* إسرائيل خلقت في سكان الجنوب الشعور بعدم الأمان.
* الإيمان باللّه لا يكون صحيحاً إذا لم يترجم بحب المحرومين.
* لا يوجد فرق بين الشيعة وغير الشيعة، المحرومون هم أنفسهم، كلهم أخوة.
* التعايش أحد مظاهر الحضارة اللبنانية... وعلى دعاة السلام في العالم المساعدة على نجاح هذه التجربة.
* إن جمال العالم يكمن في تنوع الشعوب والامم التي تكونه.
* "عدم الانحياز" – موازنة القوى المتخاصمة في العالم يخدم السلام والانسانية.
* للبنان دور مميز في الحوار الأوروبي العربي لبناء حضارة عالمية جديدة.
* نقدر الجنرال ديغول الرجل المؤمن، صاحب الرؤية العريضة للأحداث والتاريخ.
* كيف هو وضع لبنان، خاصة جنوب البلاد؟ كيف تصرف هؤلاء الجنوبيون الذين تعرفهم جيداً خلال الأحداث الأخيرة؟
- إن جنوب لبنان منطقة مميزة بتاريخها وجغرافيتها، لقد توالت على هذه الرقعة من الأرض خمس حضارات عالمية، التاريخ العالمي لا يزال يذكر الفينيقيين وعبقرية "اوقليدوس" الذين هم من عطايا لبنان الجنوبي، يذكرون أيضاً أن الأبجدية انطلقت من هنا .. لنتذكر أن أوروبا أخذت اسمها من أميرة من "صور" لحق بها شقيقها إلى الجهة الأخرى من البحر المتوسط حيث أقامت أخيراً وأعطت اسمها لتلك القارة الأوروبية. كذلك من المناسب الإشارة أيضاً إلى أنه قبل الاسلام وبعده، قدمت هذه المنطقة عدداً كبيراً من الأسماء المعروفة عالمياً على صعيد الثقافة والحضارة والعلوم.
كذلك لا يزال في الجنوب أثار للسيد المسيح، فهناك بلدة تسمى قانا، ونعتقد أن هذه القرية هي نفسها التي يطلق عليها الإنجيل "قانا الجليل". مع الاسلام، قدمت هذه الأرض مساهمة كبيرة على الصعيد الشرعي الديني، كما على الصعيد الأدبي، إنها منطقة أثرية كبيرة ولها أهمية سياحية كبرى.
جبالها أيضاً تجعل منها منطقة مهمة جداً استراتيجياً، ليس فقط لأن الشمس تشرق عليها مائتي وخمسين يوماً في السنة، ولأنها على ساحل البحر، ولكن أيضاً لأن مليارات الأمتار المكعبة من المياه تجعل من هذه المرتفعات قصر مياهٍ حقيقي جديرة بنشر الخصب في بلد أُعدَّ لذلك.
أبناء الجنوب، كبقية أبناء لبنان، مميزون بقدرة كبيرة على التحمل وبقوة كبيرة على الصبر، وقد زادتهم ظاهرة الهجرة انعاشاً. وهكذا نجد بينهم بالاضافة للعلماء التقليديين الكبار، عدداً كبيراً من الأشخاص ذوي الكفاءات العلمية الحديثة، وأنا أحب أن أشير إلى أحد شبابنا الذي يسمى بـ "عبقري الكهرباء"- لأنه يملك على الأقل ستة وخمسين شهادة في مجال الكهرباء - هذا الرجل هو أحد أوائل المهندسين الذين أوصوا باستعمال الطاقة الشمسية لتشغيل المحركات.
كان جنوب لبنان يتميز في بداية القرن بحياة زراعية غنية وكذلك بالهجرة والسياحة، ولكن منذ العام 1948، أي منذ أن تأسست دولة اسرائيل، أخذ القلق يسود الجنوب شيئاً فشيئاً• ولقد أنشأت على طول الحدود اللبنانية من الجهة الإسرائيلية منشآت زراعية وعسكرية• من جهة أخرى، كما نعلم، تخطت إسرائيل الحدود التي منحتها إياها الـ O.N.U كما وأن أكثر من 120.000لاجىء فلسطين مبعد من أرضه جاؤوا ليضخموا عدد سكان الجنوب اللبناني وخلقوا فيه هذا الشعور بعدم الأمان الذي أحدثك عنه.
