الدور الزينبي -1-

الرئيسية صوتيات التفاصيل
الكاتب:موسى الصدر

* محاضرة للإمام موسى الصدر في ذكرى عاشوراء؛ تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
مرور أيام قليلة على واقعة كربلاء لا ينسينا عظم المصيبة والاعتبار بنتائجها. والحقيقة أن المصاب بعد الوقوع، أكثر تأثيرًا من إحساس الإنسان بالمصيبة قبل وقوع المصيبة. ثم نتائج المعركة والتضحية تبدو عادة بعد انتهاء المعركة.
في يوم عاشوراء قُتِل الإمام الحسين (سلام الله عليه) وقُتِلَ من معه من الرجال، بل والشباب، بل وقسم من الأولاد الصغار. وما بقي حسب نقل التواريخ في الخيام وبين أهل بيت الحسين (عليه السلام) أحد إلا شخصان. الشخص الأول أو الرجل الأول هو عليّ بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) وهو كان مريضًا، وكان يخيّل إلى الناس أنه في دور الاحتضار ولن يطول عمره أبدًا، ولهذا تركوه اعتمادًا على أنه سوف يموت من دون حاجة إلى القتل. وشاب ثانٍ نجا من المعركة بأعجوبة وهو الحسن المثنى ابن الإمام الحسن (عليه السلام) الذي كان جريحًا غاية الأمر وكان بين القتلى مطروحًا على الأرض من دون حراك ولا أثر للحياة. بعدما وضعت المعركة أوزارها وأرادوا أن يدفنوا القتلى، وجدوه حيًّا فطبّبوه، وبقي في الخيام وبين الأسرى. وله بعض الأحداث عند ابن زياد وعند يزيد، وفي الطريق [كما] يظهر من بعض كتب "المَقاتل".
أما ما عدا هذين، فقُتِلَ الكلّ وبقي الدور الرئيسي في إنجاز مهمة الإمام الحسين (عليه السلام) على عاتق زينب (سلام الله عليها)، التي أدّت هذه الأدوار الصعبة على خير ما يمكن أن تؤدى. فهي لا شك أنها أصيبت بما أصيب به الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء من المصائب والأحزان، ثم إنها أصيبت أيضًا بقتل الحسين. وبعد ذلك كان لها مهمات، أولها المحافظة على عزّ الإمام الحسين وإظهار الإمام الحسين بمظهر القوي لا بمظهر العاجز والضعيف والمتخوف. وكما قلت في بعض أيامنا، في ذكريات عاشوراء، الإمام الحسين مهَّد لهذا الأمر بتصفياته المتعددة لأصحابه، وبتحضير زينب بالذات وبقية النساء بشكل عام، حضّرهن لمجابهة هذه المصائب والأحداث حتى لا يظهر عليهنّ أبدًا أثر من آثار العجز والضعف من الندب والنحيب والنداء بالويل والثبور.
ما كانت هذه المسائل موجودة أبدًا في كربلاء، ويؤكد الإمام الحسين عليهم ذلك: يعني يوم كربلاء، كما كان يظهر على أصحاب الحسين التنافس في الموت، كما يصفهم الشاعر:
لبسوا القلوب على الدروع كأنما                  يتهافتون على ذهاب الأنفس    
كانوا يتسابقون إلى الموت وكأنهم ذاهبون إلى أفضل غاية وأجمل مرام. هكذا أهل بيت الحسين وأرحام الحسين (عليهم السلام) كانوا يتسابقون، وكلٌّ يريد أن يذهب بإصرار وإلحاح ويظهر أمام العدو بمظهر الشجاع الذي لا يبالي بالموت.
كل هذه المسائل مقصودة حتى يظهر في التاريخ، وبعد التاريخ، أنه ما هو الخط وما هو أثر الايمان وما هو معنى العز والمجد. كما أن الحسين (عليه السلام) بالذات كان يراقب هذه النقطة جدًا، لا يظهر بمظهر العاجز، لا يبكي على الأولاد، لا يبكي على القتلى، لا يُظهر العجز أمام الأعداء، أمام المحزون، أمام الحزن، أمام المصائب، وقد سمعتم الكلمة المعروفة أنه: فوالله ما رأيت مكسورًا قطّ قد قُتِلَ ولْده وأهل بيته -في هذا التفصيل المعروف- أربط جأشًا ولا أقوى جنانًا من الحسين.
