علي (ع) كان موحداً وكفى

calendar icon 01 كانون الثاني 1972 الكاتب:موسى الصدر
محاضرة مترجمة عن اللغة الفارسية، ألقيت في مدينة كاشان بإيران عام 1970.
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا ومولانا محمد (ص) وعلى آله الطيبين الطاهرين.
قبل كل شيء أود أن أعرب عن شكري وتقديري للسادة الذين وجهوا لي هذه الدعوة ووفروا لي فرصة زيارة كاشان، هذه المدينة العظيمة المقدسة دار المؤمنين ودار العلم.
كما أود القول أن توجيه الدعوة لي، حيث أقيم في لبنان، أو للسيد "صدر البلاغي"، الذي كانت له رحلات عديدة خارج إيران، للحضور والمشاركة في هذه المناسبة العزيزة، لا يعني قلة المتحدثين في هذه المدينة فالله تعالى وضع رجاله في كل مكان، وأمير المؤمنين يؤيد أئمة الناس وقادتهم، وخير دليل على نجاح السادة وتوفيقهم في عملهم هذه الحشود المؤمنة التي هي ثمرة جهاد وجهود ومساعي العلماء الأعلام في الماضي والحاضر من أبناء هذه المدينة المقدسة. غاية الأمر أن أمثال هذه الدعوات سُنّة حسنة وخطوة مفيدة ونافعة للغاية، حيث تتيح للحاضرين فرصة التعرف على إخوانهم من المؤمنين الشيعة وعلمائهم أينما كانوا. فكم يبعث على السرور والبهجة أن تعلموا بأن أحد علماء الدين يتوجه من إيران إلى لبنان، وأن هناك أكثر من سبعمائة ألف شيعي يعيش في لبنان. الشيعة الذين يصفهم الإمام "الصادق" (ع) بالشيعة الأشداء الذين لا يتخلون عن الدين في يوم غربته ومحنته.. الشيعة الذي يعتبر وجودهم من بركات وجود الصحابي الجليل "أبي ذر الغفاري".
فمن المؤنس لكم حقًا أن تعلموا بأن هناك شيعة في لبنان، وأن أحد علماء الدين بهذا الشكل الذي ترونه اليوم أمامكم، يعمل هناك؛ وأن تعلموا بأنه مثلما تنبض قلوبكم باسم أمير المؤمنين، فإن ثمة أناس آخرين في أماكن أخرى، في أوروبا، في هامبورغ، وفي كل مكان في العالم يعشقون هذا الاسم المقدس ويكنون كل الاحترام لهذه الشخصية العظيمة.
وعليه فإذا ما كنا نشارك في هذه المجالس، فإننا نعتقد بأن مثل هذا التواصل والتبادل الثقافي، والتعرف على أحوال المسلمين وديارهم، يساعد إلى حد كبير في تقوية إيمان الناس وتحصينهم. وإلا فإن كل ما لدينا كنا قد حصلنا عليه من هذه الديار. ففي هذه الديار درسنا ولدى هؤلاء الأساتذة تعلمنا. فما من جديد نقدمه للسادة. لربما يبدو كلامي جديدًا من وجهة نظركم.. إنني أريد أن أتحدث إليكم بدون مقدمات. إنني آمل أن أتمكن في هذا اليوم المبارك من أداء جزء من حق هذا الإمام العظيم الذي نجتمع باسمه ومن أجله، وأن نتزود ببعض بركات هذا العظيم لسفرنا لأننا بأمس الحاجة إليه في عملنا في لبنان. إذ إننا نقف في الصفوف الأولى من المعركة وفي مقابلة العدو وجهًا لوجه.. آمل أن أستلهم من إيمانكم أيها الإخوة بما يعينني في عملي هناك.. على أية حال أشكر السادة الذي تجشموا عناء المجيء وشرفونا.
لقد قيل الكثير حول الإمام أمير المؤمنين (ع). ولا شك أن كل واحد منكم سمع مئات المحاضرات حول هذا الإمام العظيم، ويحفظ في ذاكرته مئات المناقب والفضائل لهذا الرجل.. لا شك أن لدى كل واحد منكم في بيته أكثر من كتاب يتحدث عن هذا الإمام الفذ إمام الناس العظيم. وعليه فما الذي بوسعنا قوله كي يكون جديدًا.. ليس لدينا كلامًا جديدًا عن الإمام أمير المؤمنين.
لقد سمعت هذه الرواية ولم أقرأها، إن الرسول الأكرم (ص) رأى في ليلة المعراج آلاف من الإبل تسير في صف طويل تحمل كتبًا كثيرة. ورغم الشهود الذي كان عليه (ص) ومهما كان تفسير شهود الرسول في ليلة المعراج، فإنه (ص) عندما سأل عنها قيل له: هذه فضائل "علي".
