25 شباط 1970
الكاتب:موسى الصدر
كلمة متلفزة ألقاها الإمام موسى الصدر عبر تلفزيون الكويت بتاريخ 25/02/1970.
بسم الله الرحمن الرحيم
[...] يتحدثون أول ما يتحدثون عن أحزانهم وأفراحهم وبطبيعة الحال يبدأون من أهم ما يعاني كل منهم. وهذا الشعور أيضًا موجود معي في هذه الرحلة العزيزة التي طالما تمنيتها، بل أكثر من هذا ربما كان الحديث عن أوضاعنا كان في طليعة الأهداف من هذه الرحلة. وبعد أن وصلت إلى الكويت، ولقيت ما لقيت من العواطف والتكريم والإحتفاء من جميع الإخوان وبصورة خاصة من سمو الأمير في مقابلتي مع سموه ومن سمو ولي العهد أيضًا، ومن مختلف المسؤولين، ومن مختلف أبناء هذا البلد الكريم وحتى الجاليات الموجودة، وجدت مناخًا أكثر تلاؤمًا للتحدث عن هذه الصعوبات وفي نفس الوقت عن الآمال بالمستقبل.
وكلنا يعرف أن في طليعة أحزاننا ومشاكلنا هي مشكلة فلسطين ومشكلة إسرائيل بصورة خاصة. هذه المشكلة التي طالما تحدثوا عنها مما لا يجوز أن أكرر ما قيل، إنما أحب أن أتحدث في طليعة كلمتي عن جانب ما تحدثوا كثيرًا عنه، الجانب الذي يتناسب معي كرجل دين... يعني البعد الديني لمشكلة فلسطين. هذا البعد الذي هو أساس المشكلة حسب رأيي، مع الأسف في كثير من الأبحاث يتجاهلونه. مشكلة إسرائيل كما يظهر من إسم إسرائيل، ومن إسم مجلس الأمة المسمى بالكنيست، ومن اختيار القدس عاصمة لهم وتسميتها بتسمية "أورشليم" ومن الكثير من تصرفات الشخصيات السياسية والعسكرية الإسرائيلية يظهر أن المشكلة لها بعد ديني كبير جدًا إذا ما كان البعد الديني هو الأساس والذي تحول إلى بعد عنصري.
في الحقيقية علينا أن ندرس بصورة موجزة هذا البعد الذي يربط إسرائيل في عصرنا هذا إلى إسرائيل القديمة التي أُسست قبل ولادة السيد المسيح (ع). نحن نعرف أن أولاد إسرائيل أو بني إسرائيل حسب تعبير القرآن الكريم كانوا في مصر، وبفترة وجيزة كَثُر عددهم، وبكل أسف استغلوا أيضًا طيبة الشعب المصري وبدأوا يتلاعبون بكثير من المقدرات، وبكثير من المصائر في مصر، واستغلوا أيضًا موقف "يوسف" (ع) حينما أنقذ الشعب المصري من القحط.
هذه الظروف جعلت أن الشعب المصري ثار عليهم، وبدأ فرعون ينتقم ويحتقرهم، والقرآن الكريم أيضًا ينقل في الآية الكريمة: ﴿إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شِيَعًا يستضعف طائفة منهم يُذَبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم﴾ ]القصص، 4[، وفي ذلك ﴿بلاء من ربكم عظيم﴾ [البقرة، 49]، حتى بعث الله سبحانه وتعالى النبي "موسى" (ع)، فأنقذهم وأخرجهم، وأدخلهم إلى سيناء، وهم في طريقهم إلى فلسطين... مع العلم أن علاقتهم مع فلسطين أن "إبراهيم" (ع) مر على فلسطين، وإلا في الحقيقة حتى هو "إبراهيم" ليس من مواليد فلسطين، وإنما مر على تلك المنطقة.
أرادوا أن يرجعوا إلى تلك البلاد، وحينما خرجوا من أرض مصر، بدأوا نتيجة للعقد السابقة والمشاكل النفسية والظروف الإجتماعية التي مرت عليهم، وجدوا أنفسهم أمام معبر طويل ومشقة كبيرة فبدأوا يتحدثون مع "موسى" بأنك ما وجدت في مصر لنا خبزًا نأكل وقبرًا ندفن فيه حتى أخذتنا إلى هذه المنطقة. وحوارهم مع "موسى" ومشاكلهم وطلبهم بأنهم ملّوا المن والسلوى وطلبوا ما كانوا يأكلونه من المآكل المتواضعة على رغم من الاضطهاد الذي كانوا يعانونه في مصر، بدأوا يطالبون به.
في هذه الفترة وفي فترة الضياع التي عاشوها في سيناء حتى وصلوا إلى أرض فلسطين، يظهر أن هذا الشعب تعقد كثيرًا وأصبح يحقد على البشرية بصورة عامة. وحينما دخلوا في فلسطين وفتكوا بأهل فلسطين، واحتلوا الأجزاء الكثيرة من تلك المنطقة العزيزة، وشردوا أهلها، والتي كانت تسكنها قبائل مختلفة يبدو من بعض التواريخ أنهم كانوا من بعض الموجات العربية التي نزحت من الجزيرة.
في هذه الفترة، بدأوا يستغلون الناس ويسيطرون على الناس ويريدون أن يؤكدوا تفوقهم على الناس، حتى يبرروا احتلالهم وسيطرتهم، وبالتالي كي يملأوا الفراغ الناتج من العقد النفسية التي عانوها خلال الفترة الماضية.