فكان يظهر على وجهه -في هذا النقل- العزيمة والقوة والإشراق في الوجه، والصلابة في الموقف. بعد كلّ هذه المصائب، نفس الموقف، يعني موقف القوة واللامبالاة بالموت والجرح والعطش والعدو، كان بارزًا عند النساء في جميع شؤون هذه الأيام ومصائبها.
كفانا هذا الموقف المعروف بعدما دُفِنت الأجساد الخبيثة، جماعة عمر بن سعد دفنتهم، وبقيت أجساد الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه مطروحة على وجه الأرض؛ بعد ذلك أرادوا أن ينقلوا وينتقلوا من كربلاء إلى الكوفة فأخذوا أهل البيت: النساء، الأمهات، والأخوات أخذوهم وعبروا بهن من قرب المَقاتل، يعني حاولوا أن يظهروا، وأن يبدوا ما جرى في المعركة من القتلى والمصارع عند النساء، لأي سبب؟
لنقيض السبب الذي كان يفكر به الحسين. الحسين كان يفكر أن يظهر بمظهر القوة في حياته وبعد وفاته، وهم كانوا يريدون أن يُظهروا الحسين قبل موته وبعد موته بمظهر العجز. كانوا يريدون أن يأتوا بالنساء أمام أجساد القتلى حتى يبكين وحتى يحزن وحتى يندبن، تشفيًا وإظهارًا لعجز الجماعة. هنا، حينما جاؤوا بالنساء والأولاد تصور الموقف الرهيب: أتوا بهم وكلّ امرأة لها أخ، لها أخت، لها زوج، لها أولاد بين القتلى... ولكن لا شك أنهن كن مأمورات بمتابعة زينب، ثم زينب كانت عقيلتهن، فكنّ يُطِعْن زينب (سلام الله عليها) في جميع الشؤون.
مشينَ وراء زينب، ووصلت زينب (سلام الله عليها) في طليعتهن، أمام جسد الحسين المقطع، والجسد الذي لا يُرى عضو سالم فيه، والجسد مع ذلك مغطى بالسهام والسيوف والرماح والحجارة، كما يظهر. لا حاجة أن التاريخ ينقل لنا، هذه النقاط واضحة. جاءت زينب فوقفت عند الحسين (سلام الله عليهما) ونفضت هذه الحجارة والرماح والسيوف ثم رفعت جسد الحسين (سلام الله عليه) بكلتا يديها وقالت: اللهم تقبل منّا هذا القربان.
تصور معنى هذه البطولة، زينب بالنسبة إليها الحسين كل شيء. ثم هذا المنظر الذي يجعل الكبار والأبطال والجبال، يجزعون أمام هذه المناظر، أبدًا: اللهم تقبل منا هذا القربان. إعلانًا بأن هذا الموقف كان بملء إرادتنا، ما فُرِض علينا. لم يقل لنا أحد أنه تأتوا لتقتلوا، لم يقل لنا أحد أن اخرجوا، لم يطلبنا أحد لهذا الشيء. نحن بملء حريتنا جئنا إلى هذا الموقف ووقفنا هذا الموقف، وما جنينا هو نتيجة لإرادتنا. فنحن قدَّمنا الحسين قربانًا لأجل دين الله، ونطلب من الله أن يتقبل هذا القربان، وغير مهم أبدًا.
كما تعبِّر في مجلس ابن زياد حينما سألها وقال لها: كيف رأيت صنع الله بأخيك؟ قالت: والله ما رأيت إلا جميلًا، هؤلاء رجال كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم. هذا الأول وهذا الأخير.