بغض النظر عن صحة الرواية أو ضعفها، فإذا حاولنا جمع الكتب التي صنفت حول إمامنا "علي" وحمّلناها على ظهور الإبل، ألا يكون لدينا قطارًا من مئات الإبل تحمل هذه المؤلفات؟ ألا توجد مكتبات عظيمة صُنِّفت حول هذا الإمام وفُقِدت؟ فلا تتصوروا أن كل الذين كتبوا حول أمير المؤمنين (ع) هم من أتباعه ومن شيعته. إن ما صنفه المسيحيون وأتباع الفرق الأخرى حول الإمام "علي" (ع) أكثر بكثير مما كتبه الشيعة. إن بعض العبارات التي تستخدمها كبار الشخصيات المسيحية بحق أمير المؤمنين على قدر من الجاذبية بحيث تبقى عالقة في أذهان القراء إلى الأبد.
إضافة إلى هذا، فقد أُبْلِغْتُ في لبنان قبل سنتين بأن منظمة اليونسكو (لا شك أن السادة الحضور يعلمون بأن اليونسكو هي إحدى المنظمات الثقافية التابعة للأمم المتحدة. وإن منظمة الأمم المتحدة منظمة عالمية تضم في عضويتها جميع دول العالم وتعتبر من أهم وأبرز المنظمات العالمية. ومؤسستها التي تهتم بالشؤون الثقافية يطلق عليها اسم منظمة اليونسكو) قررت أن تقيم أسبوعًا لتكريم المنزلة المقدسة لأمير المؤمنين، وطلبت من كبار الشخصيات العلمية في العالم أن يساهموا بمقال يتناول جانبًا من أبعاد شخصية الإمام أمير المؤمنين. وهنا أيضًا تم إبلاغ بعض السادة للاستعداد لمثل هذا التكريم.
فما الذي بوسع المرء قوله أمام هذا البحر المترامي الأطراف، أو على حد تعبير السادة كما ورد في بطاقة الدعوة : (البحر اللامتناهي)! فعن أي بعد من أبعاد شخصية الإمام نتحدث؟ لقد اخترت فكرة لتكون محورًا لحديثي، وأعتقد أنها فكرة وعظية تتسم بجانبها التربوي الذي ينفعنا في حياتنا اليومية، آمل أن تكون هدية متواضعة أتقدم بها إلى محضره المقدس.
في البدء أشير إلى مقدمة موجزة.

إن صفات الإنسان، أي الصفات التي يتصف بها الإنسان، تصبح أحيانًا بمثابة عادة؛ تصبح مَلَكَة لدى الإنسان حسبما يصطلح عليه علماؤنا. على سبيل المثال نرى أحيانًا رجلًا بخيلًا، رجلًا غير مستعد لتقديم قرشًا واحدًا إلى مدرسة أو مستشفى أو مسجد أو أسرة فقيرة، تحصل له فجأة ومضة في حياته تدفعه إلى مثل هذا العمل، يطلق العلماء على هذه اللحظة الطارئة كلمة (حال) ولم ولن تتكرر قبل وبعد ذلك. فمنذ بداية حياته وحتى هذه اللحظة كان بخيلًا، وسيبقى بخيلًا بعد هذه اللحظة لآخر عمره. ففي لحظة ما حصلت ومضة وانتهت. فأحيانًا يكون الناس على هذا النحو. ولكن بعض الناس كرماء بطبعهم، أي اعتادوا على الكرم. فالإنسان الكريم ينفق كل ما يصل إلى يده، ولا فرق في ذلك بالنسبة له سواء كان الإنفاق في موضعه أو في غير موضعه، سواء كان في أهله أو في غير أهله.. يعطي للفقير ويعطي للغني معًا.. ينفق عندما يكون عنده وعندما لا يكون.. إنهم يطلقون على ذلك صفة (عادة)، ينعتونها بالمَلَكَة. والمَلَكَة تعني صفة موجودة لدى الإنسان تدفعه لأداء الأعمال دون تكلف أو عناء أو مشقة. ولأن هذه الصفات تصدر عنه بصورة تلقائية يطلقون عليها المَلَكَة.
على سبيل المثال عندما نضرب مثلًا نقول أن "حاتم الطائي" كان كريمًا. ماذا يعني كان كريمًا؟ هل يعني أنه أعطى يومًا مالًا إلى فقير؟ هل يعني أنه رحَّب بكل من دخل داره وقال له أهلًا وسهلًا؟ هل يعني أنه احترم ضيفه؟ هل يعني أنه أعطى كل من سأله ولم يعد يملك شيئًا ولا يستطيع أن يمسك يده؟ إنها صفته، مَلَكَته. إنهم يطلقون على ذلك المَلَكَة.
أو نذكر مثلًا "عمرو بن معدي الكرب"، أو "رستم"، أو "زيغفريد"، فكل قوم لديهم بطلًا يتصف بالشجاعة. ماذا تعني الشجاعة؟ هل تعني أنه شجاع أمام القوي، شجاع أمام الضعيف، شجاع أمام العدو، شجاع أمام الصديق، أم أنه شجاع في كل الأحوال؟ الشجاعة لدى الرجل الشجاع هي كنور الشمس تشع منه لا إراديًا وبصورة عفوية. ولهذا يطلق عليها المَلَكَة.
