كرامة الإنسان

الرئيسية صوتيات التفاصيل
الكاتب:موسى الصدر

* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى أنبياء الله المرسلين، وسلام الله على آل بيته وأصحابه الطيبين.
وبعد،
أمامنا محاضرة ناقصة أخرى بدأنا بها في بعض السابقات حول "كرامة الإنسان" وبقي قسم من المحاضرة، واليوم نحاول أن نكمل الحديث، ولكن عليَّ أن أشير إشارة موجزة إلى القسم الأول كخلاصة للماضي حتى يرتبط بما نقرأ.
قلنا إن إحساس الإنسان بكرامته هو النقطة الأولى في تقدمه وسعيه وطموحه، الإنسان الذي لا يحترم نفسه ولا يكرِّم نفسه لا أمل فيه. لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو كلّ نبيّ (سلام الله عليهم أجمعين) حينما يريد أن يقول أنا أريد أن أدلّكم على حياة أفضل، إذا كان الإنسان لا يرغب إلى الحياة الأفضل، ماذا يمكن أن يصدر منه؟ إذا الإنسان يعتبر حاله كالجماد، كالحيوان همّه علفه، لا يهتم بشؤونه وتكامله ومستقبله وماضيه، إذا لا يهتم بهذه الأشياء، ماذا يقدر أن يعمل النبي معه؟ هو بلا تفاوت لا يحب التقدم والسعادة، ويقول: مكانك تحمدي أو تستريحي، لا يفكر في شيء آخر، هذا لا يرجى منه الخير لا النبي ولا المصلحين يتمكنون أن يعملوا معه شيء. ولكن إذا فهّموه كرامته وقالوا له أنت مهم، أنت لك مقام، لك شأن حينئذٍ يفكر في نفسه، يفكر في مستقبله، يفتش عن الطريق الأفضل، حينئذٍ يضع النبي أو المصلح طريقًا للوصول إلى حياةٍ أفضل أمامك... فحينئذٍ يتقدم الإنسان.
أما الإنسان الذي لا يحترم نفسه ماذا تعمل معه؟
فالخطوة الأولى في سبيل إصلاح الفرد والمجتمعات إشعار الإنسان بكرامته، هذه الخطوة الأولى. ومن ناحية ثانية، الذي يحترم نفسه يحترم الآخرين فيتعاون مع الآخرين يأخذ ويعطي، أما الذي لا يحترم نفسه لا يحترم الآخرين فلا يأخذ ولا يعطي معهم... لا يمكن تكوين المجتمعات مع عدم احترام الآخرين، أنت إذا لا تحترم الآخرين كيف تريد أن تتعامل معهم. يجب أن تحترمهم حتى تتمكن أن تأخذ منهم وتعطيهم.
فإذًا، لا يمكن إصلاح الفرد أو المجتمع إلّا بإشعاره بالكرامة. وقد سعى كلّ مصلح، وسعى الدين، وسعى الإسلام بصورة خاصة لإشعار الإنسان بأنه مكرَّم، بصورة واسعة كما قلنا. يقول: أنت من تراب، ولكن فيك نفخة من روح الله. أنت ملاك، الملائكة سجدوا لك. أنت خليفة الله في الأرض. أنت علّمك الله الأسماء كلّها، كرّمناك: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا﴾ [الإسراء، 70].
أنت خُلق لك ما في الأرض جميعًا، سخّر الله لك الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم... لا تعبد ولا تنحني أمام أيّ موجود، أنت أرفع من أن تسجد لموجود ما. أنت حامل أمانة الله، أنت المقام الصالح لحمل النبوة. أنت، أنت، أنت... نجد كثيرًا من التعاليم الدينية تكرّس كرامة الإنسان وعظمة الإنسان.
يريد الإسلام أن يوحي إلى البشر بأنك شيء عظيم، بأنك أشرف من الخلق. لماذا؟ لأن ملائكة الله التي هي أشرف الخلق سجدوا لك.
فإذًا، ماذا تريد أكثر من هذا. أنت مهم لا تحتقر نفسك، لا تفكر أنك شيء قليل صغير حقير، إذا تريد أنت العظيم أنت الكبير... وذكرنا كثير من التعاليم والأدلة في المحاضرة الأولى.
ثم ذكرنا أن الإنسان هو المحرك الوحيد للتاريخ، الإنسان هو البطل الوحيد على مسرح التاريخ، هو الذي يحرّك العالم، فيطوّر العالم، ويغيّر معالم الحضارات في العالم.
