ردود الإمام الصدر على التعقيبات

calendar icon 10 تموز 1973 الكاتب:موسى الصدر

1- تعقيب الأستاذ محمد أبي زهرة
2- تعقيب فضيلة الشيخ الأستاذ محمد خاطر
3- تعقيب الدكتور أحمد الشرباصي
4- رد الإمام موسى الصدر على الأساتذة المعقبين
5- تعقيب الدكتور عمر فروخ
6- تعقيب الدكتور محمد الغزالي
7- تعقيب الأستاذ أحمد حماني
8- رد الإمام موسى الصدر على الأساتذة المعقّبين
9- تعقيب الأستاذ إدريس الكتاني
10- تعقيب الأستاذ الشيخ سليمان داوود بن يوسف
11- تعقيب الدكتور صبحي الصالح
12- تدخل السيد مولود قاسم نايت بلقاسم
13- تعقيب الدكتور صبحي الصالح
14- ردّ الإمام موسى الصدر على أسئلة الطلبة
15- تدخل الدكتور محمد الغزالي
16- تدخل فضيلة الشيخ الأستاذ محمد خاطر
17- رد الإمام موسى الصدر على الأساتذة المعقبين
18- إستئناف أسئلة الطلبة
19- تعقيب الإمام موسى الصدر
20- تعقيب فضيلة الشيخ الأستاذ محمد خاطر

تعقيب الأستاذ محمد أبي زهرة
أستاذ الشريعة وعضو مجمع البحوث الإسلامية
جمهورية مصر العربية



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم، تعوّد الناس على قول في التعقيب أن يذكروا ما يرونه زيفًا، ولا يذكروا ما يرونه حقًا، وأنا أجدني في هذه المحاضرة القيمة التي ألقاها صديقي العظيم الإمام موسى الصدر، يجب عليَّ أن أذكر محاسنها قبل أن أذكر ما أراه خاطئًا. سمعت هذه المحاضرة من إمام شيعي، وأحسب أني لا يمكن أن أخالف حرفًا منها إلا بعض الكلمات أن يقول أن العقل هو المصدر، هذا اختلاف أصولي بين الشيعة والجماعة، ولا أقول أهل السنة لأني لو قلت أهل السنة لكان معنى ذلك أن الشيعة ليس عندهم سنة إنما أقول الخلاف بين الشيعة والجماعة، ولو أن كل العلماء سلكوا في دراساتهم ما يسلكه الإمام الصدر في دراساته لالتقت الطوائف الإسلامية، العقل مصدر عند الشيعة وهو أيضًا مصدر عند الجماعة، لأن العقل لا تُعرف إلا به المصالح، والمصالح أصل من أصول الفقه الجماعي كالإمام "مالك" رضي الله تبارك وتعالى عنه، يعتبر المصلحة أصلًا من أصول الفقه الإسلامي ويسميها الإستحسان ويقول: "الإستحسان تسعة أعشار العلم"، فنحن نلتقي مع الشيعة في أصل العقل، بيد أنهم يسمونه العقل، ونحن نسميه المصلحة كلمة استحسنتها، من أنه يقول أنك في أكلك وشرابك تتجه منهما عبادة، هذا يطابق الحديث الصحيح: لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشيء لا يحبه إلا لله. وبذلك أخذت من هذا الحديث أن العبادة قائمة في كل عمل إنساني، ولكن صديقي حفظه الله ما لبث إلا قليلًا حتى خالف هذه القاعدة، وذلك حينما قسم الأعمال إلى عبادة وإلى عمل، وقال النية شرط في العبادة وليست بشرط في العمل، أخالفه مخالفة جزئية فأقول: إن النية شرط في العبادة والعمل معًا، العامل إذا عمل يحسب أنه يعمل لصاحب رأس المال، أو يعمل لصاحب العمل لا يثاب، ولكنه إذا عمل بنية نفع الجماعة فإنه حينئذٍ بهذه النية يكون عابدًا، ففي كل عمل للإنسان عبادة، ومقتضى الحديث النبوي: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشيء لا يحبه إلا لله، ولكنه سرعان ما خالف التفرقة بين العبادة والعمل، فقال والعمل فيه عبادة أيضًا، وكنت أود أن يكون القول منسقًا، وما خالف فيه، وما وقع الخلاف فيه إلا عندما قسم أفعال العباد إلى عبادة، وإلى عمل، وأرجو رجاءً خاصًا رجاء صديق لصديقه أن يحذف هذا الجزء.

