محاسبة النفس في الثلث الأخير من شهر رمضان

الرئيسية صوتيات التفاصيل
الكاتب:موسى الصدر

* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
نحن في هذا اليوم الذي يصادف يوم العشرين من شهر رمضان، يعني أمام مرور ثلثي شهر رمضان، والدخول في العقد الثالث والفصل الثالث من هذا الشهر.
أعتقد أن هذه الكلمة مهما كررناها، وذكّرنا أنفسنا بها، لما كنا خاسرين. شهر رمضان، فرصةٌ نادرة، وعزيزة في حياتنا. فرصة يعبّر عنها النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): أن الشقي من حُرم غفران الله في هذا الشهر. فإذا كان حرماننا من الاستفادة من هذا الشهر شقاء، وإذا كان الذي لا يستفيد من هذا الشهر، هو الشقي، فهذا إنذار لنا بالخطر. وهذا مقياس لنفوسنا ولقلوبنا ولمستقبلنا، ما دام المحروم في هذا الشهر شقيًا.
ففي هذا اليوم، وبعد مرور ثلثي الشهر، بإمكاننا أن ننتبه إلى أنفسنا: هل في هذه الفترة التي مرّت علينا، نلنا بعض رضا الله؟ أو ما وصلنا إلى شيء جديد؟ لأننا إذا استفدنا من هذا الشهر، وإذا خرجنا عن الشقاء في هذا الشهر، وإذا أصبح الصوم جُنّة لنا في هذا الشهر، يجب أن يظهر بعد مرور ثلثي الشهر. الآن ماذا نعلم نحن من مصيرنا ومن نتائج صيامنا؟ هل غفر الله لنا؟ هل أصلح الله شأننا؟ هل نلنا كرامة الله ورضا الله في هذا الشهر؟ أسئلة... لعل الإنسان يفكر بأنه لا يتمكن من الجواب عليها. ولكن في الحقيقة، نحن بإمكاننا أن نجيب عن هذه الأسئلة، كيف بإمكانك أن تجيب عن هذه الأسئلة؟
بإمكانك أن تنظر إلى نفسك، أن تنظر إلى عملك، أن تنظر إلى قلبك... فإذا وجدت في قلبك، خلال هذا الشهر المبارك، وفي خلال مرور ثلثي الشهر، إذا وجدت تغييرًا أو تبديلًا نحو الأحسن، فلا شك أنك أصبحت من أهل كرامة الله؛ لأن الآخرة، أيّها الإخوة، صورة طبق الأصل عن الدنيا، الآخرة نتيجة الدنيا. بإمكانك أن تعرف هل أنت سعيد أو شقي؟ بإمكانك أن تعرف -إذا أردت- أنك من أهل مغفرة الله وجناته، أو من أهل غضب الله وسخطه؟ هذا بالإمكان.
أعتقد بإمكاننا أن نذكر مثلًا واضحًا جدًا. أنت أو أيّ فلاح خبير، بإمكانه أن يعرف الموسم من وقت الزرع، وكيفية خدمة الأرض، وغرس النبات أو الشجر، ومكافحة الأمراض والسموم. بإمكاننا أن نعرف ماذا سوف تكون النتائج. إلّا إذا حصلت أشياء خارجة عن إرادة الإنسان مثل السيول، مثل العواصف... هذا شيء آخر. لكن بإمكاننا أن نعرف، إذا ما جدَّ شيء خارج إمكانات الإنسان وفوق يد الإنسان، بإمكاننا أن نعرف ماذا ستكون النتائج. لماذا؟ لأنك وقت زرعك، ووقت خدمة أشجارك، ووقت مكافحة مرض الشجرة أو النبات: مع كلّ خدمة، ومع كلّ موقف، ومع كلّ سقي أو حرث، أو مكافحة مرض، في الحقيقة، أنت ترسم وتهيئ صلاح الشجرة والثمرة والنتيجة. فبالإمكان أن تعرف ماذا اشتغلت، أنت بإمكانك أن تعرف النتائج.