بالنسبة للإمام أمير المؤمنين، نحن نقرأ عنه بأنه كريم، شجاع، رؤوف، رحيم.. نقرأ بأن "عليًا" كان يتعامل مع اليتيم كذا، وكانت حميته الدينية كذا. نقرأ بأن "عليًا" كان يتحلى بكل الصفات. ونتصور أنه (ع) عبارة عن العشرات من "حاتم الطائي" و"سحبان" و"رستم" و"معدي الكرب". فلو صهرنا العشرات من أبطال التاريخ هؤلاء وجئنا بكيان جديد، سيكون "عليًا". إننا نحمل مثل هذا التصور عن "علي".. "علي" شجاع، أي يمتلك مَلَكَة الشجاعة، أي لا يعرف الخوف.
إذا قلنا "علي" كريم، فمعنى هذا أن يده وروحه معطاءة.. يعني لا يستطيع أن يملك شيئًا ولا يهبه للناس.. نحن نفكر بهذا النحو. في حين أرى أن الأمر ليس بهذه الصورة.. "علي" شجاع ولكن ليس كـ"رستم" و"عمرو بن معدي الكرب".. "علي" كريم ولكن ليس كـ"حاتم الطائي".. "علي" فصيح ولكن ليس مثل "سحبان".. "علي" غيور ولكن غيرته ليست كغيرتنا.. صفات "علي" لها مصدر آخر. ولكن كيف؟
إن نظرة عامة على حياة الإمام "علي" توضح لنا مواقف عجيبة.. توضح لنا أن "عليًا" في غاية الشجاعة حينًا وغير ذلك حينًا آخر... توضح لنا حينًا أنه في غاية الكرم، ويبدو حينًا آخرفي غاية البخل.. "علي" حينًا غيور للغاية، وحينًا آخر في غاية الصبر.. "علي" حينًا متواضع للغاية، وحينًا آخر عكس ذلك. ربما تتساءلون: كيف ذلك؟
أستشهد لكم بكلامه كي ترون أن صفات "علي" شيء آخر.. نقول "علي" شجاع. ليس في ذلك أدنى شك.. "علي" أسد الله الغالب. هو نفسه يقول: والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيتُ عنها. ويقول في مكان آخر: لا أبالي أوقعت عن الموت أم الموت وقع عليّ!.. إنه لا يخشى الموت. أليست هذه شجاعة؟. يقول الرسول الأكرم (ص) عن أمير المؤمنين: والله، إنه جيش في سبيل الله!.. إذًا، فهو أشجع الشجعان.. هذه شجاعته.
تعالوا معي الآن وتأملوا ليالي "علي" (ع).. لنستمع إلى "ضرار"، أحد المقربين من أمير المؤمنين، وهو يصف "عليًا" إلى "معاوية": رأيته وقد أرخى الليل سدوله وهو قائم في محرابه قابض على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين، ويقول: آه من قلة الزاد وطول الطريق وبعد السفر وعظيم المورد.
إذًا، أين ذهبت تلك الشجاعة؟ فنتساءل: يا "علي" الشجاع، أين ذهبت شجاعتك؟ أنت الذي تقول: أنا لا أخشى الموت، لماذا تتلوى هنا. أين شجاعتك؟. بماذا نجيب عن ذلك، هل بوسعنا أن نقول بعد هذا أن "عليًا" شجاع؟
لأوضح لكم صفة أخرى من صفاته (ع).
نحن نقول: "علي" كريم. يقول عدوه "معاوية" في وصف كرمه: يعلم الله لو كان له بيتان أحدهما من التبن وآخر من الذهب لنفد الذهب قبل أن ينفد التبن.
هذا كرم "علي". طالما كان لدى "علي" ذهبًا لا يستطيع أن يعطي تبنًا.. هذا هو كرم "علي" كما يراه عدوه.
من جهة أخرى، إن نفس "علي" الكريم هذا، نفس "علي" الذي لا تساوي الدنيا في عينه عظمًا ملقًى، نفس "علي" الذي يعتبر المال بالنسبة له كالتراب أو أقل قيمة حتى من التراب... إن نفس "علي" هذا نراه في موضع آخر حيث يقف أمامه أخوه الجائع الضرير "عقيل"، طالبًا أكثر من نصيبه من بيت المال. أنظروا كيف يتصرف معه. أنقل لكم عبارته (ع): والله لقد رأيت عقيلًا وقد أملق حتى استماحني من بُرِّكم صاعًا، ورأيت صبيانه شعث الشعور، غُبْرَ الألوان، من فقرهم، كأنما سُوِّدَتْ وجوههم بالعِظلم، وعاودني مؤكّدًا، وكرّرَ عَلَيَّ القول مرددًا، فأصغيت إليه سَمَعي، فظنَّ أنّي أبيعه ديني وأتّبعُ قيادَهُ مفارقًا طريقي.. فأحميت له حديدةً ثم أدنيتها من جسمه ليعتبرَ بها، فضجّ ضجيجَ ذي دنفٍ من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها، فقلت له: ثَكِلَتْكَ الثواكلُ، يا عقيل! أتئنُّ من حديدةٍ أحماها إنسانها للعبه، وتجرني إلى نارٍ سَجَرَها جبّارُها لغضبهِ! أتئنُّ من الأذى ولا أئنُّ من لظىً؟!
