المُلكية في الإسلام: المحاضرة الأولى

الرئيسية صوتيات التفاصيل
الكاتب:موسى الصدر

* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.
بالنسبة للبحث الثقافي، في الواقع سنتحدث قليلًا في الاقتصاد. قبل كل شيء أريد أن أقول لكم إنّي لست خبيرًا اقتصاديًا إنما شهادتي الجامعية في الاقتصاد. أنا خرّيج كلية الحقوق فرع الاقتصاد السياسي، يعني هذه دراستي. إذًا، هذه الدرجة من الاختصاص -يعني عندي ليسانس في الموضوع، تمكنني من استيعاب الخطوط العريضة للاقتصاد، ولا أدّعي التفاصيل.
نحن إيديولوجيًا نحتاج إلى خطوط عريضة، يعني نستطيع أن نناقش نظرية ماركس، نظرية القيمة الفائضة le plus-value، بسهولة نقدر أن نناقش مسألة التوزيع. هناك بحث طويل كتبته أنا في مجلات فارسية من حوالي 14 أو 15 سنة، ومجمّع في كتاب -وسنترجمه بإذن الله- حول مسألة التوزيع.
الثروة كيف تتوزع؟ هذا بحث إن شاء الله نتركه للمراحل القادمة. اليوم عندي كلمة واحدة هي أهم ما في الاقتصاد الإسلامي، وأهم التمايزات بين الاقتصاد الإسلامي وبين الاقتصاد الرأسمالي، وبين الاقتصاد الشيوعي، وبين الاقتصاد النصف نصف.لأنه يوجد اقتصاد وسط. الاقتصاد الاشتراكي أخذ من الرأسمالية؛ اقتصاد الرأسمالية أخذ التوجيه يعني البرمجة التي هي اقتصاد أو قسم منها.
نحن في الواقع جوهر الاقتصاد الإسلامي بتصورنا -والاقتصاد الإسلامي له مبادئ كثيرة منطلقة من تحريم الربا، من تحريم الاحتكار، وأمثال ذلك- لكن الجوهر هو معنى الملكية في الإسلام، كيف نفهم الملكية في الإسلام؟ بإمكاننا أن ننتقل إلى مسائل أخرى وهذا أمر في منتهى الأهمية. بعنوان المقدمة أحد مشاكلنا الأساسية مسألة التشابه، الشبهة، وتسمى شبهة للتشابه، تتشوّه الأمور.
عندما طُرحت أو طُرح الاقتصاد الشيوعي في العالم وألغوا من أفكارهم "الملكية الفردية" تصدى بعض الناس وقال إن الإسلام يقرّ الملكية الفردية. أولئك قالوا الملكية احتكار، والملكية استثمار، والملكية برأي ماركس سرقة، وصار صراع. الصراع كان ناتجًا عن أن الملكية في الإسلام فُهمت على طريقة الملكية الرأسمالية. فالشبهة يعني المشابهة بالاسم هي التي خلقت الصراعات بين الإسلام وبين الاقتصاد الاشتراكي في غير محله في مكان آخر غير المكان الذي يجب أن يكون هناك صراع. وهذا يذكرني ببحث جرى بيني وبين المرحوم الشيخ سعدي ياسين وهو أحد علماء بيروت، وأحد مؤسسي رابطة العالم الإسلامي في مكّة، كنّا جالسين وجرى الحديث عن اليمين واليسار، بدأ أخونا الشيخ سعدي ياسين (رحمه الله، توفي) يصرّ على أن الإسلام يمين؛ قلت له: يا أخي، ما الذي يفرض عليك أن تلتزم بهذا الشكل، وتضع نفسك إلى جانب المستعمرين والإمبريالية العالمية، لماذا؟ لماذا تتحمل أوزار الاستعمار؟ قال: من نحن؟ قلت له: نحن في المنطق القرآني على الصراط المستقيم، ﴿غير المغضوب عليهم ولا الضالين﴾ [الفاتحة، 7].
