المقاطعة سلاح أقوى

calendar icon 02 أيلول 1977 الكاتب:موسى الصدر

حاوره امين السباعي
*إن السياسات الدولية كانت تريد أن يكون الجنوبي هو المدخل للتعايش العربي - الاسرائيلي.
*السلاح الأقوى في يد العرب ضد اسرائيل هو سلاح المقاطعة ولا يحق لأحد أن يسقط هذا السلاح وحده.
*في الجنوب لم يسقط الجنوبيون سلاحهم ولم يسقطوا جبهتهم.
*إن المسيحيين لم يخرجوا عن الوطن ولم يسقطوا سلاح العرب أمام العدو الاسرائيلي.
*محنة الجنوب هي في غياب الترابط بين المواطن والدولة - غياب الأمن والخدمات و...
*محنة الجيش اللبناني هي أنه كان يفتقد للقضية الوطنية والاحساس بها.
*إن السافاك تتحرك بتوجيه من بعض السياسيين اللبنانيين من خلال خلق المحاور والتحريض.
*إن الربط السياسي بين شيعة لبنان وأي بلد آخر خطر كبير، بل خطيئة.


بعد طول انقطاع تلاقى الامام موسى الصدر ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية أبو عمار في مهرجان تأبين الدكتور علي شريعتي، فقامت أزمة بين لبنان وايران تداركها وزير الخارجية فؤاد بطرس بالتي هي أحسن في هذه الظروف...

وهكذا عاد الامام الى قلب الأحداث من جديد بالاضافة الى رحلاته بين بيروت ودمشق من أجل تطويق الموقف في الجنوب...

في سهرة رمضانية قضتها "الحوادث" عند الامام كان هذا الحديث الذي لا يقل فيه ما بين السطور أهمية عن السطور... نفسها.

*سماحة الامام، في مثل هذه الظروف الصعبة يأتي الحديث عن جنوب لبنان دائماً في المقدمة والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح في هذه المرحلة هو: هل قُضي على أبناء الجنوب أن يحاربوا عن العرب، كل العرب؟ وهل كُتب على الجنوب أن يدفع الثمن الكبير في حرب المنطقة؟
رفع الامام عمامته عن رأسه ووضعها جانباً والتفت الى صاحب "الحوادث" سليم اللوزي وقال:

- في الواقع إن الشيء الذي أريد أن أغتنم هذه الفرصة لأقوله كَتَمَنٍّ على مجلة "الحوادث" هو أن الجنوب مرت عليه فترة تعرض فيها للتعتيم الاعلامي ثم تركز الاعلام عن الجنوب في الوقت الحاضر على تصوير معالم المأساة التي يعاني منها، من التشريد الى القتل، الى التدمير الى نسف البيوت الى قصف المدارس، الى نشر موجة النزوح، الى محاولة إشاعة اليأس، وهذه كلها وقائع صحيحة، ولكن يجب أن نعترف أن الجنوبي الى جانب معاناته أثبت بطولته في الصمود لأن السياسات الدولية كانت تريد أن يكون الجنوبي هو المدخل للتعايش العربي – الاسرائيلي. والسلاح الأقوى في يد العرب ضد اسرائيل هو سلاح المقاطعة، فهو يجعلها جسماً غريباً في المنطقة. هذا السلاح كاد يسقط بسبب التعامل الحياتي الذي قام في الجنوب وفُرض على الجنوبي بالسلاح وانقطاع وسائل المعيشة وفتح المستوصفات وقفل الطرق وبقية الوسائل الأخرى. فرض على الجنوبي التعامل لكنه فرْض رُفض، اذ عندما وجد ابن الجنوب المقيم في قرية كقرية العديسة نفسه منقطعاً عن العمق اللبناني ومضطراً لمواجهة إلزامية التعامل مع اسرائيل خرج من قريته لكي لا يتعامل معها، وهذا موقف بطولي. وإني أتمنى على مجلة "الحوادث" أن تقف عند هذه البطولة وخاصة أن الكثير من البطولات التي يكتب عنها هنا وهناك وفي مناطق أخرى ليست بالبطولات الحقيقية. في الجنوب لم يُسقط الجنوبيون سلاحهم ولم يُسقطوا جبهتهم مع العلم أنه في ظل المأساة التي يعيشونها كان يمكن لهم لو ضعفت نفوسهم أن يستسلموا للعدو.