هذا هو موقف "علي" (ع) من "عقيل". فأين كرم "علي" من ذلك؟ "علي" الذي ينفق بيت الذهب قبل التبن لماذا لا يتصرف بهذا الكرم مع "عقيل"؟ هذا أيضًا سؤال آخر.
ففي موقف نراه كريمًا في غاية الكرم. وفي موقف آخر نراه يتصرف بهذا النحو. فهل نستطيع أن نقول بعد هذا الموقف، أن "عليًا" كان كريمًا؟ إن "حاتم الطائي" لم يفعل ذلك. فلماذا إذًا فعل "علي" ذلك. هذا هو سؤالي، أنا أحاول الإجابة عن ذلك لأستخلص نتيجة تربوية لأنفسنا.
المثال الثالث: "علي" كان رؤوفًا، كان رقيق القلب. عندما يرى يتيمًا كان يرتعش ويغص بالبكاء.. بعد حرب "صفين" رأى امرأة كانت تمسك بقربة وتئن قائلة: إلهي أعنِّي واحكم بيني وبين "أبي الحسن".. لا شك سمعتم القصة. يأخذ (ع) القربة من يد المرأة ويوصلها إلى منزلها. وفي اليوم الثاني يأتي بالطعام إلى الأطفال ويقول للمرأة: أتعدين الطعام أم تلاعبين الأطفال؟ فتقول: أنا أعد العجين وأنت لاعب الأطفال. وحتى تجهيز العجين كان أمير المؤمنين يلاعب الصغار ويلهيهم. بعد ذلك تطلب المرأة منه أن يضرم النار في التنور. وفيما كان يوجر النار في التنور، كان يضع وجهه تلفحه النار ويقول: ذق يا أبا الحسن هذا جزاء من ضيّع الأيتام..
"علي" الرؤوف هذا الذي يبكي ويئن لآلام وأوجاع مجتمعه، نراه في معركة بني قريظة، يقوم بأمر من الرسول (ص) بضرب رؤوس سبعمائة شخص في يوم واحد. ففي ضوء المعايير الظاهرية هل رأيتم قسوة أشد من هذه؟ أين ذلك الكرم؟ أين تلك الرأفة؟ أين رقة الروح تلك؟ أين القلب الرقيق؟ ليس له وجود أبدًا. يمضي سيفه في المعركة كالنار في الهشيم. فبعد هذا هل نستطيع أن نتحدث عن رقة قلبه (ع)؟ أين رقة القلب؟
"علي" بليغ. أجل، ليس هناك أدنى شك في أن "عليًا" أحد الفصحاء العظام، بل أفصح العرب بعد الرسول (ص). يقول أحد العلماء اللبنانيين الكبار – وهو مسيحي – عن فصاحة "علي": (كان شديدًا قاصفًا مرتجزًا كالرعد في الليل).. خطب "علي" كزئير الأسد يبدد صمت الليل، وتُسلِّم له كل قوة منحرفة.. هذا صوت "علي"، وهذا منطق "علي".
ولكن في المقابل نراه أحيانًا صامتًا مضطربًا. فعندما يقف أمام الله، عندما يدعو، عندما يئن في الليل، يمسي ساكتًا وكأنه لم يكن على قيد الحياة كي يتكلم. فأين فصاحة "علي"؟
إن "علي" المتواضع حتى أمام أدنى خلق الله. "علي" الذي يناديه الرسول (ص) بأبي تراب. "علي" جليس التراب والمضرج به، يتكبر أحيانًا في تعامله مع أعداء الله إلى درجة يقول له أحد منافسيه: يا "أبا الحسن"، لماذا كل هذا الغرور والتكبر؟. "علي" المتواضع، ما الذي يدفعه ليكون هنا متكبرًا؟ كيف يتسنى لنا تفسير ذلك؟
بعد هذه المقدمة، هل نستطيع القول أن "عليًا" عبارة عن مزيج من "حاتم" و"سحبان" و"عمرو بن معدي" و"رستم"، صُهِروا في بوتقة واحدة ونتج عن ذلك الإمام "أبا الحسن"؟ أصبح "عليًا"؟ كلا.
