المهدي (عجّل الله فرجه)

الرئيسية صوتيات التفاصيل
الكاتب:موسى الصدر

يأتي الخامس عشر من شعبان، حاملًا معه ذكرى ولادة الإمام محمد بن الحسن المهدي (عجّل الله فرجه الشريف). وبهذه المناسبة الكريمة يتحدث الإمام الصدر عن معاني الانتظار والتهيؤ، وعن الغاية منهما في سبيل تحقيق العدل. وهذا النص كاملًا:

مولد صاحب الزمان، يضعنا أمام التفكير في هذه الظاهرة، التي يحفظها الشيعة عبر التاريخ. وهي ليست فكرة شيعية محضة، بل فكرة إسلامية، وفكرة كل المؤمنين، بل فكرة كل إنسان.
الإمام صاحب الزمان في عقيدتنا التي نحن نؤمن بها وجزء من عقيدتنا، هو محمد بن الحسن العسكري، الإمام الثاني عشر من أئمة الشيعة. وأنه ولد ونما واستلم الإمامة بعد وفاة والده، وصلى على جنازة والده، ثم غاب غيبتين: الغيبة الصغرى، التي دامت أربعًا وسبعين سنة، يعني كان عمره أربعًا وسبعين سنة عندما انتهت الغيبة الصغرى. وفي أيام الغيبة الصغرى، كان شخصًا واحدًا، الذي كانوا يسمونه بالنائب، كان يتصل بالناس، ويحمل رسالة إلى الإمام ومن الإمام. والنواب أربعة، وهم معروفون في التاريخ... من المؤكد قرأتم هذا الموضوع، عثمان بن سعيد العمري، حسين بن روح... أربعة أشخاص معروفون لم يكونوا أعلم الناس، ولكن أعالم الناس كانوا يخضعون لهم؛ مثلًا الكليني كبير علماء الشيعة، كان يقف أمام من هو أقل منه علمًا، باعتبار أنه هو متصل بالإمام.
في أيام الغيبة الصغرى، كان الاتصال بواسطة النواب الأربعة. ثم جاءت الرسالة الناعية، وإعلان بدء الغيبة الكبرى. فغاب الإمام صاحب الزمان، إلى أن يسمح الله سبحانه وتعالى بظهوره. هذه الفكرة تطرح تساؤلات حول نقاط مهمة أحب أن أمر عليها بشكل سريع أمامكم:
أولًا، هل يعقل أن يولد إنسان ويغيب ويعيش في الوقت الحاضر، ألفًا ومئة [سنة] ثم يظهر؟ مع العلم أن الإنسان العادي في هذا العصر يعيش سبعين سنة، ثمانين سنة، مئة وعشر سنوات وليس أكثر؟
السؤال الثاني، ما هو أثر الإمام الغائب؟ وأيّ دور لعب الإيمان بالإمام الغائب في تاريخنا؟
الثالث، ما هو أساس فكرة الإمام الغائب؟ ما هو بعده العام الإيديولوجي؟ ما بعده الشخصي؟
النقطة الرابعة، الدليل على هذه الفكرة في الشرع(1). في الواقع الآن شعرت أن البحث تشعب وأصبح طويلًا، ولكن سنتحدث فيما يتيسر.
فكرة الإمام الغائب أو فكرة ظهور المهدي، أو فكرة ظهور المصلح، أو المخلص فكرة قديمة. كل الأديان، كل المضطهدين، كل المؤمنين كانوا ينتظرون شيئًا. هذا واضح في التاريخ، وواضح في نصوص الكتب، في التوراة والإنجيل، وواضح في القرآن في عدة آيات: ﴿ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون﴾ [الأنبياء، 105]. ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنًا يعبدونني لا يشركون بي شيئًا﴾ [النور، 55]، آية أخرى: ﴿ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين﴾ [القصص، 5]، وقبل، الآية: ﴿يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب﴾ [الأنبياء، 104]. آية تؤكد على أن هناك مستقبل مشرق. انتظر هذا المخلص اليهود، وانتظره النصارى، وانتظره المسلمون. وفي روايات المسلمين جميعًا، سنة وشيعة، مئات بل ألوف من الروايات، تؤكد أنه سيأتي إنسان ما هي تفاصيله؟ بدون تفاصيل. لكن [...]