*لكن فريقاً منهم استسلم بطريقة أو بأخرى.
- عدد هؤلاء نادر جداً.
*مجلة "تايم" الأميركية نشرت معلومات عن الجنوبيين الذين تعاونوا مع اسرائيل وقالت إن التعامل اللبناني مع اسرائيل لم يقتصر على المسيحيين بل شمل أيضاً فريقاً من المسلمين، وهذه معلومات مهمة اذا صدقت.
- أنا لا أنكر أن بين الجنوبيين فئات مختلفة وعناصر قليلة اختارت فريقاً غير الفريق الوطني، ولكن هذه الطريقة كانت مستنكرة وشاذة لأنها لم تكن طريق الناس. هذا بالنسبة للمسلمين، أما بالنسبة للمسيحيين فحسب خبرتي ومعلوماتي أؤكد لك أن القرى المسيحية الجنوبية لم تكن أقل صموداً في وجه اسرائيل من القرى الاسلامية، وقد فرض عليها مؤقتاً عندما دخلها المسلحون وكانوا يدّعون أنهم من الجبهة اللبنانية أن ترضخ. وقد تأكدت من القيادات المسيحية كالرئيس سليمان فرنجيه والشيخ بيار الجميل أنهم لا يوافقون على هذا الاتجاه ولا يقبلون بهذا السلوك الذي اتبعه المسلحون ولا بالجو الذي فرضوه. هناك بعض العسكريين كفلان وفلان وغيرهما، باعوا أنفسهم لاسرائيل. وفي كل شعب هناك خونة، إنما المسيحيون لم يخرجوا عن الوطن لم يسقطوا سلاح العرب أمام العدو الاسرائيلي. وبمجرد دخول الجيش اللبناني ستهدأ الأوضاع وسيبقى الجنوب صامداً. هذا بالنسبة للوضع العام. أما على صعيد الوضع الخاص فإنني أتابع المقالات التي تكتب في مجلة "الحوادث" وأعرف أن تحسن الوضع في الجنوب بحاجة الى موافقة كل الأطراف بما في ذلك الطرف الاسرائيلي. ولبنان يعالج الموقف الاسرائيلي عن طريق الاتصالات التي يجريها مع الأصدقاء ومنهم أميركا. وبتصوري أن جبهة الجنوب لو اعتبرت جبهة كل العرب لكان من الممكن أن يفرض على اسرائيل دخول القوات اللبنانية الى الجنوب، ولما كانت السلطات اللبنانية مضطرة لمعالجة المواقف العسكريّة معالجة حذرة وخجولة. حذرة من إقدام اسرائيل على تفجير الوضع في الجنوب وغير الجنوب، وخجولة من أن تكون مضطرة للحصول على موافقة العدو عبر الأصدقاء على إرسال قواتها الى أراضٍ لبنانية، وسبب ذلك كله هو ترك لبنان وحده في الساحة. لبنان الذي لم يبقَ له شيء بعد حرب السنتين لا القوة ولا الجيش ولا الديبلوماسية ولا غيرها من مقومات المواجهة. وأنا أعتقد أن العرب لو وضعوا استراتيجية واضحة من أجل الجنوب لكانت الصورة مختلفة عما هي عليه اليوم.

*هل يمكن أن ندخل في تفاصيل ما تتحدث عنه؟
وأقبلت النارجيلة التي هي من هوايات الامام، فتناول نربيشها وقال:
- محنة الجنوب في الدرجة الأولى محنة السلطة الشرعية وغياب الأمن وغياب الخدمات، وهو غياب يؤدي الى غياب الترابط بين المواطن والدولة، وهو وضع خطر نرجو أن لا يصل وأن لا يؤدي الى غياب الولاء للدولة.

ثم أطلق سحابة دخان في الهواء وقال:
وغياب السلطة في الجنوب جعل الوضع غامضاً وضائعاً، والمشكلة الاجتماعية والاقتصادية والبشرية والأمنية والسياسية معقدة، وجعل الدولة غير متمكنة من معرفة حقائق الموقف بكاملها. وحول المعالجة الى عملية اكتشاف جوانب المشكلة اكتشافاً، ورسم السياسة على طريقة شم بعض معالم الأزمة أو العثور عليها بالصدفة. والخطوة الأولى في طريق الحل تأتي عن طريق دخول الجيش اللبناني الى الجنوب. وكل ما يقال عن تقسيم الجنوب أو عن إسكان الفلسطينيين فيه أو عن سرقة اسرائيل لمنابع المياه ومجاريها كلها حدسيات وتخمينات لا أساس لها. لبنان لا يزال لبنان الشرعي الذي يستطيع أن يمسك بالوضع في الجنوب لا عن طريق المعالجات الخيالية بل عن طريق الولوج من المدخل الطبيعي وهو إرسال الجيش الى هناك.

*ولكن يبدو يا سماحة الامام أنه بعد مرور عشرة أشهر على وقف القتال، بأن بناء القدرة الأمنية للدولة يعتبر أمراً متعسراً. صحيح أن السلطة تبذل جهوداً غير عادية لتجميع بعض العناصر داخل الجيش الا أنها لم تتمكن بعد من تحقيق هذا الهدف وكأن هناك قوى لا تريد لهذه الخطوة أن تنجح.