إذًا، نفهم من هذا أن مصدر شجاعة "علي" وكرمه وحميته، لا يتمثل في المَلَكَات النفسانية. فما هو إذًا؟ لماذا "علي" بهذا الشكل؟ "علي" بهذا الشكل لأنه مؤمن. الجواب في كلمة واحدة... "علي" شجاع لأنه مؤمن. الإيمان بالله مصدر صفات وكمالات "علي". إنه الإيمان بالله ولا شيء غيره.
لنتناول هذا بشيء من التفصيل، لنرى ما الذي يمكن أن نتوصل إليه... إنه الإيمان بالله.
أيها السادة لنتناسَ أولئك الذين يطلقون على أنفسهم مؤمنين... إذا كان الشخص مؤمنًا يكون شجاعًا أيضًا، يكون مقدامًا، يكون كريمًا، يكون غيورًا، يكون رؤوفًا، ولكن متى؟ عندما يكون هناك رضا الله. فإن لم يكن رضا الله، فهو خائف وبخيل و…
إيمان "علي" نقطة الاتزان في صفاته.
أنظروا كيف بوسع الإيمان أن يكون مصدر الصفات السامية؟ هل الإيمان وراء كل هذه المعجزات؟ أجل. تأملوا في هذه الآية: ﴿ألا إن أولياء الله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون﴾ [يونس، 62].
إذًا، وحسب تعبير القرآن، الإيمان يصبح سببًا في زوال الخوف.
لنلقِ نظرة على الآيات التي تتحدث عن صفات المتقين: ﴿وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا﴾ [ الفرقان، 63].
الآيات التي تتحدث عن صفات المتقين تتحدث عن البر أيضًا: ﴿ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب﴾ [البقرة، 177].
فالقرآن يدلنا على أن الإيمان بالله مصدر جميع الكمالات الإنسانية.
ماذا يعني الإيمان بالله؟ الإيمان بالله يعني أن أؤمن بأن الله تعالى هو خالق الكون. وأن يتجاوز هذا الإيمان حد اللسان ليستقر في القلب أيضًا. أن يؤمن لساني ودمي وجلدي وإحساسي أيضًا، وأن أتحلى بالإيمان في حالة الغضب وفي حالة الإنشراح معًا.
باختصار، إذا ما ملأ الإيمان وجودنا ماذا ستكون النتيجة؟ ولا بد من الإضافة هنا، الإيمان بأي إله؟ ما هي عقيدتنا بالله؟ كيف هو إلهنا؟ إلهنا: له الأسماء الحسنى والأمثال العليا. إلهنا: عالم، عادل، رؤوف، رحيم، جبار، متكبر، خالق، رازق. أليس كذلك؟ ألم نؤمن بهذا للإله؟.
حسنًا، إذا كنا نؤمن بمثل هذا الإله، وإذا تجاوز إيماننا لساننا، وخفق قلبنا بالإيمان أيضًا، فما الذي سيحدث آنذاك؟ حينها نؤمن بإله مقتدر يتحكم بهذا العالم، لا يظلم أحدًا، فهذا العالم قائم على أساس العدل والحق، وهذه الدنيا مليئة بالخير والبركة والجمال. هذه الدنيا تزخر بالخير والحق، فما الذي يحصل حينها؟ مثال بسيط:
إذا ذهبت إلى مدرسة ورأيتها منظمة. ماذا ستقول؟ ستقول أن مدير المدرسة إنسان منظّم. ألا تقول ذلك؟ ولكن إذا ما أصبح شخص فوضوي مديرًا للمدرسة فإن فوضى المدير ستترك تأثيرها على المدرسة. مثلما يترك عدم نظم ربة البيت تأثيره على بيتها. وهكذا طيبة رئيس إحدى الدوائر وعدم ارتشائه تترك تأثيرها على حسن إدارته لتلك الدائرة. فالصفات الحميدة للرئيس، مهما كانت، تنعكس على شؤون مرؤوسيه.
نحن الذين نؤمن بإله عادل، عالم، حي، رؤوف ورحيم، وأن هذا الإله يدير العالم، فمثل هذا العالم إذًا، يزخر بالحق والخير والعدل والجمال والعلم والفضل. وحينها ماذا يحصل؟ أن تتجلى هذه الصفات والكمالات بصورة طبيعية فيّ أنا الذي أُعتبر فردًا في هذا العالم وجزءًا من هذه الدنيا.
وأنا بدوري لم أعد أخشى أحدًا. لماذا؟ لأني أؤمن: لا مؤثر في الوجود إلا هو. أنا أؤمن بأن موتي بيد الله، فمن أي شيء إذًا أخاف؟
لماذا يكون المرء بخيلًا؟ لأنه يخشى الفقر. فإذا كنت أؤمن بالله الرزاق، لن أخشى الفقر. تأملوا معي قليلًا سترون أن مصدر جميع الصفات القبيحة من قبيل الكذب والحرص والنفاق والغيبة والبغض، هو ضعف وحقارة الروح.
