زواج الزهراء

الرئيسية صوتيات التفاصيل
الكاتب:موسى الصدر

* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
كنّا في الأسابيع الماضية، نتحدث عن سيرة الزهراء (سلام الله عليها) بمناسبة هذه الأيام التي هي أيامها. اليوم، من فصول هذا الكتاب، أحبّ أن أتحدث عن موضوع زواج الزهراء (سلام الله عليها) وحياتها البيتية.
الآثار والسير، التي تنقل سيرة الزهراء (سلام الله عليها) وحياتها وزواجها، تؤكد بأن الزهراء بنت رسول الله، وما عليها من الكمال والمقام والجلال، كانت موضع اهتمام وخطبة من الكثيرين من الصحابة. صحابة النبي، على اختلاف أفرادهم وأنواعهم وأشخاصهم؛ فيهم الغني وفيهم الوجيه وفيهم الشاب. كان كلّ واحد منهم يطمع بأن يكون له شرف الزواج من الزهراء (سلام الله عليها)، وخطب جماعة كثيرة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة، ولكنه كان (صلى الله عليه وآله وسلم) يستند إلى سبب ظاهر وسبب غير ظاهر؛ كان يقول للناس، أنا بانتظار بشارة من الله سبحانه وتعالى، بانتظار الأمر من الله سبحانه وتعالى.
والسبب هذا، لأيّ سبب! زواج بنت رسول الله بحاجة إلى الإشارة الغيبية؟ أعتقد أن السبب واضح. السبب غير موضوع كمال الزهراء ومقامها، السبب أن الزهراء هي سلسلة ورابطة لبقاء نسل النبي. لأن إبراهيم ابن رسول الله حينما مات - كان لرسول الله صبي اسمه ابراهيم مات في السنة الثانية من الهجرة - حسب العادة القبلية، قال الشامتون مات ابن رسول الله وهو أبتر، لا نسل له، لأنهم لا يعتبرون البنات ذرية. فمات ابنه وانقطع نسله، وحينما يموت هو، تنقطع رسالته ودعوته. فشمتوا، وسموه أبتر. فردّ الوحي الإلهي عليهم: ﴿إنا أعطيناك الكوثر * فصلِّ لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر﴾ [سورة الكوثر]. الأبتر؟ الذي لا ذكر له بعد الموت، ليس أنت بل أعداؤك. ذكرك باقٍ ورسالتك باقية، ودعوتك متزايدة، ودينك دين الخلود. وحتى نسلك باقٍ. صحيح مات ابنك، ولكن نسلك باقٍ. كيف نسلي باقٍ؟ من أيّ طريق؟
عن طريق الزهراء (سلام الله عليها)، وكان يسمي، هو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كان يسمي ابنيه الحسن والحسين، فكان يقول: هذان ابناي إمامان قاما أو قعدا. يعني الحسن والحسين ابناه.
في كثير من المواقع، في واقعة الجمل، حينما كلّف الإمام ابنه الثاني محمد بن الحنفية، ابنه من غير الزهراء (عليه السلام) كلّفه مرة ومرة ومرة بالهجوم، وكان الحسن والحسين واقفين. فالمرة الثالثة، ضرب على ظهر ابنه محمد بن الحنفية، الإمام ضرب وقال: إمشِ، لا أم لك. لأنه كان يبدي الخوف من المعركة، والإمام لا يريد أن يكون له ولد يخاف؛ فعنّفه وشدّ عليه، فرجع محزونًا، وعيناه مليئتان بالدموع ويتساءل: فقط أنا ابنك؟ هناك الحسن والحسين! قال: أنت ابني، أما هما فابنا رسول الله. هما الحسن والحسين بقية رسول الله في أمته، وأنا أحرص على حياتهما أكثر منك وأكثر من نفسي.
هذا لا يعني أن الحسن والحسين ما قاما بدور! أصعب الأدوار، في واقعة الجمل كانت على الإمام الحسن، قضية الهجوم على الجمل، وإيجاد حلّ لمشكلة الجمل، وجماعة بني ضبة والصعوبات التي كانت في واقعة الجمل. الحسن (سلام الله عليه) حلَّها، ولكن هذا التعبير قصدت نقله.