وهنا لمعت عينا الامام وقال:
- أرجو أن لا تعتبرني جنوبياً مغالياً. أعتقد أن إعادة الأمن الى لبنان وتكريس السلام بمعزل عن منطقة الجنوب مستحيل، ومهما حاولت السلطات بمقتضى قانون "ما لا يدرك كله لا يترك جله"، وهو المثل الفقهي المعروف، ومهما أرادت السلطة أن تحل كل المشاكل في لبنان ما عدا الجنوب، فإنها لن تتمكن من ذلك. وبعيداً عن التعتيم هناك حقيقة لا يمكن تجاهلها هي أنه لو أدخلنا الجنوب ضمن خريطة الحرب والسلام والإعمار فإن مسيرة السلام في لبنان ستكون أكثر عمقاً وإن كانت أكثر بطئاً، والسبب أنه مع وصول السلطة الشرعية الى الجنوب، وبتعبير آخر، مع تعميم أو تغطية السيادة جميع الأراضي اللبنانية لا يبقى عذر للمسلحين في عدم الخضوع للسيادة الشرعية اللبنانية.

*جبهة المحافظة على الجنوب ولدت هنا في هذه الدار وقامت بتقييم الوضع في الجنوب من كل جوانبه وبالاتصال بجميع الفرقاء دون استثناء، وبعد ذلك خرج النائب محمود عمار، وهو عضو فيها، يهدد بإعلان وإذاعة اسم الطرف الذي يمنع تنفيذ اتفاق شتورة في الجنوب. فهل يمكن شرح أبعاد هذا الموقف لنا باعتباركم "عراب الجبهة"؟
قال مبتسماً:
- بالنسبة للجبهة الوطنية للمحافظة على الجنوب كنت واسطة أو "عراب" التقاء هذه المجموعة من السياسيين والجنوبيين المعنيين بالأمر وتمنيت عليهم تحمل مسؤولياتهم وهم يباشرون ذلك ويضعونني في الجو. وإلا كان عملهم عملاً مستقلاً وليس عملاً للمجلس الشيعي.

بما يخص تسمية المعرقل، ليس لدي فكرة عما قصده النائب عمار، ولكني أعرف أن عمار ضمن الجبهة يشكل واحداً من أعضائها وليس محمود عمار الذي تعرفونه خارج الجبهة حتى نقول إنه لأنه يميني يهدد اليسار. وفي حدود معلوماتي، هناك عناصر ثلاثة في الجنوب مترابط بعضها ببعض مسؤولة عما يجري، ولكل منها عذره: الفلسطينيون، الجبهة اللبنانية والشرعية اللبنانية. وكل عنصر من هذه العناصر بحجة الخوف من الطرف الآخر يحاول أن يمسك الأوراق التي بيده، وبالتالي تدور كل هذه العناصر في الحلقة المفرغة. ولذلك فإن المفروض بالسلطة الشرعية في البداية أن تأخذ المبادرة وتحدد ما المطلوب من العنصرين الآخرين.

*ما المطلوب من الفلسطينيين؟
- أنا باتصالاتي الخاصة مع سوريا أعرف أنه منذ اجتماعات شتورة ليس هناك شكوى من تصرف الفلسطينيين حتى في الجنوب، وأمس سألت الوزير عبد الحليم خدام خلال اجتماعي به في دمشق فقال إنه من خلال معلوماته وحديثه مع وزير خارجية لبنان الأستاذ فؤاد بطرس متأكد من أن الأمور تسير سيراً حسناً. والحوار الذي أشرنا اليه في البداية يأتي من معرفة موقف اسرائيل. واسرائيل تعتمد في تحركاتها التخريبية واحدة من ثلاث وسائل: إما تحريض بعض الجنوبيين على البعض الآخر، وإما إرسال عملاء للقصف والتخريب وإلقاء المتفجرات، أو التدخل المباشر بالقصف والعمليات العسكرية لإرهاب السكان ودفعهم نحو النزوح. ودور اسرائيل خطر في الجنوب، هذا ما يجعل السلطة حذرة في إرسال الجيش اللبناني الى الجنوب. وهذا الأسبوع تؤكد الدولة أن إرسال الجيش اللبناني الى الجنوب أصبح ممكناً لأن الأجواء أصبحت مهيأة لذلك.

ثم تابع الامام الصدر يقول:
إن اسرائيل تحرض فئات من الشعب وبعض العناصر من الجيش لخلق المزيد من المشاكل، إلا أنني متأكد من أن الجيش الذي سينتقل الى الجنوب، ويشعر أن له قضية هي إنقاذ الوطن، سوف يكون جيشاً متماسكاً وليس جيشاً منقسماً. إن محنة الجيش اللبناني هي أنه كان يفتقد القضية الوطنية والاحساس بها.