بلا شك أنه بعد هذا الموقف من زينب، تجاه سيد المقتولين وكبيرهم وسيد الشهداء، النساء عرفن تكليفهن تجاه شهدائهن، بأن هنا ليس وقت النحيب والبكاء وإظهار العجز أبدًا. هنا موقف القوة وموقف الصلابة، وإعلام العالم، بأننا جئنا هنا وكنا نعرف ماذا سوف يكون. أردناها ومشيناها وسعينا لهذا الموقف بكل ارتياح، ونحن نطلب من الله أن يتقبل. وإذا أرادت المعركة المزيد من هؤلاء الضحايا نحن مستعدون أن نقدمهم.
فإذًا، دور زينب (سلام الله عليها)، كان دور تتميم مهمة الحسين في إبراز المعركة بمظهر الكرامة والعز. ولهذا أنا لا أعتقد بما يُقرأ وما يُنقل وما يُكتب من مظاهر العجز والويل والندبة والنحيب عند الحسين أو عند نساء الحسين أو عند آل بيت الحسين. لا أعتقد بهذه المسائل قطعيًا، وأرجو أن لا تُقرأ هذه المسائل لأن هذه الأمور في الحقيقة تشويه لحركة الحسين (عليه السلام) وانحراف لمهمة الحسين.
الحسين ما ظهر عليه أبدًا أثر من آثار الضعف، لا عليه ولا على جماعته ولا نسائه وهذه هي المهمة الكبيرة التي أداها الحسين (سلام الله عليه).
فإذًا، زينب أدت هذا الدور في نساء الحسين. ثم زينب (سلام الله عليها) أدت دورًا كبيرًا آخر، هذا الدور كان القضاء على مؤامرة بني أمية، لأنهم كانوا يريدون أن يقتلوا الحسين (سلام الله عليه) ولا يفهم أحد. تأكيدًا لهذا، بعدما قُتِلَ مسلم بن عقيل، وأهل الكوفة خانوا العهد ونكثوا البيعة وكانوا من جيش ابن زياد. فإذًا، الكوفة لم تكن موالية للحسين بل كانت مسرحًا لأعداء الحسين. لماذا لم يتركوا الحسين يدخل الكوفة؟ لأيّ سبب؟
حتى يُقتل الحسين خارج الكوفة. بعثوا الحر ومعه جماعة وأوقفوا الحسين في وسط الصحراء، ثم أبعدوه عن الكوفة، وعن جميع عواصم المسلمين حتى يُقتل الحسين ولا يعرف أحد. هذه كانت الخطة، ولهذا قتلوا الرجال كلهم، وقالوا على عليّ بن الحسين: اقتلوا هذا ولا تُبقوا من أهل هذا البيت باقية. هذه محاولاتهم كانت... وكانوا يقولون الصحراء والرمال، تأتي عواصف وتجرف الرمال وتغطي هذه الأجساد ولا يعرف أحد. ثم يزينون الأمور عند الشعب، عند الناس، عند الأمة، ويقولون قتلنا الخوارج، والخوارج كان لهم أسوأ الأثر في نفوس الناس وفي نفوس الشعب، باعتبار أن الناس كانوا ينظرون إلى الخوارج بأن هؤلاء وسيلة للفوضى وتمزيق الأمة وخلق الفتن بين الناس. ولهذا لا يمكن أن يحب أحدًا الخوارج. عندما قالوا خوارج يعني (خلص). فإذًا، الدعاية، واستعمال الإخفاء، وإبعاد المعركة عن العواصم، كانت نقاط أساسية لإخفاء قتل الحسين والانتهاء من كل شيء. ولكن من الذي أحبط هذه المؤامرة؟ زينب (سلام الله عليها)، لأن هي بعد وقوع الواقعة نقلت الواقعة حرفيًا عند الناس وفي أوساط العواصم الإسلامية: في الكوفة، وفي الطريق، وفي الشام، وفي كل مكان. كيف تمكنت من ذلك؟
الكوفة تعرف عليًّا، الكوفة تعرف صوت عليّ، أتى أهل الكوفة أتوا حتى يتفرجوا على الخوارج وعلى الأسرى، دفعة واحدة يسمعوا صوت عليّ يرتفع، لأن من هذه الفترة إلى فترة استشهاد الإمام ما مر أكثر من عشرين سنة، كان كثير من الناس يعرفون متذكرين عليّ بليلهم، بنهارهم، في بيوتهم. كانوا يعرفون الإمام. فإذًا، سمعوا صوت عليّ وأنِسوا بهذا الصوت وعرفوا أن صوت عليّ من هذا الصوت؟ من أي مكان طالع؟
رأوه من التي يقولون إنها خارجية وأسيرة. تحكي كأنها تفرغ، على رواية المقاتل، عن لسان عليّ (عليه السلام). وحينئذٍ انتبهوا بأن الجماعة التي قتلت هؤلاء، الذين بعثوا أولادهم حتى ينتصروا وحتى ينصروا دين الله، راحوا قتلوا ابن بنت رسول الله وآل بيت رسول الله، وهؤلاء نتيجة جهاد أزواجهم وإخوتهم وأولادهم!! وحينئذ بدأوا يندبوا ويبكوا، وزينب (سلام الله عليها) تتمتم وتتكلم فيهم فهدأت الأنفاس وهدأت الأجراس، وسكتت الأنفاس، والناس بدأوا بالبكاء والنحيب، ثم شددت في التمثيل عليهم في الخطبة المعروفة.
