كلمة سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ محمد رشيد قباني في افتتاح مؤتمر "كلمة سواء" الثاني عشر ممثلاً بفضيلة الشيخ وفيق حجازي
التغيير الإيجابي
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين،
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد...
فيسعدني باسم صاحب السّماحة مفتي الجمهوريّة الّلبنانيّة فضيلة الشّيخ الدّكتور محمّد رشيد راغب قبّاني، أن أقدّم لحضراتكم التّحيّة والتّقدير، راجياً من الله تعالى أن يكلِّل هذا المؤتمر بالنّجاح لما فيه خدمة الوطن والمواطنين، وأن تعمّ الفرحة قلوبنا بإعادة المغيّبين والمفقودين إلى ربوع هذا الوطن سالمين محفوظين بإذن الله تعالى ربِّ العالمين.
أيّها الحضور الكريم،
إنَّ هذا المؤتمر الموسوم بكلمة سواء، يذكّرنا بقول الله تعالى "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ الله ولا نشركُ بهِ شيئاً ولا يتّخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولّوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون".
إنّ أهمّ عاملٍ لبناء هذه الأمّة، هو أن تجتمع كلمتنا على أمرٍ سواء، يقطع الطريق على كلّ من يسعى لتمزيق هذه الوحدة وتشتيت شمل الأمّة وتقزيمها إلى دويلات ومن ثمّ لقيمات بحيث يسهل ابتلاعها وازدرادها، الأمر الذي يؤدّي للهلاك والبوار. وهذا مسعى الأعداء والمستعمرين من خلال سعيهم الدؤوب لبثّ صفوف الفرقة، وفنون الشّقاق والنّزاع بين أبناء الوطن الواحد، وهو يعلم تماماً بأنّه لن يكون له موطئ قدم، إذا كانت كلمتنا سواء بما يخدم قضايا أمتنا، لأنّنا بذلك نحفظ أوطاننا ونحصّن أبناءنا ونرضي ضمائرنا وقبل كلّ شيء خالقنا سبحانه وتعالى.
إنّ المجتمعات الإنسانية بعد أن ذاقت بؤس الظلم وكبت الحريات ها هي تسعى لفك طوق الحصار عن أعناقها لتشم نسيم الحرية في حياتها وشؤونها كلها وعلى أرضها وفي سمائها ومائها، وإنّ كلّ الحلول والمقترحات البعيدة عن منهج الحق لم تجلب سعادة ولم تحقق رغد عيش بل ولم تؤمن لها طيب حياة وأهمها حرية القول كما حرية المعتقد.
إن هذه المجتمعات تريد العودة لأصالتها من خلال إلغاء الأفكار التي سعت ولا تزال لتخريب الأنفس والمشاعر والعقول والحياة، وهي أفكار دخيلة على تقاليدنا ومستوردة لا صلاحية لها في أمتنا ذات العراقة والآصالة الحقة.
لذلك فقد بدأت تتقهقر عروش الظلم وبقايا الاستعمار البغيض الذي جثمَ على صدور أمتنا، ليعود للأمة مجدها، وتعلو رايتها، وتتوحد كلمتها، ولتتحرر الأرض بما فيها ومن فيها ويُحفظ العرض وترتفع راية الحرية على كل ذرة من ذرات هذه الأمة.
ولكي يكون الاستقلال استقلالاً لا استغلالاً، وحقيقة لا وهماً، وواقعاً لا خيالاً، فلا بد من أن تكون الكلمة كلمتنا والراية رايتنا نابعة من مصلحة الوطن العليا ويكون المواطنون سواء في الحقوق والواجبات بما يحفظ مصالحهم ويدفع ويرفع الخطر المحدق بهذا الوطن العزيز، ولكي يتحقق ذلك ويكون كذلك فقد قِيل: "من كان طعامه من فأسه كان كلامه من رأسه"، ليتم التغيير الإيجابي لمصلحة الوطن والأمة العليا فلا بد أن نملك مقومات الحياة ووسائل القوة، الأمر الذي يُمكننا من السيادة الحقة على الأرض والاستقلال الحقيقي في كل شؤوننا مما يُمكننا حينئذٍ من رفع الصراعات والأحقاد والنزعات وتحقيق المساواة والقضاء على الفقر والقهر والعوز وتتحرر بذلك كلمتنا ونحفظ وطننا وأمتنا وإلاّ:
فإذا ما قضيت الدين بالدين لم يكن قضاء ولكن كان غرماً على غرمِ
وأخيراً أشكر القائمين على هذا المؤتمر والمشاركين فيه راجياً من الله تعالى أن نلتقي في مؤتمر قادم وقد تحرر المعتقلون وكُشف اللثام عن قضية الإمام موسى الصدر ويعود سالماً ورفاقه إلى هذا الوطن العزيز.
عشتم وعاش لبنان وعاشت كلمتنا سواء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.