وهنا وصلنا إلى نقطة أحبّ أن أذكرها بهذه المناسبة، لأن في بعض الأسئلة ورد هذا السؤال: الإنسان هو صانع التاريخ، وهو مطوِّر الحضارات... هنا نحبّ أن نقف لحظة على هذه الكلمة كلمة يمكن أن توفقنا لحلّ مشكلات العصر... ما معنى التطور؟ ما معنى تطور الحضارات؟
نحن اليوم متطورون، يختلف وضعنا عن وضع السابق، ما معناه هل هناك شيء جديد مخلوق؟ أو هل هناك شيء فقدناه فتغيّرت معالم الحياة؟ كلا، ليس -كما يقولون- في الوجود شيء جديد يوجد، ولا شيء جديد يُعدم ويُفقد.
أمامنا عنصران عنصر اسمه الإنسان، وعنصر اسمه الكون العالم. أول الخلق الإنسان وقف أمام هذا الكون ضعيف عاجز جاهل، لا يملك شيئًا ولا يتمكن من عمل شيء. بدأ يفتش ويستفسر، يبحث عن الحقائق الكونية. أمام الإنسان كان كتاب الكون، فبدأ يدرس في هذا الكتاب، في صفحة من صفحات هذا الكتاب عرف الإنسان النار، ما هي النار؟ عرفها فاستغلّها واستثمرها وغيّر معالم الحياة. كيف يعني؟ عندما عرف النار بدأ يخلق له جوًا دافئا، نجا من الموت بسبب البرد، طبخ المآكل فتغذى وتقوى أكثر، ونجا من الأمراض الناتجة عن عدم طبخ الأشياء؛ خَلَق من النار النور، وحارب العدو، وغيَّر كثيرًا من معالم حياته بعدما عرف النار. يقولون اليوم إن أهم يوم في تاريخ البشرية يوم عرف النار، لأن النار لها أثر كبير في حياة البشرية.
ثم بعد ذلك بدأ يدبّ فيحبو فيعرف أشياء وأشياء فيستثمرها فيغيّر ويطوّر معالم حياته. مثلًا عرف الكهرباء. من معرفة الكهرباء كم غيَّر الإنسان من حياته؟ اليوم نحن إذا نسافر بسرعة، بالطائرة بالسيارة فنقصر الطرق ونطول الأعمار فهذا من الكهرباء، لأن الكهرباء هي التي تحرك أولًا الموتور كما تعرفون. إذًا، نحن نتمكن أن نجتمع في هذه القاعة أو أكثر من هذه القاعة فنسمع بسهولة الكلام نتيجة للكهرباء. إذًا، نحن نقدر أن نجتمع في الليل... من الكهرباء. بل بدأنا البنايات من الكهرباء، سجلنا الأصوات والصور وأمثال ذلك من الكهرباء. الكهرباء غيّرت كثيرًا من معالم حياتنا، وهكذا عرف الإنسان البنزين والبخار فغيّر كثيرًا من معالم حياته.
فإذًا، تغيير معالم الحياة أو تطوير المجتمعات والحضارات ما هو إلّا أن الإنسان يدرس كتاب الكون فيقرأ صفحة فيغيّر الكون ويتغير هو. لا شيء جديد إلّا تفاعل الإنسان والكون، هل عندكم في تفسير التطور شيء غير ذلك؟ ما هو التطور؟
اليوم حياتنا تختلف عن حياة الماضين، ما اختلاف الحياة؟ لنا مدن، لنا طرق، لنا وسائل، لنا وسائل النقل، كهرباء... هذه الأشياء. هذه الأشياء من أين أتت؟ أتت من السماء؟ لا، كانت موجودة في هذه الكرة الأرضية مخفية، مخبأة لا أحد يعرفها. البشر بدأ يفتش، يعرفها... عرفها وغيّر معانيها.
فإذًا، التطور عبارة عن قراءة الإنسان سطر جديد من كتاب الكون، واستعمال هذا السطر الجديد في زيادة معرفته وفي زيادة تغيير الأرض التي يعيش فيها، والحضارة التي ينتجها والمجتمع الذي يؤسسه، هذا هو التطور.
لا شيء غير التطور، لا نخدع أنفسنا بكلمة التطور، نعم التطور يعني زيادة التفاعل بين الإنسان وبين الكون. هنا نصل استطرادًا إلى نقطة أساسية طرحها أحد السائلين أنه كيف يمكن للدين وللقرآن الذي نزل منذ ألف وثلاثمئة وتسعين سنة أو أقلّ حسب مدة نزول القرآن، كيف يمكن لكتاب نزل منذ ألف وأربعمئة سنة أن يوجه البشر في هذا اليوم، وأن يجعل للإنسان سعادته في هذا العالم المتطور والمجتمعات المتغيرة التي لا تشبه المجتمعات الماضية بشيء من الأشياء وبشكل من الأشكال، كيف يمكن ذلك؟
الدين قديم، القرآن قديم. كيف يتمكن القرآن القديم أن يوجه ويقود الإنسان الجديد الحديث؟ هذا السؤال مهم، أعتقد أنه في كثير من أذهان الشباب موجود هذا السؤال.