*بالمناسبة ما القوى المتصارعة المسلحة وغير المسلحة في الجنوب؟
- في الجواب عن هذا السؤال يجب الوقوف أمام نقاط مهمة ودقيقة للغاية:
الأولى - العدو الأساسي في الجنوب هو اسرائيل، والسلاح الوحيد في وجهه هو سلاح المقاطعة، وهذا أمضى سلاح لدى العرب في رأينا ولا يحق لأحد أن يسقط هذا السلاح وحده، بل البت بعدم استعمال السلاح. هذه هي مهمة العرب مجتمعين. وقد كان الجنوبيون أمناء على حفظ السلاح هذا، رغم أن الحدود اللبنانية - الاسرائيلية كانت سائبة ربع قرن، والمغريات والمرعبات كانت كثيرة وهذا موقف يدعونا، كما قلت، لاحترام الجنوبيين.

ثم أضاف: وفي الحرب اللبنانية وقبلها كانت عناصر مختلفة فلسطينية ولبنانية تخلق متاعب للناس، وتبين في ما بعد أن إقلاق الجنوبي وخلق مضايقات حياتية للمواطنين هو جزء من السلاح الاسرائيلي لإسقاط السلاح العربي - المقاطعة - وقد كانت اسرائيل تتقن استعمال هذا السلاح وخلقت شكوكاً وتوتراً وعدم ثقة بين الفئات اللبنانية، ثم استثمرت اسرائيل بأبشع صورة هذا التوتر النفسي الذي حصل بين اللبنانيين، وبينهم وبين الفلسطينيين وبين الفلسطينيين أنفسهم.

وتهيأ الجو في الجنوب لإرسال مسلحين الى القرى المسيحية وجرى ما سبق ذكره. وكان المطلوب أن يقف الجنوبي الغاضب المتألم مع المسلحين هؤلاء لضرب المقاومة الفلسطينية.

وهنا وقف الجنوبيون مرة أخرى بصمود ووعي نادرين ودحضوا هذه المؤامرة وبقي المسلحون وحدهم، ولم يتورط أحد في الوقوف مع اسرائيل ومع المسلحين صفاً واحداً.

الثانية - رغم وقوف الناس، جميع الناس مسلمين ومسيحيين (عدا المسلحين الذين جاءوا من بعيد)، في وجه إسرائيل، إلا أن المواقف كانت مختلفة، فالشعب رغم عدم تعامله المطلق مع اسرائيل، وعدم قبوله القاطع بتصفية المقاومة، كان يعترض على تصرفات بعض المنظمات وعلى عدم حاسمية القيادة تجاهها.

كان يصر على حماية المسيحيين في المنطقة وعلى رفض سلوك الأحزاب في الضغط على الناس وتحضير الأجواء النفسية لمخططات اسرائيل ولا يزال بعض الأحزاب والأمن الشعبي في بعض المناطق تعتبر في سلوكها معادية للناس مسهلة لمهمة اسرائيل.

حاول بعض الزعامات الوقوف مع المسلحين ولكنها لم تنجح في ذلك. بعض الأحزاب والمنظمات بتطرفها كانت تغطي سلوك عناصرها المشبوهة ولا يستبعد كون هذه العناصر مدسوسة بينها. وكان موقف منظمة أمل واضحاً في العلاقات اللبنانية - الفلسطينية رغم الضغوط الكثيرة التي تعرضت لها. فلبنان وجنوبه يجب أن يُحفظا، والوعي في الجنوب وحده يدحض مؤامرات العدو، والتشنج يساعده.

الثالثة - في البداية كانت القرى المسيحية التي دخل المسلحون فيها تقف موقفاً دفاعياً إلا أنها في ما بعد بدأت تتجاوز على القرى الأخرى وحصلت مجازر في حانين وفي الخيام جعلت الناس تقف منهم موقفاً عدائياً سيما بعد أن فرضوا على القرى التي يسيطرون عليها أن تتعامل مع إسرائيل.

هنا وقف الناس ومنظمة أمل للدفاع ولمنع الزحف وتجمد التقدم واستمر القصف.

الرابعة - إن القصف الاسرائيلي في الوقت الحاضر رهيب للغاية ولم يسبق أن حصل سابقاً مثله، مما أدى الى التهجير الجماعي وتفريغ المنطقة من السكان. ومن المحزن أن المناورات السياسية والبيانات وتبادل التهم بين القوى المتصارعة تستمر، مع العلم أن تفريغ الجنوب من السكان انذار وخطر على الجميع دون استثناء ولا يمكن تخفيفه بطرح المسؤولية وتبادل التهم، بل يجب علاجه بدقة وبلقاءات مخلصة لأن اليد الاسرائيلية التي تتدخل قادرة وتستفيد من أي فرصة ومن غياب السلطة.