والحقيقة، المتفحّص بعمق في القرآن يرى أن المغضوب عليهم هم اليمين والضالين هم اليسار. ونحن على الصراط المستقيم. حسنًا، الآن، اليوم الادّعاء بدون دليل، أنا أقول الصراط المستقيم وغير المغضوب عليهم ادعاء بدون دليل، ولكن أريد أن أذكر وأُدخل في ذهنكم حتى نتحدث في المستقبل أنه نحن لسنا يمينيين. حسنًا، لماذا أتحمل مسؤولية ووساخات أميركا، واستعمار بريطانيا، وسوابق فرنسا، والاحتكار التجاري والاقتصادي الألماني، لماذا أتحمل المسؤولية؟ لماذا أضع الإسلام في مصافِ اليمين وأقول أنا يمين؟ وصار الشيخ سعدي ياسين يقرأ لي: ﴿وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين * في سدر مخضود * وطلح منضود * وظل ممدود﴾ [الواقعة، 27-30]. في الواقع، الملكية في الإسلام تشبه هذا الشيء.
نحن حديثنا أن الملكية بالمفهوم الرأسمالي في الإسلام غير موجودة. يعني نحن في الإسلام عندما نقول الملكية، أنا مالك، الناس مسلطون على أموالهم، أنا أملك هذا الشيء، أساسًا يختلف عن الملكية في المفهوم الرأسمالي. الملكية بالمفهوم الإسلامي لله فقط، نحن لا نقرّ أن الشخص يقدر يملك ملكية بالمفهوم الرأسمالي، لماذا؟ لأن الملكية بالمفهوم الرأسمالي يعني الاختيار التامّ. وأنتم قرأتم في الصحف أن فلانًا أوصى بميراثه لكلب، فلانًا وهب ماله للشيء الفلاني. الملكية في المفهوم الغربي والمفهوم الرأسمالي يعني الصلاحيات التامّة الكاملة، يعني هذا الشيء له. تأتي الاشتراكية ترفض وتقول الملكية بهذا المعنى سرقة.
وخذْ نظرية القيمة الفائضة لماركس والمستندة إلى نظرية القيمة، إن قيمة الشيء تعادل العمل المجسّد في الشيء. وتناقش وترى ناسًا يتمسكون بالملكية ويدافعون عن الرأسمالية بالسيفين وبدون سبب. حسنًا! أنا لماذا أريد أن أدافع عن الرأسمالية، والرأسمالية عندها أموال وفلاسفة وعلماء وجامعات، فتدافع عن نفسها. أنا المفروض أن أدافع عن إسلامي، عن الملكية بمفهومي.
في الواقع، إن الملكية في الإسلام ليست صلاحيات كاملة، إنما صلاحيات مسؤولة، مثلًا: هل يحقّ للإنسان المالك أن يُسرف أو يُبذّر؟ أنا أبدأ من المسائل الواضحة، يعني هذا ليس اكتشافًا للبارود. إنما نحن المسلمون نغمض أعيننا عن حقيقة الإسلام. هل يحقّ للمالك أن يسرف أو يبذّر؟ كلا، صريحًا القرآن يقول: ﴿كلوا واشربوا ولا تسرفوا﴾ [الأعراف، 31]، الإسراف حرام، والتبذير حرام.
هل يحقّ للمالك ألّا يدفع الحقوق الشرعية؟
هل يحقّ للمالك أن يرمي ماله في البحر؟
هل يحقّ للمالك أن يوصي بكل أمواله لابنه الوحيد، لواحد من أولاده، أو لكلبه، أو لمؤسسته؟ إلّا في الثلث.
هل يحقّ للمالك...؟
أنا عندي، يا سيدي، هذا القلم أضعه هنا، أو أحمله وأكسره، لي الحقّ في هذا الشيء؟ طبعًا، ليس لي الحقّ.
إذًا، هذه معالم القصة، إنّ الملكية في الإسلام ليست صلاحيات كاملة، وأنا أتصرّف في ملكي كما أشاء وبدون مسؤولية. أضف إلى ذلك أن الملكية في الغرب لا حدود لها، يعني أنا أريد أن أحتكر، هذا القلم أو هذا القمح أو هذا الأرز اليوم رخيص، وعندما يصبح غاليًا وأريد أن أبيع بالسعر الذي أنا أفرضه،  [أنا] حرّ. بينما في الإسلام الاحتكار حرام.