نفس الشيء، فإن الدنيا، على ما ورد في بعض الأخبار، مزرعة الآخرة؛ وصريح القرآن الكريم: ﴿وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى﴾ [النجم، 39]. القرآن يؤكد على هذه النقطة، بأننا نحن في هذه الدنيا، نزرع، وفي تلك الآخرة نحصد ما زرعناه هنا: الدنيا مزرعة الآخرة. فإذًا، إذا أنت ما غرست شيئًا هنا، مماذا تريد [أن] تستفيد يوم القيامة؟ من أين تريد أن تحصد؟ من أيّ شجرة؟
مثال آخر، التلميذ في السنة الدراسية، حينما يقوم بدراسة عن جدّ واجتهاد. ففي كلّ ليلة يدرس، يرتفع مستوى درجاته في وقت الامتحانات.
فإذًا، الإنسان في حياته هنا، يرسم خطة يوم القيامة. نحن نبني سعادتنا وشقاءنا يوم القيامة، هنا. فإذًا، أنا بإمكاني إذا كنت منصفًا، وإذا حكّمت ضميري، بإمكاني أن أعرف ماذا عملت، وماذا تركت. هل تغيرت؟ هل نفسي صغرت أو لا زالت قاسية؟ هل أصبحت أحب الناس أو أكرههم؟ هل خفّ حسدي؟ أو ما تغير عما كان؟ هل طهُر لساني؟ هل حينما أريد أن أتحدث عن شيءٍ ما، هل أتقيد وأفكر هل الله راضٍ عن هذه الكلمة أو لا؟ أم مثل ما كنت قبل رمضان؟ فنحن مقياسنا، مقياس ملموس. نحن نتمكن أن نقول إننا هل تقدمنا أو لا؛ إذا كنا منصفين، بالفعل، قلب كلّ واحد منا، عمل كلّ واحد منا مرآة للمستقبل، مرآة ليوم القيامة... بإمكاننا أن نعرف.
ولهذا، أمام هذا الموقف الحساس، مرور ثلثين من الشهر المبارك وبقاء الثلث الأخير من الشهر المبارك، قُرْب النهاية، قُرْب الامتحان، قُرْب انتهاء التجربة... موقف حساس. أمام هذا الموقف الحساس تجد في أدعية كلّ ليلة من ليالي العشر الأخير من شهر رمضان، توسلات وابتهالات إلى الله تعالى بالنسبة إلى هذا الموقف.
إلهي! وأعوذ بوجهك الكريم، وجلالك العظيم، أن ينقضي عنا شهر رمضان ولياليه، ولك قِبَلنا ذنب، أو تبعة تعذبنا عليه!
اللهم (في بعض الأدعية الأخرى) إن كنت رضيت عنا في هذا الشهر (بعد الأيامين على الله سبحانه وتعالى) فأسالك بحق ما سألك به ملائكتك المقربون (هذه أدعية الليالي)، فأسالك بما سألك به ملائكتك المقربون وأنبياؤك المرسلون، وعبادك الصالحون، إن كنت رضيت عنا في هذا الشهر، فازددْ عنا رضى، وإن لم تكن رضيت عنا، فمن الآن فارضَ عنا.

لماذا الحديث؟ لماذا الدعاء، يذكرنا كلّ ليلة، كلّ ليلة كل نهار حتى في أدعية النهار نفس التعبير موجود: إن كنت رضيت عنا في هذا الشهر، لماذا يذكرنا في العشر الأخير؟
يريد أن يقول: أيّها الناس، أيّها الصائمون، أيّها المؤمنون، قَرُبَ انتهاء الفرصة، كان أمامكم فرص لا تُعدّ ولا تحصى، كنتم في ضيافة الله، كنتم مدللين عند الله، أعمالكم كانت مقبولة، كلّ الفرص كانت مؤاتية لكم. إذا ما استفدتم، هذا الشقاء، هذا سوء الحظ. هذا قلة الحظ للإنسان إذا ما استفاد من هذا الشهر.
