قطار عن الإمام الصدر: أسرار على التغيير من قلب المجتمع

calendar icon 24 تشرين الثاني 2011 الكاتب:دميانوس قطار

كلمة معالي الدكتور دميانوس قطار في الجلسة الثانية من مؤتمر "كلمة سواء" الثاني عشر

شكرًا حضرة الرئيس وتحياتي الحارة للعائلة الصغرى للإمام الصدر والعائلة الكبرى... قرأتُ وتعرفتُ إلى الإمام الصدر عبر صداقات تربطني بالعائلة، وقرأتُ الكثير مرة ومرتين ونحاول دائمًا أن نفهم عمق ما كُتب خاصة وأننا تخرجنا من الكليات الأجنبية حيث هناك صراع دائمًا حول فصل الدين عن الدولة، وهذا مفهوم في لبنان لكنهم يصرون على فصل الدين عن المجتمع حتى إن أحد الفلاسفة اعتبر أن التطور كان دينيًا ثم فلسفيًا ثم علميًا... وكم فرحتُ عندما قرأتُ خلال أسطر الإمام الصدر أنه يتحدى هذا التقسيم ويعيش الديني والفلسفي والعلمي والصورة الأولى في المعرض تؤكد أنه ربما كان أول رجل دين يدخل جامعة طهران ينهل العلم في كليتها ويعوذ الله من المجتمع بمنطق الفيلسوف.

لن أدّعي البحث فألتزم الوقت وأعتبرها مداخلة مفتوحة للنقاش.

من الواضح أن تغييرًا ما حصل في نمط الحياة في نمط الحياة في البلدان العربية.

هل أن تغييرًا في نمط الحياة هو مدخل إلى مأسسة مفاعيل الحرية؟ عنيتُ بذلك التوجه إلى نظام ديمقراطي عادل فيصبح من خلاله -وهذه أزمة وزير مالية سابق- دافع الضرائب في العالم العربي صاحب حقوق سياسية واجتماعية؟

كيف تنتقل هذه الجماعات من موجة غضب جماعي أو ثورة كما يسميها البعض إلى حياة التغيير الحقيقي؟

في العودة إلى كلام سماحة الإمام الصدر قرأتُ:
"نحن بأعصاب هادئة بإذن الله نستعين بالصبر والصلاة ونتهيأ للمستقبل".
البحث ارتكز على أن الإنسان يريد الأفضل وقد تركزت دعوة سماحة الإمام إلى عدم الاستسلام ويبتسم المرء عندما يقرأ أنه كتب: العربي قدريٌ، إن العربي قدريّ نتيجة سوء التربية. وكيف يركز على عدم الهجرة ولو كانت ما سماه الهجرة الشريفة، أي الإنغلاق في المنزل والاعتكاف والصلاة فقط فهو يعتبره أيضًا نوع من الفرار.

وفضّل وشجّع من يفتش ويريد التغيير ووصفه بالنوع الصحيح.

لقد قال والكلام لسماحة الإمام: الشاب الذي يقف أمام المجتمع الغير مرضى عنه، ويقول: أنا لا أستسلم، لا أهرب، أريد أن أغيّر، وأضاف هذا موقف الحسين: "لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أفر فرار العبيد".

هذا الإصرار على التغيير من قلب المجتمع، من هذه الأرض، من تحت هذه السماء كما قال، من هذا الوطن. عند قراءتي لأفكاره في التغيير الاجتماعي والتكلم بعبارة الـ catalyseur، هذه القوة الفاعلة، القوة الإيجابية، القوة الدافعة للمشاركة. نشعر وكأننا أمام عالم وباحث اليوم، في عالمنا اليوم، في تحديات اليوم... حتى أننا سنقول أنهم لو قرأوه في العالم العربي فستنتفي الحاجة الى الفيسبوك لخلق الربيع العربي.

إن التحدي الأكبر للمجتمع العربي اليوم ولمؤسساته هي في إدخال مفهوم "الثقافة السياسية الاجتماعية المشاركة".