منذ ذلك الوقت، أي بالتحديد من 1948 لغاية 1967 وطوال هذه الفترة كان الفلسطينيون شعباً مسالماً ينتظرون من المؤسسات العالمية والدول العربية ايجاد حل لمشاكلهم، بينما اسرائيل تزيد من اعتداءاتها• منذ هذه الفترة، تجمدت الحياة الزراعية وبقية مظاهر الحياة العادية في هذه المنطقة واضطر عدد كبير من الأهالي، خاصة الشبان، للهجرة، سواءً إلى افريقيا أو إلى الولايات المتحدة الإمريكية، أو إلى بيروت أو إلى بعض البلدان العربية، بعد العام 1967 وبفعل المقاومة الفلسطينية المسلحة، ازداد عدد الاعتداءات الاسرائيلية.
وهكذا هاجمت إسرائيل مناطق لا وجود فيها للفلسطينين أو للمقاومة الفلسطينية. حاولت إسرائيل أن تجعل من الجنوب نوعاً من الأرض المشتعلة.
وهكذا غرقت هذه المنطقة في ركود حقيقي، وسرعان ما أصبح نصف السكان نازحين، الجزء الأكبر منهم أقاموا مؤخراً في ضاحية بيروت. وبالإضافة للفقر، كان على هؤلاء الذين بقوا في أرضهم أن يواجهوا وضعاً نفسياً صعباً تحت وطأة الاعتداءات التي تتهددهم، والأسوأ من ذلك عندما تحاول إسرائيل أمام الرأي العام العالمي أن تبرر اعتداءاتها بوجود المقاومة في هذه المنطقة.
وهكذا لاحظ أبناء الجنوب أنهم ومنذ ثمانية أعوام باتوا ضحايا للاعتداءات دون أن يهتم أحد في العالم لأمرهم.
هذا أول عامل في التوتر الاجتماعي الذي يشعر به هذا الشعب المحروم.
* هل تمارس حربك السياسية من أجل الطائفة الشيعية التي أنت زعيمها الروحي أم من أجل كل الوطن اللبناني؟
- إن اهتمامنا الكبير بالمحرومين الشيعة ينطلق من إيماننا بالله، لأننا نعتقد بأن الايمان بالله لا يكون صحيحاً إذا لم يترجم بحب المحرومين. الوطن لا يمكنه البقاء في ظل اللاعدل الاجتماعي، لقد تحول منذ الحرب العالمية الثانية 63 بلداً إلى النظام الديكتاتوري بعد فشل الديمقراطية وذلك بسبب الوضع الاجتماعي.
من هنا يأتي جوابي على سؤالك، بالنسبة لي، لا يوجد فرق بين الشيعة وغير الشيعة، المحرومون هم أنفسهم، المحرومون كلهم أخوة.
من جهة أخرى، أسمح لنفسي أن أشير إلى أنني شخص مع 000،150 مناضل لبناني، نعمل على النضال كي لا يبقى في لبنان محروم واحد، شيعياً كان أو غير شيعي، إن حركتنا حركة انسانية وطنية ومنفتحة على أية حركة أخرى لها نفس الاتجاه في العالم. أضيف أن معظم المثقفين اللبنانين أظهروا دعمهم لحركتنا، وقد وقّع 199 مثقفاً لبنانياً من كل المناطق ومن كل الاختصاصات بياناً تأييدٍياً لحركتنا• أريد أيضاً أن أشير إلى أنه يوجد في الجنوب الذي يشغلنا، وكذلك في البقاع وضاحية بيروت، يوجد عدد كبير من السكان المسيحيين، وكذلك من الطوائف الإسلامية غير الشيعية.