الحاصل أنه بمجرد دخول زينب الكوفة وبقاءها يوم أو يومين، انكشفت العملية أمام جميع أهل الكوفة بأن القضية قضية قتل الحسين، وما جرى وكيف جرى والتفاصيل تفاصيل الاعتداء، وتفاصيل الوضع، تبيّنت للناس بشكل واضح.
وهكذا انتقلت زينب من بلد إلى بلد. لماذا من بلد إلى بلد؟ لأنكم تعلمون أنه في قديم الزمان ما كان من الممكن أن القافلة تسير في الصحراء الطويلة، لأن المراكب سابقًا من الخيل والبغال، ووسائل النقل ما كانت تتحمل أن تمشي مثلًا 500 كيلومتر في الصحراء. كانوا مضطرين أن يمروا من خطوط البلاد والقرى. فإذًا، الأسرى نُقلوا بطريقة عامرة، يعني تنقلوا من بلد إلى بلد، من قرية إلى قرية. يعني ليس دفعة واحدة من النجف... أخذوهم للشام وفي الطريق لم يستطيعوا الرؤية، ففي كل بلد يدخلونه، نفس المعركة تتكرر: زينب تتكلم، الناس يستمعون يسألون: ما أنت؟ من أنتِ؟ ماذا؟ كيف صار؟
العملية تنكشف حتى وصلوا للشام. وفي الشام نفس الموضوع. أول خطبة ألقتها زينب (سلام الله عليها) في قصر يزيد كشفت كل شيء، وتبين كل شيء، حتى زوجة يزيد تغطت بقميصها وخرجت إلى القصر، وطالبت وأصرت وألحت بدخول زينب وأهل بيت الحسين (سلام الله عليهم) في الحرم.
بدأت الحركة من بيت يزيد، ماذا يصنع؟ يقدر يقتل كل العالم؟ أينما كانت تحل هذه السيدة، كانت تنطلق وكانت تحرك الناس... وكانت تعكس العملية والقضية على الناس. فبين فترة وجيزة، جميع العالم الإسلامي وجميع أبناء الأمة عرفوا بالقضية. وبعد معرفتهم، هنالك ذلك التحليل الذي سمعتم وبحثنا فيه أن الأم عرفت أنها مسؤولة وأنها مقصِّرة وعليها أن تكفِّر عن ذنبها وتتوب من معصيتها، وثارت ما ثارت، وصارت ما صارت، إلى آخر الموضوع.
فإذًا، زينب أولًا، كان عليها أن تؤدي هذا الدور المحافظ على الكرامة وعلى العز المتين بعد استشهاد الحسين (سلام الله عليها)، ثم تنجز مهمة الحسين فتُبلغ المأساة والمعركة التي حاول بنو أمية أن يجعلوها في الصحراء، تنقلها زينب (سلام الله عليها) في أوساط العالم الإسلامي.
