إسرائيل الباطل كله

calendar icon 01 أيلول 1969 الكاتب:موسى الصدر

* رسالة الإمام الصدر إلى المؤتمر الوطني الفلسطيني المنعقد في القاهرة بتاريخ 1 أيلول 1969، مخطوطة من محفوظات مركز الإمام الصدر للأبحاث والدراسات.
باسمه تعالى
أيها الإخوة المجاهدون،
السلام عليكم، سلام الله الذي يأبى لعباده الاستسلام، ورحمته وبركاته.
لا أقصد في هذه الرسالة حثكم على الجهاد والتضحيات لأنكم وهبتم أنفسكم لأمتكم ونذرتم أرواحكم للحق والكرامة،
ولا أراكم تحتاجون إلى أن أبعث الأمل بالنصر في نفوسكم، فأنتم من فجّر الأمل في هذه الأمة في ظلمات ليلها اليائس،
ولكني أغتنم الفرصة فأرسم لكم مفهومي عن أبعاد ثورتكم وأصداء جهادكم، وأؤكد لكم أن مؤتمركم الوطني لا يختص بالشعب الفلسطيني المناضل، بل إنه يتخطى هذا الإطار لكي يبلغ مداه وضع الأمة كلها ثم يصل إلى تاريخ العالم وجغرافيته، بل هو يتجاوز الأرض حتى يتصل بالسماء.
أيها المجاهدون الأبطال،
إن ثورتكم ليست ثورة شعب مضطهد فحسب، بل إنها ثورة الأمة على ماضيها القريب والبعيد، تلك الأمة التي أحست الخطر فسكتت وتكاسلت وسايرت الظلم حتى قوي واشتد، فأسس قاعدة الظلام في منطلق النور.
إنها ثورة على العالم كله الذي جهل أو تجاهل الصهيونية، فأولدها ورعاها ولا يزال يحميها حتى كبرت فافترست الآخرين، وستفترس الأم والأب وتقضي على بقايا الإنسانية الموجودة في العالم.
أجل! إن إسرائيل هي وليدة الحضارة المادية الطاغية ونتيجة حتمية للمبادئ الحضارية الغربية وللطغيان الأناني الذي بُني في نهاية القرون الوسطى على أساس التنكر لله والقيم، ذلك الطغيان في الظلم حتى إن راحة ضميره الكاذب تتجسد في التعدي على الشعوب الأخرى.
إن دولة إسرائيل تمثل تمثيلًا كاملًا تلك الحضارة بالاحتكار، والاستثمار، والتفرقة العنصرية، والتعصب الديني والظلم، والاغتصاب والقسوة.
إن ثورتكم ثورة على التضليل الشامل الذي يسيطر على العقول والقلوب فيجعلها تفكر وتعطف بصورة غبية على الاضطهاد والقتل والتشريد.
إنها ثورة الحق الذي ينبلج كالفجر الصادق قليلًا وضعيفًا فينمو وينتشر على ظلام الليل الكبير فيحول العالم إلى ضياء وأمل وحركة بناءة واعية.
إنها ثورة على العنصر الذي كفر وطغى وقتل أنبياء الله بغير حق، ووضع الأحاديث والتعاليم الكاذبة وتآمر على مئات الألوف من المؤمنين وحرَّف الأديان وشوَّه الحقائق وزوَّر التاريخ وأشاع الفساد والانحراف والميوعة.
إنكم يا جنود الله الأبطال بجهادكم تسبحون الله وتنزهونه عن الصفات التي تزعم الصهيونية اتصافه بها من التمييز بين خلقه، والانحياز في تصرفاته، والغل في يده وعطائه والغش في ملكوته والخطأ في رسالته واتهام أنبيائه وتنفيذ وعده بالنار والحديد.
إنكم ترفضون وصف الله الرحمن الرحيم بالكراهية والبغضاء لأكثرية خلقه.
إنكم تنفذون أوامر السيد المسيح حينما يقول: "لا تعطوا القدس للكلاب والخنازير"، وتنتقمون له إذ حاولوا قتله بعد اتهامه بالكذب وتقدسون سيدة النساء مريم العذراء التي اتهموها وأثكلوها.
إنكم تجسدون الإخبار القرآني الذي يقول: ﴿ضُربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله﴾ [البقرة، 61]، وتطيعون أوامر النبي المنذر.
إنكم في الطريق إلى الأرض التي باركها الله وطهرها وإلى المدينة المقدسة التي منها انطلقت الأديان والحضارات الإنسانية والتقت فيها بعضها مع بعض فكانت مولد المسيح ومسرى محمد ونبع العلوم والمدنية في مطلع تاريخ الإنسان.
