مزرعة "كامب ديفيد" في الولايات المتحدة، حيث كان هذا اللقاء الحدث المقتل للامة العربية لجهة تحييد 70 مليون عربي عن الصراع في وقت لم يكن هناك رجل على مستوى الساحة العربية، يماثل قامة الإمام موسى الصدر، الذي كان يستطيع مواجهة "كامب دايفيد" وتحريك العالم العربي ضده.
واضاف يقول:
- ولا ننسى ايضاً وصول الإمام الخميني يوم 9 ايلول (سبتمبر) إلى فرنسا مرحلا من العراق حيث تم استقباله هناك وفاء لوعد قطعه باب الفاتيكان "يوحنا بولس السادس" للإمام موسى الصدر، عندما زار الفاتيكان وطلب من البابا أن يتحدث مع الحكومة الفرنسية لاستقبال الإمام الخميني، وبالتالي انتهت إقامته الجبرية في العراق، وحصل الوفاء بهذا الوعد بعد غياب الإمام الصدر ووصل الإمام الخميني إلى فرنسا وانتصرت الثورة الإيرانية عمليا لحظة خروج الإمام من إقامته الجبرية في العراق، وكان ابنه احمد في لبنان مع الإمام الصدر، وكذلك مصطفى شمران الذي اصبح فيما بعد وزيرا للدفاع، وكان الناطق الرسمي باسم الإمام الخميني، واستشهد خلال الحرب مع العراق، وهو الذي ساهم في بناء حركة "امل" عسكريا، وكذلك مصطفى بازركان وابراهيم يزدي وغيرهم، والذي كانوا يترددون إلى منزلنا بشكل دائم.
الغداء العاصف مع القذافي والخلاف حول الوجود المسيحي
* ما الذي حصل فعليا حسب معلوماتك بين 25 و31 آب من العام 1978، وألا يعقل ان تكون حادثة الرئيس صائب سلام عندما انتظر اللقاء مع القذافي دون طائل، فحاول المغادرة مع الراحل جميل كبي، لكن الأمن كان بانتظارهما في المطار، ما دفع الرئيس سلام للامتثال والعودة فيما يمكن أن الإمام الصدر ليس من النوع الذي يمتثل وحصل ما حصل مع التأكيد ان تغييبه هو لتمرير التقسيم والتوطين كونه الضامن للعيش المشترك؟
- ما حصل أن القذافي حاول تأخيرهم يوم 25 آب (اغسطس) حتى 31 آب (اغسطس) بعدما ضاق الإمام ذرعا بالتأخير، لاسيما وأنه يريد السفر إلى باريس ومن بعدها إلى لبنان، نظرا لاقتراب موعد شهر رمضان، إلى ان أبلغ باللقاء يوم 31 آب (اغسطس) وانه سيكون الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر، وغادروا فندق "الشاطئ الأبيض" مع سيارات المرافقة الليبية، للقاء القذافي الذي اقام غداء آنذاك، لكن على ما يبدو انه اثناء الغداء حصل خلاف كبير مع الإمام الصدر حول الوجود المسيحي في لبنان، ومن ثم حصل ما حصل. وفي تقديري ان الخلاف كان مصطنعا، لأن الموضوع المسيحي اللبناني كان تفصيلاً، والمهم انهم أصبحوا فيما بعد في المعتقل. فالنقاش فتح وقيل للإمام بأن لبنان سيصبح دولة اسلامية، وبالتالي على المسيحيين الرحيل أي "مشروع كسينجر" بالذات وعمليا التوطين ولا يزال المشروع قائما حتى اليوم.
