تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات، د.ت
بسم الله الرحمن الرحيم
نحن بأعصاب هادئة بإذن الله نستعين بالصبر والصلاة ونتهيأ للمستقبل. إذا ربنا أنعم علينا بمعالجة الحاضر، لنا الشرف، وإلا فلنستعد للمستقبل.
قبل أن ننتقل إلى البحث عن المقدمة التي ذكرنا في معنى الحركة، وتحدثنا عن الإنسان كما لاحظتم، الإنسان العظيم ذو الأبعاد والامتدادات، نُشر هذا الدرس المختصر في "أمل ورسالة". حتمًا الإخوان رأوه. ولكن عندي كلمة مختصرة، حكيناها في مهرجان المرحوم الدكتور شريعتي، في البداية. بناءً على طلب بعض رفاقنا أحببت أن أوضحها ونضعها ضمن الدروس.
نحن قلنا أن الإنسان بطبيعته يتحرك نحو الكمال، وعندما يتحرك نحو الكمال، إذا وجد في طريقه صعوبات، يتصدى لهذه الصعوبات ويتقدم؛ هذه طبيعة الإنسان منذ أن كان، وفي أي مكان. هذا الذي قلناه أنه امتدادات حركة المحرومين في العالم. طبعًا هذه الحركة نحو الكمال. أيضًا بحثنا في فترة من الزمن حول الكمال الذي هو عند المؤمن بالله اللانهاية.
الحركة هذه، عندما يجد الإنسان نفسه أمام التحرك، هنا ذكرنا أن الإنسان يمكن أن يأخذ أربعة خيارات.
أحد الخيارات الأربع، الإنسان يريد أن يكون أفضل. هو شخصيًا له درجة من العلم، له درجة من المال، له درجة من الأخلاق، له درجة من الحياة، يريد أكثر. بيته يريده أفضل، أولاده، دراستهم، اتساع بيته، أساس بيته، مجتمعه يريده أفضل، قومه يريدهم أفضل، عالمه يريده أفضل. شيء طبيعي... لأن معنى ما ورد في القرآن الكريم: ﴿فنفخنا فيه من روحنا﴾ [التحريم، 12] أن الإنسان دائمًا يطمح إلى اللانهاية. فأي درجة من الكمال ينالها، يريد أكثر. إذًا، الإنسان أي إنسان، دائمًا أمام وضعه الخاص، وضع عائلته، وضع بلده، وضع مدينته، وضع مجتمعه، وضع وطنه، وضع بني قومه، يرى أن هذا لا يرضي طموحه. هنا الإنسان يختار أحد الخيارات:
الأول: إما يستسلم للواقع يأخذ ولا يعطي. إما هو كسول، وإما هو قدري نتيجة لسوء التربية بأن هذا إرادة الله، وأنا يجب أن أستسلم. وعندما يستسلم للمجتمع يحاول أن يعرف كيف تؤكل الكتف: الدوائر الحكومية مخصصة للزعماء، يدخل على الزعماء؛ التقدم عن طريق رؤية خاطر الرئيس أو المدير، (يشوف خاطره). الوصول في الحياة عن طريق الرشوة، يرتشي؛ عن طريق التحالفات، يعمل (كومبين)... يعني يقبل لنفسه المجتمع الحاضر، وينسجم مع هذا المجتمع ويذوب في هذا المجتمع، ويأخذ مراكز معينة مما حول الزعماء. غالبًا هذه النوعية من الشباب، وبعضهم مثقفون كبار، ولكن تراهم يقبلون لأنفسهم الاستسلام لواقع المجتمع... هؤلاء الخنّع، المستسلمون للمجتمع، أسوأ الأنواع الأربعة.