* هل تعتقد أن المواجهات التي تكون حادة أحياناً بين الطوائف اللبنانية تضعف الأمل بالتعايش بين العرب واليهود في فلسطين؟
- أنا أعيش في عمق الوضع اللبناني، وبإمكاني أن أؤكد لك أن العنف الذي يظهر في هذا البلد منذ بعض الوقت ليس ذا طابع طائفي. عندما يقترب العنف من اتخاذ الطابع الطائفي بتأثير من أعداء لبنان، فإنه يتوقف تماماً، كي لا يتخذ هذا الطابع.
الصعوبات لها طابع اجتماعي، وتبدو من خلال عدد المحرومين الكبير، ومن خلال كون أولئك الذين يتمتعون بالامتيازات لا يريدون التخلي عنها.
الكثيرون من المسؤولين اللبنانيين ينعتون حركتنا بأنها حركة يسارية متطرفة بينما 90% من المحرومين الذين يشكلون حركتنا هم مؤمنون عاديون، وأيضاً مواطنون. هؤلاء المواطنون الذين يدعموننا يرفضون التقسيم الطائفي، إلا أنهم متمسكون جداً بحقوقهم ويناضلون من أجل الحصول عليها، لطالما كان لبنان بلد التعايش بين مختلف الطوائف الإسلامية، الروحية، الدينية، وسيبقى كذلك.
إنها إحدى مظاهر الحضارة اللبنانية، يجب أن نلاحظ أن إسرائيل قد شنت حرباً نفسية حقيقية في وجه البلد، وذلك بجعلها الجنوب أرضاً مشتعلة، وبإرغامها الأهالي على الهجرة ومغادرة هذه الأرض وهكذا تستمر اسرائيل بتفجير لبنان.
وبرأيها يجب "إفشال تجربة التعايش اللبناني وتبرير مبدأ الوجود العنصري على هذا النحو". لهذا السبب يجب على كل دعاة السلام في العالم المساعدة على نجاح التجربة الاجتماعية اللبنانية.
* كيف ترى مستقبل الحوار الأوروبي-العربي؟ أي دور ايجابي يمكن أن يلعبه لبنان برأيك من أجل المساعدة في نجاح هذا الحوار؟
- أعتقد أن هذا الحوار بين أوروبا والعرب ينبعث من عمق التاريخ وأن عليه الاستمرار. لا ننسى أن المسيح، في رسالته التي يؤمن بها العدد الكبير من الأوروبيين، جاء من الشرق، والتأثير المتبادل بين الشرق العربي والغرب الأوروبي ثابت عبر العصور، وقد ظهر مراراً بطريقة أو بأخرى، حتى إن الفترات المؤلمة كفترات الحروب الصليبية كانت الأكثر (خصباً) من خلال مد جسر بين الحضارة العربية والحضارة الأوروبية• أما بالنسبة للمستقبل، من المؤكد أن هذا الحوار الذي هو تبادل خبرات يجب أن يتمكن من بناء حضارة عالمية جديدة ونحن متأكدون من أنه يجب على لبنان أن يساهم فيه بقوة، وذلك لعدة أسباب:
الأول: هو أن الحوار الأوروبي العربي يحمل نوعاً ما في ثناياه الحوار الإسلامي المسيحي، ولبنان بالذات غني بهذه التجربة، فليس من العبث التذكير بأنه منذ العام 1963 أي قبل أن يطلق مجمع الفاتيكان المسكوني الثاني النداء الذي نعرفه، كان الحوار الإسلامي المسيحي قائماً هنا. لقد نظمت الندوة اللبنانية سلسلة ندوات مشتركة حول المشاكل العقائدية وأيضاً حول العدالة الاجتماعية.