إن الرسول، إن الإمام، إن الأمة، كانوا يعتبرون الحسن والحسين ابنا رسول الله. وحينما عرف رسول الله، أن نسله وذريته وبقيته في أمته، يجب أن تكون من الزهراء. فإذًا، أصبح دور الزهراء دورًا رئيسًا في استمرار الأمة. الطفل الذي يأتي من الزهراء ليس فقط ابن الزهراء، ويجب أن يكون له أب، وهذا الأب يجب أن يكون صالحًا لأن يكون أبًا لنسل الرسول، ووالدًا لذريته. هذا أمر هام لا يمكن لرسول الله أن يتساهل فيه، أيّ إن أيّ رجل يأتي ويتزوج الزهراء، ويكون له أثر في الأولاد. فكان يقول أنا بانتظار الوحي. وباطنًا أيضًا كان له سبب. وهو أن الزهراء (سلام الله عليها)، كانت ترفض، حتى خطب عليّ (عليه السلام) الزهراء. وقال بعض الصحابة نحن كلّ واحد منّا تقدم لخطبة الزهراء، رفض رسول الله، فأنت أخطب، لعلّه يوافق. فالإمام خطب وهو فقير، لا يملك شيئًا. دخل على رسول الله مستحيًا، وسكت. فقال رسول الله: لعلّك تقصد الخطبة؟ فقال: نعم. حينئذ دخل رسول الله البيت، وسأل الزهراء. فوافقت الزهراء (سلام الله عليها) على الزواج. ولعلّ هناك إشارة غيبية أيضًا كانت في مناسبة هذا الزواج، سابقًا أو لاحقًا، فوافقت.
والعملية لم تتم بدون صعوبات... وجدت في بعض الروايات أخيرًا بمناسبة هذه المقدمة، كنت أبحث عن حواشٍ في حياة الزهراء، وجدت أن الكثير من نساء المدينة، اجتمعن بالزهراء (سلام الله عليها) ومنعنها من موافقتها على الزواج، وطلبن منها أن ترفض لأن عليًا فقير، لأنه ملتهٍ بالجهاد، لأنه ليس رجل بيت، رجل حرب، رجل الخارج، هناك خوف عليه من الموت. ثم النساء كنّ يقلن إن عليًا صلب، عنيد، شديد، لا يصلح لأن يكون زوجًا.
يعني المفتنون والنافثات في العقد ما تركن العملية من دون دسّ. ولكن الزهراء (سلام الله عليها)، كانت أرفع من أن تتأثر بهذه الكلمات، فوافقت، وتمّ الزواج، بمهر نسميه مهر السُّنة. مهر قليل، لا يتجاوز الـ250 ليرة لبنانية في وقتنا هذا. كان 500 درهمًا، أظن ذلك.
هنا أقف معكم لحظة، قبل أن ننتقل إلى المكان الثاني، بالنسبة للخطبة، في الأحاديث إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه، فزوجوه، وإلا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
البنت في البيت! لا شك أن في الزواج الأول، الوالد يحقّ له أن يقبل أو أن يرفض، يعني أن الأب وليٌّ على البنت، هنا نقطة مهمة. كثيرون منا لا يعرفون حقيقة هذا الحقّ. ليس معنى ولاية الأب، أن الأب يحقّ له أن يتفرد بزواج البنت، ويغصب البنت للزواج. هذا لا يجوز. والعقد الذي يحصل بضغط من الأب والأم، والعم والأهل باطل بإجماع العلماء. إذا أنا زوجت ابنتي بدون رضاها، العقد باطل؛ بإحراجها، بالفرض عليها، هذا باطل.