في هذه الفترة صنعوا تاريخهم وكوّنوا عقائدهم، وطبعًا هذا كان الأساس. كيف يمكنهم أن يؤكدوا تفوقهم على الناس؟ عندهم شريعة... معروف... يؤمنون بالإله الواحد ويعتزون بذلك الإيمان. هناك الشعوب الموجودة في فلسطين وفي منطقة الشرق الأوسط وفي لبنان وسوريا أيضًا يؤمنون بإله واحد. ويسمون إلههم الواحد بـ "إيل". فإذًا، في الأساس إلههم واحد وليس هنا من تفوق بينهم وبين الآخرين.
في أوائل تعاليمهم يستعملون كلمة "إيل" وحتى لكلمة "إسرائيل" وأسماء كثيرة من الملائكة مثل "إسرافيل" وأمثال ذلك وهي مأخذوة من كلمة "إيل". ولكنهم حاولوا أن يفصلوا أنفسهم نهائيًا عن البشر وأن يجعلوا لأنفسهم ميزة، سموا إلههم الواحد بـ "يهوه". وبهذه الطريقة فصلوا [أنفسهم] بصورة نهائية عن الناس. واعتبروا أنفسهم شعب الله المختار، والآخرين البشر من الدرجة الثانية أو بتعبير آخر اعتبروا أنفسهم مخلوقين لإله "يعقوب"، إله إسرائيل.
هنا وبعد هذا الفصل واعتبار أنفسهم أرفع من البشر في الأساس، في الخلق، في العنصر، بدأت المشكلة. هذه المشكلة التي جعلتهم يتربصون الفرصة بأبناء البشر من أي نوع ومن أي جنس، ويستغلون ثرواتهم، ويحتقرونهم، ويحاولون أن يستعملوهم كوسائل لإسعاد أولاد إسرائيل.
وقد برز في التاريخ أكثر من مئات من الأحداث حينما تمكنوا من التصرف والإزعاج والاضطهاد للآخرين ما كانوا "يقصرون" أبدًا. في فترة من الاحتلال الأجنبي لمنطقة الشرق الأوسط والتي يعبر عنها القرآن الكريم في سورة الروم: ﴿غُلِبَتِ الروم * في أدنى الأرض﴾ ]الروم، 2-3] في خلال هذه الفترة تحالفوا مع المستعمرين ومع الحكم، وفتكوا بالمسيحيين بعشرات الألوف من الناس مع أنهم كانوا أكثرية المنطقة. وأيضًا حاولوا بواسطة التعاليم المقدسة أن يُدخلوا الكثير من السخافات والإنحرافات في التعاليم الأخرى الموجودة في مختلف الأوساط في الديانة المسيحية.
وبالنسبة للإسلام أيضًا استعملوا نفس الطريقة. فنحن نجد في أول تاريخ الإسلام وبعد الهجرة مؤامرات وأخطار تكونت من قِبَلهم، وقد بلغت الأخطار ذروتها في واقعة الأحزاب، حينما كانت مدينة الرسول محاطة بالأحزاب والمشركين فتآمروا وقد رفق الله برسوله عليه الصلاة والسلام، فتغلب على هذه المشكلة بذكاء قيادي خارق ونجا من هذه المؤامرة الخطرة.
ولليهود أكثر من مؤامرة بالنسبة إلى قتل الرسول الأكرم (ص)، وحتى إن كثيرًا من الآثار تؤكد أن الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام قد تسمم بواسطة أكلة حضرتها امرأة يهودية في وقت سابق لوفاته. وبعد ذلك أيضًا حاولوا أن يدخلوا في التعاليم الإسلامية كثيرًا من سخافاتهم وعقائدهم.
والآن نحن في فقهنا وفي تاريخنا وفي تفسيرنا، وخصوصًا في قصص الأنبياء، نجد أمامنا ألوف من الروايات يسميها فقهاؤنا أو علماؤنا بـ "الإسرائيليات" والتي تجعل موقف العالِم المجتهد أو الفقيه أو الباحث موقفًا حرجًا. هذه المواقف والتصرفات كلها تتضح نتيجة للعقيدة التي تأسست في بدء خروجهم من مصر، وضياعهم في الصحراء، ودخولهم في فلسطين، تكوّنوا بصورة منحرفة وجميع التصرفات ناتجة من تلك الحقبة من الزمن. وهكذا نتمكن أن نعرف لماذا كان موقف الأنبياء، وموقف الصلحاء، وموقف الماضين منهم موقفًا سلبيًا.
السيد المسيح (ع) في أكثر من موقف يعبر عنهم ويؤكد استياءه منهم: "يا أورشليم يا قتلة الأنبياء" وفي موقع آخر: "لا تعطوا القدس للكلاب والخنازير"... هذا الموقف كان ناتجًا عن هذا الشعور، وهذا التفهم لهذا العنصر المنحرف. وفي موقف آخر أيضًا أتذكر أن السيد المسيح يقول لهم حينما أخرج الصرّافة والتجار من الهيكل: "هذا بيت أبي مكان للعبادة"، "وأنتم جعلتموه مغارة للصوص".
وفي القرآن الكريم أيضًا نحن نجد تأكيدات كثيرة:
أولًا- الرسول (ص) قال: أخرجوا اليهود من الجزيرة.
ثانيًا- في القرآن الكريم نجد في سورة الجمعة، السورة التي يصليها ويقرأها كل مسلم في صلاة الجمعة، في سورة واحدة كلمتين متشابهتين تعبران عن اليهود بالظالمين: ﴿قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولا يتمنونه أبدًا بما قدَّمت أيديهم والله عليم بالظالمين﴾ [الجمعة، 6-7]. التعبير بالظالمين وكل يوم جمعة، الإسلام عن طريق صلاة الجمعة، يؤكد للمسلمين أن هؤلاء "ظالمين". والظالم له شأن في القرآن الكريم، لأن القرآن الكريم يؤكد: ﴿ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار﴾ ]هود، 113[. وأيضًا في سورة الجمعة يكرر القرآن الكريم مرة ثانية: ﴿مثل الذين حُمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا بئس مثل القوم الذين كذّبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين﴾ ]الجمعة، 5[.