الثاني: لإثبات الدور المميز للبنان في الحوار الأوروبي العربي نشير إلى وجود أربع جامعات أجنبية في هذا البلد، ذلك لأن الثقافة الأوروبية مزدهرة فيه، ولأنه يوجد أعداد كبيرة من اللبنانيين النشطين جداً في أوروبا ... كل هذا أيضاً يضاف إلى طبيعة النظام اللبناني الديمقراطي الذي يسمح لكل الفئات بالتعبير عن نفسها وبالمشاركة بالتأثير المتبادل، هناك سبب إضافي أريد أن أذكره، إنه التأثر المميز للبنان بالقضية الفلسطينية. من جهة أخرى أنت تعلم أن قضية القدس قضية أساسية وتهم الرأي الأوروبي والغربي كما تهم رأي العالم العربي والإسلامي ومن هنا يمكننا القول أنه مقابل لبنان، البلد المسيحي إلى أبعد حد، فإن فلسطين "مدعومة من قبل المقاومة اللبنانية، وهي كبلد وحيد يجمع بطريقة متساوية المسيحيين واليهود والمسلمين ويشكل المثال الأقرب للتجربة اللبنانية.
* ما رأيك بعدم الانحياز؟
- في الواقع، إنه أفضل وسيلة لتأمين السلام في العالم، إن دعم السلام في العالم هو في الواقع دعم لعدم الانحياز، إن عدم الانحياز هو الذي يمنع العالم من أن ينقسم إلى معسكرين منفصلين تحت خطر دائم بسبب أن عدم الانحياز لم ينجح بعد بتشكيل قوة ثالثة قادرة على موازنة القوى المتخاصمة في العالم. من المهم أن تتمكن دول عدم الانحياز من الاجتماع بشكل موازٍ للتجمعَيْن مجتمعَيْن.
إن جمال العالم يكمن في تنوع الشعوب والأمم التي تكونه بينما انقسامه إلى مجوعتين يجعله يخسر هذه التنوعية وبنفس الوقت يخسر جماله، ولهذا نحن نعتقد أن النضال من أجل عدم الانحياز يخدم السلام والإنسانية.
* ما رأيك بـ"الديغولية" وبالجنرال ديغول؟
- إن صورة الجنرال ديغول بنظرنا نحن أهل الشرق، هي صورة رائعة جداً.
أولاً: نحن لا ننسى أبداً الدور الذي لعبه في الحرب العالمية الثانية، وكيف ثار، كيف دفع النضال حتى النصر. بالنسبة لنا، إنه يشكل النضال من أجل الحق الحقيقي، من أجل الحقيقة، النصر الذي تحقق انطلاقاً من لاشيء .. ثانياً: هناك شيء آخر في نبل الصورة التي يحتفظ بها الشرق للجنرال ديغول، إنها الطريق التي سمح بها للشعب الجزائري باكتساب استقلاله بالرغم من أنه ليس في مصلحة فرنسا.
ومن جهة ثالثة: إن ما يعجبنا فيه، هو ديغول الثوري، إنه رفضه ربط فرنسا بأحد المعسكرين الكبيرين.
الأمر الرابع والأخير: إن ما يؤثر بنا بشكل خاص، هو موقف الجنرال الذي اتخذه عندما هوجم لبنان، وخاصة مطار بيروت من قبل الاسرائيليين، كيف أن ديغول وقتها لم يعترض فقط بالكلام ولكن بالفعل أيضاً، وفرض حظراً تاماً على الأسلحة المتوجهه لإسرائيل ودعم لبنان ضد احتمال اعتداء من قبل اسرائيل. كذلك نحن سعداء جداً لمعرفة أن هذه السياسة الديغولية لفرنسا كانت متينة، وهذا ما يجعل فرنسا حتى الآن تعتبر صديقة العالم العربي، صديقة للمسلمين كما للمسيحين.
نحن نقدر بشكل خاص الجنرال ديغول الرجل المؤمن صاحب الرؤية العريضة للأحداث وللتاريخ، نحن سعداء جداً الآن لأنه لدينا ديغوليين شبان من الجيل الثالث من المخلصين له. كذلك نأمل تماماً بأن تتمكن حركة المحرومين في لبنان من التعاون الفعلي مع حركة الديغوليين اليساريين في تحقيق مستقبل أفضل للجميع، أتمنى أن يقرِّب ما نفعله معاً الآمال التي أثرناها خلال هذه المقابلة.