العنصر الرئيس في الزواج، هو البنت، حتى ليس الزوج. ألفت نظركم، شاهدتم طبعًا، كلّكم متزوجون، أو زوّجتم الأولاد، أو شاهدتم مجالس الزواج؛ الزواج الحقيقي يصدر من البنت، والرجل يقبل. الآن نحن مثلًا عندما نكتب الكتاب، نأخذ وكالة البنت، فنقول: زوجتك موكلتي، نخاطب الزوج، زوجتك موكلتي فلانة على المهر المعلوم. البنت إذا أرادت تقول: زوجتك نفسي على المهر المعلوم. الزواج يصدر عن البنت، أو عن وكيل البنت، الرجل الزوج يقول: قبلت. فإذًا، الزواج من صنع الزوجة، عمل الزوجة، الزوج يقبل. فإذًا، البنت، الزوجة، عنصر رئيس في الزواج. كيف يمكن فرض الزواج على البنت؟ غير وارد إطلاقًا، محرم، باطل العقد الذي يصدر عن الفرض والإرغام للبنت بالنسبة للزواج.
نعم! في الزواج الأول، لا يحقّ للفتاة أن تتفرد بالزواج، فتتزوج من دون إذن أبيها. لا شكّ أن في هذا خدمة للبنت، على أساس أنها بعد غير متفتحة على الحياة، غير مجربة مرّ الحياة وحلوها. فالأفضل أن يكون للأب حقّ استشاري. فإذًا، العنصر الصانع للزواج البنت أولًا، والأب ثانيًا.
لكن إذا الأب عضل، باصطلاح القرآن - العضل يسميه القرآن ﴿ولا تعضلوهن﴾ ]النساء، 19[. إذا البنت في وقت الزواج، جاءها خاطب، والخاطب صالح وكفء، والأب يرفض. لماذا يرفض؟ إذا كان رفض الأب في غير محله، حقّ الأب يسقط. حقّه مؤقت، لا يحقّ للأب أن يرفض، يرفض هكذا من دون سبب. هذا الذي فُسّرت عليه الآية الكريمة: ﴿وإذا الموؤودة سئلت﴾ [التكوير، 8] الذين يتركون البنات في البيت، ويمتنعون عن زواجهن فهم يطبقون عليهن الآية الكريمة ﴿وإذا الموؤودة سئلت﴾ [التكوير، 8]، كأنها دفنت في البيت؛ هذا تعبير أدبي.
فالأب له حقّ، ولكن حقّ محدود. لا يحقّ له أن يرفض بلا سبب، المفروض أن يكون هناك أسباب وموجبات، يكون هناك مصلحة لرفضه للزواج.
أما بالنسبة إلى أصل الخاطب، فالتعاليم الدينية تقول لنا من الجانبين. يخاطب الدين الشاب بأنه عليك بالزوجة الصالحة، العفيفة. الزوجة ليست لعبة، الزوجة أم الاولاد، شريكة العمر. مسحة الجمال نعمة من الله، ولكن ليست كلّ شيء. ويؤكد الدين إياكم وخضراء الدمن فسُئل الرسول (ص): من هي خضراء الدمن؟ وماذا يقصد بها؟ خضراء الدمن، أتعرفون ما معناها؟
القوافل سابقًا في الصحاري، كانوا ينزلون في أماكن. وعندما تنزل القافلة في مكان، طبعًا تطبخ، تنفخ وتقضي الحاجات فيصير أوساخ في هذا المكان، تبقى من الحياة في هذا المكان من وراء القافلة. هذه الأوساخ التي كانت تستعمل سابقًا بمنزلة السماد. السماد الإنساني، السماد الكيماوي والزبل الإنساني. طبعًا الأرض بحاجة إلى كمية معينة من السماد، إذا كثر السماد لا يجوز. هذه الأماكن التي كانت تنزل فيها القوافل، الأوساخ كانت كثيرة جدًا، وكثرة السماد تؤدي إلى نبت نوع من النبات شديد الخضرة. هذا العلف الذي يطلع في هذا المكان، لونه من جهة الاخضرار شديد، ولكنه مسموم لأن المواد الصالحة في الأرض من الزبل كانت أكثر من اللازم. فهناك حيوانات كانت تأتي وترعى من هذا العلف كانت تموت أو تمرض أو شيء من هذا النوع. هذا العلف يسميه الرسول خضراء الدمن. جميل جدًا، شديد الخضرة ولكن منبته سوء، غير صالح، باطنه لا يصلح. فيقول: إيّاكم وخضراء الدمن. ماذا تقصد يا رسول الله بخضراء الدمن؟
يقول: المرأة الجميلة في منبت السوء. فإذًا، الجمال ليس كلّ شيء. يجب أن ينظر إلى صلاحية المرأة، إلى أنها سوف تكون أمًا لأولادي! شريكة حياتي. اليوم أنا أمرض! أفتقر! أعجز! أطرد! أنبذ! أليس كذلك؟ ليس دائمًا الإنسان محبوبًا عند العالم؛ اليوم أكون محبوبًا، غدًا يمكن ينبذوني. ففي الوقت الذي ينبذني العالم، أين ألجأ؟ ألجأ إلى البيت! فإذا امرأتي تنبذني أيضًا، أين أذهب؟ عندما يكون الإنسان غنيًا عن العالم يحترمونه. ولكن عندما يصير فقيرًا، فالناس لا يحترمونه، سوف يلجأ لبيته. إذا بالبيت أيضًا لم يحترم، ماذا يصير؟ وهكذا. فالمرأة إذًا، سكن للإنسان. لباس للإنسان كما يعبّر القرآن الكريم.