على هذا الأساس نحن نتمكن أن نفهم لماذا التركيز الشديد على التجنب من اليهود، وعلى الاحتراز من هذه العنصرية الطاغية الخطِرة على البشر. وأيضًا نتمكن أن نفهم لماذا كان الصلحاء والقادة بالفعل يمنعون من سيطرتهم، ويتجنبون أخطارهم ومؤامراتهم. وعلى هذا الأساس أيضًا كانوا هم مضطهدين في خلال التاريخ، لأنهم ما كانوا يحاولون أن يدينوا بالولاء لأي وطن يعيشون فيه.
مع الأسف هذا التصرف العميق والممتد عبر التاريخ، بالفعل كان ناتجًا من هذا العنصر بطبيعته الحالية يشكل شبه سرطان يعني خلية في الجسد تنمو على حساب سائر الخلايا.
هكذا كانوا... وهكذا كانوا يتجنبون أخطارهم حتى مع الأسف نحن ابتلينا، أولًا بالمخططات الصهيونية التي يكشفها كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون". والكتاب الذي أتمنى كل واحد منا أن يقرأه... والكتاب الذي يكشف أن اليهود وراء إفساد العالم... وراء إبعاد العالم عن الدين... وراء السيطرة على العالم... وراء كثير من الحركات الهدامة في العالم.
هذه المخططات التي كُتِب عنها في هذه الأيام أكثر من كتاب، وصدر عنها أكثر من إحصاء تؤكد الإحصاءات أنه أكثر تجارة الخمور في العالم، وأكثر دور الفساد في العالم، وأكثر المؤسسات التي تنتج الأفلام التجارية الخلاعية المفسدة وغير ذلك من الوسائل التي تستعمل لإذابة البشر وتمييع الشباب: الشبان والشابات، منهم. كما أن لهم الكثير من الأفكار الهدامة التي يذيعونها بصورة أفكار فلسفية اجتماعية في العالم.
وبالفعل، أنا اطلعت على أنهم في بعض البلاد، مثلًا أستراليا، يحاربون تعليم الديانة المسيحية في المدارس على أساس إبعاد الناس عن الدين. وفي الولايات المتحدة أيضًا احتجوا بإسم "لجنة الدفاع عن الحريات" أنه لماذا العسكري حينما يستلم البذلة أو الضابط حينما يستلم الدرجة يُفرض عليهما اليمين ويُوحى إليه أو يُكوّن له مناخ شبه ديني؟
هذه المحاولات المنتشرة في العالم تؤكد أنهم لا يزالون يحاولون إبعاد الناس عن الإيمان وعن الأخلاق، ويريدون أن يبتعد كل الناس إلا هم... الذين يكرِّسون بكل قوة دينهم وشعائرهم وعنصرياتهم، كما نحن نشاهد في حربهم وفي نشاطهم وفي تصرفاتهم. وسمعت فتاة إسرائيلية سُئلت من ابنة أحد الزعماء الكبار: "ماذا كان معكِ في الحرب؟" قالت: "التوراة والحقيبة النسائية والبندقية".
هكذا تكوَّن هذا الكيان الخطِر في قلب هذا العالم مع الأسف، وأخطار هذا الكيان وأطماعه معروفة.
بعد هذه المقدمة أحب أن أؤكد أن الخطر لا يقتصر على فلسطين أو على الأجزاء المحتلة من العالم العربي في هذا اليوم، بل الخطر سوف يمتد ويمتد ويشكَّل على جميع المناطق في الشرق وحتى على الغرب أيضًا.
ولكن مع الأسف الغباء العالمي الناتج عن الغرور عند بعض الدول الاستعمارية يمنع بالفعل الإدراك لأبعاد هذه الحقيقة. ربما أنهم يفكرون أنهم الساعة التي يشاؤون يتمكنون من إيقاف إسرائيل عند حدّها. ولكن خيال... وكنا نتخيل نحن أيضًا سابقًا هذه الغلطة التاريخية التي ارتكبت في هذه المنطقة. والآن وصل الأمر إلى مناطق قريبة ومن جملتها "جنوب لبنان"، المنطقة التي أحب أن أتحدث عنها لإخواني في هذا البلد، وأحاول في كلمتي هذه وضع الواقع أمام أعينهم.
جنوب لبنان لعدة أسباب مطمع قريب لإسرائيل:
1- لأن منطقة الجنوب في لبنان من جهة الجبال الشاهقة والسهول والوديان تشكل منطقة استراتيجية هجومية ودفاعية كبيرة. وفي الحقيقة ما حول إسرائيل ما بقي للعالم العربي منطقة استراتيجية بهذا المستوى.
2- هذا من ناحية. من ناحية ثانية، المياه الموجودة في جنوب لبنان ثروة كبرى. وإسرائيل تطمع في هذه الثروة كما تطمع في جميع الثروات في العالم. حسب بعض الإحصاءات معدل المياه في جنوب لبنان سنويًا في بعض السنوات يتجاوز ثمانمئة مليون متر مكعب، ويبلغ في بعض السنوات المليار متر مكعب. أما المعدل السنوي العادي لليطاني وفروع الليطاني بين خمسماية وستماية مليون متر مكعب. طبعًا هذه المياه تطمع فيها إسرائيل بشكل واضح.