الجواب عن هذا السؤال [...] جديدة من الكون، وطي صفحات جديدة من كتاب الكون هذا هو التطور. إذا كان الأمر كذلك فأمام العنصرين الأساسيين: الإنسان والكون، عنصر ثالث وهو الدين وهو القرآن والدين كلمات الله وأحكام الله، والقرآن كتاب الله وكلمات الله، وهنا يأتي سرّ التطور وسرّ بقاء القرآن، كيف ذلك؟
أرجو أن تنتبهوا لهذه الأمثال، بحث أساسي، خرجنا من بحث محاضرتنا ولكن بحث مفيد.
أنت اليوم أمامك وردة، الوردة شيء واحد، أليس كذلك؟ الوردة، أعرض الوردة على الطفل، الطفل ماذا يفهم من الوردة؟ يفهم من الوردة اللعبة أليس كذلك؟ يرى لعبة حلوة يلعب بها. تقدم الوردة للمريض، المريض ماذا يفسّر الأوراد التي تقدمها، الزهور التي تقدمها له؟ هدية. الست تشتري الوردة كديكور في الغرفة فتضعها في زاوية من البيت لأجل إعطاء زينة أو جمال للبيت، هذا تفسير ثالث. العالم الطبيعي ماذا يفهم من الوردة؟ يفهم من الوردة تركيبها وخلاياها وكيفية تربيتها في الأرض، ولونها وخضرتها واحمرارها وتوليد المثل والتركيب الموجود وأمثال ذلك. نظرة العالِم الطبيعي أعمق من النظريات السابقة. هناك الطبيب مثلًا يفكر في حقيقة هذه الوردة من الناحية الطبية. هذه الأوراق إذا نشفناها لأيّ شيء تفيد؟ تفيد للمرض الفلاني، أو لا تفيد للمرض الفلاني، يدرس الطبيب من ناحيته الخاصة. هناك عالم كوني ينظر إلى الورد من نواحٍ أخرى، مثلًا يفكر في كمية أوكسيجين التي تعطيها هذه الوردة، ومقدار دي أوكسيد دو كربون الذي تأخذه، وتقذف بالأوكسيجين من أجل استنشاق البشر وأمثال ذلك.
تجد أمام وردة واحدة عدة وجهات نظر، أيّ واحدة منها صحيح؟ كلّها صحيحة، أليس كذلك؟ لعبة للطفل، لوكس للست، هدية للمريض والمسافر، موضوع لدراسة العالم الطبيعي وعالم الطب وموضوع لدراسة فنان يرسم على ضوء هذه الوردة صورة فيفكر في الانحناءات والكرويات والأشكال والألوان، كلّه صحيح.
وجهات نظر مختلفة بعضها سطحية، بعضها عميقة، بعضها أعمق والحبل على الجرار. يعني الإنسان كلما يتقدم يفهم شيئًا جديدًا من الوردة ويفهم ويفهم ويفهم ويفهم... وهكذا.
كلّها صحيحة وكلّها واقعية، ولكن التفاوت في درجات التعمق. يعني كأن هذه الوردة لها أوراق، فكلّ إنسان يقرأ ورقة فيتعمق في مقدار؛ كأن هذه الوردة بحر، فقد نتعمق في البحر مترًا فنجد شيئًا، وقد نتعمق فيه مترين نجد شيئًا ثانيًا، وقد نتعمق فيه خمسين مترًا نجد شيئًا ثالثًا وهكذا. هذا هو الأمر. هذا المثال أبقيه في ذاكرتكم حتى نرجع إلى هذا المثال.
مقدمة ثالثة ماذا تفهم من كلام الإنسان؟ إذا تكلّم معك أحد ما. هذه المقدمات الثلاث... التطور وقضية الوردة انتبهوا لهذه المقدمات الثلاث حتى نصل للنتيجة التي نريد أن نأخذها.
الإنسان حينما يتكلم ماذا تفهم من كلامه؟ تفهم من كلامه بمقدار دلالة لفظه، محتوى ألفاظه، وبمقدار فهم القائل.