عندما تنتقل للأساس، أرجو الانتباه لهذه النقطة -في كلمتين معقدتين وبعدها الأمور واضحة- إذا نحن انتقلنا إلى عمق الأشياء نرى أن الملكية والانتماء بين المالك والمملوك لله لأنه لستُ أنا المكوِّن، لستُ أنا الذي أعطيت القيمة للشيء، أنا أعطيت جزءًا من القيمة. هذا القلم، من خالق هذا القلم؟ من صانع هذا القلم؟ هذا القلم، قسم من التفكير وذوق المبتكر ومهارة الصانع عملت القلم. لكن من أين يأتي بالمواد؟ مادة الحديد؟ أنا أخلق الحديد؟ أنا لا أخلق الحديد، الحديد آخذه من الأرض، أي شيء في الدنيا، أي ملك في الدنيا تركيب بين الطبيعة وبين التفكير. وبين الممارسة والعمل. إذا قلنا التفكير أيضًا عمل فكري. إذًا كل شيء في الدنيا له عنصران، عنصر من الطبيعة -يعني مما خلقه الله-، وعنصر آخر هو شغلي أنا. ونحن لا نتنكّر للإنتاج الإنساني، العمل الإنساني محترم وأكثر من محترم أيضًا.
حسنًا، الطبيعة لمن؟ الطبيعة الله خلقها، حسنًا، لماذا يجب أن تكون لي؟
بمفهوم الملكية الخاص بالغرب، أنا حفرت البئر هنا وطلّعت بترول، أنا أخذت الصخرة وطلّعت حديدًا، أنا زرعت قطنًا في مصر وطلع النوع الأجود من القطن والذي أليافه طويلة -وأنتم تعرفون أن ثمن القطن المصري أضعاف ثمن القطن الآخر- حسنًا، لماذا يكون لي هذا الشيء حتى أنا أتصرف به كما أشاء؟ هنا ندرك معنى الملكية الإسلامية، بأن الملكية أولًا، خصصت هذا الشيء لي لأنني أنا شاركت في صناعته، يعني عنصر الفعل كان لي، أما الطبيعة فأنا حافظها وحاميها. وأمام هذه الملكية أنا وُضعت مسؤولًا والتزمت تجاه الحكم الشرعي بأحكام معينة.
فلنوضحْ أكثر، الماركسية تقول إن هذه المصانع والإنتاجات البشرية يجب أن نؤممها. حسنًا، أممناها. ماذا تعمل الماركسية... لدى الغرب؟
الملكية في الإسلام مسؤولية، وظيفة، يعني المالك موظف لدى الدولة بإدارة شؤون مملوكه، فيحافظ عليها بكل رغبة لأنه مالك، ولا يقدر أن يحتكر، ولا أن يحطّم، ولا أن يرمي في البحر، ولا يعطي لكلاب، ولا يوصي كما يشاء... لا إمكانية لذلك. ولا يمكن أن يستعمله إلّا ضمن المصلحة العامة في مرضاة الله. يعني الإنسان لا يمكن أن يتصرف في ماله تصرّفًا محرّمًا، هنا المنعطف الأساسي بالنسبة للملكية، لأن المالك ليس بإمكانه أن يحتكر، يعني أن يصطدم مع المصلحة العامة، ليس بإمكانه أن يربح ربحًا فاحشًا نتيجة للضغط على الناس، وهكذا.
إذًا، الملكية في الإسلام بدون أن ندور من هنا وهنا، من الأساس كأننا أممنا كل شيء في الدنيا وأعطينا هذه المسجلة للموظف اسمه موسى الصدر لكن سميناه مالكًا، ولكن ما نفع كونه مالكًا؟ الملك لله، للأمة، المالكون أمناء.
طبعًا، هذه نقطة أساسية في الملكية، وإذا لاحظنا أن كل مالٍ في العالم هو نتيجة تزاوج بين الفكر والعمل والطبيعة نرى أن المالك في الإسلام أمين على الطبيعة، يستفيد من إنتاجه، من فكره، من عمله الذي هو في الحقيقة نتيحة جهد الآخرين، لأن أنا خبرتي في المدرسة، والآخرون عملوا في المدرسة عملًا كبيرًا، وعملوا المدرسة، وعملوا التفكير، ووضعوا الأفكار بعضهم مع بعض، وبرز الاختصاص، وأنا تعلّمت والآخرون مشاركون بما أنا فيه من العمل.
إذًا، لي شرف إدارة هذا الملك الذي ملكيته مؤلفة من الإنتاج والتفكير والممارسة زائد الطبيعة. ولست مالكًا على الطريقة الغربية، أحتكر الطبيعة وأتصرف فيها كما أشاء، لا أستطيع أن أتصرف فيها كما أشاء.
هذا المنعطف في الاقتصاد، طبعًا نتحدث في بعض النتائج وبعض الأحكام في الجلسات القادمة.
غفر الله لنا ولكم.

source
عدد مرات التشغيل : 14