وفي التاريخ الإسلامي، عشرات من الناس ادَّعوا المهدوية. مثلًا [...] محمد بن عبد الله المحض ادعى أنه مهدي، المنصور الدوانيقي كان يدعي في البداية أنه مهدي. المهديون كثيرون... المهدي السوداني، وفرقة الختمية، الختمية المهدويون. أساسًا برزوا مدعين أن المهدي بالشكل الذي برز فيه المهدي السوداني. يعني هناك شيء ثابت، في التاريخ الإسلامي هناك شيء، هناك يوم، هناك انتظار، هناك فرج، هناك خلاص...
هذا تراث ديني، تراث إسلامي، تراث شيعي. والتاريخ يكشف أن هذا التراث قديم، بالإضافة إلى أن كل إنسان، في حقله يتحرك لخلق الأفضل، وهو مقتنع بأن الأفضل ممكن. مثلًا، اليوم العالم يفتش عن علاج السرطان. كم النفقات؟ مئات الملايين، والمليارات. علماء، أبحاث، مناقشات... يبحثون في اكتشاف علاج السرطان. ألا يدل هذا ضمنًا أن هناك قناعة ضميريًّا عند كل الناس بوجود علاج لهذا المرض؛ ولو كانوا يعلمون أنه ليس من علاج، لما كانوا يفتشون عنه. كلّ عالم يفتش عن علاج لمرض، عن نظام أفضل، عن حل أمثل، عن علاج لمرض، عن حل لمشكلة اجتماعية. كلّ فرد، كل عالم، كل خبير، يتحرك باتجاهه وفي قرارة نفسه، جميعهم يتحركون نحو غد أفضل. الغد الأفضل، في ضمير الإنسان.
والمهدي هو المبشر والمؤسس والداعي إلى ذلك النظام الاجتماعي الأفضل، الذي يعمم العدالة ويوفر الفرص لكل الكفاءات، ويوجه الإنسان نحو تقديم ومزيد من التقديم والتقدم، في حقلي العلم والصناعة وكل شيء. يعني السعادة البشرية المنشودة التي تحتاج إلى نظام اجتماعي، المهدي هو المبشر بهذا النظام.
هذا التفكير، في فطرة كل الناس، ونحن نقول أيضًا كما يبدو في الروايات، أن المهدي سيؤسس مجتمعًا يعيش كل إنسان فيه بسعادة وراحة وعدالة. وبالتعبير الأدبي الرمزي symbolique أن الذئب والغنم يشربان من مورد واحد. طبعًا تعبير عن العدالة العامة، وعدم الاعتداء. لا يستعمل المال، يعني تسود الثقة، المال يلعب دور مبادلة البضاعة بالبضاعة، ولكن بشكل مؤجل... أن الإنسان يأخذ بمقدار حاجته، ويعطي للمجتمع بمقدار حاجته؛ هذا النظام الأمثل.
إذًا، نحن نقول أن المهدي هو المبشر بهذا النظام، بجنة الدنيا. يعني أفضل ما يمكن أن يكون عليه الإنسان على هذه الأرض، هذا نظام المهدي. وفي تاريخنا كشيعة، المهدي لعب ثلاثة أدوار تاريخية:
أولًا، الانتظار بمعنى الأمل. الشيعة عاشوا فترة اضطهاد قاسية. اسألوا أجدادكم!! حتى إقامة المجالس كانت في السر، وكانوا يتوقعون الاعتداء والمراقبة. الضغوط الهائلة التي كان يتعرض لها جماعتنا، طائفتنا لو ما كان الأمل بالانفراج، لكانوا انتهوا. يعني الإنسان عند اليأس، يسقط، يستسلم، وكثير من الناس استسلم وسقط. لذلك فكرة المهدي، دائمًا كانت تقول لهم أن لنا يوم نجاة، خلاص، حتى ولو لم يبقَ في العالم إلا يوم واحد. إذًا، فكرة المهدي خلقت عندنا أملًا، بسببه ما سقطنا رغم الاضطهاد والمضطهدون في الأرض كذلك كلهم ما سقطوا.