3- ثم خصوبة المنطقة واعتبارات أخرى أيضًا تزداد أطماع إسرائيل بهذه المنطقة.
ولا شك أن الطمع لا يقف عند جنوب لبنان ويمتد لأنه كلما اشتدت قوة هذا العدو تزداد أطماعه. مقابل هذه الأطماع والناتجة عن العنصرية الدينية، وعن الأحقاد التاريخية العميقة والطويلة، نحن نقف متفرجين. صحيح أنه كثير من أبناء العرب وكثير من المحبين لهم في العالم، يشتغلون لأجل القضية. ولكن أنا أتصور أن العمل يجب أن يكون أكثر جدية، وأكثر دقة وأكثر تحركًا من الوضع الحاضر. إذا أحد منا شعر بأن الخطر يهدده مباشرة، يهدد بيته أو يهدد أولاده، أو يهدد مستقبله، بطبيعة الحال يتحرك بكل وجوده. لكن نحن تحركنا أقل من كل طاقاتنا، وحتى أتصور أنه أقل من ربع طاقاتنا.
صحيح أن الكويت، بصورة خاصة، شعبًا وحكومة تحاول أن تقدم خدمات كثيرة وكبيرة للمعركة سواء كان من جهة المساهمة السخية للدفاع المنظم العربي عن طريق الإسهام في التسلح والتمويل لكثير من الجيوش العربية، وسواء كان عن طريق المساهمة لمنظمات المقاومة الفلسطينية والتي إن شاء الله نتمنى أن تنمو وتزدهر وتتحسن وتتنظم وتتصاعد، لأنها في الحقيقة الحل الوحيد لمشكلة فلسطين... يبدو في الأفق قضية المقاومة الفلسطينية، لأن البحث عن الحل السياسي والحل العسكري، هذا بحث خاص في الأراضي العربية ما عدا فلسطين... أما قضية فلسطين بالنسبة إلى العالم منتهية.
على كل حال، الكويت تساهم مساهمة فعالة في هذا الموضوع، ولكن نتمنى أكثر وأكثر وأكثر من الكويت وغير الكويت في جميع المجالات، ليس فحسب في مجال المساهمات، حتى في مجال الإعلام، حتى في مجال النشاطات الفردية، لا يجوز أيضًا أن نتفرج على نشاطات الحكومات أو الجيوش، كل واحد منا كشعب، كرجال دين، كأشخاص ذوي علاقات في العالم بإمكانهم أن يقوموا بنشاطات واسعة في هذا الحقل.
وعلى كل حال، في هذه الظروف الصعبة علينا أن ندرك أبعاد الخطر، وحتمًا ندرك هذه الأبعاد بقلوبنا وبعقولنا ونستعمل جميع الوسائل التي مكننا الله سبحانه وتعالى، منها حتى نؤدي هذه الأمانة؛ لأنه بالفعل الجماعة طوال التاريخ ما كان لهم كيان وتمكنوا أن يسيطروا على الكثير من المناطق في العالم.
أتذكر أنه في الكلمة التي ألقاها "فرانكلين" مؤسس الولايات المتحدة في أول استلامه الحكم وأول استقلال أميركا، ووجه الخطاب إلى الشعب الأميركي وقال: "اشكروا ربكم أنه ليس بينكم يهود، وإلا إما أنتم وإما أبناءكم سيكونون مُستعمَرين لهم".
وعلى الرغم من أنهم ما كانوا في الولايات المتحدة تمكنوا بتآمرهم واحتيالهم أنهم سيطروا إلى حد كبير على الرأي العام وعلى المصالح الحيوية في الولايات المتحدة.
فعلى هذا الأساس، طالما أصبح لهم كيان، فالخطر أصبح أكبر وأدق وأشمل... وعلينا أن نستعد. ولكن نحن مقابل هذا الخطر العظيم لا نشك بأن الأمل أيضًا كبير وعظيم، لأن الإنسان المؤمن لا يمكن أن يشعر باليأس، لأن الأمل يقترن مع الإيمان بالله. وهذا صريح، الإيمان بالله وخاصة القرآن الكريم يؤكد أن الله سبحانه وتعالى هو الحق، وأنه خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق، وأنه يحكم على الكون بالحق والعدل، وأن الأرض يرثها عباده الصالحون، وأن المستقبل للخيّرين: ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم﴾ [النور، 55].
وعلى هذا الأساس الأمل يقترن مع الإيمان... فنحن لا نشك أن النصر النهائي للحق، ولكن علينا أن نكون في سبيل الحق، وأن نقوي ونشدد تحركنا في سبيل الحق، وأن نجند طاقاتنا كافة في هذا السبيل.
مهما تكلمت عن هذا الواقع المؤلم وعن هذه الآمال لا أتمكن أن أوفي المقام حقه، ولكن أشكر الله أنه توفقت إلى حد ما أن أتحدث مع إخواني الأعزاء. وأسأله تعالى أن يوفقهم، وأن يأخذ بيدهم جميعًا لأنه بالفعل نحن نشعر في لبنان أن الكويت أخت قريبة مواسية ومتعاونة مع لبنان؛ وعمران الكويت وازدهار الكويت عمران لنا وازدهار لنا... وقوة الكويت قوة لنا، وأعتقد أن الشعور متقابل أيضًا. وسوف بالفعل أحاول أن أنقل هذه العواطف والمشاعر التي شعرتُ بها أن أنقلها أيضًا إلى لبنان. وأعود مع أمل أكثر ومع ثقة أوسع في المستقبل. والله سبحانه وتعالى هو نعم المولى ونعم النصير.