لنرَ الآن لماذا يكذب الإنسان؟ يكذب المرء في موقف ما لأنه يتطلع للحصول على منفعة وإن كانت منفعة وهمية. إذًا، فهو يكذب إما طمعًا في منفعة أو خوفًا من مضرة، يخشى أن يواجه مشكلة. الأب يسأل إبنه: أنت الذي سكبت الماء؟ فيقول: كلا، يكذب. لماذا؟ لأنه إذا قال نعم فسوف يؤنبه. لذا فإنه يكذب بسبب الخوف. ولهذا فإن اللجوء إلى الكذب إما بسبب الخوف أو الطمع.
ما هو مصدر الخوف والطمع؟ مصدرهما ضعف وحقارة الروح. الضعيف يخاف، والفقير يطمع. فالقوي لا يخاف. الإنسان الذي يشعر بامتلاكه القدرة الروحية، لا يطمع. إذًا، فإذا استطعت أن تقضي على الضعف والحقارة لدى شخص ما فإنه لم يعد يكذب.
فلماذا إذًا نحن نلجأ إلى الكذب؟ لأننا صغار بائسين.. لماذا يوجد لدينا طمع؟ لأننا نشعر بالفقر وإن كنا نملك الملايين... لماذا أكون حريصًا؟ لأن قلبي فقير. يقول أحد الشعراء:
مستحدثُ النعمة لا يُرتَجى أحشاؤهُ مملوءةٌ فقرا
وهذا يعني أن بعض الناس لئام فلا تأمل منهم، لأنهم جياع وأحشاؤهم تئن من الفقر أيضًا. فمن الممكن أن تكون لدى الإنسان ثروة طائلة، إلا أنه يطمع بالمزيد. لماذا يريد المزيد؟ أنا لا أريد أن أنتقد الرغبة في العمل، فالعمل قضية مقدس، العمل عبادة، ولكن الحرص أمر رديء كريه، لأنه يأتي من الطمع والشعور بالفقر.
إذًا، خلاصة الكلام أن الذي يعتبر نفسه مؤمنًا بالله العظيم القادر العالم العزيز، لا يخشى شيئًا. لا يخشى الفقر لأنه كريم. ومثل هذا الإنسان يمتلك الرأفة، يرحم الناس، و…
و"علي" (ع) كان من هذا النوع. ولهذا تؤكد أحاديثنا: "تخلقوا بأخلاق الله".
ما هي صفات الله؟
العدالة، القدرة، الرأفة، الرحمة.
إذًا، فالذي يؤمن بالله يكون إيمانه مصدر كل هذه الصفات. ولهذا قيل لنا أقيموا الصلاة، وذُكِرَ بأن: ﴿الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر﴾ [العنكبوت، 45].
لماذا؟ ماذا تعني الصلاة؟ الصلاة تكلم مع الله، الصلاة لقاء مع الله، الصلاة جلوس مع الله، وإن الحديث مع الله يكسبنا صفات إلهية لأن الإنسان يتأثر برفيقه وقرينه.
إذًا، "علي" ليس شجاعًا، كما أنه ليس خائفًا. ليس كريمًا، كما أنه ليس بخيلًا. فما هو إذًا؟. "علي" مؤمن. "علي" مؤمن بالله، ولكن إيمانه عظيم. فعندما يأمر الله تعالى: أقبل، يُقبل؛ قف، يقف؛ إذهب، يذهب؛ أعطي، يعطي؛ تصدق، يتصدق؛ خِفْ، يخاف؛ لا تخف، لن يخاف. إنه تسليم مطلق أمام الذات الإلهية... رضا الله مصدر جميع صفات "علي".
"علي" هذا الذي يؤمن بالله إيمانًا مطلقًا، ماذا يقول عن نفسه؟ هل يفخر بشجاعته؟ كلا. هل يفخر بكرمه؟ كلا. هل يفخر بحميته الدينية؟ كلا. بماذا يفخر إذًا؟ يفخر باتباعه "محمد" رسول الله، يفخر باتباع دين الله، حيث يقول: ولقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا ولدٌ، يضمني إلى صدره ويكنفني في فراشه، ويمسني جسده، ويشمني عرقه... وما وجد لي كذبة بقول، ولا خطلة في فعل... كنت أتّبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه عَلَمًا، ويأمرني بالاقتداء به.
فمن هذه الناحية كانت هذه منزلته.. "علي" يفخر بإيمانه، يفخر بتبعيته: ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني﴾ [آل عمران، 31]. اتباعه الرسول أكسبه كل هذه الفضائل، وجعله يسلِّم تسليمًا مطلقًا أمام الله. تسليم مطلق أمام أوامر الله. وقد وصلت منزلة "علي" مرتبة قال عنه الرسول الأكرم (ص) عندما برز إلى "عمرو بن عبد ود": "برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه". هل تعلمون حجم الإيمان كلّه؟ أي بقدر الإيمان العامر في قلوبكم وقلوبنا وقلوب ملايين البشر في الماضي والحاضر والمستقبل. لقد تجسد الإيمان كله في "علي" (ع): "برز الإيمان كله إلى الشرك كله".