الطفل إذا تكلّم معك، هل يحقّ لك أن تفسر كلام الطفل أكثر مما يفهم الطفل؟ ليس لك حقّ أن تفسر، لماذا؟ لأن الشخص الذي يلقي الكلام يعبِّر عن مستوى ثقافته ووعيه، فأنت لا يحقّ لك أن تفهم من كلام الطفل أكثر من وعي الطفل. فثقافة القائل كلّما كانت أرفع، معاني كلماته تكون أكثر أليس كذلك؟ ولهذا تجد الإنسان بالنسبة لآراء وكلمات الناس العاديين لا يهتم لا يبالي لا يأخذ على محمل... لكن الإنسان الذكي تفكر في كلمته، ماذا يقصد بهذه الكلمة، لأنها أعمق.
ولهذا أمام القوانين ونصوص المعاهدات والاتفاقيات تجد كم هناك من مناقشة وأبحاث حول تحليل معاني هذه الاتفاقية وتفسير مواد هذا القانون. لماذا؟ لأن قائل القانون ومنظم الاتفاقية مستواه أرفع، فلك حقّ أن تتعمق في كلامهم أكثر لأنه عمقه أكثر.
فإذًا، كلّما كان مستوى ثقافة القائل أرفع يحقّ لك أن تفهم من كلمته أكثر.
هذه المقدمة الثالثة، نرجع إلى الاستنتاج. القرآن حسب عقيدتنا كلام الله، والله لا حدّ لثقافته أليس كذلك؟ الله هو خالق الكون حسب عقيدتنا ومطَّلع على جميع الأشياء وجميع الحقائق. فإذًا، الله ليس للقرن الواحد دون قرن العشرين، يعرف ما كان البشر يعرف بالقرن الأول ويعرف ما كان البشر يعرف قبل الميلاد ويعرف ما كان يعرف البشر بعد قرن العشرين أو أكثر من ذلك، ثقافة الله لا حدّ لها.
فإذًا، لا حدّ -هنا وصلنا إلى النقطة الجوهرية- لا حدّ لتفسير كلام الله. يعني أنت حينما تسمع آية من القرآن أو حكم من الأحكام الإلهية، فإذا كنت في القرن الأول بإمكانك أن تفهم من الآية بمستوى ثقافة القرن الأول، وإذا ارتفع مستوى ثقافتك بإمكانك أن تفهم في القرن الثاني والثالث والرابع والعشرين والمئة بمستوى ثقافتك ولا حدّ لثقافة الله. فإذًا، يحقّ لك أن تتعمق. فالآية مثل الوردة، كلام الله أمر كونيّ مثل البحر، كلّما تعمقت فيه تجد شيئًا جديدًا. هذه هي طبيعة كلام الله.
حينئذٍ بإمكانك أن تفتش على مسرح الكون عن عناصر ثلاثة: الإنسان، والكون والدين أو القرآن. كما أن التطور هو تفاعل الإنسان مع الكون وقراءة شيء جديد من الكون بإمكان البشر أن يقرأ في الدين أيضًا شيئًا جديدًا وانكشافات جديدة وتطورات جديدة. كما أن الكون كلّ يوم بإمكانك أن تتعمق فيه صفحة أو درجة أو مرحلة وتتعمق فتطور فتطور، وهذا هو التطور بإمكانك أن تدرس كلّ يوم شيئًا جديدًا فتفهم وتفهم وتفهم أشياء جديدة.
وحينئذٍ بإمكان البشرية أن يستفيد من الدين من القرآن، لأنه كلام الله لو كان كلام غير الله ما كان فيه هذه الميزة، لأن كلام غير الله يحكي عن ثقافة عصر المتكلم لا يتجاوز ثقافة عصر المتكلم، أما كلام الله ثقافته لا حدّ له. فكلّ يوم بإمكانك أن تكتشف شيئًا جديدًا وتفهم شيئًا جديدًا يتناسب مع تطور الزمن وتغير المجتمعات. فالإطار الأصلي للدين محفوظ ثابت، لكن التطور في التطبيق التفكير والتفسير.
فإذًا، لا تغيير لكلمات الله، ولكن هناك تطوير. تغيير غير التطوير كما أن المجتمع يتطور، الأحكام الدينية التي نستفيدها، بإمكاننا أن نستفيد ما يقودنا في حياتنا وفي مجتمعاتنا مع كلّ عصر وفي كلّ زمان ووقت.
أذكر لكم بعض الأمثال في القرآن الكريم حتى ترون كيف كنّا نفسّر الآيات القرآنية سابقًا وكيف نفسّرها في هذا الوقت. من باب المثل يقول القرآن الكريم: ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء﴾ [الأنعام، 125].