الآن مرّ ثلثي الشهر، هل نحن استفدنا؟ يذكِّرنا الدعاء كلّ يوم، كلّ ليلة بأنه انتبه يا أخي انتهى الشهر، استعدّ! ولا شك أن الإنسان لا يفوّت الفرصة، خاصةً ونحن لا نعلم المصير في المستقبل، خصوصًا [أن] الفرص التي هيّأها الله لنا في هذه الأيام فرص نادرة.
تصادف أيامنا أيام القدر وليالي القدر؛ تصادف أيامنا أيام ذكريات الإمام أمير المؤمنين (سلام الله عليه)، استشهاد الإمام أمير المؤمنين، خصوصًا ونحن ننتمي إليه، وننتسب إليه، ونتبرك بالانتساب إليه، ولنا الشرف في ذلك. فوجود الإمام، هذه اللوحة الخالدة، أمامنا، وهو شهيد في محرابه، وهو فانٍ في ذات الله، وهو مقدّمٌ كل شيء في سبيل الله... أمامنا هذه اللوحة، ونحن ندَّعي أنه إمامنا. من إمامك؟ نقول للأطفال حينما نعلّمهم، وللميت حينما ندفنه وإذا سألوك عن إمامك، من إمامك؟ إمامي عليّ أليس كذلك؟ عليّ إمامي، هذا إمامك.
أمامك لوحة من وجوده ومن حياته، أمامك الصفحة الأخيرة من حياته. هو في المحراب والدم ينزل من رأسه، هو في فراش موته، وهو على وشك النهاية في هذه الحياة، يقول: فزت ورب الكعبة. يوصينا في وصاياه العظيمة، يوصينا بالصلاة، يوصينا بالجار، يوصينا بالمسجد، يوصينا بالإصلاح، إصلاح ذات البين، يوصينا بالكثير الكثير من الواجبات، ومن الآداب ومن الأخلاق. لا نحتاج إلى ذكر التوصيات، فهو وجوده توصية، وحياته توصية، وكلّ صفحة من صفحات حياته درس وعبرة.
ونحن نعلم الكثير، الكثير. ونحن نعرف من حياة الإمام أكثر من غيرنا. فما هو موقفنا، أيّها الإخوان، مع وجود هذه الفرصة، التقاء شهادة الإمام في هذه الأيام؟
متابعة الإمام، واقتداؤنا بالإمام، يعلمنا كيف نعيش، يعلمنا كيف نفكر، يعلمنا ما هو الطريق، طريقنا طريق كله عمل وسعي. كما قلت لكم تعرفون الكثير، تعرفون عن الإمام، وعن رمضان، ما لا يعرفه غيركم. ولكن الكلام والمعرفة، إذا ما تبلورا في عمل الإنسان، لا يغنيا عنه من الله شيئًا، لن يفيداه طبعًا.
أنت تعرف بوضوح، لماذا بلغ الإمام هذا المقام؟ أنت تعرف بوضوح أن الإمام، لو ما كان يعتمد على عمله، كان الفرق بينه وبين طالب أو بينه وبين عقيل لا شيء. هو وعقيل أخوه، وطالب أخوه الآخر، إخوة من أبٍ واحد، ومن أمٍ واحدة؛ هو وإخوته، كانوا في بيتٍ واحد، وتربية رجلٍ واحد؛ ولكن طالبًا وعقيلًا كانا في واقعة بدر شاهرَين السيف على رسول الله، كانا في صف المشركين، في صف الأعداء، هذان أخوا الإمام. كيف بلغ الإمام إلى ما بلغ من المقام؟ هل لقرابة ورحمية؟ هل لصداقة وانتساب؟ طبعًا لا، لأن الإمام وإخوته... ما الفرق؟
ما الفرق بين أبي طالب وبين أبي لهب؟ إخوة. يا أخي، أبو لهب وأبو طالب أخّان، ما الفرق بينهما؟ ذاك بلغ من المقام ما يقول القرآن الكريم، على حدّ بعض التفاسير في حقه: ﴿والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون﴾ [الأنفال، 74]، وأبو لهب يبلغ مقام ينصّ القرآن على اسمه، ويذكره بسوء فيقول: ﴿تبت يدا أبي لهب وتب * ما أغنى عنه ماله وما كسب * سيصلى نارًا ذات لهب﴾ [المسد، 1-3].