* الإيمان باللّه لا يكون صحيحاً إذا لم يترجم بحب المحرومين.
* لا يوجد فرق بين الشيعة وغير الشيعة، المحرومون هم أنفسهم، كلهم أخوة.
* التعايش أحد مظاهر الحضارة اللبنانية... وعلى دعاة السلام في العالم المساعدة على نجاح هذه التجربة.
* إن جمال العالم يكمن في تنوع الشعوب والامم التي تكونه.
* "عدم الانحياز" – موازنة القوى المتخاصمة في العالم يخدم السلام والانسانية.
* للبنان دور مميز في الحوار الأوروبي العربي لبناء حضارة عالمية جديدة.
* نقدر الجنرال ديغول الرجل المؤمن، صاحب الرؤية العريضة للأحداث والتاريخ.
* كيف هو وضع لبنان، خاصة جنوب البلاد؟ كيف تصرف هؤلاء الجنوبيون الذين تعرفهم جيداً خلال الأحداث الأخيرة؟
- إن جنوب لبنان منطقة مميزة بتاريخها وجغرافيتها، لقد توالت على هذه الرقعة من الأرض خمس حضارات عالمية، التاريخ العالمي لا يزال يذكر الفينيقيين وعبقرية "اوقليدوس" الذين هم من عطايا لبنان الجنوبي، يذكرون أيضاً أن الأبجدية انطلقت من هنا .. لنتذكر أن أوروبا أخذت اسمها من أميرة من "صور" لحق بها شقيقها إلى الجهة الأخرى من البحر المتوسط حيث أقامت أخيراً وأعطت اسمها لتلك القارة الأوروبية. كذلك من المناسب الإشارة أيضاً إلى أنه قبل الاسلام وبعده، قدمت هذه المنطقة عدداً كبيراً من الأسماء المعروفة عالمياً على صعيد الثقافة والحضارة والعلوم.
كذلك لا يزال في الجنوب أثار للسيد المسيح، فهناك بلدة تسمى قانا، ونعتقد أن هذه القرية هي نفسها التي يطلق عليها الإنجيل "قانا الجليل". مع الاسلام، قدمت هذه الأرض مساهمة كبيرة على الصعيد الشرعي الديني، كما على الصعيد الأدبي، إنها منطقة أثرية كبيرة ولها أهمية سياحية كبرى.
جبالها أيضاً تجعل منها منطقة مهمة جداً استراتيجياً، ليس فقط لأن الشمس تشرق عليها مائتي وخمسين يوماً في السنة، ولأنها على ساحل البحر، ولكن أيضاً لأن مليارات الأمتار المكعبة من المياه تجعل من هذه المرتفعات قصر مياهٍ حقيقي جديرة بنشر الخصب في بلد أُعدَّ لذلك.
أبناء الجنوب، كبقية أبناء لبنان، مميزون بقدرة كبيرة على التحمل وبقوة كبيرة على الصبر، وقد زادتهم ظاهرة الهجرة انعاشاً. وهكذا نجد بينهم بالاضافة للعلماء التقليديين الكبار، عدداً كبيراً من الأشخاص ذوي الكفاءات العلمية الحديثة، وأنا أحب أن أشير إلى أحد شبابنا الذي يسمى بـ "عبقري الكهرباء"- لأنه يملك على الأقل ستة وخمسين شهادة في مجال الكهرباء - هذا الرجل هو أحد أوائل المهندسين الذين أوصوا باستعمال الطاقة الشمسية لتشغيل المحركات.
كان جنوب لبنان يتميز في بداية القرن بحياة زراعية غنية وكذلك بالهجرة والسياحة، ولكن منذ العام 1948، أي منذ أن تأسست دولة اسرائيل، أخذ القلق يسود الجنوب شيئاً فشيئاً• ولقد أنشأت على طول الحدود اللبنانية من الجهة الإسرائيلية منشآت زراعية وعسكرية• من جهة أخرى، كما نعلم، تخطت إسرائيل الحدود التي منحتها إياها الـ O.N.U كما وأن أكثر من 120.000لاجىء فلسطين مبعد من أرضه جاؤوا ليضخموا عدد سكان الجنوب اللبناني وخلقوا فيه هذا الشعور بعدم الأمان الذي أحدثك عنه.