ثانيًا، التهيؤ، الانتظار لا يعني التأجيل، الانتظار يعني التهيؤ والاستعداد. إذا قلت أنا أنتظرك الساعة الثانية كي نسرع في السفر، ثم جئت أنت الساعة الثانية ووجدتني لا أزال في فراشي، وأريد أن أستحم وأن ألبس ثيابي، وأريد أن أتهيأ وأن... فإذًا، أنا ما كنت بانتظارك... أنا كنت نائمًا. بانتظارك عندما أكون أنا مهيئًا، واقفًا وبمجرد أن تأتي، نبدأ بالسفر، هذا هو الانتظار.
التهيؤ الذي كان يعيشه آباؤنا في التاريخ كان معناه الانتظار. وأنا أتذكر كما ذكرت لكم أكثر من مرة، أن آباءنا كانوا مهيئين. أنا أتذكر، كنت طفلًا، ببلد ما بعيد من هنا، خراسان، فكنت في المستودع ورأيت سيفًا طويلًا. فسألت: ما هذا؟ فقال والدي وهو رجل عالم: أنه سيف مهيأ، حتى إذا نودي ألبي.
وهذا تراث أي فرد، أي شخص، الذي يريد أن يكون مهيئًا، يجب أن يكون مدربًا، يجب أن يكون مستعدًا، أن يكون قويًّا، يعني مجهزًا، جاهزًا.
إذًا، الانتظار لعب دور الاستعداد والتهيؤ والتدريب النفسي والجسمي والفكري والعسكري كذلك.
ثالثًا، أما الإمام فيلعب دورًا فقهيًّا أيضًا. الفقهاء يقولون: عند حصول الإجماع على شيء يصبح الأمر ثابتًا ويدخل في فرض الثوابت. إذا انحرفت الأمة أو أخطأت، الإمام يعطي رأيًا معاكسًا لرأي الأكثرية، ويمنع بذلك حصول الإجماع على الخطأ. هذا بحث طويل يسمونه الإجماع الكشفي في علم الأصول. يعني الإمام وهو غائب يصون الشريعة من الانحراف.
هذا السؤال الأول: فكرة المهدي ودورها في حياتنا وفي تاريخنا. وسأكتفي بهذا.
أما الموضوع الثاني: إمكانية طول العمر وبعض التفاصيل، وأخيرًا البحث عن الدليل والرؤية الإسلامية حول هذا الأمر سنؤجلها إن شاء الله إلى جلسة أخرى.
نحن إن شاء الله في الأسبوع القادم نجتمع الساعة الواحدة وبرامجنا لشهر رمضان... وإن شاء الله الأسبوع القادم نكمل مكتبنا المركزي وان شاء الله دارساتنا الرمضانية تحدد وعند ذلك كلّ واحد منا ببركات رمضان يبدأ بما يجب أن نقوم به في شهر رمضان.
غفر الله لنا ولكم.
___________________________________
1- 
جاء في الحديث الشريف: كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبابكم؟ قالوا أو يكون ذلك يا رسول الله؟ قال بل شر منه. كيف بكم إذا أصبح لديكم المنكر معروفًا والمعروف منكرًا؟ فعند ذلك ترقبوا رجلًا من ذريتي يوافق اسمه اسمي يملأ الله به الأرض قسطًا وعدلًا بعدما ملئت ظلمًا وجورًا.
__________________________
محاضرة للإمام الصدر بمناسبة 15 شعبان ولادة الإمام المهدي (عجّل الله فرجه)، تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.

source
عدد مرات التشغيل : 959