على هذا الأساس، يجب على الشاب أن ينظر في زواجه إلى العفة، إلى الأمانة، إلى الكفاءة، إلى الصلاحيات. ولا ينظر إلى الجمال فحسب، هذه نقطة والعكس أيضًا صحيح. إذا خطب شاب بنتًا، فلا يحقّ لها أن تقول هذا فقير، لا يحقّ لها أن تقول ابن فلان... أبوه كان فلانًا. لا يحقّ. كمال الانسان ليس بغنى الإنسان، ولا بمركزه الاجتماعي، كمال الإنسان بصدقه، بأخلاقه، بطيبته، بحياته السعيدة... فإذا خطب الشاب، الإسلام يأمر: فزوجوه وإلا تكن فتنة في الأرض. رفض الزواج لا يجوز.
وأصعب من البحث، حول شخص الزوج، البحث حول المهر. هذا المهر الذي يزداد، وينمو يومًا بعد يوم، وهو خلاف سُنّة الله وسُنّة رسول الله. النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول شؤم المرأة، غلاء مهرها، وخلاف السُنّة. من رغب عن سنتي فليس مني.
خطب عليّ (عليه السلام) فاطمة، فزوّجها رسول الله بمهر كان ثمن درعه، لأن الامام لم يكن يملك شيئًا، إلا السيف والدرع. أما السيف فقد تركه رسول الله للحروب. والدرع! الإمام ما كان بحاجة إلى درع، لأنه كان يقتحم، كان شجاعًا، فباع درعه وجعله مهرًا لـفاطمة الزهراء. وجهزوا فاطمة الزهراء بملابس متواضعة، وبأثاث متواضع.
قسم من المؤرخين جمعوا أثاث بيت الزهراء في وقت الزواج. ما هو؟
أشرح لكم بعضه: قدح من الخشب فقط. أتعرف ما كان فراش الزهراء؟ فرشوا الرمل في وسط الغرفة، ووضعوا على الرمل إهاب كبش، جلد كبش، هذا فراش الزهراء (سلام الله عليها)، جاروش صغير، ملعقة، مخدة؟ مخدة... ما كان، كان كمية من الرمل متكومة عليها محرمية. وهكذا... بساط وأثاث متواضع جدًا. قطعة من الخوص، من السعف محل السفرة، غرفة السفرة الخاصة بالزهراء (سلام الله عليها).
هذه حياة الزهراء وهي بنت رسول الله بنت الملك، لأن رسول الله كان حاكمًا، في المدينة كان حاكمًا وبالسنة السادسة والسابعة كان حاكمًا على جزيرة العرب كلّها تقريبًا. هذه حياة الزهراء.
أما حياتها البيتية (سلام الله عليها)، فكانت تشتغل في البيت مثل جميع النساء، من دون تفاوت. تقوم بخدمات البيت: من التنظيف، من الطبخ، من خدمة الزوج أيضًا.