منذ ذلك الوقت، أي بالتحديد من 1948 لغاية 1967 وطوال هذه الفترة كان الفلسطينيون شعباً مسالماً ينتظرون من المؤسسات العالمية والدول العربية ايجاد حل لمشاكلهم، بينما اسرائيل تزيد من اعتداءاتها• منذ هذه الفترة، تجمدت الحياة الزراعية وبقية مظاهر الحياة العادية في هذه المنطقة واضطر عدد كبير من الأهالي، خاصة الشبان، للهجرة، سواءً إلى افريقيا أو إلى الولايات المتحدة الإمريكية، أو إلى بيروت أو إلى بعض البلدان العربية، بعد العام 1967 وبفعل المقاومة الفلسطينية المسلحة، ازداد عدد الاعتداءات الاسرائيلية.
وهكذا هاجمت إسرائيل مناطق لا وجود فيها للفلسطينين أو للمقاومة الفلسطينية. حاولت إسرائيل أن تجعل من الجنوب نوعاً من الأرض المشتعلة.
وهكذا غرقت هذه المنطقة في ركود حقيقي، وسرعان ما أصبح نصف السكان نازحين، الجزء الأكبر منهم أقاموا مؤخراً في ضاحية بيروت. وبالإضافة للفقر، كان على هؤلاء الذين بقوا في أرضهم أن يواجهوا وضعاً نفسياً صعباً تحت وطأة الاعتداءات التي تتهددهم، والأسوأ من ذلك عندما تحاول إسرائيل أمام الرأي العام العالمي أن تبرر اعتداءاتها بوجود المقاومة في هذه المنطقة.
وهكذا لاحظ أبناء الجنوب أنهم ومنذ ثمانية أعوام باتوا ضحايا للاعتداءات دون أن يهتم أحد في العالم لأمرهم.
هذا أول عامل في التوتر الاجتماعي الذي يشعر به هذا الشعب المحروم.
* هل تمارس حربك السياسية من أجل الطائفة الشيعية التي أنت زعيمها الروحي أم من أجل كل الوطن اللبناني؟
- إن اهتمامنا الكبير بالمحرومين الشيعة ينطلق من إيماننا بالله، لأننا نعتقد بأن الايمان بالله لا يكون صحيحاً إذا لم يترجم بحب المحرومين. الوطن لا يمكنه البقاء في ظل اللاعدل الاجتماعي، لقد تحول منذ الحرب العالمية الثانية 63 بلداً إلى النظام الديكتاتوري بعد فشل الديمقراطية وذلك بسبب الوضع الاجتماعي.
من هنا يأتي جوابي على سؤالك، بالنسبة لي، لا يوجد فرق بين الشيعة وغير الشيعة، المحرومون هم أنفسهم، المحرومون كلهم أخوة.
من جهة أخرى، أسمح لنفسي أن أشير إلى أنني شخص مع 000،150 مناضل لبناني، نعمل على النضال كي لا يبقى في لبنان محروم واحد، شيعياً كان أو غير شيعي، إن حركتنا حركة انسانية وطنية ومنفتحة على أية حركة أخرى لها نفس الاتجاه في العالم. أضيف أن معظم المثقفين اللبنانين أظهروا دعمهم لحركتنا، وقد وقّع 199 مثقفاً لبنانياً من كل المناطق ومن كل الاختصاصات بياناً تأييدٍياً لحركتنا• أريد أيضاً أن أشير إلى أنه يوجد في الجنوب الذي يشغلنا، وكذلك في البقاع وضاحية بيروت، يوجد عدد كبير من السكان المسيحيين، وكذلك من الطوائف الإسلامية غير الشيعية.