القرآن الكريم يقول الشخص الضال، الشخص المنحرف، يشعر بضيق في صدره، يشعر بالصعوبة في تنفسه، مثل الشخص الذي يصعد في السماء. سابقًا كيف كان يفسر؟ بوضوح، الإنسان عندما يطلع الجبل يضيق صدره أليس كذلك؟ يضيق تنفسه، وكلّما كان الجبل عاموديًا أكثر يضيق صدر الإنسان أكثر، فكيف إذا أراد أن يطلع عاموديًا هكذا، يضيق صدرك كثيرًا كثيرًا... هذا هو. معنى واضح، أليس كذلك؟ لكن اليوم كيف نقدر أن نفسر هذه الآية؟ نقدر أن نفسر هذه الآية بأن الأوكسيجين وهو وسيلة التنفس في الأرض وحول الكرة الأرضية موفور بكمية كافية، كلما ارتفعت تقلّ كمية الأوكسيجين وتخف، فيضيق صدرك أكثر حتى تصل إلى نقطة لا تقدر أن تتنفس لأنه لا يوجد أوكسيجين. فما المانع من أن تفهم من هذه الآية أن ضيق الصدر لمن يصعد في السماء يكون لأجل قلّة الأوكسيجين وعدم وجود ما يتنفس به. أيجوز هذا التفسير أم لا؟ لكن هذا التفسير يحتاج إلى مستوى أرفع من الثقافة... المستوى الذي بلغناه اليوم.
ما غيَّرنا شيئًا ولا بدلنا شيئًا، وإنما فهمنا شيئًا جديدًا من الكتاب. لو كانت هذه الكلمة لرجل عادي يعني شخص عادي كان يقول كأنما يصعِّد في السماء ما كنّا نفسر اليوم تفسيرًا بهذا المعنى، لماذا؟ لأنه الشخص العادي ما كان يعرف أنه لا يوجد فوق أوكسيجين وتحت يوجد أوكسيجين. لكن عندما [يكون] القائل هو الله نقدر أن نقول الله يعرف أنه فوق لا يوجد أوكسيجين وتحت يوجد أوكسيجين.
مثال ثانٍ فهمناه ونفهمه جديدًا: ﴿وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [الذاريات، 47]. يعني نحن اليوم نعرف أن السماوات والكرات السماوية في حالة الاتساع، يعني هذه الكرات السماوية الموجودة كلّ يوم هناك شيء جديد، متى عرفنا؟ عرفنا من حوالى سبعين سنة أن هناك أبخرة صوديومية في الكون تتكون كرات جديدة منها، تتجمد فتتكون كرات جديدة. فالسماوات والكرات السماوية في ازدياد. نرجع إلى القرآن الكريم عجيب: ﴿فَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [الذاريات، 47] نوسِّع الآن نوَّسع... نفهم معنى جديد من الآية.
نرجع إلى بعض النقاط التاريخية، الإنسان حينما يصل إلى القرآن الكريم فيقرأ سورة في قصة موسى وفرعون وغرق فرعون وأمثال ذلك. كنّا نقرأ القرآن وما كنّا نعرف عجائب الكلمات التي تُخفى في هذه العبارات... المعاني العجيبة بالنسبة للفراعنة القدامى... يمكن تعرفون أن الفراعنة وهم ملوك مصر قبل الميلاد بألفي سنة، يعني حوالى أربعة آلاف سنة قبل ذلك. كان هناك سلسلة من الملوك والفراعنة ولهم حضارة عظيمة، ولكن اندثرت الحضارة الفرعونية القديمة واندفنت تحت الرمال في الصحراء، متى؟ قبل الإسلام بألف سنة أو ألف وخمسمئة سنة قبل الإسلام اندثرت معالم الحضارة الفرعونية القديمة. بعد الإسلام أيضًا بألف سنة وألف وثلاثمئة سنة ما كان أحد يعرف عن الحضارة الفرعونية القديمة شيئًا إلّا عن طريق كتاب التوراة التي كانت موجودة بين أيدي الناس، وكانوا يقرأون في التوراة أشياء وأشياء جديدة. شخص اسمه شامبيليون، فرنسي، تمكن أن يقرأ الخطوط الهيروغليفية في مصر، تمكن أن يكتشف مدخل الأهرام، تمكن أن يكتشف من هذه الخطوط مقابر الفراعنة القدامى. فاكتشفوا أجساد الفراعنة المحنطة... تلك الأجساد التي أخرجوها وجعلوها في متحف مصر اليوم وأنتم بإمكانكم أن تروا الإنسان المحنط منذ أربعة آلاف سنة لا يزال جسمه وجلده وشعره وتجاعيد وجهه وأظافره بنفس الحالة القائمة. بعد هذا اكتُشف تاريخ الفراعنة القدامى، من أين اكتُشف؟ من معالم المقابر كيفية الدفن، المسائل التي كانوا يدفنونها مع الفراعنة اكتُشفت كلّها. حينئذٍ تبيّن تاريخ مصر... قرأنا تاريخ مصر المكتشف الجديد وجدنا أن الفراعنة كلّهم موجودون... لا يوجد غريق فرعوني، أين الفرعون الغريق الذي تقولون عنه إنه غرق؟