أيضًا أقف هنا. رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قسّم الصلاحيات والأعمال بين الزوج والزوجة، بين فاطمة وعليّ. فجعل ما وراء الباب على عليّ (عليه السلام)، وما هو داخل البيت على فاطمة.
هنا أحبّ أن ألفت نظركم. كثيرون منّا يرون أنفسهم أنهم أهمّ من النساء، يقولون الرجال أهمّ من النساء، الرجال درجة أولى والنساء درجة ثانية. الحقيقة أنا لا أفهم من الإسلام هذا الشيء إطلاقًا، الإسلام لا يفرّق بين الرجل والمرأة في الأحكام وفي الدين بتاتًا. هناك أحكام مختلفة لظروف وكفاءات مختلفة، هذا بحث طويل. القرآن الكريم يقول ﴿الرجال قوامون على النساء﴾ [النساء، 34]. أيّ رجال؟ وأيّ نساء؟ هل حضرتك تستطيع الآن أن تقول إنك قوام على النساء في العالم؟ ليس لك حقّ أنت. أنت لست أشرف من أيّة امرأة ثانية، وأنا لست أشرف من أيّة امرأة ثانية.
أما بالنسبة للحياة الزوجية. بعد الزواج، الرجال قوامون على النساء، يعني بالنسبة للزوج والزوجة. عندما يتزوجان، يتأسس هناك نوع جديد من الحياة المشتركة. أليس كذلك؟ عندما يتزوجان، يأكلان معًا، يلبسان معًا، يمشيان معًا، يعيشان معًا. هناك أشغال متشابكة. إذا كانا متفقين، ما من مشكلة. لكن إذا كانا مختلفين؛ المرأة تقول نربي الصبي بهذا الشكل، الرجل يقول لا، نربيه بشكل آخر. المرأة تقول نريد أن نفرش البيت بهذا الشكل، الرجل يقول لا بشكل آخر، يصير خلاف في الرأي. ما هو العلاج؟ إذا ما قال القرآن: ﴿وللرجال عليهن درجة﴾ [البقرة، 228]. إذا ما قال القرآن: ﴿الرجال قوامون على النساء﴾ [النساء، 34] لظلّت المشكلة قائمة. لا تُحل. المرأة تتمسك، والرجل يتمسك ولا من حل. فهنا يأتي القرآن فيقول إذا اختلفا فرأي الرجل هو الرأي الأفضل: ﴿بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا﴾ [النساء، 34]. فإذًا! إذا لم يكن هناك اتفاقية مسبقة، الرأي رأي المجموعة. وإذا اختلفا، رأي الرجل أولى من رأي المرأة لأسباب يستعرضها القرآن: ﴿بما فضل الله بعضهم على بعض﴾ [النساء، 34]. هذا الذي يسميه في الآية الثانية، درجة. ﴿وبما أنفقوا﴾ [النساء، 34]. لماذا أنفقوا؟ بحث طويل أيضًا، حتى تتفرغ المرأة لعملها في البيت.
فإذًا، إذا كان هناك زواج عادي من دون شرط، من دون اتفاقية مسبقة، الرجل قيم، قوّام، رأيه أفضل. ليس معناه أنه حاكم مطلق، وسيد البيت، وربّ صغير، مثلما كانوا، لا! ليست هذه من مفاهيم الإسلام. أبدًا! أما إذا صار بينهم اتفاقية، يعني أتوا وقالوا نقسّم هذه الصلاحيات، هذه الشركة التي اسمها الزواج، داخل البيت من صلاحيات المرأة، خارج البيت من صلاحيات الرجل. الرجل لا يتدخل بشؤون المرأة، والأمر في داخل البيت بيد المرأة. والمرأة لا تتدخل في شؤون خارج البيت، فهي بيد الرجل. إذا اتفقا على هذا، هذا يعود لهما.