إنه "علي" (ع)، الإيمان كله، إيمان مطلق، إيمان مجسّد. ومَن يمتلك الإيمان القوي يصبح شبيهًا لـ"علي" (ع). هذا هو فضل "علي" (ع). ولهذا أيضًا أصبح حب "علي" جزءًا من الدين، فلماذا يصرح القرآن: ﴿لا أسئلكم عليه أجرًا إلّا المودة في القربى﴾ [الشورى، 23]. لماذا حب "علي" (ع) جزء من الإسلام، ومن لا يحب "عليًا" ليس بمسلم؟ حب "علي" جزء من الإيمان. لماذا؟ هل الإسلام دين فرد؟ كلا. الإسلام دين الله. ولكن "عليًا" الإيمان بالله كلّه. فالذي لا يحبه لا يحب الله. يقول "علي" (ع): لو ضربت خيشوم المؤمن على أن أبغضني، ما أبغضني. ولو صببت الدنيا بجناتها على المنافق على أن يحبني، ما يحبني.
"علي" (ع) "قسيم الجنة والنار". لماذا؟ لأن كل من يحبه حسن، وكل من لا يحبه سيء. هكذا نفهم قول الله.. هكذا نفهم من الإسلام. ولكن أية محبة؟ المحبة التي يذكرها الإمام "الصادق" (ع)، حيث يسأله رجل: إننا نسمي أولادنا بأسمائكم، هل ينفعنا ذلك. فيقول الإمام: أجل، وهل الدين إلا الحب؟ وكي لا يحصل لبس، يضيف (ع): ﴿قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله﴾ [آل عمران، 31]. وعليه إيمان "علي" وكماله يؤهله لأن يكون جزءًا من الدين. ويقول الرسول (ص): ﴿لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى﴾ [الشورى، 23]... هذا هو إيمانه.
وكون "علي" إيمانًا كاملًا، فإن ردود فعله متباينة إزاء الدنيا. فيبدو حينًا حريصًا على الدنيا وينشد الخلافة. ويقول حينًا آخر: "يا دنيا غُرّي غيري، لقد طلقتك ثلاثًا"، من أجل ماذا؟ لأن "عليًا" يريد الدنيا من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل لا غير. فالدنيا التي لا يعمل فيها على إحقاق الحق والتصدي للباطل، لا تروق لـ"علي" (ع). إذًا، فهو يريد الدنيا من أجل الله.
إننا نريد أن نصل إلى هذه النتيجة وهي أن شجاعة "علي" (ع) من أجل الله وبأمره تعالى ومستمدة منه. كما أنه لا يخاف غير الله، ولا يخشى الفقر، يثق بالله، كريم، وإذا ما أمسك يده فلأنه لا يريد أن يأخذ مال المسلمين ويعطيه لأخيه. كما أنه يطلب الدنيا من أجل إقامة الحق وإبطال الباطل. وإذا لم يكن لذلك فلا شأن له بالدنيا ولن يعبأ بها. وفي هذا الصدد يقول (ع) لـ"أبي ذر": يا أبا ذر لا يؤنسنّك إلا الحق، ولا يوحشنّك إلا الباطل. ولهذا نرى ثمة انسجام كامل في مختلف مراحل حياة "علي" (ع): ﴿ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا﴾ [النساء، 82]. "علي" لم يكن يتاجر بإيمانه، ففي السوق هو نفسه في الدار، وفي الدار هو نفسه في الحرب، وفي الحرب هو نفسه في المسجد، كان ذاتًا واحدة لا تفرق بين هذا وذاك. كان "علي" وليّ الله في دنيا الله كلها، كان "علي" حالًا واحدًا في كل مكان أمام نفسه وأمام الآخرين. وقد مرت علينا قصة "عقيل" ورأيتم لا فرق بالنسبة له بين الأخ والقريب والغريب، فأينما كان الله كان كل شيء. وإن لم يكن لا يوجد شيء. كلامه واحد يوم موته ويوم خلافته.
إن خطبة "علي" يوم خلافته، اليوم الذي فتحت الدنيا أحضانها لـ"علي" بكل محاسنها، لا تختلف عن كلامه يوم أشرف على الموت. كل ذلك لأن الدنيا بالنسبة له عبارة عن رسالة، عبارة عن أمانة. الدنيا بالنسبة لـ"علي" وسيلة للعمل وهي على حد سواء في حالتي الهدوء والغضب.