وهنا نقول: "إن الفلسطينيين والشعب اللبناني في الجنوب والأحزاب والقوى اليمينية واليسارية والسلطة اللبنانية والعرب جميعاً بدأوا يتضررون بالتساوي ودون فرق أبداً".

العرب يفقدون سلامهم، ولبنان لا يصل الى سلام، واليمين يتورط أكثر ويتحمل مسؤولية المهجرين القادمين، واليسار يفقد قاعدته ووطنه والفلسطينيون يخسرون كل شيء.
ولذلك فإن القوى المتصارعة أصبحت اليوم في الجنوب شريكة في المحنة والمصيبة.

*قبل أن نترك الحديث عن الجنوب لا بد من التوقف عند معلومات نشرتها "الحوادث" في عددها الأخير وتقول: إن السيد هاني الحسن قال لبعض السياسيين اللبنانيين خلال جولته الأخيرة عليهم إن المقاومة رفضت عرضاً بإقامة وطن فلسطيني في جنوب لبنان، ولم يقل من هو صاحب هذا العرض، وهذا يعني أن هناك جهات تفكر فعلاً بالوطن البديل وتضع عينها على الجنوب، وأن الأمر ليس مجرد تكهنات وتمنيات.
- إذا كان هناك فعلاً من عروض فهي عروض اسرائيلية لأن مشروع أو مشاريع الوطن البديل هي مشاريع اسرائيلية وقد سمعت بذلك منذ أربع سنوات فكشفته فوراً في محاضرة ألقيتها في كلية الحقوق في الجامعة اللبنانية، ثم قابلت كبار المسؤولين العرب فأكدوا لي عدم طرح هذا المشروع على بساط البحث لا على الصعيد العربي ولا على الصعيد الدولي. قد يكون هناك عرض اسرائيلي غير مباشر مقدم الى بعض الأطراف، ولكن هذا العرض لم يكن على الإطلاق لا لبنانياً ولا عربياً ولا حتى دولياً.

*منذ أيام أعلن الفلسطينيون وأكدوا استعدادهم للانسحاب من الجنوب وحصر وجودهم في العرقوب، وأمس واليوم توفرت معلومات عن تدفق المزيد من الأسلحة الى منطقة الجنوب وخاصة الى السواحل الجنوبية حيث أنزلت كميات منها على شاطئ القاسمية، وهذا يدل على أن الاتفاق الذي توصلت الأطراف اللبنانية والفلسطينية إليه، بإشراف ومشاركة سوريا، معرض لنكسة فكيف تنظرون الى هذا الموضوع؟
- في الواقع أنا شخصياً لا أعرف عن صفقات الأسلحة وتدفقها شيئاً. ولكن المحتمل أن مسألة وصول الأسلحة الى الجنوب تعود الى التوتر الجديد في الوضع اللبناني حيث أن هناك معلومات عن مخيمات تدريب وشراء أسلحة وعن مناورات فعلية في مختلف المناطق وتخريج دفعات من القادرين على حمل السلاح. وقد جعلتني هذه المخاوف أنتقل الى سوريا يوم الأربعاء الماضي، ومن سوء حظي لم أجتمع بالرئيس حافظ الأسد لوجوده آنذاك في اللاذقية، فالتقيت بوزيري الخارجية والإعلام وبعض كبار العسكريين وبحثنا كل هذه الأمور، وبإمكاني أن أقول إني وجدت اطمئناناً وثقة لدى المسؤولين السوريين بالنسبة الى احتمالات الانفجار في لبنان. لذلك أقول: لا يمكن لأحد أن ينفي وصول سلاح جديد الى المناطق المختلفة، ولكن مع وصول الجيش اللبناني الى الحدود وتغطية السيادة على الأراضي اللبنانية كافة ستعالج مشكلة السلاح مع مشكلة المسلحين والقيادات المسلحة والتصريحات المسلحة.

*هل يمكن معرفة المرتكزات التي يقوم عليها الاطمئنان السوري للموقف؟
- في الواقع إن كبار المسؤولين في سوريا تعود ثقتهم الى اتصالاتهم المباشرة مع قادة الجبهة اللبنانية ومع القيادات الفلسطينية، ودائماً يتذكرون تعهدهم والتزامهم بمنع تقسيم لبنان، ومنع عودة الحرب الأهلية الى لبنان من خلال عدم السماح لفئة لبنانية بأن تنتصر على فئة لبنانية أخرى، وعدم السماح بتصفية الثورة الفلسطينية. وبكلمة، يمكنني أن أضيف أن السلطة الشرعية اللبنانية أيضاً تشارك السلطة السورية في هذا الاطمئنان، أما القلق الوحيد فمصدره موقف اسرائيل وتحريضها وتشجيعها واستعمالها الوسائل المختلفة لإعادة تفجير الموقف، ومن الطبيعي أن إمكانية التلاعب الاسرائيلي لا تبلغ درجة استصدار قرار سياسي من الجبهة اللبنانية أو من المقاومة الفلسطينية بالحرب ولذلك فإن المشاكل والانفجارات الجزئية في مختلف المناطق كما نشاهدها اليوم قائمة وقابلة للعلاج.