فإذًا، ليس القضية قضية الاعتماد على الصداقات، والانتساب، والصِلات، على المعرفة؛ يقول أحد الشعراء -وإن كان النقد عليَّ، ولكن أقول لأن هذه الحقيقة- يقول: لو كان العلم، لو كان معرفة الدين، لو كان معرفة الحلال والحرام، كان يُغني، وكان يجعل الإنسان سعيدًا، لكان إبليس سيد الكون. أليس كذلك؟ أليس إبليس خبيرًا بجميع الواجبات، وجميع المحرمات، بجميع الأشياء، يظهر هذا لا يفيد. أنا أعلم، طيب! أعلم، إبليس يعلم أكثر مني. الذي يفيد أن أعمل فقط: ﴿وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى﴾ [النجم، 39]. العالم ليس عالم المصادفات والاتفاقات والاعتمادات والاتكاليات. العالم عالم العمل، عالم العلم والسعي، عالم الجهد والطاقة والتقدم؛ فإذًا، اعتمادنا على ماذا أيّها الإخوان؟
نعرف، نعرف! نعم، ونحب! نعم، نحب؛ ولكن، إذا ما برز هذا الحب وهذا العلم والمعرفة في عملنا، لن ينفعنا شيئًا. ولهذا أقول لكم في مثل هذه الأيام، ما يحيطنا من العبر أكثر مما نتصور، بكلّ زاوية من زوايا حياتنا عبرة، وبكلّ نقطة من نقاط أفكارنا وبيئتنا عبرة وذكرى.
نحن جالسون في المسجد، ورمضان على وشك الانتهاء، في ذكرى أمير المؤمنين (سلام الله عليه)، شهيد الحق، شهيد الدين، شهيد الإسلام؛ هذا الرجل الذي يقول في حقه القائل: قُتِل في محراب عبادته لشدة عدله، أما كان يتمكن أن يحول دون موته بالأساليب التي اتبعها غيره؟ هو كان يتمكن بأقل جهد أن يبلغ ما يريد من الحكم والسلطان والسيطرة: لولا التقى، لكنت أدهى العرب. وهذا واضح لأن أحدًا لا يبلغ مقامه، ولا يصل إلى إمكانياته. لو كان يريد أن يستعمل ما استعمله غيره، لو ما كان يريد أن يكون بطلًا، نموذجًا للحق والدين، طوال التاريخ، وللأجيال وللأمة بأجمعها، لكان يمكن أن يعمل مثلما عمل غيره... ولكن حاشاه، لأنه هو يقول: ولألفيتم، بكلمة معروفة عنه: ولولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بظهور الناصر، وما أخذ الله على العلماء من أن لا يُقرّوا على كظّة ظالم، وسغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بما سقيت به أولها، ولألفيتم ولألفيت ولرأيتم أن دنياكم هذه أقل عندي من عفطة عنز[1]. لا يهتم بكلّ ما في الكون، وبكلّ ما في الوجود من الدنيا. وما كان يهتم بالوصول إلى مقام أو حكم إلّا بمقدار ما يقيم الحق ويبطل الباطل، إلّا بمقدار ما يؤدي الواجب الرسالي في حياته.
فإذًا، نحن اليوم أمام هذه العِبر من دون كلام لأنكم لا تحتاجون إلى الكلام في هذا اليوم، وأنا لا أقدر على الكلام في هذا اليوم أيضًا. بإمكاننا أن نفكر، وأن نعتبر، وأن نتصور وأن نعرف أننا في نهاية الفرصة، وأمامنا إمامنا الذي ندَّعي أننا ننتسب إليه.