والسلام عليكم ورحمة الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
[...] يتحدثون أول ما يتحدثون عن أحزانهم وأفراحهم وبطبيعة الحال يبدأون من أهم ما يعاني كل منهم. وهذا الشعور أيضًا موجود معي في هذه الرحلة العزيزة التي طالما تمنيتها، بل أكثر من هذا ربما كان الحديث عن أوضاعنا كان في طليعة الأهداف من هذه الرحلة. وبعد أن وصلت إلى الكويت، ولقيت ما لقيت من العواطف والتكريم والإحتفاء من جميع الإخوان وبصورة خاصة من سمو الأمير في مقابلتي مع سموه ومن سمو ولي العهد أيضًا، ومن مختلف المسؤولين، ومن مختلف أبناء هذا البلد الكريم وحتى الجاليات الموجودة، وجدت مناخًا أكثر تلاؤمًا للتحدث عن هذه الصعوبات وفي نفس الوقت عن الآمال بالمستقبل.
وكلنا يعرف أن في طليعة أحزاننا ومشاكلنا هي مشكلة فلسطين ومشكلة إسرائيل بصورة خاصة. هذه المشكلة التي طالما تحدثوا عنها مما لا يجوز أن أكرر ما قيل، إنما أحب أن أتحدث في طليعة كلمتي عن جانب ما تحدثوا كثيرًا عنه، الجانب الذي يتناسب معي كرجل دين... يعني البعد الديني لمشكلة فلسطين. هذا البعد الذي هو أساس المشكلة حسب رأيي، مع الأسف في كثير من الأبحاث يتجاهلونه. مشكلة إسرائيل كما يظهر من إسم إسرائيل، ومن إسم مجلس الأمة المسمى بالكنيست، ومن اختيار القدس عاصمة لهم وتسميتها بتسمية "أورشليم" ومن الكثير من تصرفات الشخصيات السياسية والعسكرية الإسرائيلية يظهر أن المشكلة لها بعد ديني كبير جدًا إذا ما كان البعد الديني هو الأساس والذي تحول إلى بعد عنصري.
في الحقيقية علينا أن ندرس بصورة موجزة هذا البعد الذي يربط إسرائيل في عصرنا هذا إلى إسرائيل القديمة التي أُسست قبل ولادة السيد المسيح (ع). نحن نعرف أن أولاد إسرائيل أو بني إسرائيل حسب تعبير القرآن الكريم كانوا في مصر، وبفترة وجيزة كَثُر عددهم، وبكل أسف استغلوا أيضًا طيبة الشعب المصري وبدأوا يتلاعبون بكثير من المقدرات، وبكثير من المصائر في مصر، واستغلوا أيضًا موقف "يوسف" (ع) حينما أنقذ الشعب المصري من القحط.
هذه الظروف جعلت أن الشعب المصري ثار عليهم، وبدأ فرعون ينتقم ويحتقرهم، والقرآن الكريم أيضًا ينقل في الآية الكريمة: ﴿إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شِيَعًا يستضعف طائفة منهم يُذَبّح أبناءهم ويستحيي نساءهم﴾ ]القصص، 4[، وفي ذلك ﴿بلاء من ربكم عظيم﴾ [البقرة، 49]، حتى بعث الله سبحانه وتعالى النبي "موسى" (ع)، فأنقذهم وأخرجهم، وأدخلهم إلى سيناء، وهم في طريقهم إلى فلسطين... مع العلم أن علاقتهم مع فلسطين أن "إبراهيم" (ع) مر على فلسطين، وإلا في الحقيقة حتى هو "إبراهيم" ليس من مواليد فلسطين، وإنما مر على تلك المنطقة.
أرادوا أن يرجعوا إلى تلك البلاد، وحينما خرجوا من أرض مصر، بدأوا نتيجة للعقد السابقة والمشاكل النفسية والظروف الإجتماعية التي مرت عليهم، وجدوا أنفسهم أمام معبر طويل ومشقة كبيرة فبدأوا يتحدثون مع "موسى" بأنك ما وجدت في مصر لنا خبزًا نأكل وقبرًا ندفن فيه حتى أخذتنا إلى هذه المنطقة. وحوارهم مع "موسى" ومشاكلهم وطلبهم بأنهم ملّوا المن والسلوى وطلبوا ما كانوا يأكلونه من المآكل المتواضعة على رغم من الاضطهاد الذي كانوا يعانونه في مصر، بدأوا يطالبون به.
في هذه الفترة وفي فترة الضياع التي عاشوها في سيناء حتى وصلوا إلى أرض فلسطين، يظهر أن هذا الشعب تعقد كثيرًا وأصبح يحقد على البشرية بصورة عامة. وحينما دخلوا في فلسطين وفتكوا بأهل فلسطين، واحتلوا الأجزاء الكثيرة من تلك المنطقة العزيزة، وشردوا أهلها، والتي كانت تسكنها قبائل مختلفة يبدو من بعض التواريخ أنهم كانوا من بعض الموجات العربية التي نزحت من الجزيرة.
في هذه الفترة، بدأوا يستغلون الناس ويسيطرون على الناس ويريدون أن يؤكدوا تفوقهم على الناس، حتى يبرروا احتلالهم وسيطرتهم، وبالتالي كي يملأوا الفراغ الناتج من العقد النفسية التي عانوها خلال الفترة الماضية.