لاحظت أن الإمام الجليل يريد أن يقيد الناس، حتى في الزواج والطلاق، ومن المقرر في علوم الشريعة وفي كل علم مستمد من الفكر المنطقي، كل عمل تكون فيه الحرية كاملة والتقدير للنية يكون ناجحًا أما إذا كبلت الشخص بقوانين أو كبلته بأوامر زاجرة مانعة فأنت تفسد أكثر مما تصلح، أمران يعلم صديقي أني ألح في معارضتهما، وكنت أود أن يبدأ بهذه المعارضة أبنائي وأصدقائي الأستاذ الدكتور الشرباصي، والأستاذ الغزالي ولكن المنادي ناداني قبلهما لأنهما خشيا أن أسحب كلمتي كما سحبتها بالأمس. سحبت كلمتي بالأمس لأني وجدت أني لا أستطيع أن أجاري المتكلمين فيما يتكلمون به، فعجزت، فسحبت أما الآن فأحسب أني أستطيع المجاراة ذكر الأستاذ الجليل أن تعدد الزوجات مقيد بالعدالة، هذا حق بلا ريب، وأحب أن أذكره وهو العالم المحقق أن كل زواج مقيد بالعدالة فالزواج الأول مقيد بالعدالة، ويعلم الأستاذ الجليل، كما يعلم كل فقيه أن الزواج له من حيث التكاليف خمس أحوال:

الحالة الأولى: أن يكون حرامًا وذلك إذا تأكد من نفسه أنه إذا تزوج لا يعدل مع زوجته.
الحالة الثانية: أنه يكون مكروهًا كراهة تحريم، إذا غلب عرف أنه لن يعدل مع زوجته.
الحالة الثالثة: أنه يكون فرضًا إذا تأكد من نفسه العدالة مع زوجته وكان لا يستطيع البقاء دون زواج، وخشي العنت على نفسه.
الحالة الرابعة: أن يكون سنة، إذا لم يخشَ العنت على نفسه وظن العدل والقدرة ورجا النسل.
الحالة الخامسة: أن يكون مباحًا... إلى آخره.

ويعلم فضيلة الأستاذ الجليل أن هذا الشرط، شرط ديني لا يمكن أن يكون شرطًا بمعنى المنع التقليدي، وعلى ذلك كله، قوله تعالى: ﴿فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة﴾ [النساء، 4] أي إن خفتم ألا تعدلوا فلا تتزوجوا إلا واحدة، ومن أظرف ما يذكر في هذا المقام، أن صديقنا المرحوم الشيخ "عبد الحميد الخطيب" الذي كان سفير السعودية، أو سفير الحجاز في الشام، في تفسيره قرر أن الأصل في الزواج التعدد بدليل: ﴿فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة﴾ [النساء، 3]. فالواحدة لا تكون إلا عند خائف عدم العدل، وأظن أن هذه مناقضة لفكرة صديقي وأستاذنا الإمام وما ذكرتها لمعارضته بها، إنما ذكرتها استئناسًا!

ذكر حفظه الله، أن التعدد بإطلاقه ما كان مباحًا إلا للأشخاص المقدسين كـ"محمد" وأصحابه وهذا القول يجب أن يكون غنمًا لنا، غنمًا أخذناه، لأنه اعتبر الصحابة جميعًا مقدسين، فهذا غنم وصلنا إليه من إمام جليل من أئمة الشيعة وهو سبيل للتقريب بين المذاهب الإسلامية. ذكر أن التعدد لا يباح إلا لضرورة أو حاجة، وأريد أن أقول له، أن من الضرورة أو الحاجة أن يكون الرجل شهوانيًا لا يمكن أن يقتصر على واحدة، أليست هذه ضرورة؟ قالوا أن هؤلاء المقدسين لم يتزوجوا لشهوة، ولكن للحاجة. ولا أوافقه إلا في شخص واحد وهو "محمد" (ص)، هؤلاء المقدسون كانوا يتزوجون، ما كانوا يتزوجون إلا لحاجة، فـ"محمد" معروف أنه ما تزوج إلا لحاجة، أما "أبو بكر"، و"عمر"، و"عثمان"، و"علي"، لا أستطيع أن أقول أنهم لم يتزوجوا للشهوة، "محمد" عليه الصلاة والسلام هو الوحيد الذي قام الدليل عندي على أنه لم يتزوج لشهوة، إنما سيدنا "أبو بكر"، إختار زوجة من الأنصار، وكانت جميلة وأعد لها دارًا في ضيعته، وكان إذا ذهب إليها، وهو رجل أشيب مبيض شعره وشعر لحيته. وسيدنا "عمر" أراد أن يتزوج "أم كلثوم بنت علي" رضي الله عنه فخطبها فقال أبوها سأرسل بها إليك، فإن رضيتها فهي زوجتك، فأرسلها ليراها ويفحصها، وكان فحصه أنه مد يده فكشف عن ساقها، فقالت له ابنة "علي" لولا أنك أمير المؤمنين للطمتك، وشكت إلى أبيها عند رجوعها فقال إنه زوجك وسيدنا "عثمان" وهو من المقدسين في نظر الإمام، ولكن هؤلاء الثلاثة غير مقدسين عندي، تزوج إمرأة في آخر حياته من أسرة نصرانية، وأسلمت وكان شيخًا هرمًا فوق الثمانين فلما رآها قال لها: لعلك عجبت مني، فقالت أنا من أسرة يحب نساؤها الكهول من الرجال، فقال لها لكني لست كهلًا إنما أنا شيخ وإن شاء الله ستجدين مني ما يسرك.