*وتوجه الأستاذ سليم اللوزي الى الامام الصدر قائلاً:
التفاؤل ضروري لكننا نطفو على سطح الماء في الوقت الذي نحتاج فيه الى النزول الى الأعماق. والأعماق هي أن الساحة العربية غير متماسكة، والتمحور العربي، في حدود معلوماتي، ينعكس الآن على الأرض اللبنانية، ولا أتصور أن في استطاعة الشرعية اللبنانية أن يكون لها دور كبير في إنهاء هذا التمحور. فهل في استطاعة سماحة الامام أن يتفاءل بقدرة السلطة اللبنانية رغم هذا الواقع؟
وعالج الامام الصدر في جو من التفكير العميق تنباك نرجيلته وقال:
- "إنها رؤية واقعية هذه التي أسمعها من الأستاذ سليم، ولكن إمكانية السلطة اللبنانية مع الاستجابة العربية أو التفويض العربي الذي حصل في الرياض والقاهرة ولم يحصل ما يثبت ضده، بالاضافة الى موقف سوريا من خلال قوات الردع، ومن خلال الاتصالات السياسية التي تمارسها السلطة السورية بين حين وآخر مع الأطراف، تضعنا أمام صورة أفضل. ثم إن لبنان أعطى قسطه في المحنة، والآن ماذا يمكن أن يعطي للمشكلة لتصاعدها أو لحلها. هل بقي للبنان شيء يعطيه للعرب أو لإسرائيل أو للسياسة الدولية. أنا لا أرى ذلك.

*في الماضي كانت المعركة معركة تحجيم المقاومة أو القضاء عليها وانتهت المعركة بالتحجيم، الآن هناك هدف آخر هو تحجيم الرفض السوري لنوعية الحلول السلمية المطروحة.
- أمام هذا التساؤل أنا أسأل: إذا كان هناك من إرادة لتحجيم الرفض السوري أو انتزاع البقية الباقية من الأوراق التي يملكها الجانب السوري؟ السؤال هنا: من هو الطرف المتواجد في الساحة اللبنانية لكي يقوم بهذا الدور، هل هم الفلسطينيون؟ هل هي الجبهة اللبنانية أم هو الصف الوطني كما كان يسمى يوم اجتماع دار الفتوى الموسع؟

ان الإنسان المراقب يرى أن سوريا حتى الآن محتفظة بدرجة كافية من العلاقات ومن معادلة القوة يحولان دون أن يكون أي واحد من هذه الأطراف الثلاثة يلعب الدور الوطني، مع العلم أن محاولات مضنية تجري بهذا الخصوص للوصول الى هذا الهدف.

*أغفلت، يا سماحة الامام، جانبين مهمين: الجانب الأول هو فراغ السلطة الذي يشكل المدخل الحقيقي للأخطار، والجانب الثاني سوء الحسابات وتصور كل فريق من الفرقاء الذين ذكرتهم، والفرقاء الذين لم تذكرهم سماحتك.
- لا شك أني أعتبر أن هذا السؤال من قبل رجل يرى الأفق، أفق سليم اللوزي، هو النصيحة وهو التفكير وهو الجواب "شو بدي أقول لك".

*وشو بدنا نرد نحن، لذلك يستحسن الانتقال الى جانب آخر من هذا البحث ونتحدث عن طبيعة علاقتك بإيران.
وتدخل مدير التحرير ريمون عطا لله وقال: "قبل أن نتحدث عن ايران خلينا نحكي شوي عن الجيش". حتى الآن ما زال العسكريون اللبنانيون الذي يتعاملون مع اسرائيل في الجنوب يتقاضون رواتبهم الشهرية من وزارة الدفاع، وقد بعث الضابط سعد حداد بكتاب الى السلطات اللبنانية قال فيه إنه هو الذي يمثل السلطة الشرعية في الجنوب، وإنه إذا كانت هناك من مفاوضات فيجب أن تجري معه، وإن بإمكانه أن يتفاهم مع بقية الأطراف على شروط الحرب.

وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يتخذ إجراء معين كأن يقال مثلاً إن العسكريين الموجودين في الجنوب هم طلائع الجيش اللبناني، أو أن يستبدلوا أو تستبدل قياداتهم بقيادات أخرى. إن سعد حداد يملك كتاباً من قائد الجيش اللبناني السابق العماد حنا سعيد بتعيينه قائداً لمجموعة القليعة أو القطاع.

- ان المذكرة التي أعطت الذريعة لسعد حداد ببعض التصرفات صادرة عن قائد الجيش السابق العماد حنا سعيد. وفي درجة التسلسل الشرعي يأتي وزير الدفاع فوق قائد الجيش، ومن فوقه مجلس الوزراء ثم رئيس الجمهورية، ويأتي الدستور اللبناني فوق رئيس الجمهورية وفوق الآخرين أيضاً، فإذا كانت مذكرة العماد حنا سعيد لسعد حداد تتناقض مع الدستور ومع صميم المصلحة الوطنية العليا فأية قيمة للمذكرة تلك؟ أما الحقيقة فإن هذه المذكرة وأمثالها في الطرف الآخر قد أهملت من قبل قيادة الجيش الشرعية الحالية بانتظار العلاج الشامل الذي لا يمكن أن يكون على يد سعد حداد بعد مجازر حانين ويارين والخيام، وبعد خطبته الشهيرة في تلفزيون اسرائيل.
إذاً، الشرعية والواقعية معاً ترفضان المذكرة السابقة والرسالة اللاحقة ويبقى الحل هو الحل الذي يمارس الآن، الحل الحذر الخجول الذي أشرنا اليه، والحل الآخر الذي تمنيناه وهو الحل العربي الموحد وعدم ترك لبنان وحده في هذا البحر الهائج.

*قبل سعد حداد كان هناك الملازم أول غسان حمصي والملازم بوقتيت وقد اتهما بنفس الاتهامات ثم نقل غسان حمصي في بعثة الى الخارج ونقل بوقتيت الى وزارة الدفاع.
- لا أعرف.

وعاد نائب رئيس التحرير وليد عوض الى طرح السؤال عن قضية العلاقة بين الامام الصدر وايران. وقال له:
*موقف سماحة الامام، هل هو ضد الحكومة الايرانية أو الشاه؟ قيل إن تاجراً ايرانياً اسمه لطفي ومقرب من بلاط الشاه حمل مساعدة لكم.

- وقال الامام الصدر: غير صحيح.
ثم أضاف متابعاً: أنا لست معارضاً لأحد وليس بيني وبين أحد خلاف. إن هموم وطني والمنطقة التي أحمل جزءاً من مسؤوليتها وهي الجنوب، إن هذه الهموم تشغلني حتى عن واجباتي البيتية ومسؤولياتي في شهر رمضان، فكيف في العلاقات الدولية والمسائل السياسية هنا وهناك. إن القضية هي رغبة المخابرات العسكرية الإيرانية "سافاك" في الشرق الأوسط والتي يرأسها سفير ايران في بيروت وهو ضابط مخابرات برتبة عميد، إن هذه المؤسسة تتحرك بتوجيه من بعض السياسيين اللبنانيين ومن غيرهم حتى تجعل من الطائفة الشيعية طائفة مرتبطة بإيران سياسياً، ولأني أرفض هذا الترابط وأعتبره خلاف مصلحة طائفتي ووطني وخلاف مصلحة ايران أيضاً، تقوم المخابرات الإيرانية منذ سنوات بخلق متاعب متعددة وارسال تقارير مضخمة وتحريض جهات لبنانية ضدي، وقد كانت قبل تمديد ولايتي في سنة 1974 تقول إن موسى الصدر انتهى، وإن الشيعة اختاروا غيره. ثم جاءت الأحداث وتوالت وشعرت بمعزل عن المخابرات أن موقف الحكم الايراني موقف ايجابي مني حيث كلف رئيس البعثة الإيرانية في لبنان آنذاك أن يبلغني رسالة موجهة من الحكومة الإيرانية الى المسؤولين اللبنانيين.

وبعد نهاية الأحداث بدأت المتاعب والتعرضات والاغراءات ومحاولة خلق محاور تتجدد وتتعاظم مما جعلني بعد اليأس من محاولات تجميد هذا الوضع، ان أكشف عن الصراع المرير الذي تعيشه طائفتي بسبب هذا السلوك الغريب من المخابرات الايرانية، وهذا الذي كان في مهرجان الدكتور علي شريعتي وما بعده وسيبقى لأنه دفاع ضروري.