في هذه الفترة صنعوا تاريخهم وكوّنوا عقائدهم، وطبعًا هذا كان الأساس. كيف يمكنهم أن يؤكدوا تفوقهم على الناس؟ عندهم شريعة... معروف... يؤمنون بالإله الواحد ويعتزون بذلك الإيمان. هناك الشعوب الموجودة في فلسطين وفي منطقة الشرق الأوسط وفي لبنان وسوريا أيضًا يؤمنون بإله واحد. ويسمون إلههم الواحد بـ "إيل". فإذًا، في الأساس إلههم واحد وليس هنا من تفوق بينهم وبين الآخرين.
في أوائل تعاليمهم يستعملون كلمة "إيل" وحتى لكلمة "إسرائيل" وأسماء كثيرة من الملائكة مثل "إسرافيل" وأمثال ذلك وهي مأخذوة من كلمة "إيل". ولكنهم حاولوا أن يفصلوا أنفسهم نهائيًا عن البشر وأن يجعلوا لأنفسهم ميزة، سموا إلههم الواحد بـ "يهوه". وبهذه الطريقة فصلوا [أنفسهم] بصورة نهائية عن الناس. واعتبروا أنفسهم شعب الله المختار، والآخرين البشر من الدرجة الثانية أو بتعبير آخر اعتبروا أنفسهم مخلوقين لإله "يعقوب"، إله إسرائيل.
هنا وبعد هذا الفصل واعتبار أنفسهم أرفع من البشر في الأساس، في الخلق، في العنصر، بدأت المشكلة. هذه المشكلة التي جعلتهم يتربصون الفرصة بأبناء البشر من أي نوع ومن أي جنس، ويستغلون ثرواتهم، ويحتقرونهم، ويحاولون أن يستعملوهم كوسائل لإسعاد أولاد إسرائيل.
وقد برز في التاريخ أكثر من مئات من الأحداث حينما تمكنوا من التصرف والإزعاج والاضطهاد للآخرين ما كانوا "يقصرون" أبدًا. في فترة من الاحتلال الأجنبي لمنطقة الشرق الأوسط والتي يعبر عنها القرآن الكريم في سورة الروم: ﴿غُلِبَتِ الروم * في أدنى الأرض﴾ ]الروم، 2-3] في خلال هذه الفترة تحالفوا مع المستعمرين ومع الحكم، وفتكوا بالمسيحيين بعشرات الألوف من الناس مع أنهم كانوا أكثرية المنطقة. وأيضًا حاولوا بواسطة التعاليم المقدسة أن يُدخلوا الكثير من السخافات والإنحرافات في التعاليم الأخرى الموجودة في مختلف الأوساط في الديانة المسيحية.
وبالنسبة للإسلام أيضًا استعملوا نفس الطريقة. فنحن نجد في أول تاريخ الإسلام وبعد الهجرة مؤامرات وأخطار تكونت من قِبَلهم، وقد بلغت الأخطار ذروتها في واقعة الأحزاب، حينما كانت مدينة الرسول محاطة بالأحزاب والمشركين فتآمروا وقد رفق الله برسوله عليه الصلاة والسلام، فتغلب على هذه المشكلة بذكاء قيادي خارق ونجا من هذه المؤامرة الخطرة.
ولليهود أكثر من مؤامرة بالنسبة إلى قتل الرسول الأكرم (ص)، وحتى إن كثيرًا من الآثار تؤكد أن الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام قد تسمم بواسطة أكلة حضرتها امرأة يهودية في وقت سابق لوفاته. وبعد ذلك أيضًا حاولوا أن يدخلوا في التعاليم الإسلامية كثيرًا من سخافاتهم وعقائدهم.
والآن نحن في فقهنا وفي تاريخنا وفي تفسيرنا، وخصوصًا في قصص الأنبياء، نجد أمامنا ألوف من الروايات يسميها فقهاؤنا أو علماؤنا بـ "الإسرائيليات" والتي تجعل موقف العالِم المجتهد أو الفقيه أو الباحث موقفًا حرجًا. هذه المواقف والتصرفات كلها تتضح نتيجة للعقيدة التي تأسست في بدء خروجهم من مصر، وضياعهم في الصحراء، ودخولهم في فلسطين، تكوّنوا بصورة منحرفة وجميع التصرفات ناتجة من تلك الحقبة من الزمن. وهكذا نتمكن أن نعرف لماذا كان موقف الأنبياء، وموقف الصلحاء، وموقف الماضين منهم موقفًا سلبيًا.
السيد المسيح (ع) في أكثر من موقف يعبر عنهم ويؤكد استياءه منهم: "يا أورشليم يا قتلة الأنبياء" وفي موقع آخر: "لا تعطوا القدس للكلاب والخنازير"... هذا الموقف كان ناتجًا عن هذا الشعور، وهذا التفهم لهذا العنصر المنحرف. وفي موقف آخر أيضًا أتذكر أن السيد المسيح يقول لهم حينما أخرج الصرّافة والتجار من الهيكل: "هذا بيت أبي مكان للعبادة"، "وأنتم جعلتموه مغارة للصوص".
وفي القرآن الكريم أيضًا نحن نجد تأكيدات كثيرة:
أولًا- الرسول (ص) قال: أخرجوا اليهود من الجزيرة.
ثانيًا- في القرآن الكريم نجد في سورة الجمعة، السورة التي يصليها ويقرأها كل مسلم في صلاة الجمعة، في سورة واحدة كلمتين متشابهتين تعبران عن اليهود بالظالمين: ﴿قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين * ولا يتمنونه أبدًا بما قدَّمت أيديهم والله عليم بالظالمين﴾ [الجمعة، 6-7]. التعبير بالظالمين وكل يوم جمعة، الإسلام عن طريق صلاة الجمعة، يؤكد للمسلمين أن هؤلاء "ظالمين". والظالم له شأن في القرآن الكريم، لأن القرآن الكريم يؤكد: ﴿ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار﴾ ]هود، 113[. وأيضًا في سورة الجمعة يكرر القرآن الكريم مرة ثانية: ﴿مثل الذين حُمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارًا بئس مثل القوم الذين كذّبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين﴾ ]الجمعة، 5[.