سمعت من كاتب اجتماعي أنه يقول أن الأسرة لا تبنى على القوانين إنما تقوم الأسرة على المودة والمحبة، وأن القوانين خصوصًا القوانين المانعة لا يصح الإفراط فيها لأن كل إفراط فيها تقيد قد يؤدي إلى الظلم، ولذلك أخالف صديقي مخالفة تامة جوهرية فيما يتعلق بتعدد الزوجات. يبقى أنه أخذ في الطلاق، فقال يجوز للمرأة أن تشترط ما شاء في إنشاء العقد، كأن تشترط ألا يطلقها، وكأن تشترط أنه إذا طلقها دفع لها مبالغ كبيرة من المال، وكأن تشترط أن لا يتزوج عليها... إلى آخره. هذا في الواقع جزء منه وهو الصادق الصحيح، جزء منه ويسمح لي صديقي العزيز أن أقول أني أخالفه فيه، بل أقول أنه باطل ـ ولا مؤاخذة ـ الشروط التي تتعلق بالطلاق، شرط باطل لأنه شرط مخالف لأصل الشرط، مخالف لمقتضى الشرط، والنبي يقول: "المسلمون عند شروطهم" إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرّم حلالًا، وهذا الشرط بلا ريب حرّم حلالًا.

بقي أن تشترط مالًا كثيرًا، هذا يؤخذ من أصل الشرط، فللمهر مقدم معجل لا أن تشترط من المعجل ما شاءت من الشروط، وأتذكر أن امرأة، أو أن رجلًا يهوديًا وامرأة يهودية أرادا أن يتزوجا على الإسلام منذ نحو خمس وعشرين سنة، وللمرأة على العادات الإفرنجية دوطة. وهي قدّمت، فقالا لي كيف نتزوج إسلاميًا؟ قلت لهم إجعلا معجل الصداق خمسين ومائة جنيه، واجعلوا مؤخرًا كقدر الدوطة، وهو ألف جنيه، فهذا سهل ولا يحتاج إلى تخريج.... إلى آخره. وقانون الأحوال الشخصية، أو مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي قُدِّم في مصر ينص على ما يأتي: للمرأة أن تشترط ألا يتزوج عليها ففي حال ما إذا تزوج عليها يكون لها حق الفسخ، وهذا مأخوذ من الإمام "أحمد" ـ رضي الله عنه ـ فإن الإمام "أحمد" يروي حديثًا: أحق الشروط ما استحللتم به الفروج، فكل شرط يشترط في النكاح يجب احترامه، ومن الشروط التي أقرها بل من غير الشروط، أن هذا المشروط أباح للمرأة إذا تزوج عليها زوجها ولم تشترط الحق في طلب فسخ النكاح في مدة ثلاثة أشهر بعد زواجها وذلك لأن كل زوجة يفهم ضمنًا من زواجها أنها لا تريد أن يشاركها أحد في زوجها، فهذا شرط ضمني، والشروط الضمنية أجازها الإمام "أحمد"، كما إذا تزوج من قرية يعلم أن أهلها لا يسمحون للمرأة أن تخرج من بلدها إلى آخر. فيقول أن هذا يكون كشرط ضمني، فإذا أراد إخراجها فلها الحق في طلب الفسخ. هذا منصوص عليه في كتاب تصحيح الفروع، وهو من الكتب الحنبلية المشهورة.

هناك كلمة لم أهضمها مع صداقتي للأستاذ الإمام، وهو أنه يقول لها أن تشترط في عقد الزواج أن ينفق عليها مدى الحياة، مدى الحياة هذه كارثة، أو أن ينفق عليها أمدًا معلومًا، قانون الأحوال الشخصية أو مشروع قانون الأحوال الشخصية الذي كُتِبَ في الفترة بين 1963 م و1965 م ليس المشروع الفارغ الذي وضعته وزارة الشؤون الاجتماعية، هذا مشروع فارغ، ويمكن إن مشى على مذهب الإمام إلى حد كبير. يقول: إن المرأة إذا طلقت وكان مدخولًا بها لها فوق نفقة العدة متعة لا تتجاوز نفقة سنة تنتهي هذه السنة بانتهائها، أو بزواجها، يعني المرأة إذا كان مدخولًا بها لها نفقة العدة، بعد نفقة العدة لها نفقة سنة أخرى، هذه السنة تنتهي بانتهاء نهايتها، أو بتزوجها من زوج آخر، هذه حلول في اعتقادي كانت حلولًا سليمة طيبة. ما يتعلق بالزكاة، قال الأستاذ كلامًا طيبًا أوافق على مبدئه ولا أوافق على ثمرته، قال حفظه الله أننا نتوسع في معنى الفقير فهذا لا يستطيع أن ينير بالكهرباء يعد فقيرًا، لا.. لا.. الفقير من لا يملك نصابًا، فنحن لا نريد أن نكون شيوعيين، نغني الفقير ونفقر الغني.