لا يوجد فرعون غريق، الفراعنة كلّهم موجودون. طيب! إذا الفراعنة كلّهم موجودون، فالشيء الذي ينقله التوراة أو القرآن بأن فرعون الذي كان يتابع ويمشي وراء موسى غرق في البحر الأحمر، في بحر القلزم، غرق وراح كيف هذا الشيء؟
نرجع للقرآن فنندهش من الآية الكريمة حينما نسمع أن القرآن الكريم يقول: ﴿فَالْيَوْمَ﴾ خطاب إلى فرعون وهو غريق: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ آيَةً للناس﴾ [يونس، 92]. بدن فرعون نجا من الغرق... الآن اليوم أنت تفهم ﴿ننجيك ببدنك﴾ مثلما كنت تفسرها سابقًا؟
فإذًا، كلام الله ليس فيه خطأ، بينما التوراة لأنه من كتبة الوحي ليس النصّ المنزل. التوراة ليس نصًا منزلًا. كتَّاب الوحي كتبوه فالكتَّاب عبَّروا عن مدى ثقافتهم ومعلوماتهم، وما كان عندهم ثقافة دائمة حتى يعرفوا هذه الأشياء، بينما القرآن كلام الله. فلماذا نحن نقول اللغة العربية يجب أن نهتم بها أيّها الإخوان؟ لأنها لغة الله، لغة القرآن.
القرآن إذا ترجمته بأيّ لغة لن يحتفظ بالسلامة والعمق والصفة الأصلية، مفاهيم جديدة. لكن المترجم سوف يضع في ترجمته ما يفهم، ليس أكثر مما يفهم. فإذًا، لا نقدر أن نفهم من الترجمة مثلما نفهم من القرآن. فاللغة العربية وجودها قاعدة لفهم القرآن والمحافظة على اللغة العربية، أيّها المسلمون أيّها المؤمنون كلّكم المحافظة على اللغة العربية واجبة، لأنها محافظة على القرآن الكريم. فيجب أن نحتفظ بها لأنها سند والذي يتآمر على اللغة العربية يتآمر على القرآن من دون أن يشعر أو مع أن يشعر لا أعرف نيتهم.
اللغة العربية يجب أن نحتفظ بها حتى نفهم القرآن، لأن نفهم القرآن اليوم... غدًا ممكن أن نفهم سورة ثانية وأشياء أخرى وهكذا.
مثال ثانٍ: تجد في قصة (هل تعبتم؟) تجد في القرآن الكريم في قضية يوسف (عليه السلام) تجد أن القرآن الكريم يعّبر عن فرعون مصر وملك مصر يعبر بالعزيز امرأة العزيز، قال العزيز، العزيز. الواحد يتعجب، سابقًا كنا نتعجب لماذا العزيز؟ لا بأس العزيز يعني الإنسان العزيز قد نسمي الملك ملكًا، وقد نسميه فرعون وقد نسميه عزيزًا وأمثال ذلك... حتى انكشف تاريخ مصر القديم فتبين أن الرجل الذي كان مُعاصرًا للنبي يوسف (عليه السلام) غيَّر دين آبائه فآمن بإله الشمس وسمى نفسه فوطيفار. فوطيفار يعني عزيز إله الشمس والقرآن حينما يريد أن ينقل عزيز إله الشمس... قرآن كتاب التوحيد لا يؤمن بإله الشمس فيحذف المضاف إليه ويجعل محل المضاف إليه ألف ولام، يجوز أن نقول غلام زيدٍ الغلام، أليس كذلك؟ الألف واللام يقومان مقام المضاف إليه فحذف إله الشمس وذكر الإشارة بكلمة العزيز العزيز يعني ذلك. وبذلك ترجم وعبَّر وأتقن في الكلمة من دون أن يبتلي بالتعبير عن إله الشمس، أليست هذه معجزة تدلّ على وسعة هذه الثقافة التي تختفي وراء كلمات القرآن. وإذا فتشت في القرآن تجد الكثير الكثير من هذا النوع في جميع الحقول والأبحاث مما يدهش الإنسان.