أي دورٌ ناشطٌ للفرد في الحكم وفي المجتمع. دورٌ لا يتجلى فقط في القيام ببعض النشاطات أو تقديم الخدمات أو ينحصر فقط في عملية الاقتراع، مؤسساتيًا أو سياسيًا.

إنه دور ينعكس في أعلى المستويات من الاهتمام السياسي والاجتماعي والإعلامي والمعرفة وينعكس أيضًا في تكوين الرأي العام وفي العضوية التنظيمية. أي بمعنى آخر، العمل المؤسساتي المطروح ركيزته فكرية لتثبيت "الفعالية السياسية الاجتماعية" وهي مرتكزة على مدماكين ومبدأ، المبدأ: هو الإنسان المواطن؛
المدماكان: الثقة بالنفس والإحساس بالجدارة.

إذا كان المبدأ في العالم العربي أن الإنسان المواطن هو المبدأ وأن المدماكين هما الثقة بالنفس والإحساس بالجدارة يصبح العمل المؤسساتي المكان الحاضن للتنمية إذا اعتبرنا أن المجتمع هو المكان الحاضن للنمو وإذا اعتبرنا أن في البداية إنما الواقع هو الإنسان المجرد. وقد تموضع سماحة الإمام في كلامه على المجتمع الأفضل حين أصرّ على الحفاظ على البعدين في جدلية الفرد والمجتمع وركّز على أن بناء المجتمع وتحصين مؤسساته بالركن الأساس التي ذكرته السيدة الفاضلة صباح اليوم عندما قالت كلمة واحدة ألا وهي العمل.

قال هو ونحن اتكاليون ونحن ننظر الى العالم العربي، ظللنا نقول إذا زرعنا السودان نطعم العرب حتى انقسم السودان... من هذا المنطلق، انطلاقًا من العمل فإن التغيير الحالي في العالم العربي هو تحول ويواجه تحديات عديدة قبل بلوغه العمل المؤسساتي وقبل بلوغه عبر المجتمع الثقافة السياسية الاجتماعية المشارِكة.

ركائز هذه التحديات:
أولًا- إن الشبكة العرقية والقوالب الثقافية والذاكرة الإمبريالية، هذه الشبكة العالقة في ذهن العربي أو المسلم قوية جدًا. لذلك فإن ترابط المعرفة والسلطة الذي يخلق الشرقي The Oriental (بحسب تعريف الدكتور إدوارد سعيد) هو المسألة الفكرية التي سوف تواجه حركات التغيير وهي زمنية غير ظرفية بحاجة لعمل جاد صبور للوصول إلى آلية حكم عادلة ومجتمع مستقر وسلطات متداولة سلميًا دون جبريًا كما قال الإمام.

وقد اعتبر العقد الماضي 1990-2000 هو عقدًا يتناقش فيه المجتمع العربي. 1990-2000 هو عقدًا فاشلًا في العالم العربي، كل المؤشرات سلبية لكن القمع كان كبير. من العام 2000- حتى العام 2010، في مطلع الألفية الثالثة اعتبر العقد ناجحًا جدًا وقد صنّف المحللون هذا النمو في العالم العربي على أنه ظاهرة مميزة، مئة مليار دولار وما فوق أُنفقت في العالم العربي بين عام 2000 و2010 في ميادين التعليم والصحة والمرافق الاستثمارية وإنشاء البورصات المحلية وتطوير صورة العالم العربي، لماذا حدث ما حدث انطلاقًا من بداية هذا العام. التسعينات كان عقدًا فاشلًا، السنين العشر الماضية كان عقدًا ناجحًا جدًا حتى اعتبر في تصنيف الإقتصاد الدولي أنه ظاهرة غريبة، لماذا حصل ما حصل منذ بداية هذا العام؟ لماذا هذا الفشل العام؟ هل التطور الاقتصادي العام هو عبارة عن سلة مؤشرات لم ينعكس على الأفراد؟ هل النمو لا يحقق الطموحات؟ من الواضح أن الفشل ساهم على الأمد الطويل في تطوير المجتمع، فالتركيز على محو الأمية بشكل عام دون ربطه بالعلم والإنتاج أتى منقوصًا كي لا نقول متأخرًا.