على هذا الأساس نحن نتمكن أن نفهم لماذا التركيز الشديد على التجنب من اليهود، وعلى الاحتراز من هذه العنصرية الطاغية الخطِرة على البشر. وأيضًا نتمكن أن نفهم لماذا كان الصلحاء والقادة بالفعل يمنعون من سيطرتهم، ويتجنبون أخطارهم ومؤامراتهم. وعلى هذا الأساس أيضًا كانوا هم مضطهدين في خلال التاريخ، لأنهم ما كانوا يحاولون أن يدينوا بالولاء لأي وطن يعيشون فيه.
مع الأسف هذا التصرف العميق والممتد عبر التاريخ، بالفعل كان ناتجًا من هذا العنصر بطبيعته الحالية يشكل شبه سرطان يعني خلية في الجسد تنمو على حساب سائر الخلايا.
هكذا كانوا... وهكذا كانوا يتجنبون أخطارهم حتى مع الأسف نحن ابتلينا، أولًا بالمخططات الصهيونية التي يكشفها كتاب "بروتوكولات حكماء صهيون". والكتاب الذي أتمنى كل واحد منا أن يقرأه... والكتاب الذي يكشف أن اليهود وراء إفساد العالم... وراء إبعاد العالم عن الدين... وراء السيطرة على العالم... وراء كثير من الحركات الهدامة في العالم.
هذه المخططات التي كُتِب عنها في هذه الأيام أكثر من كتاب، وصدر عنها أكثر من إحصاء تؤكد الإحصاءات أنه أكثر تجارة الخمور في العالم، وأكثر دور الفساد في العالم، وأكثر المؤسسات التي تنتج الأفلام التجارية الخلاعية المفسدة وغير ذلك من الوسائل التي تستعمل لإذابة البشر وتمييع الشباب: الشبان والشابات، منهم. كما أن لهم الكثير من الأفكار الهدامة التي يذيعونها بصورة أفكار فلسفية اجتماعية في العالم.
وبالفعل، أنا اطلعت على أنهم في بعض البلاد، مثلًا أستراليا، يحاربون تعليم الديانة المسيحية في المدارس على أساس إبعاد الناس عن الدين. وفي الولايات المتحدة أيضًا احتجوا بإسم "لجنة الدفاع عن الحريات" أنه لماذا العسكري حينما يستلم البذلة أو الضابط حينما يستلم الدرجة يُفرض عليهما اليمين ويُوحى إليه أو يُكوّن له مناخ شبه ديني؟
هذه المحاولات المنتشرة في العالم تؤكد أنهم لا يزالون يحاولون إبعاد الناس عن الإيمان وعن الأخلاق، ويريدون أن يبتعد كل الناس إلا هم... الذين يكرِّسون بكل قوة دينهم وشعائرهم وعنصرياتهم، كما نحن نشاهد في حربهم وفي نشاطهم وفي تصرفاتهم. وسمعت فتاة إسرائيلية سُئلت من ابنة أحد الزعماء الكبار: "ماذا كان معكِ في الحرب؟" قالت: "التوراة والحقيبة النسائية والبندقية".
هكذا تكوَّن هذا الكيان الخطِر في قلب هذا العالم مع الأسف، وأخطار هذا الكيان وأطماعه معروفة.
بعد هذه المقدمة أحب أن أؤكد أن الخطر لا يقتصر على فلسطين أو على الأجزاء المحتلة من العالم العربي في هذا اليوم، بل الخطر سوف يمتد ويمتد ويشكَّل على جميع المناطق في الشرق وحتى على الغرب أيضًا.
ولكن مع الأسف الغباء العالمي الناتج عن الغرور عند بعض الدول الاستعمارية يمنع بالفعل الإدراك لأبعاد هذه الحقيقة. ربما أنهم يفكرون أنهم الساعة التي يشاؤون يتمكنون من إيقاف إسرائيل عند حدّها. ولكن خيال... وكنا نتخيل نحن أيضًا سابقًا هذه الغلطة التاريخية التي ارتكبت في هذه المنطقة. والآن وصل الأمر إلى مناطق قريبة ومن جملتها "جنوب لبنان"، المنطقة التي أحب أن أتحدث عنها لإخواني في هذا البلد، وأحاول في كلمتي هذه وضع الواقع أمام أعينهم.
جنوب لبنان لعدة أسباب مطمع قريب لإسرائيل:
1- لأن منطقة الجنوب في لبنان من جهة الجبال الشاهقة والسهول والوديان تشكل منطقة استراتيجية هجومية ودفاعية كبيرة. وفي الحقيقة ما حول إسرائيل ما بقي للعالم العربي منطقة استراتيجية بهذا المستوى.
2- هذا من ناحية. من ناحية ثانية، المياه الموجودة في جنوب لبنان ثروة كبرى. وإسرائيل تطمع في هذه الثروة كما تطمع في جميع الثروات في العالم. حسب بعض الإحصاءات معدل المياه في جنوب لبنان سنويًا في بعض السنوات يتجاوز ثمانمئة مليون متر مكعب، ويبلغ في بعض السنوات المليار متر مكعب. أما المعدل السنوي العادي لليطاني وفروع الليطاني بين خمسماية وستماية مليون متر مكعب. طبعًا هذه المياه تطمع فيها إسرائيل بشكل واضح.