بصورة موجزة لن تجد في القرآن غلطة، مع أن الكتاب كتب أو أنزل قبل ألف وأربعمئة سنة، فذكر من الكون من الأمثال في خلق الحيوانات، في خلق الكون، في القمر، الشمس، في كلّ شيء أشياء غريبة لا تجد غلطًا، مع أن القرآن لو كان كتابًا مؤلفًا لشخص كان الشخص يعبِّر عن ثقافته العصرية.
مثال اجتماعي، تجد في القرآن الكريم هذه الآية نقول: ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فهو لكم وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة، 272]. كيف كنّا نفهم هذه الآية سابقًا: ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فهو لكم وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة، 272]؟ كنّا نفهم هذه الآية بالمعنى المعروف بأن الشخص إذا أنفق في سبيل الله، الله سبحانه وتعالى يعوَّض عليه يوم القيامة ولا يظلمه ويعطيه الجزاء، أليس كذلك؟ هكذا كنّا نفهم: ﴿مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ﴾ [الحديد، 11]. إذا أعطيت في هذه الدنيا فسوف يعطيك الله سبحانه وتعالى في دار الآخرة.
هكذا كنّا نفهم تفسيرًا صحيحًا معقولًا. لكن اليوم وبعد تطور الأفكار الاجتماعية بإمكاننا أن نفهم هذه الآية بصورة ثانية غير هذه الصورة. كيف ذلك؟
(أرجو الانتباه إلى هذا التفسير:-أسألكم الدعاء أيّها الإخوان المصلين، إن شاء الله نحن أيضًا نتوفق في الصلاة، مثلما شرحت في السؤال في هذا الوقت وقت الصلاة فلكم الفضل في إقامة الصلاة وإن شاء الله لنا الأجر أيضًا بالاستماع وإن شاء الله سوف يرجع الإخوان)
﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فهو لكم﴾ [البقرة، 272]، أرجو أن تنتبهوا إلى هذا المثال، المجتمع ومستوى الحياة في المجتمعات من صنع البشر، أليس كذلك؟ يعني نحن أبناء المجتمع نشتغل ونرفع مستوى حضارتنا ومجتمعاتنا، يعني العامل يشتغل في البناء، المهندس يعطي خرائط، الطبيب يعالج المرضى ويحتفظ بالطاقات لأجل العمال، المحامي يدافع عن المظلوم مثلًا، الرجل الدين يقوم، هؤلاء الناس التجار ينقلون الثروة من بلد إلى بلد. المجتمعات ترتفع وتعطي إنتاجًا وثمارًا على يد أبناء المجتمعات، أليس كذلك؟
فكلّما كان العاملين في الحقل الاجتماعي أكثر، المستوى الاجتماعي سيكون أرفع. لو اشتغل في بناء المجتمعات مئة شخص يكون المستوى أرفع مما إذا اشتغل في حقل المجتمعات تسعون شخصًا أو ستون شخصًا أو خمسون شخصًا، أعتقد هذا شيء رياضي واضح. فنحن إذا تمكنا أن نهيئ لمجتمعاتنا ألف عامل وألف مهندس وألف طبيب وألف محامٍ وألف تاجر... نحن مجتمع أرفع.
بينما إذا خلقنا لمجتمعاتنا خمسمئة عامل وخمسمئة محامٍ وخمسمئة مهندس وخمسمئة... يكون مستوى المجتمع النصف، هذا شيء واضح أعتقد. طيب! من ناحية ثانية، نحن نستفيد من مستوى المجتمعات أليس كذلك؟
إذا كان مستوى الثقافة في مجتمعاتنا أرفع نحن نستفيد؛ إذا كان مستوى الأخلاق أرفع نحن نستفيد، وأولادنا يستفيدوا؛ إذا كان مستوى الصحة والأمانة في المجتمعات أكثر التجارة تتنشط نحن نستفيد؛ إذا كان مستوى المدارس أرفع نحن نستفيد. فنحن الذين نستفيد من مستويات ثقافتنا وتربيتنا وتجارتنا وخلقنا، لأن مستوى الحضارة الاجتماعية عندما ارتفع كلّ أبناء المجتمع يتمتعون ويقطفون ثمار هذه المجتمعات.
نرجع إلى تفسير الآية: ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فهو لكم﴾ [البقرة، 272]. نعم، أنتم إذا ساعدتم الطبقة الفقيرة نفترض أن هناك مجتمعًا فيه مئة ألف شخص، في هذا المجتمع عشرة آلاف فقير عشرة آلاف عائلة، لو نحن تجاهلنا عشرة آلاف... كم يد تشتغل في بناء المجتمع؟ تسعمئة وتسعين ألف يد بين عامل ومهندس ومحامٍ وطبيب وفلان وفلان. بينما إذا أنفقنا على طبقة الفقراء ورفعنا مستواهم، وتمكنوا من تربية أولادهم، وجعلهم مهندسين ومحامين، وكانت المواد الغذائية كافية لأولادهم حتى يتمكنوا أن يكونوا عمالًا أقوياء نشيطين، سوف يشترك في بناء مجتمعاتنا مئة ألف يد، مستوى المجتمع يصير أرفع، من المستفيد؟ كلّ أبناء المجتمعات.
