السيدة رباب الصدر عن العمل الذي أسسه الإمام الصدر: متجه على الأرض نحو السماء

calendar icon 24 تشرين الثاني 2011 الكاتب:رباب الصدر

كلمة السيدة رباب الصدر رئيسة مؤسسات الإمام موسى الصدر في افتتاح مؤتمر "كلمة سواء" الثاني عشر

الإمام الصدر وحكاية التغيير
نلتقي اليوم عند حكاية نصف قرن على العمل في مؤسسات الإمام الصدر، والمؤتمر هذا بمناسبة دخولها السنة الخمسين من حكاية العمل، وكلما استعرضت مشاهد الحكاية يكبر عندي مفهوم اختراق الشائع والحياة النمطية الجامدة، وكيف يمكن تحويل الركود إلى حركة متسارعة نحو اليوم الآتي ليكون منه الوجود الحي.

مذ أطلقنا الإمام السيد موسى الصدر سنة 1962 من أقبيتنا النسائية إلى الفضاء الأرحب، أفراداً كنا، تلفنا جدران بيوتنا، وبيوتنا حياتنا الاجتماعية، ومنها نستقي حروفاً معرفية، ونبذاً من تراكم ثقافي.

لم نكن على إمكان أن نستوعب ما حولنا، فضلاً أن ندرك الحدث. رؤاه لمح، وعلينا أن نلتقط اللمحة، ومن يؤتى منها فاز، وما هو بالأمر الهين .

وإذ تركنا قبل ثلاث وثلاثين عاما ونيفاً، ودهمنا المجهول، والمجهول قلق قاتل، كان قد أطال لنا أجنحة، وأنبت للقوادم ريشاً، وأكسب عيوننا حدّة، وعزائمنا مضاء، فاستطعنا أن نقف على الحد الذي يريدنا فيه من تعريفه للعمل بأنه :" قطعة من الإنسان ذابت فتحولت إلى عمل".

لم تكن الهيئة النسوية مؤهلة لأي دور لتكون الجناح الآخر للمجتمع في صور، فكل كفاءة الزميلات أنهن من كريمات عائلات البلدة، ولم يكن من ثقافة ذلك الحين ما يرتبط بنشاط المرأة خارج المنزل.

لم أكن مؤهلة كذلك، يوم أطلقني ريشة في مهب تطلعاته لليوم الآتي، لم أكن أكبر وأوعى من أية طالبة ثانوي من جيل الستينات. إلى جانب أنني أجهل البيئة التي انتقلت إليها دون حساب مسبق، وهي تختلف تماماً عن البيئة التي أولدتني وأنشأتني، ولم أكن مؤهلة لإدارة صفين، منهما صف محو الأمية، وتعرفون ما يحتاج مثل هذا الصف من خبرات.

هذه كانت حالنا، يوم طرح ببساطة عبارات آخر سنة 1961، طبعت مسارنا طوال نصف قرن، والآن أستعيدها بتصرف، منها ما كان لجمعية البر والإحسان ككل وهي أنها غير طائفية، تعمل لصالح الناس جميعاً دون تمييز، وأنها غير سياسية محلياً أو غير محلي، وأنها غير حزبية، وإنها تعمل من أجل الإنسان وخدمة عيال الله وبالذات المستضعفين منهم، وأن يكون العمل خالصاً لوجه الله تعالى، وأن تكون العطاءات والهبات والتبرعات بقصد رضا الله، وكذلك المساعدات التطوعية.

أما بالنسبة للنشاط النسوي، فقد أشار إليه بأنه كان لتطير الجمعية بجناحيها، وأنه يستعد لتعليم الخياطة لإحدى عشرة فتاة، وأنه يتهيأ بعد حوالي شهرين للواجب الإنساني الكبير. وأن هذا العمل يوفرعلى العائلات، ولا سيما الضعيفة منها، ربع ميزانيتها الشهرية، وأن الصلات التعليمية مع عائلات البلد خطوة في سبيل الخدمات، ثم اختصر هذا كله بعبارة محاربة الجهل والفقر والمرض.

لم تكن هذه الكلمات تعني شيئاً حينها عندنا، ولكنه وقد أولاني إدارة العمل شعرت بأنها تعنى مهمتي بشكل أساسي، ولكن لا أدري كيف، وتشكل طبيعياً فريق عمل من الإمام الصدر فكراً وإرشاداً وتمويلاً، ومن تجارب وخبرات كانت بالتصرف تدريباً واستنهاض قابلية كامنة في الفتوة عندي، وبدأت شيئاً فشيئاً أستوعب مدلولات ما قال، واتخذتها نهجاً وتوسعت بها بقدر ما يتوفر عندي الجهد تمدداً أو تجذراً، وكان (بيت الفتاة) وهو اسم نشاطنا الأول قبل التغييب، وتحول إلى مؤسسات الإمام الصدر فيما بعد، فاستهدفت نقطة ارتكاز آفاتنا بإقامة أركان تغطي الخدمات التعليمية والمهنية والصحية والإرشاد الصحي والتمكين للفتاة باعتبار هذا بنية تحتية لمحاربة الجهل وبالتالي التغيير لاستفادة جميع الفئات العمرية.

أما ما بعد النصف الأول من القرن فهو التفرغ للتطوير وتهيئة الجيل الذي سيكمل الطريق للنصف الثاني من القرن، وهذا نهجنا، ومن الله السداد في أن نكون نحن القائمون الآن، والآتون بعدنا ومن بعدهم من المذيبين منهم عملاً ونهوضاً وكرامة.

أهلي الأعزة،
تلاحظون التركيز على العمل، وعلى مسارنا الذائب فيه، مع أني أدرك أنه من المنتظر أن أتكلم عن مسار قضية الإمام الصدر، وأرجو هنا التوضيح أنه وهو شخصية عامة، وقضيته لهذا قضية عامة، وما نحن سوى أفراد من العامة استهدفنا العمل متابعة لقضيته واستقصاء وجوده والقصاص لكل من له ضلع بالإيقاع، ونذوب فيه كما نذوب في تجسيد أفكاره. ومهما كانت الظروف، فسيكون هو والناس الذين من أجل قضاياهم، وقضايا يومياتهم وأحلامهم ومستقبل أجيالهم، سيكون خط العمل المتجه على الأرض نحو السماء.

وفي الختام يا سادتي أنوه بأولئك المرسومة أسماؤهم في آفاق الإخلاص والحب، من الذين قدموا خدمات، وأولئك- أهلي وأهل الإمام الصدر - الموزعين على أركان المعمورة شرقاً وغرباً من إخواننا المهاجرين ومن المقيمين وهم القائمون الأساسيون على كل أعمالنا.

وانتم أهل الفضل والشكر أولاً وأخيراً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

source