طيب فإذًا، نحن، بعد معصية وبعد مصيبة الحسين (عليه السلام) وانتهاء دوره، نقف أمام دور زينب البطولي فنحترم ونُعظِّم هذه المرأة التي يعجز عن العمل مثلها كبار الرجال وعظماء الأبطال، ثم نقف أمام هذه التجربة الرائعة، هذا الدرس المعبِّر الموجِّه بأن الرجل كما يمكن أن يكون الحسين، المرأة المسلمة أيضًا تقدر أن تكون زينب. إذا كان الحسين نموذجًا للأبطال وغاية لسير الرجال، فـزينب أيضًا (سلام الله عليها) نموذج للنساء. وكما أن الرجل المسلم يتمكن أن يكون بطلًا ومجاهدًا، المرأة المسلمة أيضًا تتمكن أن تكون بطلة ومجاهدة. إنما كل ما في الأمر، أن هذا وتلك بحاجة إلى الإيمان وإلى القوة وإلى الشعور بقرب الله حتى لا يخافوا ولا يحزنوا: فـ﴿إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون﴾ [يونس، 62].
ونحن أمام هذه الواقعة نقف وننتبه إلى كلمة من كلمات الحسين (سلام الله عليه) حينما خرج قال: إني لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا ظالمًا ولا مفسدًا، أريد الإصلاح في أمة جدي ما استطعت، أريد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
مهمة الحسين وغاية خروج الحسين واستشهاد الحسين تتلخص في هذه الكلمة. هنا يأتي هذا السؤال، أمة جد الحسين، هل كانت في عصره فقط، انتهت؟ أو الأمة باقية؟ هل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح بين الناس كان مختصًا بأيام الحسين (عليه السلام) وانتهى؟ أو نحن أيضًا من الأمة؟
نحن أيضًا بحاجة إلى الإصلاح، نحن أيضًا بحاجة إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. طبعًا، مستمرة العملية. فإذًا، نحن لا نزال نعيش في الظرف المناسب لتحقيق أهداف الحسين (عليه السلام). يعني، الحسين قُتِل في زمانه حتى يصلح فينا في هذا اليوم، حتى يأمر بالمعروف في هذا الظرف، وينهى عن المنكر في هذا الزمن بالذات. هذا حسب تفسيره هو، فإذا تُرك المنكر، وإذا أوتيَ بالمعروف، وإذا حصل الإصلاح بين الناس في هذا الظرف، فالحسين بلغ غايته من الاستشهاد. وإذا تُرك المعروف وعُمل بالمنكر وشاع الفساد بين الناس، -أتسمع يا من تحزن على الحسين وتبكي على الحسين- اليوم كلما ازداد المنكر وقلَّ المعروف وشاع الفساد وقلَّ الإصلاح بين الناس، اليوم... اليوم فمعنى هذا أن هذا الظرف من الزمن، وهذا الجيل من الأمة قد أهدر دم الحسين في هذا الزمن بالذات. وقد ساعد في إحباط والقضاء وإمحاء أهداف الحسين التي قُتِل من أجلها.
فإذًا، نحن اليوم وفي هذا الظرف أيضًا، ليس واجبنا تعظيم شعائر الله والاجتماع والبكاء فحسب، بل واجبنا نصرة الحسين في أهدافه بعدما صرح هو بأهدافه: إني ما خرجت أشرًا ولا بطرًا. ما كان عملية الانتصار على أحد أو الانكسار أمام أحد حتى نقول: انتهى (وخلصنا).
لا! المهمة التي كان ينشدها الحسين قائمة في هذا اليوم، لأن الأمة باقية. فإذًا، نحن مكان ما نتمنى ونقول: يا ليتنا كنا معك فنفوز فوزًا عظيمًا، بإمكاننا اليوم أن ننصره وأن نؤيده وأن نقويه على خصمه وأن نحقق أهدافه، وهذا الشيء ممكن وبين أيدينا (اصطفلوا) أيها المؤمنون دبروا حالكم.
المعركة قائمة وموجودة، انتبهوا إلى حالكم، إلى أولادكم، إلى حياتكم، إلى نسائكم، إلى تصرفاتكم، إلى واجباتكم، إلى محرماتكم واختاروا ما تشاؤون. الله سبحانه وتعالى يهدينا سواء السبيل.
وغفر الله لنا ولكم.
والسلام عليكم.

source
عدد مرات التشغيل : 33