نفكر قليلًا أيّها الإخوان، تأجيل التوبة، وتأجيل العودة إلى الله، لا يجوز لأن الإنسان في كلّ ساعة في خطر الموت، في خطر الانتهاء. كما أن الحسن والسيء بالنسبة إليك على حدّ سواء. كثيرون منا، حينما يرى السيء والعيب في الآخرين، ينتقدونه، ويعرفونه، ويميزونه؛ ولكنهم، حينما يجدون العيب في أنفسهم، لا يعرفونه، ولا يحسبون له حسابًا، مثلما يقولون: الناس أعداء للظالمين لا للظلم، هناك ناس يكونون أعداء للظالم، وليس للظلم؛ يعني هو إذا كان محله كان يعمل نفس الشيء، كان يظلم أيضًا.
السيء سيء في غيرك، وسيء فيك أيضًا. فإذًا، حينما تنظر إلى نفسك، حينما تنتقد نفسك، لا تبرئها من العيب، ولا تحمل فعلك على الأحسن دون سواك، بعكس التعليم الشرعي. التعليم الشرعي يقول: ضعْ أمر أخيك على أحسنه؛ لكن أنت خبير بما في نفسك، بإمكانك أن تعرف، ما هي أسباب صدور هذا الفعل عنك. فإذًا، الإنسان في حياته، وفي وضعه الخاص، بإمكانه أن يعرف ما نقصه وما عيبه؛ بإمكانه أن يفتح عينه، قبل ما يفتح الله عن عينه يوم: ﴿كشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد﴾ [ق، 22]، قبل أن يُعطى الإنسان صحيفة أعماله، فيقول: يا ويلتاه! ﴿مالِ هذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرةً إلّا أحصاها﴾ [الكهف، 49]، حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسَبوا، ما خرجنا عن الحديث.
أقول، في هذا الوقت، كلّ واحد منا بإمكانه أن يعرف نواقصه، فيعزم على العودة وعلى الإصلاح، على الأقل في زاوية من زوايا حياتنا، وأخلاقنا وقلبنا... على الأقل في جانب من جوانب أخلاقياتنا ونفسياتنا. شيء واحد، لا يجوز أن ينتهي رمضان ونحن كما كنا فيه مئة بالمئة.
الويل لمن تساوى يوماه، من تساوى يوماه فهو مغبون. كيف يمكن نحن، قبل رمضان وبعد رمضان [أن] نكون شيئًا واحدًا؟ هذا لا يجوز، ولو في خطوة واحدة، لا أطلب، وإن كنا إذا طلبنا، ليس غريبًا، باعتبار أن رمضان فرصة طيبة في حياتنا. نقدر [أن] نملأ كلّ وجودنا في شهر رمضان، بالأخلاق والصالحات والأعمال الصالحة. ولكن على الأقل عملًا واحدًا، على الأقل تغيير خُلقٍ واحد، على الأقل تغيير موقفٍ واحد، إكرامًا لله، حتى يكون لنا ما لنا من النتائج.
كنت أقول إننا بإمكاننا أن نعرف بجدّ، ما نعانيه من أخلاق، ومن أعمال، ومن معاصٍ بإمكاننا أن نعرف. لا نحتاج إلى أن أحدًا يحكم، ويبحث، ويناقش ويعلمنا في هذه الأشياء. نحن نعرف ماذا لدينا. وحينما نريد أن نبدأ بإصلاح أنفسنا لا أحد يحول دون هذا أبدًا. أنت تحول دون إصلاحي، أنا إذا أردت إصلاح نفسي، تقليل حسدي، تقليل غروري، تقليل غيبتي، تقليل التعرض لكرامة الناس... هل من أحد يقدر [أن] يمنع هذا؟ أنا بإمكاني أن أعرف، وبإمكاني أن أعالج.