وتابع قائلا:
- الإمام خاض معركة اساسية هي احتضانه للوجود المسيحي مبكرا، والذي اسماه آنذاك حوار الحضارات او حوار الأديان والثقافات، والرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، عندما زار بيروت منذ سنوات وطرح مشروع حوار الحضارات وأسس مركز "زوريخ" لحوار الحضارات، كشف بأن الإمام الصدر هو أول من طرحه وصاحب المشروع وهو يكمل ما بدأه الإمام الصدر، لا بل هو أول من شكل لجنة التقريب بين المذاهب الإسلامية لكن الأهم ان الإمام خاض آنذاك معركة استباقية قبل 30 سنة من طرح مشروع صراع الحضارات الخاص بالرئيس الأميركي السابق "جورج بوش" في 11 ايلول (سبتمبر) عام 2001، وبالتالي هذه النظرة الثاقبة عند الإمام هي التي جعلته يستشرف مسبقا وبسنوات ما سيحصل ويتنبأ بالمشروع الصهيوني في المنطقة بإفراغ المسيحيين من الشرق وجعله اسلاميا صافيا، وإفراغ الغرب من المسلمين وجعله مسيحيا صافيا، وما أحداث يوغوسلافيا السابقة إلا وتصب في هذا الاتجاه، لاسيما "البوسنة" و"الهرسك" وبالتالي تحضير الساحتين للصدام الطبيعي تحت عنوان حضاري أو ثقافي او ديني، وهذا الصدام الذي اطلق في 11 ايلول (سبتمبر) بين الشرق والغرب، ومن ثم بين الإسلام والمسيحية، هدفه قطع كل العلاقات بين الشرق والغرب، وتأجيج هذا الصراع بما يخدم مصلحة اسرائيل.
واضاف:
- والدي الشيخ محمد يعقوب قال في خطاب له عام 1977 من بلدة الكرك البقاعية "بأن مسيحي الشرق وخصوصا مسيحي لبنان، هم حصون يجب التمترس خلفها ومعها وفيها وتثبيتها وتحويل كل مسلم في الشرق وفي لبنان إلى سفير لنا في الغرب، مثلما يجب علينا ان نعمل على تحويل كل مسلم في الغرب إلى سفير لهم عندنا في الشرق". الهدف من هذا الصراع ان تبقى اسرائيل هي همزة الوصل بين الشرق والغرب وتؤجج الصراع وتعمل على تكريسه بما يخدم مصالحها.
الإمام ورفيقاه أحياء يرزقون
* ما آخر المعلومات حول مصير الإمام ووالدك وعباس بدر الدين؟
- نعرف انهم احياء ومعتقلون في ليبيا.. هذه معطياتنا ولا نستطيع التفصيل أكثر.
* طالما الأمر كذلك، لماذا لم تتدخل بعض الدول الصديقة لكم ولليبيا ايضا في حل هذا اللغز وتسهيل الإفراج عنهم؟
- سبق أن جرت محاولات سابقة ايام الرئيس محمد خاتمي وبعده ايضا، حتى انه ارسل مبعوثه محمد علي ابطحي إلى ليبيا بهذا الخصوص، ولم يخرج بنتائج ايجابية، ويبدو انه حصلت خربطة لأن الليبي كان يحاول التنصل من هذا الموضوع تحت عنوان الذهاب إلى القبول بالواقع وايجاد المخارج، فيما كان البحث معه حول تبني المسؤولية اولا، ثم يتم الحديث عن المخارج والمسؤوليات.
وتابع يقول:
- وما يهمني قوله ان تغييبهم جاء على عتبة الثورة الايرانية واجتياح لبنان، وقيام معاهدة "كامب دايفيد" وما حصل في العراق لجهة اغتيال ابن عمه وصهره باقر الصدر، الذي اعدمه صدام حسين عام 1980 مع اخته بنت الهدى. فكل هذا المناخ يدور في فلك واحد، لاسيما وان حركة الإمام لم تكن حركة مختصرة على المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وحركة المحرومين، وإنما هذا هو الجزء اللبناني، بل كانت حركته عربية إسلامية في مواجهة اسرائيل والحركة الصهيونية، حتى بات الإمام الصدر من أكبر اعداء الحركة الصهيونية، وبالتالي لم يكن مسموحا ان يبقى مثل هذا الشخص الذي كان يشكل خطرا على المشروع الصهيوني.