الثاني: المهاجرون. لا يرضى بالوضع الاجتماعي أو البيتي أو الشخصي أو القومي، ولكن لا يتمكن أن يغيره، فيهرب. الفرار أحيانًا، فرار تجاري. نهاجر لأستراليا، لكندا، لليبيا، لأفريقيا الغربية، للكويت، للخليج، نهرب، ونروح نشتغل حتى نحسّن وضعنا، وحتى نهرب من الواقع المرير. قد تكون هجرة ثقافية: شباب يتثقفون في أوروبا، في أميركا، ثم يجدون مجالًا في الجامعات، في المؤسسات. هناك خمسة آلاف طبيب سوري في ألمانيا. هناك خمسة عشر ألف طبيب عربي في ألمانيا. هؤلاء هجرة! هربوا من مجتمعاتهم، وجدوا أن مجتمعاتهم غير نافعة، فذهبوا واختاروا مجتمعًا آخر.
أو هجرة من نوع آخر. يسكر حتى يغيب عن واقع المجتمع. يستعمل المخدرات: هيرويين، حشيشة ومخدرات... حتى يتخيل مجتمعًا أفضل. هذا كله فرار من المجتمع.
أو الهجرة الشريفة: ينعزل في بيته، يصلي، يعتكف، يطالع، يسد بابه. لا يريد أن يتعرف على العالم. يجد ثلاث أربع رفاق طيبين، فيعمل مجتمعًا طيبًا صغيرًا فيفرح بهذا المجتمع، هذا نوع من الفرار. أنواع من الهجرة. هذا النوع الثاني.
النوع الثالث: وهو الأفضل، لا يقبل بالمجتمع، ولا يهرب، إنما يريد أن يغير. فيفتش!! التغيير يحتاج إلى وسيلة، يشعر بالإفلاس. ليس لديه وسيلة للتغيير، فيستعير وسيلة! يصير شيوعيًا. يستعير الشيوعية أيديولوجية ووسيلة لتغيير المجتمع. يصير رأسماليًا، يستعير الرأسمالية الغربية Capitalisme حتى يغيّر مجتمعه؛ يستعير الوسائل المستعملة في العالم للتغيير فيعتمدها. هؤلاء أفضل من الفئة الأولى والثانية، وكما ذكرنا يصدق عليهم قول الإمام (ع): ليس من طلب الحق فأخطأه، كمن طلب الباطل فأصاب. هؤلاء نحن لسنا منهم.
نحن لا نريد هذا المجتمع! ونفتش عن التغيير، ولا نهرب، ولكن لسنا معترفين بالإفلاس.
نحن نعتقد، أنه في هذه الأرض، وتحت هذه السماء، وفي هذه البيئة، استُعملت وسيلة للتغيير ونفعت... الإسلام.
استُعملت وسائل، من أيام المسيح وقبل المسيح، أي قيم الإسلام بمعناه العام. ثم جاءت تجربة الأولياء والأوصياء. عندنا أيديولوجية وعندنا وسيلة استعملناها لكي نغيّر. هذه هي الأربعة أنواع من المواجهة الإنسانية مع الواقع الذي لا يرضيك.
طبعًا نحن، كما تعرفون، في حركتنا من الفئة الرابعة.
قلنا من حيث الجغرافيا، نرفض تقسيم العالم إلى منطقتي نفوذ، وبالتالي نحن من العالم الثالث، جغرافيًا ولكن أحببنا أن نسمي نفسنا العالم الرابع. يعني أولئك الذين يستعملون الثورة المؤمنة، النضال الأصيل، العالم الرابع.
ولذلك نعتبر، حتى ولو لم يعرفوننا، نضال شعب زيمبابوي بقيادة رجال الدين، كما تعلمون نضالهم ليس نضال الشيوعية. نضال الناس في البرازيل، يقودهم مطران يسمى بالمطران الأحمر، ليس شيوعيًا. ولكن المخابرات الأميركية تسميه مطرانًا شيوعيًا. جميع النضالات غير الشيوعية في العالم، النضالات المؤمنة، نحن نعتبرها شقيقتنا وحليفتنا، وإن كانوا لا يعرفون. نحاول، من خلال المشاركة في المؤتمرات، نكتشف هذه الحركات ونفتح جسورًا معها ونعمل اتصالات.
كل إنسان لا يخضع لواقعه، ولا يهرب، ويتحمل المسؤوليات، ولا يستعير سلاح الغير بل يستعمل سلاحًا أصيلًا للتغيير، فهو بموازاة حركتنا. ونحن منها. هذا العالم الرابع.
والسلام عليكم.