التطوير في القطاع المالي وتكبير حجم القطاع المالي في العالم العربي لم يترجم سهولة تمويل المبادرات الصغيرة والمبادرات النسائية والأنشطة الاقتصادية الريفية، فتراجعت فرص العمل. إن النمو العام لم ينعكس زيادة لمدخول الأسر ولا ساهم في خفض البطالة ولا ساهم في تطور وحداثة الأرياف. وقد أضحى وللأسف، أضحى الفساد واقعًا يتعايش معه الناس على أنه أحد ركائز المجتمع.

لا شك أن الشعوب العربية كسرت حاجز الصمت واخترقت جدار الخوف لكن السؤال والإشكالية اليوم هو كيف يتضامن العالم العربي في مؤسساتٍ تحمي هذا التحول، مؤسسات سياسية أو إقتصادية أو اجتماعية تستطيع أن تدفع هذا التحول باتجاه الاستمرار، باتجاه الاستقرار، باتجاه الحوكمة أو الحكم الرشيد.

يستوقفني مع هذا السؤال كلام للإمام الصدر، هو يقول:
"جميع المؤسسات التي تقترح مجتمعًا أفضل، يجب أن تتجاوز الفعل والقناعات إلى خلق المناخات المتناسبة مع الاستقامة".

هذا الطرح هو في صميم التحول المطلوب في مؤسساتنا ومجتمعاتنا العربية.
إن غالبية الحركة التربوية في مجتمعنا العربي ترتكز على الخلقيات أو الأخلاقياتLa Moralité وهو مفهوم أساسي لاستقرار مجتمعٍ ما، لكنه في الوقت عينه يعيد إنتاج نفس الجماعة، جيل بعد جيل، هذه الجماعة نفسها في قيمها وعاداتها وعقائدها الموروثة .Concept Communautaire ويركّز في أدائه على الانتقال من الخير الخاص إلى الخير الجماعة. والتغيير في هكذا حقل صعب بسبب الجمود القيمي وصلابة الإطار الفلسفي للجماعة. وإذا انحصر عمل المؤسسات على فكر الجماعة وارتكز فقط على خير الجماعة نقع عندها في فخ العصبية والتجزئة الاجتماعية.

قليلون هم السياسيون اللبنانيون أو القادة اللبنانيون الاجتماعيون الذين طرحوا أبعد من الخلقيات والأخلاقيات، قرأتها عند الإمام الصدر في إحدى المحاضرات، تكلم عن المناقبيات وهو تحول جذري مطلوب في أيامنا وتحول أساسي في كل المجتمعات المدنية التي في الإطار المؤسساتي تنفتح إلى أبعد من الخلقيات في مفهوم المناقبية L’éthique. وهي مؤسسات تشجع التوجه التربوي والأداء المهني عبر المناقبية، والمناقبية في هذا التفسير هي معيار مدى الإلتزام عند الأداء والعمل بمفهوم الخلقيات أو الأخلاقيات الموروثة والمعتمدة.

إن المؤسسات العربية بعضها للأسف لا يملك الأولى ولا يتمتع بالثانية، والمعالجة لبعض الأمور التي سوف أذكر هنا، ضرورية للإلتزام بالوقت وأيضًا لمواكبة وكودرة التغيير الحاصل والمتوقع حصوله مع الحراك العربي المستمر.
أولًا سبع معالجات أقترحها والتي أنا لمستها عبر تجربتي في العالم العربي:
1- لا إطار لتداول السلطة في المؤسسات (الإدارة ولو هي غير كفوءة تبقى على صورة قرب الإدارة من الزعيم)،

2- ضبابية الأوضاع المالية في المؤسسات العربية وفي حال وضوحها لا يشمل استثمارها ما يسمى بالمسؤولية المجتمعية،

3- غياب آليات المساءلة المباشرة والمنظمة،
حدث كبير جدًا يطرح مساءلة لكن المساءلة ليست منظومة تدريجية دائمة وثابتة في العقل العربي.