وأضاف:
- المهمة الآساس لمعمر القذافي الذي صنعته الولايات المتحدة يوم كان ضابطا يتابع دوره هناك، وكان محميا من المخابرات الأميركية، وقام بانقلاب سهل في ليبيا رغم وجود قاعدة اميركية هناك من زمن الملك إدريس السنوسي، هي اجتثاث المناضلين الحقيقيين وتظهير الصورة البشعة للعملية النضالية تماما كما يدعم ابو سياف في الفيليبين، وهو يسلط الضوء على نفسه من خلال دعم حركات التمرد في العالم، رغم انها تكون حركات طاهرة، لكن الهدف من تظهير صورتهم هو اجتثاث المناضلين منهم وإفساد البعض الآخر والتخلص منهم تماما، وهو لم يتورع يوما عن العمل لاستهداف شخصيات عربية واسلامية، تماما كما خطط لاغتيال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز.
مشاركة لبنان في القمة إهانة للقضاء
* هل انتم راضون عن التمثيل اللبناني الذي اقتصر على مندوب لبنان في الجامعة السفير خالد زيادة كرسالة صغيرة معبرة إلى النظام الليبي؟
- المؤسف والمخجل ان ما حصل فاجأ الجميع، لأنه في الحد الادنى من النظرة الوطنية لا نتصور أن هناك انقساما او سجالا او تباينا في وجهات النظر حول موضوع الإمام موسى الصدر. وليس صحيحا ان لبنان لم يتمثل، ولكن حضر مندوب لبنان في الجامعة، فهذا كلام لا معنى له، لأن مجرد جلوس مندوب على مقعد لبنان، معناه ان لبنان تمثل في القمة، بغض النظر عن مستوى هذا التمثيل، في وقت كان الهدف هو المقاطعة وإبقاء مقعد لبنان فارغاً كرسالة موجهة لكل القادة العرب حتى يقال بأن قضية الإمام الصدر هي التي سببت المقاطعة، لاسيما وان موسى الصدر هو إمام العرب، ويجب ان يكون موضوعه الملف الأساسي في القمة.
واستطرد يقول:
- وإذا كان عنوان القمة هو القدس، فالحديث عن القدس لا يمكن البحث فيه، إذا لم يكن موضوع الإمام الصدر هو الأولوية في البحث، لأن بوابة القدس هو الإمام الصدر، من خلال جلاء مصيره مع اخويه، خاصة وان الإمام الصدر هو القائل بأن القدس لا تتحرر إلا على ايدي المؤمنين، وهو إمام المقاومة الداعي لتحرير الأرض والمقدسات، وبالتالي ما حصل هو إهانة متمادية للعقل العربي وللعقل الإسلامي، وتحديدا للعقل اللبناني، ونحن نورد على سبيل المثال ان قمة دمشق عام 2007 ترافقت مع اتهام سياسي لسورية باغتيال الرئيس رفيق الحريري ووقف لبنان كله مع الفريق الذي يتهم سورية، وقاطع القمة حيث لم يكن له مندوب من الجامعة العربية ولا غيره، رغم ان دمشق هي بوابة لبنان، وهناك علاقات مميزة معها، بينما بالنسبة لقمة ليبيا، لدى لبنان مذكرة توقيف بحق معمر القذافي ومسؤولين ليبيين، ولدينا بيان وزاري هو الضابط للسياسة العليا للدولة ويتهم ليبيا بإخفاء الإمام الصدر ويتبنى متابعة قضيته ومعاقبة المجرمين، وبالتالي إهانة القضاء والنظام السياسي هو أمر يستحق معه اعادة النظر في الموضوع الحكومي، بحيث ان تقدم الحكومة استقالتها، لأنها تجاوزت بيانها الوزاري والقضاء اللبناني، وشاركت في قمة "سرت" الليبية، والوعد الذي قاله وزير الخارجية علي الشامي بأنه تم وضع هذا الموضوع على جدول اعمال وزراء الخارجية العرب لم يتم بحثه. ونحن نسأل وزارة الخارجية والحكومة عن ذلك، خاصة وانه تبين ان عمرو موسى كان الأكثر دقة عندما نفى وجود بند في جدول الاعمال عن الإمام الصدر، ونحن قلنا بأنه حتى لو شارك لبنان، فعلى الأقل يجب ان يوزع الملف على رؤساء الوفود ويتم الإعلان عن موقف من هذا الأمر، لكن لم يحصل شيء، لا بل بالعكس كان لبنان شاهد زور على ما حصل.