فإذًا، نحن في هذا اليوم ومن اليوم لآخر شهر رمضان إذا كنا في تذكّر، إذا كنا في تفكّر فقط، لوضعنا ولمستقبلنا، بإمكاننا أن نستفيد دون أن نحتاج إلى كلمة أو إلى موعظة أو إلى موقفٍ آخر. ولا شك أن ظروف رمضان، وكرامة رمضان، وضيافة الله لنا، ومناسبة استشهاد الإمام، فرص نادرة.
أكرر، أيّها الإخوان، ليس لي ما أقول في هذا اليوم إلّا التذكير بالعِبر، وما يحيط بنا من الفرص النادرة. إذا ما أصلحنا شأننا، متى نريد أن نصلح؟ إذا نحن ما رحمنا أنفسنا، من يرحمنا؟ إذا نحن ما أدينا ما علينا، لا أحد يعملها.
فإذًا، أنتَ، أنتِ، كلّ واحد، أنا وأنتَ، وأنتِ وأنتَ...، كلّ واحد منا، ثقله على ظهره، معاصيه على كاهله، مصائبه بين يديه، مشاكله أمامه. ينادي يوم القيامة: وانفساه! وما من أحد. ألا تريد أن ترجع من هذا الخط؟ ألا تريد أن تنقذ نفسك في ذلك اليوم؟ تسأل، تسألني؟ تعتمد على أخيك؟ على ابن عمك؟ على أصدقائك؟ على من تعتمد؟ وانفساه فقط.
فإذًا، في مثل هذا اليوم، نحن بإمكاننا أن نتصور هذا المستقبل بسهولة. ونستفيد من يميننا وشمالنا، وأمامنا، وخلفنا، وفوقنا، وتحتنا؛ نستفيد من كلّ جوانبنا في هذا اليوم الذي تغمرنا [فيه] رحمة الله، ويغرقنا عطفه، وتملأ جوانبنا كرامته. في هذا اليوم! لماذا لا نستيقظ؟ لماذا لا نتراجع؟ لماذا لا نعتبر اليوم أول سنتنا؟ أول سنة عودتنا؟ ومبدأ فصلٍ جديد في تاريخ عمرنا؟ لماذا لا نعتبر؟ شيء صعب؟ بيد من؟ صعب! صعب! لكن نتائجه أصعب يا أخي. عمل صعب ولكن بمستوى النتائج، لأنك إذا ما عملت، الأيام تروح تذهب؛ كلّ يوم: مساءً صباحًا، مساءً صباحًا، كلّ يوم يتغير ويروح ويروح ويروح، ينتهي عمر الإنسان. كنا شبابًا فأصبحنا شيبًا، ثم نصبح كهولًا، ثم يُنادى فلان قد مات، ألا فارحموه هذا هو، أليس كذلك؟ أليس هذا الواقع الذي نعيشه؟ أليس هذا المستقبل الذي كلّ واحد منا يشعر أنه أمام هذا المستقبل؟
فإذًا، متى؟ أيّ يوم يا إخوان، نبتّ بهذا العزم؟ في هذا اليوم بالذات. لمَ لا؟ أي يوم أشرف من هذا اليوم؟ أيّ يوم أحسن من هذا اليوم؟ لا نباشر في هذا اليوم! خلِّنا نبدأ هذا اليوم بالذات! والعودة لا تخلو من صعوبة، ولا تخلو من مشكلة، ولكن [يسوى] أن نعمل، لأن النتائج أحسن وأفضل، وترك هذه المحاولة فيها صعوبات أكثر. ولهذا، نحن نرجع في هذا الوقت إلى الله سبحانه وتعالى ونقول:
أستغفر الله الذي لا إله إلّا هو الحي القيوم، بديع السماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام وأسأله التوبة،
أستغفر الله الذي لا إله إلّا هو الحي القيوم، بديع السماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام وأسأله التوبة،
أستغفر الله الذي لا إله إلّا هو الحي القيوم، بديع السماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام وأسأله التوبة،
﴿أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء﴾ [النمل، 62]،
﴿أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء﴾ [النمل، 62]،
﴿أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء﴾ [النمل، 62]،
﴿أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء﴾ [النمل، 62]،
﴿أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء﴾ [النمل، 62]،
ثم نحاول أن نقف أمام الله، مستغفرين، تائبين، ونتوجه بقلوبنا إلى أمير المؤمنين (سلام الله عليه)، إلى هذا الشفيع العظيم الذي لسانه وقوله ودمه وتاريخه كلّ هذا شفاعة، وكلّ هذا توجيه، وهداية. نربط أنفسنا به.