3- ثم خصوبة المنطقة واعتبارات أخرى أيضًا تزداد أطماع إسرائيل بهذه المنطقة.
ولا شك أن الطمع لا يقف عند جنوب لبنان ويمتد لأنه كلما اشتدت قوة هذا العدو تزداد أطماعه. مقابل هذه الأطماع والناتجة عن العنصرية الدينية، وعن الأحقاد التاريخية العميقة والطويلة، نحن نقف متفرجين. صحيح أنه كثير من أبناء العرب وكثير من المحبين لهم في العالم، يشتغلون لأجل القضية. ولكن أنا أتصور أن العمل يجب أن يكون أكثر جدية، وأكثر دقة وأكثر تحركًا من الوضع الحاضر. إذا أحد منا شعر بأن الخطر يهدده مباشرة، يهدد بيته أو يهدد أولاده، أو يهدد مستقبله، بطبيعة الحال يتحرك بكل وجوده. لكن نحن تحركنا أقل من كل طاقاتنا، وحتى أتصور أنه أقل من ربع طاقاتنا.
صحيح أن الكويت، بصورة خاصة، شعبًا وحكومة تحاول أن تقدم خدمات كثيرة وكبيرة للمعركة سواء كان من جهة المساهمة السخية للدفاع المنظم العربي عن طريق الإسهام في التسلح والتمويل لكثير من الجيوش العربية، وسواء كان عن طريق المساهمة لمنظمات المقاومة الفلسطينية والتي إن شاء الله نتمنى أن تنمو وتزدهر وتتحسن وتتنظم وتتصاعد، لأنها في الحقيقة الحل الوحيد لمشكلة فلسطين... يبدو في الأفق قضية المقاومة الفلسطينية، لأن البحث عن الحل السياسي والحل العسكري، هذا بحث خاص في الأراضي العربية ما عدا فلسطين... أما قضية فلسطين بالنسبة إلى العالم منتهية.
على كل حال، الكويت تساهم مساهمة فعالة في هذا الموضوع، ولكن نتمنى أكثر وأكثر وأكثر من الكويت وغير الكويت في جميع المجالات، ليس فحسب في مجال المساهمات، حتى في مجال الإعلام، حتى في مجال النشاطات الفردية، لا يجوز أيضًا أن نتفرج على نشاطات الحكومات أو الجيوش، كل واحد منا كشعب، كرجال دين، كأشخاص ذوي علاقات في العالم بإمكانهم أن يقوموا بنشاطات واسعة في هذا الحقل.
وعلى كل حال، في هذه الظروف الصعبة علينا أن ندرك أبعاد الخطر، وحتمًا ندرك هذه الأبعاد بقلوبنا وبعقولنا ونستعمل جميع الوسائل التي مكننا الله سبحانه وتعالى، منها حتى نؤدي هذه الأمانة؛ لأنه بالفعل الجماعة طوال التاريخ ما كان لهم كيان وتمكنوا أن يسيطروا على الكثير من المناطق في العالم.
أتذكر أنه في الكلمة التي ألقاها "فرانكلين" مؤسس الولايات المتحدة في أول استلامه الحكم وأول استقلال أميركا، ووجه الخطاب إلى الشعب الأميركي وقال: "اشكروا ربكم أنه ليس بينكم يهود، وإلا إما أنتم وإما أبناءكم سيكونون مُستعمَرين لهم".
وعلى الرغم من أنهم ما كانوا في الولايات المتحدة تمكنوا بتآمرهم واحتيالهم أنهم سيطروا إلى حد كبير على الرأي العام وعلى المصالح الحيوية في الولايات المتحدة.
فعلى هذا الأساس، طالما أصبح لهم كيان، فالخطر أصبح أكبر وأدق وأشمل... وعلينا أن نستعد. ولكن نحن مقابل هذا الخطر العظيم لا نشك بأن الأمل أيضًا كبير وعظيم، لأن الإنسان المؤمن لا يمكن أن يشعر باليأس، لأن الأمل يقترن مع الإيمان بالله. وهذا صريح، الإيمان بالله وخاصة القرآن الكريم يؤكد أن الله سبحانه وتعالى هو الحق، وأنه خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق، وأنه يحكم على الكون بالحق والعدل، وأن الأرض يرثها عباده الصالحون، وأن المستقبل للخيّرين: ﴿وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم﴾ [النور، 55].
وعلى هذا الأساس الأمل يقترن مع الإيمان... فنحن لا نشك أن النصر النهائي للحق، ولكن علينا أن نكون في سبيل الحق، وأن نقوي ونشدد تحركنا في سبيل الحق، وأن نجند طاقاتنا كافة في هذا السبيل.
مهما تكلمت عن هذا الواقع المؤلم وعن هذه الآمال لا أتمكن أن أوفي المقام حقه، ولكن أشكر الله أنه توفقت إلى حد ما أن أتحدث مع إخواني الأعزاء. وأسأله تعالى أن يوفقهم، وأن يأخذ بيدهم جميعًا لأنه بالفعل نحن نشعر في لبنان أن الكويت أخت قريبة مواسية ومتعاونة مع لبنان؛ وعمران الكويت وازدهار الكويت عمران لنا وازدهار لنا... وقوة الكويت قوة لنا، وأعتقد أن الشعور متقابل أيضًا. وسوف بالفعل أحاول أن أنقل هذه العواطف والمشاعر التي شعرتُ بها أن أنقلها أيضًا إلى لبنان. وأعود مع أمل أكثر ومع ثقة أوسع في المستقبل. والله سبحانه وتعالى هو نعم المولى ونعم النصير.
والسلام عليكم ورحمة الله.