إن دماء شهدائكم تروي كرامة العرب وتعيد حياة الأديان والقيم الإنسانية.
إن عدوكم يمثل الباطل كله وعلى ثورتكم أن تجسد الحق كله.
أيها الإخوة الأبطال،
هذه أبعاد ثورتكم المقدسة وهذه معاني جهادكم الشاق الطويل. فإذا كانت أعباؤكم ومشاقكم تفوق الثورات كلها فإن هذه هي طبيعة تناسب الغاية والوسيلة.
ترى أي ثورة أشق من ثورتكم وأي جهاد أخطر وأضنى من جهادكم؟
هل ثورة الشعب الفيتنامي ضد الاستعمار الأميركي؟ فأميركا، لعبة الصهيونية العالمية، لا تملك من وسائل التضليل والسيطرة على عقول الناس وكسب العطف العالمي ما تملكه إسرائيل.
إن الاستعمار الفرنسي في محاربته لثورة الجزائري البطل كان يعارض من قبل الإنسان في فرنسا، وكلنا يعلم أن قائد فرنسا الكبير قد تعرض للموت لمواقفه من الثورة الجزائرية.
أما عدوكم فلا يملك ضميرًا فهل سمعتم خلال عشرين عامًا في داخل إسرائيل وخارجها غير المزايدات والتطرف، إنها ظلمات بعضها فوق بعض.
أيها الأبطال،
إن ثورتكم أكبر من الثورة الطبقية وأشمل من محاربة الفساد والكفر وأعمق من الوقوف في وجه التعصب الديني وأعنف من الحرب العنصرية.
إنها ثورة على جميع وجوه الباطل، إنها أثقل ثورة في العالم ضد أخطر عدو في العالم.
أيها الإخوة الأبطال،
من أجل ذلك كله، أعتقد أن ثورتكم أكثر الثورات حاجة إلى المناقبية والتسامي حيث أن الإخلاص في النية والسمو في السعي يقربانكم إلى الله ينبوع القوة والحق والوعي ويدخلان قضيتكم العادلة إلى ضمائر العالم الحية.
إنكم أيها الأبطال كبار لا تحتاجون إلى التكبر وعظماء دون مزايدة وأصبحتم في قلوب مئات الملايين دون التوسل إلى الديماغوجية.
إن قوتكم في حقكم وفي وقفة الضمير معكم وفي عواطف الملايين من العرب ومواقف الملايين من البشر بجانبكم.
أيها الإخوة الأعزاء،
أرفع إليكم صوت إخوانكم في جنوب لبنان إحدى أقوى قواعدكم وإحدى أهم منطلقاتكم.
إننا نعيش في محنة قاسية وفي حيرة قاتمية، إن عدوكم وهو عدونا بدأ يعيث فسادًا بضرباته وتهديداته ودورياته مما يهدد مصيرنا ومصير هذه القاعدة التي هي ذات تأثير مصيري عليكم.
إن هذه المحنة ليست ناجمة عن وجود المقاومة على أرضنا ولا عن نشاطها وتحركاتها، وإلا كنا نتحمل الضربات بصبر وشكر ورضا.
ولكنها حصلت من تصرفات فوضوية صادرة عن فئات أدعياء للعمل الفدائي، استغلت اسمكم وتاجرت برصيدكم وتحدت الناس واستفزتهم على حسابكم.
إنها خلقت الفوضى والضربات الارتجالية التي انعكست في العالم ضدكم وفي لبنان ضد الأبرياء المخلصين لكم.
إنها حمَّلت وتحمِّلكم، بنشاطاتها السياسية الخاصة، أعباء فوق أعبائكم الثقال وتسلبكم رصيدًا كبيرًا، حتى بلغ الأمر بها حدًا شككت الناس في اهتمامكم بلبنان وحرصكم على سيادته وسلامة أراضيه.
أيها الإخوة،
إن بقاء لبنان لكم وتحرير فلسطين إنقاذ لمستقبل لبنان، فإلى التفاهم والاتفاق وتوحيد الكلمة وإلى تنظيم الأعمال والحركات، وإلى صيانة الدماء الذكية التي تراق على الأرض المقدسة من عبث العابثين.
إلى الأمام أيها المجاهدون الأبطال، إلى اللقاء في الميدان، في الطريق، في القدس المقدسة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رسالة الإمام إلى المؤتمر الوطني الفلسطيني المنعقد في القاهرة

source