تشاهدون السيارات التي تتوقف في الطريق؟ السيارات التي لا تقدر [أن] تمشي، تربط نفسها بسيارة متينة تتمكن أن تمشي. تشاهدون العشب؟ هناك أعشاب لا تقدر أن تنطلق لأن ليس لها ساق تتمكن أن تقف [عليها]... تربط نفسها بشجرة متينة، وتطلع. وهكذا! فلنعملْ بهذا الشكل. نربط أنفسنا بأمير المؤمنين (سلام الله عليه)، هو يسحبنا من هذه الدنيا العجيبة التي تملأ وجودنا.
الحقيقة إذا أردنا [أن] نجرب أنفسنا، إذا أردنا [أن] نبتلي أنفسنا، ونمتحن أنفسنا، صعب. كيف ممكن للإنسان [أن] يفكر أنه هو مؤمن صالح، بين عشية وضحاها يسمع كلمة صغيرة تجرح جزءًا من وجوده؛ يتحول إلى غضب، و(نرفزة)، يتحول الإنسان إلى أسد؟ الإنسان يشعر بأنه صالح ومؤمن، حينما يغترّ، حينما يُغرى بمالٍ أو جاهٍ أو امرأة يتحول. الإنسان يظن أنه صالح، حينما يُبتلى بمصيبة ينحرف. الإنسان يظن أنه صالح، حينما يختلف هو وآخر على أرض، أو على متر أرض، أو على شباك أو على حق المرور يختلف وينسى كلّ شيء.
الإنسان في خطر عظيم؛ ولهذا، يجب أن ننتبه إلى هذا الشخص الذي نريد [أن] نربط أنفسنا به. ونجد أنه كيف كان ينظر إلى الحياة، كيف كان ينظر إلى الجاه، إلى الشهرة، إلى المال إلى كلّ شيء... كيف كان ينظر إلى هذه الأشياء؛ وحينما نربط أنفسنا به، نربطها بشيء من قلبنا، بشيء من عملنا، وإلّا لا ارتباط. هو الرجل أين ونحن أين؟ كيف نقدر [أن] نضع جنزيرًا بيننا وبينه؟ من أين نحصل على هذا الجنزير؟
جزء من قلبنا، جزء من اتجاهنا، نيتنا، توبتنا، عزمنا، سعينا، اتجاهنا، تشبّهنا به، وحينئذٍ بإمكاننا أن نطلع بالتدريج. فرصةٌ كريمة، أيّها الإخوان، لا تفوتنّكم هذه الفرصة. ونرجو الله سبحانه وتعالى لكم ولنا ولأمواتنا الرحمة والمغفرة والتوفيق.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد. اللهم أدخل على أهل القبور السرور، اللهم أغنِ كل فقير، اللهم أشبع كلّ جائع، اللهم اكسُ كلّ عريان، اللهم اقضِ دين كلّ مدين، اللهم فرج عن كلّ مكروب، اللهم رد كلّ غريب، اللهم فك كلّ أسير، اللهم أصلح كلّ فاسد من أمور المسلمين، اللهم اشفِ كلّ مريض. اللهم سدّ فقرنا بغناك، اللهم غيّر سوء حالنا بحسن حالك. اللهم اقضِ عنا الدين وأغننا من الفقر. إنك على كلّ شيء قدير برحمتك يا أرحم الراحمين.
_____________________

[1] - من خطبة الشقشقية للإمام علي بن أبي طالب

source
عدد مرات التشغيل : 19