*بعد نشر وقائع مهرجان شريعتي في الصحف احتج السفير الإيراني في بيروت على تساهل الرقابة في نشر ما نشر وقد حمل أحد المسؤولين عن الرقابة اعتذاراً وايضاحاً الى السفير الإيراني حول ملابسات النشر.
- إنني آسف لما أسمع، لأن الأولى بالرقابة اللبنانية التي تصدر عن الأمن العام اللبناني أن تضع يدها على الأسباب لا على النتائج، والا فالميزة الوحيدة للبنان أن يتمكن الانسان فيه أن يقول "آخ". أما بعد سكوت الأمن العام على الضربات ومنع التأوه فلا أظنه اختار الطريق الأفضل والناجح. ولاشك أني لم أكن راغباً يوماً في إحراج السلطات اللبنانية حتى عندما كان كل مسؤول يحرج لبنان بسبب تهجمه على دولة في العالم.

*ما علاقة المقاومة بالدكتور علي شريعتي حتى تحضر مهرجانه وتطبع مناشير توزعها وتقول فيها إنه شهيد الثورة الفلسطينية والثوار الايرانيين الأحرار؟
- أعتقد أن هذه المعلومات غير كاملة لأن الدكتور شريعتي منذ سبع سنوات بدأ في فرنسا ثم في طهران بالدعوة الى دعم الثورة الفلسطينية وقد اتهم في أوساط المتعصبين في ايران بأنه يجنح نحو اليسار، كما اتهم في أوساط اليمين بأنه يساري رغم كونه متخصصاً في الاسلام وملتزماً بأحكامه. وقد أُسِسَتْ منذ خمس سنوات في عشرات المدن العالمية، حيث تواجد منظمة الطلبة المسلمين المرتبطة ثقافياً وفكرياً بالدكتور "شريعتي"، ووجدت مؤسسات متعاطفة مع المقاومة الفلسطينية، وأصدرت في ألمانيا بعض هذه المجلات كمجلة القدس ومجموعة الكرامة ولهم ارتباطات وثيقة مع المقاومة الفلسطينية وهذا كله ليس أمراً مفاجئاً كما يقال.

*سماحة الامام، ما ارتباطكم بإيران؟
- والدي كان مرجعاً من المراجع الكبار للطائفة الشيعية في العالم، وكان يسكن بطبيعة عمله في جامعة "قم" الدينية. وقد ولدت هناك. ثم إن لغتي الأولى هي اللغة الفارسية رغم أن لغة بيتنا في "قم" ولغة الدراسة الدينية في الجامعة هي العربية التي أتقنتها منذ بداية حياتي، رغم اللهجة التي لا تزال بارزة على لساني. ثم إن طبيعة كون تسعين في المئة من الشعب الايراني من الطائفة الاسلامية الشيعية تخلق ترابطاً ثقافياً وروحياً بيننا وبينهم. ولكن الحقيقة أنني، كما ورد أكثر من مرة وفي مجلة "الحوادث"، من عائلة لبنانية جنوبية من قرية "معركة" قضاء صور، وأعتقد أن الشيعة في لبنان لبنانيون عرب مسلمون قبل كل شيء، وأن الربط السياسي بينهم وبين أي بلد آخر غير لبنان سيما البلاد غير العربية خطر كبير بل خطيئة. وهل نشكو في لبنان، من قلة الولاءات حتى نحاول إضافة محور سياسي جديد؟ وأرجو أن يفهم هذا الموقف من قبل الجميع، لبنانيين وعرباً وايرانيين، ومن قبل بعض السياسيين الذين يتاجرون بهذه العلاقات ويستفيدون منها على حساب الوطن وعلى حساب الطائفة. فليهنأوا بعيشهم، وجنبنا الله مثل هذا العيش.

سألناه أخيراً:
*ما رأي سماحتك في بيان خلوة اهدن؟
- في تصوري هذا البيان، رغم عنف مضمونه، هو انتقال الجبهة اللبنانية من دور العمل المسلح الى العمل السياسي المعارض.

فانتهاء السعي الحثيث في الجنوب، حتى ولو لم ينتج 100% يجعل البحث في تجريد الأحزاب اللبنانية من السلاح مطروحاً، فإما الصدام مع الشرعية وسورية وإما التنازل عن انتشار السلاح.
وفي افتراضي الثاني يبدأ الصراع السياسي والتساؤلات ولا يمكن للجبهة إلا أن تقف موقف المعارض للدولة لكي لا تسمح للمزايدين ولا تتحمل مسؤولية ما يجري وما جرى. سيما وأن النقطة الوحيدة في خريطة المنطقة، النقطة التي تحركت الولايات المتحدة فيها بقوة هي لبنان. ولذلك فإنني لست متشائماً من نتائج البيان. ولا أراه دليل وحدة الموقف العسكري.
... واقترب موعد السحور، وفتح لنا سماحة الامام علبة "منّ وسلوى" آتية من ايران، وقال: إنها بركات رمضان... وقد اكتملت بحضوركم!!

source