فاطمة وعليّ (عليهما السلام) اتفقا على هذا العمل، وهكذا كانا يعملان. فاطمة كانت سيدة البيت، والإمام في بيته، ضيف طبعًا، فاطمة كانت تقوم بأعمال البيت كاملة. يقول عليّ، أمير المؤمنين (سلام الله عليه)، إن فاطمة في البيت كانت تشتغل كنست البيت حتى اغبرت ثيابها، وطحنت بالرحى - الجاروش - حتى مجلت يداها، وطبخت- الطبخ بماذا كان؟ هل كان بالغاز؟ طبعًا لا! كانوا يستعملون الحطب، يوقدون العلف وأمثال ذلك - حتى دكن جسدها، فأصابها بذلك ضرر شديد. أمير المؤمنين هو ناقل الحديث.
فاطمة (ع) كانت تشتغل بالبيت، ونتيجة لشغل البيت، أصيبت بضرر. حتمًا شغل البيت كان كثيرًا. أمير المؤمنين (ع) كان مضيافًا. رسول الله، كثيرًا ما كان يأخذ جماعته، حتى يتغدوا في بيت الإمام. وهكذا... فأصابها بذلك ضرر كبير، فذهبت تشكو أمرها لرسول الله، وتطلب من رسول الله خادمة. المرة الأولى حينما راحت وجدت أباها بين جماعة من الأصحاب فاختجلت - استحت - ورجعت إلى البيت. فرجع رسول الله ودخل عليها البيت -البيت يعني غرفة، وليس الدار، غرفة- وكانت في الفراش، فغطت وجهها، وجلس رسول الله قرب رأسها، وسألها ماذا تريد؟ وماذا أرادت حينما راجعت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ فجاوبه الإمام، فقال: يا رسول الله، إن فاطمة قد أصيبت بضرر كبير من عمل البيت، فأرادت أن تعرض المشكلة عليك، لعلّك تفتش لها عن خادمة- في وقتها كان يوجد خدام- فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ألا أعلمك شيئًا، إذا صليت فقولي بعد الصلاة، 34 مرة الله أكبر، و33 مرة الحمد لله، و33 مرة سبحان الله.
ماذا طلبت؟ وهو ماذا أجاب. ثم قال لها: هل رضيت؟ قالت: نعم يا أبتاه! رضيت عن الله وعن رسول الله بذلك. فهذه تسبيحة الزهراء، التي نقولها بعد الصلوات، هي من تعاليم رسول الله لـفاطمة الزهراء.
فاطمة (سلام الله عليها)، حملت وولدت، وكثر شغل البيت وتعبت، وراجعت للمرة الثانية، فرسول الله (ص) قال لها: يا بنيتي إن في المسجد 200 أو 300 رجل لا يملكون قوت يومهم. فكيف أقدر أن أعطيك خادمة؟ جماعة فقيرة! الأمة تعيش في فقر. أوائل الإسلام كان فقرًا مدقعًا. رسول الله لم يكن معه شيء ليأكل، كان يشدّ الحجارة على بطنه ثلاثة أيام. فرفض رسول الله للمرة الثانية. في المرة الثالثة بعدما ولدت ثم حملت أيضًا، حينئذ أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لها خادمة.
فكانت تقسّم الأعمال، ما كانت تحمّل الخادمة كلّ واجبات البيت. هذه نقطة، يجب أن نقف عندها. هؤلاء النسوة، البنات اللواتي يخدمن في البيوت، أيضًا لهن أم، ولهن أب ولهن عزّ، ولهن شرف ولهن ناموس، لهن كرامة، لهن راحة. لا يجوز نحن أن نعاملهن معاملة قاسية. إذا تمكنّا، إذا الله أنعم علينا، تمكنّا أن نوظف خادمة في بيتنا، لا تدري ربما غدًا لا سمح الله بناتك أو أولادك، أو امرأتك تضطر أن تخدم في بيت الناس. من الضامن؟ من منّا يقول لا! أنا أعرف شخصًا كريمًا محترمًا أصيب بمشكلة، وضع في السجن وحكم عليه من مدة أربعة أو خمسة أيام، كتب لي رسالة من السجن، وبعث لي امرأته ويقول: أنا لا أملك شيئًا، وزوجتي وأولادي لا يملكون شيئًا... فأرجو أن تدبر بيتًا شريفًا حتى تخدم فيه زوجتي. من يدري أنه أنا أو أنت، يومًا في المستقبل يحدث هذا الشيء؟ أو ابنتي أو ابنتك؟
فإذًا، ﴿وليخشَ الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافًا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولًا سديدًا﴾ [النساء، 9]. علينا أن نخاف من الله! علينا أن نخاف من المستقبل، المصير، الوضع الاجتماعي الذي نحن نعيشه ليس وضعًا طبيعيًا. هذا وضع صُدف. إذا حصل بهذه الأوضاع الاجتماعية خضّات، يتغير كلّ شيء. ربما الكبير يصبح صغيرًا، والصغير يصبح كبيرًا، والغني يصبح فقيرًا، والفقير يصبح غنيًا. من يدري؟ وأمامنا تجارب كثيرة إلى ما شاء الله في البلاد، وفي بلادنا كذلك.