فإذًا، ﴿وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ﴾ [البقرة، 272] يعني الذي تعطيه لرفع مستوى الفقير بالنتيجة يساعد في رفع مستوى مجتمعك، وأنت أول المستفيدين من حياتك الاجتماعية. أليس كذلك؟ ﴿وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة، 272].
بينما إذا تجاهلت الفقراء عشرة آلاف عائلة موجودة عندك، إذا ما أنفقت وما ساعدت وما تمكنت وما أعطيت وتجاهلت الفقراء ماذا تكون النتيجة؟ هؤلاء ليس لهم مواد غذائية كافية لتغذية الأولاد فيصبح أولادهم معرضين –اسمعوا- فيصبح أولادهم معرضين لأمراض كثيرة، وإذا تمرض ابن الفقير ووُجِد في المجتمع ميكروب معين، فالميكروب يعرف الفقير والغني؟ فإذًا، المرض الذي يشيع بين أبناء الفقراء حتمًا يسري إلى أبناء الأغنياء، فمن المظلوم حينئذٍ؟
المجتمع إذا تجاهل أمر الفقراء وما أعطاهم شيئًا، الآباء ما تمكنوا أن يثقفوا أولادهم ويلبِّسوا أولادهم ويعطوهم الحياة الأمينة السعيدة... ما ربوا أولادهم، أولادهم صاروا فاسدين خلقيًا اجتماعيًا ثقافيًا، مشوا في الشوارع، أخلاقهم وسخة غير مرتبة غير مهذبة... من الذي يتأثر بهذه الطبقة؟ أليس ابني وابنك؟ من المظلوم حينئذٍ؟ فأنتم أليس كذلك؟
وهكذا حرمت نفسك من الطبقة العاملة الصالحة والطبقة المهندسة الصالحة وطبقة المحامين الصالحين، فأشعت في مجتمعك الأمراض والأعراض والخُلق السيء وعدم التربية وقلّة الثقافة، زائدًا على الحقد والكراهية؛ لأنك إذا تجاهلت المجتمعات وبدأت تعيش حياة سعيدة مرتبة، حياة مرتبة سليمة... فالفقير حينما ينظر إليك ويجد أنك متمتع بكلّ وسائل الراحة وهو لا يملك ما يساعد مريضه وطفله من براثن المرض، يجده بين يدي الموت ولا يتمكن من أن يعالجه، ثم يجد حضرتي أنفق كذا ألف فرنك في سبيل كلبي أو في سبيل حذائي أو في سبيل اللوكس في حياتي ألا يحقد عليك هذا الفقير؟
وهذا الحقد... من الخاسر من هذا الحقد؟ لا شكّ أنه الفقير. لا أقول إن طريق الإنفاق سيكون طريق الصدقات لا، سيكون طريقًا شريفًا وطريقًا محترمًا.
فإذًا، نحن اليوم بعد دراسة هذه المفاهيم الاجتماعية بإمكاننا أن نفسر هذه الآية تفسيرًا جديدًا: ﴿فمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فهو لكم﴾ [البقرة، 272]، أنت تستفيد: ﴿وأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة، 272]، أليس كذلك؟
كما أن الآية الكريمة الثانية: ﴿وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة، 195]، نفس المعنى. يقول لك أنفق في سبيل الله، إذا ما أنفقت، إذا تجاهلت الفقراء، إذا امتنعت من مساعدة الفقراء فقد ألقيت نفسك في التهلكة، أنت الخاسر.
فإذًا، نرجع إلى بحثنا لكي نقول نحن بإمكاننا في كلّ عصر وفي كلّ زمان أن نفهم معانٍ جديدة من قرآننا من كلمات ربنا، أحكام ديننا مع الاحتفاظ بأصالته وإطاره الغيبي وأساسه الديني، ونتمكن أن نستفيد من القرآن في كلّ عصر وفي كلّ تطور، لأن التطور ما هو إلّا من صنع يدنا؛ فيجب أن يكون وعينا الفكري الثقافي بمستوى وعينا الفني الصناعي حتى نتمكن من تمشية الدين والدنيا.
[...].

source
عدد مرات التشغيل : 28