تذكر الرواية بأنه عندما جثم "علي" (ع) على صدر "عمرو بن عبد ود"، بصق "عمرو بن عبد ود" في وجه أمير المؤمنين وشتمه... شتم أمه. فنهض الإمام وأخذ يسير، وكان الحشد ينتظر أن تنكشف الغبرة ليرى نهاية المعركة.. أخذ يسير حتى هدأ غضبه، فجاء وحزّ رأس "عمرو بن عبد ود"... لماذا فعل ذلك؟ لأنه تحفظ عن قتله وهو غاضب. لم يكن يريد أن يكون لغضبه شأن في قتل "عمرو بن عبد ود"، أراد أن يكون قتله خالصًا لوجه الله.
لماذا أصبح يد الله؟ لماذا يصبح "علي" (ع) يد الله؟ فلو كانت لله يد –تعالى الله عما يقول الظالمون فليست لله يد– فإنها ستضرب مثلما تضرب يد "علي" (ع)، لو كانت لله يد لضربت بالسيف ذاته الذي يضرب به "علي"، لو كانت لله يد، لأعطت المال نفسه الذي كان يعطيه "علي"، لهذا أصبح "علي" يد الله. فهذه اليد لا تتحرك بغير إرادة الله، وهذا القلب لا ينبض بغير حب الله، وهذه الدموع لا تنهمر لغير الله. ومن هنا سمي "علي" يد الله الباسطة أيضًا.
هذا هو "علي" (ع)، ونحن الآن شيعة "علي".
نحن نقول: "علي" إمامنا، ماذا يعني الإمام؟ هل صليتم صلاة الجماعة؟ ففي صلاة الجماعة عندما يقول الإمام: الله أكبر، يقول المأموم: الله أكبر. وعندما يركع الإمام، يتبعه المأموم بالركوع. وولايتنا لـ"علي" تفيد هذا المعنى أيضًا.
حسنًا، "علي" إمامنا، كيف كان "علي"؟ إن ما ذكرنا ليس أكثر من قطرة من بحر شخصية "علي" (ع) جرت على لساني في هذا المكان المقدس. فهل رأيتم إمامًا قائمًا والمأمومين في حالة سجود؟ أو المأمومين في قيام والإمام في سجود؟
فلا بد لنا من التأمل أي مأمومين نحن لهذا الإمام؟ "علي" (ع) شجاع ونحن خائفون، "علي" كريم ونحن بخلاء، "علي" حسن الخلق ونحن سيئو الخلق، "علي" قوي ونحن خائفون وجشعون، "علي" صادق ونحن...
ما معنى الإمامة؟ إن سرّ كمال "علي" – بالنحو الذي ذكرناه – هو إيمانه. وإن الطريق الذي سلكه "علي" مفتوح أمامنا أيضًا، فاقتدِ به وسرْ على خطاه أنت أيضًا. "علي" قطع مائة درجة فأصبح ما هو عليه، إقطع أنت درجة واحدة واصبح واحد بالمائة من "علي". الطريق مفتوح أمام الجميع، نحن نعتبر كمال "علي" في إيمانه. وبالإيمان بالله ومضاعفة هذا الإيمان نستطيع أن نسير على خطى "علي".
ولكن ما الذي فعلناه؟ نحن الذين نُعتبر شيعة "علي" وينبغي لنا اتباعه، ماذا فعلنا؟ إن بعضنا –ولا نقل جميعنا– لم يتبعه بصدق.
حسنًا، الآن حيث لم نفعل، ما الذي ضاع من أيدينا؟ العزة والشرف والهداية والنجابة التي ينبغي لشيعة "علي" (ع) أن يتحلوا بها، باتت مهجورة.
ولكن أين تكمن المصيبة؟ أيها المحب لـ"علي"، يا مَنْ تلطم رأسك من أجل "علي" وتجلس للعزاء، يا مَنْ تجتمع من أجل "علي" وتضيء الشموع، يا مَنْ تذرف الدموع من أجل "علي"، يا مَنْ يفرح قلبك بسماع مناقب "علي"... إِسمع وخِفْ واهتز من هذا الكلام.
إذا أراد العالم اليوم أن يتعرف على "علي"، فكيف يتسنى له ذلك؟
هناك طريقان يمكن للعالم أن يتعرف من خلالهما على "علي" (ع). أحدهما يمر عبر التاريخ حيث يتعرف على "علي" عن طريق ما سجله التاريخ عن هذا الرجل العظيم. والطريق الآخر هو أن يتعرف على "علي" من خلال شيعته وأتباعه.
لنفترض أن أحدهم أراد التعرف على "علي"، أراد التعرف على أتباع "علي" (ع)، على المأمومين بـ"علي"، على المتمسكين به، أراد التعرف على شيعة "علي". فماذا سيرى؟ هل يرى علمًا؟ هل يرى تقوى؟ هل يرى حنان "علي" على اليتيم؟ هل يرى الخدمات التي كان يقدمها "علي" للناس؟ هل يرى الشجاعة والصراحة التي كانت لدى "علي"؟
كن حذرًا، كيف تريد أن تُعرّف "عليًا"؟
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
source