* هل تعتقد أن المواجهات التي تكون حادة أحياناً بين الطوائف اللبنانية تضعف الأمل بالتعايش بين العرب واليهود في فلسطين؟
- أنا أعيش في عمق الوضع اللبناني، وبإمكاني أن أؤكد لك أن العنف الذي يظهر في هذا البلد منذ بعض الوقت ليس ذا طابع طائفي. عندما يقترب العنف من اتخاذ الطابع الطائفي بتأثير من أعداء لبنان، فإنه يتوقف تماماً، كي لا يتخذ هذا الطابع.
الصعوبات لها طابع اجتماعي، وتبدو من خلال عدد المحرومين الكبير، ومن خلال كون أولئك الذين يتمتعون بالامتيازات لا يريدون التخلي عنها.
الكثيرون من المسؤولين اللبنانيين ينعتون حركتنا بأنها حركة يسارية متطرفة بينما 90% من المحرومين الذين يشكلون حركتنا هم مؤمنون عاديون، وأيضاً مواطنون. هؤلاء المواطنون الذين يدعموننا يرفضون التقسيم الطائفي، إلا أنهم متمسكون جداً بحقوقهم ويناضلون من أجل الحصول عليها، لطالما كان لبنان بلد التعايش بين مختلف الطوائف الإسلامية، الروحية، الدينية، وسيبقى كذلك.
إنها إحدى مظاهر الحضارة اللبنانية، يجب أن نلاحظ أن إسرائيل قد شنت حرباً نفسية حقيقية في وجه البلد، وذلك بجعلها الجنوب أرضاً مشتعلة، وبإرغامها الأهالي على الهجرة ومغادرة هذه الأرض وهكذا تستمر اسرائيل بتفجير لبنان.
وبرأيها يجب "إفشال تجربة التعايش اللبناني وتبرير مبدأ الوجود العنصري على هذا النحو". لهذا السبب يجب على كل دعاة السلام في العالم المساعدة على نجاح التجربة الاجتماعية اللبنانية.
* كيف ترى مستقبل الحوار الأوروبي-العربي؟ أي دور ايجابي يمكن أن يلعبه لبنان برأيك من أجل المساعدة في نجاح هذا الحوار؟
- أعتقد أن هذا الحوار بين أوروبا والعرب ينبعث من عمق التاريخ وأن عليه الاستمرار. لا ننسى أن المسيح، في رسالته التي يؤمن بها العدد الكبير من الأوروبيين، جاء من الشرق، والتأثير المتبادل بين الشرق العربي والغرب الأوروبي ثابت عبر العصور، وقد ظهر مراراً بطريقة أو بأخرى، حتى إن الفترات المؤلمة كفترات الحروب الصليبية كانت الأكثر (خصباً) من خلال مد جسر بين الحضارة العربية والحضارة الأوروبية• أما بالنسبة للمستقبل، من المؤكد أن هذا الحوار الذي هو تبادل خبرات يجب أن يتمكن من بناء حضارة عالمية جديدة ونحن متأكدون من أنه يجب على لبنان أن يساهم فيه بقوة، وذلك لعدة أسباب:
الأول: هو أن الحوار الأوروبي العربي يحمل نوعاً ما في ثناياه الحوار الإسلامي المسيحي، ولبنان بالذات غني بهذه التجربة، فليس من العبث التذكير بأنه منذ العام 1963 أي قبل أن يطلق مجمع الفاتيكان المسكوني الثاني النداء الذي نعرفه، كان الحوار الإسلامي المسيحي قائماً هنا. لقد نظمت الندوة اللبنانية سلسلة ندوات مشتركة حول المشاكل العقائدية وأيضاً حول العدالة الاجتماعية.