4- البرامج قصيرة الأمد في المؤسسات وغالبًا ما تبغي النتيجة السريعة،
5- الكثير من المؤسسات لا تستطيع التضامن ولا حتى التعاون (منطق المنافسة عارمٌ في المجتمع العربي)،

6- لا نلمس لدى بعض المؤسسات التركيز على الإنسان بل على ما حوله.

7- وأخيرًا، ضعف قدرة المؤسسات على استقطاب الكفاءات الوطنية.

ومؤخرًا، وللأسف تبدلت الظواهر في العالم العربي. نحن في العالم العربي نعتبر أنه لدينا أربع تصنيفات:
1- دولة عندها موارد كثيرة وشعبها كبير،
2- دولة عندها موارد صغيرة وشعبها صغير،
3- دولة عندها موارد كبيرة وعدد شعبها صغير،
4- دولة عندها موارد صغيرة وعدد شعبها كبير.

وأكيد في المقاربة المنشورة سنتوقف عند كل مؤسسة ما هو طابعها... سأعطي مثل صغير: الدول الكثيرة الموارد شعبها قليل العدد مثلًا: غالبًا نجد المؤسسات مرتبطة غالبًا بالدولة المركزية وعلى صورتها وفي غالبية نشاطاتها طفيلية وقاعدتها الأساسية الاستهلاك، والدور المجتمعي مركز من قبل الحكومات.

مثل ثانٍ معاكس: دولة قليلة الموارد وشعبها قليل العدد: تسعى المؤسسات ناشطة الى تطوير الحياة الاقتصادية ومحاملة ملئ فراغ الدولة فيعتبر الشعب أنها البديل لكن المبادرات تبقى محدودة والإمكانيات محدودة.

للأسف، بعد المعاناة في العالم العربي وإطار التحرر المرتجى والمنتظر من مفهوم الطاغية أو من مفهوم الدكتاتورية أو من مفهوم القمع أو من مفهوم الظلم أو عدم الحرية يظهر وبشكل خطير ومفاجئ أن المؤسسات العربية سوف تعاني من أمراض جديدة غير السبعة التي ذكرناها هي أمراض العصبية وأمراض الطائفية. وقد قال الإمام الصدر وركّز وأختم في هذا النهج: إن الدين الحق يرفض هذه التجارة بالكامل ويضيف ويقول السيد المسيح: لكن هذا الشعب الذي لا يفهم من الناموس هو ملعون؛ ويقول رسول الله: "ليس منا من دعا إلى عصبية"، خَلُص الإمام إلى القول: هذه المنطلقات الواقعية لقوى التغيير إذا أرادت التحامًا صحيحًا مع الناس، لأن الطائفية هي مدعاة للتفرقة لأنها تؤكد الالتفاف حول نفسها وليس حول الإنسان وخير الإنسان.

وإذا عدنا إلى ما كُتب هنا: الرؤية والنهج والرسالة، إذا عدنا الى هذه المنظومة ممكن اقتراح تموضع مجدد وجديد لمؤسساتٍ طالعة ناشئة أو ربما سوف تنشأ تحاول تغيير المراحل المقبلة فتسعى إلى تثبيت مفهوم العائلة الذي تفكك بعد الثورة الصناعية ويتفكك بعد حقوقية الطلاق.

ثانيًا، أن تسعى المؤسسات وتجهد في تمكين المرأة وهي نهضة لافتة منذ خمسين عامًا للإمام الصدر، الأمية اللغوية ليست الإشكالية اليوم. العالم العربي يعيش الأمية التكنولوجية ونحن بحاجة إلى مؤسسات تسعى إلى المحافظة على محاربة الأمية التكنولوجية، وأن نكافح ضد مفهوم الأمية الحقوقية في العالم العربي.

وبذلك نكون قد سعينا معًا باتجاه عالم عربي هو أيضًا يطمح إلى الأفضل. فالمنبر اللبناني كان دائمًا منبرًا منتظرًا من العالم العربي... ومن هذا المنبر من بيروت من مؤتمر "كلمة سواء" نكرر معًا وصف لبنان كما وصفه سماحة الإمام المغيب: لبنان بلد الكرامة الإنسانية والطموح الحضاري.

وشكرًا.

source