فإذًا، حينما الله سبحانه وتعالى يمكّنك من السلطة على أحد، ارحم... اعتبر هذه الخادمة أو الخادم أو هذا الصانع، هذا الطفل الذي يشتغل عندك، اعتبره إنسانًا، وعامله معاملة إنسان، حتى إذا ابتليت أنت كذلك يكون نفس الشيء. وحتى إذا ما ابتليت، فيكون عملًا إنسانيًا. حدد لها وقتًا. عيّن لها حدًا. عيّن لها أوقات راحة.
الإمام الرضا (سلام الله عليه)، مرّ من قرب خدمه، فكانوا جالسين يتناولون الغداء، أرادوا أن يقوموا فأجلسهم. مرة أخرى بعث خادمه وراء عمل، فتأخر، فطلبه فوجده نائمًا، فجلس قرب رأسه وأخذ المروحة يروّح عنه. أين الرحمة؟ البشر إنسان، يجب أن يعامل أخاه الإنسان أحسن من هذا.
فاطمة قسّمت أعمال بيتها، فيوم لها ويوم لخادمتها، هي تشتغل يومًا وفاطمة ترتاح، وفاطمة تشتغل يومًا وهي ترتاح. طبعًا هذه طريقة فاطمة: ممكن يكون عندنا طريقة ثانية. الليل، النهار مثلًا. يقول الإمام الرضا (عليه السلام) النهار لنا والليل لكم بالنسبة لخدمه. يعني هذا الخادم الذي جلس الإمام فوق رأسه ويروّح له، بعدما أفاق، عاتبه الإمام وقال له: يا أخي أنا بعثتك وراء شغل لماذا لم تعمله، النهار لنا؟ كان المفروض أنه في النهار تشتغل كم ساعة لنا، وبالليل أنت ترتاح. فحسب التقسيم، الآن هناك قوانين عمل تحدد ساعات العمل، يعني هذا تعبير عن ضمير المجتمع بالنسبة للعمل والعامل والخدم والخدام والأجراء.
فاطمة الزهراء كانت تقوم بعمل البيت كاملًا من دون نقص، وما كانت تفكر يومًا أنها بنت رسول الله، وليس عليها أن تشتغل. أبدًا! وبالنسبة لإطاعة الزوج معروف. ومع ذلك، في ساعة الوفاة، تخاطب زوجها عليّ أمير المؤمنين (سلام الله عليه) فتقول: يا ابن العم! ما وجدتني كاذبة ولا خائنة تعبير عربي، يعبر عن الاعتذار. يعني هل وجدتني كاذبة؟ أو إذا وجدتني، نوع من السماح، من العرض للماضي لأجل إبراز الوفاء وتقديم الاعتذار. فالإمام (سلام الله عليه)، طبعًا يردّ بكلمة معروفة في حال الوفاة (سلام الله عليها).
وهكذا عاشت فاطمة (عليها السلام) كسيدة بيت في بيت زوجها، وقامت بجميع هذه الواجبات. وهذه الواجبات ما حالت دون جهادها الذي قلناه في الأسبوع الماضي ودون تعلمها وتقدمها وعبادتها وسموها، كما نتكلم عنها في المستقبل. وسلام الله عليها، ووفقنا ووفّق نساءنا لمتابعة طريقتها.
والسلام عليكم.

source
عدد مرات التشغيل : 14