الثاني: لإثبات الدور المميز للبنان في الحوار الأوروبي العربي نشير إلى وجود أربع جامعات أجنبية في هذا البلد، ذلك لأن الثقافة الأوروبية مزدهرة فيه، ولأنه يوجد أعداد كبيرة من اللبنانيين النشطين جداً في أوروبا ... كل هذا أيضاً يضاف إلى طبيعة النظام اللبناني الديمقراطي الذي يسمح لكل الفئات بالتعبير عن نفسها وبالمشاركة بالتأثير المتبادل، هناك سبب إضافي أريد أن أذكره، إنه التأثر المميز للبنان بالقضية الفلسطينية. من جهة أخرى أنت تعلم أن قضية القدس قضية أساسية وتهم الرأي الأوروبي والغربي كما تهم رأي العالم العربي والإسلامي ومن هنا يمكننا القول أنه مقابل لبنان، البلد المسيحي إلى أبعد حد، فإن فلسطين "مدعومة من قبل المقاومة اللبنانية، وهي كبلد وحيد يجمع بطريقة متساوية المسيحيين واليهود والمسلمين ويشكل المثال الأقرب للتجربة اللبنانية.
* ما رأيك بعدم الانحياز؟
- في الواقع، إنه أفضل وسيلة لتأمين السلام في العالم، إن دعم السلام في العالم هو في الواقع دعم لعدم الانحياز، إن عدم الانحياز هو الذي يمنع العالم من أن ينقسم إلى معسكرين منفصلين تحت خطر دائم بسبب أن عدم الانحياز لم ينجح بعد بتشكيل قوة ثالثة قادرة على موازنة القوى المتخاصمة في العالم. من المهم أن تتمكن دول عدم الانحياز من الاجتماع بشكل موازٍ للتجمعَيْن مجتمعَيْن.
إن جمال العالم يكمن في تنوع الشعوب والأمم التي تكونه بينما انقسامه إلى مجوعتين يجعله يخسر هذه التنوعية وبنفس الوقت يخسر جماله، ولهذا نحن نعتقد أن النضال من أجل عدم الانحياز يخدم السلام والإنسانية.
* ما رأيك بـ"الديغولية" وبالجنرال ديغول؟
- إن صورة الجنرال ديغول بنظرنا نحن أهل الشرق، هي صورة رائعة جداً.
أولاً: نحن لا ننسى أبداً الدور الذي لعبه في الحرب العالمية الثانية، وكيف ثار، كيف دفع النضال حتى النصر. بالنسبة لنا، إنه يشكل النضال من أجل الحق الحقيقي، من أجل الحقيقة، النصر الذي تحقق انطلاقاً من لاشيء .. ثانياً: هناك شيء آخر في نبل الصورة التي يحتفظ بها الشرق للجنرال ديغول، إنها الطريق التي سمح بها للشعب الجزائري باكتساب استقلاله بالرغم من أنه ليس في مصلحة فرنسا.
ومن جهة ثالثة: إن ما يعجبنا فيه، هو ديغول الثوري، إنه رفضه ربط فرنسا بأحد المعسكرين الكبيرين.
الأمر الرابع والأخير: إن ما يؤثر بنا بشكل خاص، هو موقف الجنرال الذي اتخذه عندما هوجم لبنان، وخاصة مطار بيروت من قبل الاسرائيليين، كيف أن ديغول وقتها لم يعترض فقط بالكلام ولكن بالفعل أيضاً، وفرض حظراً تاماً على الأسلحة المتوجهه لإسرائيل ودعم لبنان ضد احتمال اعتداء من قبل اسرائيل. كذلك نحن سعداء جداً لمعرفة أن هذه السياسة الديغولية لفرنسا كانت متينة، وهذا ما يجعل فرنسا حتى الآن تعتبر صديقة العالم العربي، صديقة للمسلمين كما للمسيحين.
نحن نقدر بشكل خاص الجنرال ديغول الرجل المؤمن صاحب الرؤية العريضة للأحداث وللتاريخ، نحن سعداء جداً الآن لأنه لدينا ديغوليين شبان من الجيل الثالث من المخلصين له. كذلك نأمل تماماً بأن تتمكن حركة المحرومين في لبنان من التعاون الفعلي مع حركة الديغوليين اليساريين في تحقيق مستقبل أفضل للجميع، أتمنى أن يقرِّب ما نفعله معاً الآمال التي أثرناها خلال هذه المقابلة.