كلمة أخرى قالها الإمام في الزكاة، قال أن الإمام يجمع الزكاة هذا حق لا ريب فيه وأنا أؤيده بكل قواي بعض أبنائنا يريدون أن يخالفوا، وإذا خالفوا فأنا لهم المرصد، يخالفونه لأي شيء لأنهم قالوا إذا كان الإمام يجمعه فهو ينفقه إسرافًا وبذارًا هنا وهناك، يعني تبقى مؤسسة الزكاة يتعين فيها الأحباب، وأحباب الأحباب، وتوزع على الأحباب، وأحباب الأحباب أوافق الإمام في أن الإمام يجمع وأخالفه في الفقر، الإمام يجمع على أساس المبدأ الإسلامي وهو أن تكون الزكاة لها حصيلة قائمة بذاتها، وأشار إلى ذلك القرآن الكريم: ﴿إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها﴾ [التوبة، 60]، فهذا يقتضي أن يكون العاملون عليها خارجين عن العاملين في بيت المال المطلق وعندما ذاكرنا كثيرين واقترحنا مشروعًا للزكاة في سنة 1946 م وفي سنة 1952 م كان الأساس أن يكون للزكاة حصيلة قائمة بذاتها، وميزانية قائمة بذاتها، ولا تصرف إلا على الثمانية المصارف المذكورة في القرآن. ولذلك النبي قال إن الله لم يترك الزكاة لنبي ولا لولي إنما حد مصارفها، لا تعطى الزكاة لغني ولا لذي منة قوي، كما روى الأستاذ هذا الحديث. أقول قولي هذا، وأذكر أن محاضرة صديقي كان خيرها أكثر من خطئها، كان صوابها أضعاف أضعاف خطئها، ولا يسعني إلا أن أصيح معه عندما قال، اليانصيب حرام حرمة قاطعة وهو بذلك يبيّن بطلان شهادات الاستثمار وصرح بذلك حتى ما أحله بعض الفقهاء، جاهلين ليس عارفين عندما أباحوا القسم الثالث منه، فالأستاذ الجليل صرّح بأن كل قمار حرام، وأن القسم الثالث الذي ذكر في مصر هو قمار في قمار ولذلك أكرر شكري لهم وأكرر اعتذاري وإذا كنت قد أطلت فالسبب في ذلك أن السيد الوزير، قال لي لك أن تطيل، ونحن معشر المدرسين نميل إلى تطويل القول كما يعلم صديقنا العزيز، نائب رئيس الوزراء ووزير الأوقاف.، إننا معشر المدرسين حينما طلب منا تطويل القول أطلناه.

وأشكر فضيلة الإمام على محاضرته، واعتذار عن بعض النقد، وقلت أن السبب هو إذن السيد الوزير بالتطويل.

والسلام عليكم ورحمة الله

تعقيب فضيلة الشيخ الأستاذ محمد خاطر
مفتي جمهورية مصر العربية


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هديه إلى يوم الدين.

وبعد، فكل ما كنت أود الكلام فيه من ملاحظات بالنسبة للمحاضرة قد تكلم فيه فضيلة الأستاذ الكبير الشيخ أبو زهرة، لكني أردت أن أوضح بعض النقاط وفي الواقع أن المحاضرة من المحاضرات الجيدة في بيان سماحة التشريع السماوي، وأنه تكفل بإسعاد البشرية في الحال والمآل- ذلك لأن التشريع السماوي- كما قال سماحة الإمام، إنما ينظر إلى النواحي الغيبية وينظر إلى النيات، وينظر إلى ما يعود على المجتمع، لا إلى ما يعود إلى الفرد، وهو كلام جميل وصحيح، لكني أتساءل عن بعض كلمات جاءت في المحاضرة حين تكلم عن كل متكامل، وعمل الإنسان وهو متكامل فلا يصلح، ثم تكلم في الإجتهاد، وأن الاستنباط لا يجعل الإجتهاد في بعض المسائل ينظر إليها، وتكلم كذلك عن العقل في مصدر التشريع، وقد تكلم فيه فضيلة الأستاذ الشيخ أبو زهرة، وتكلم في مسألة تقييد التعدد شرحًا لقول الله تعالى: ﴿وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانحكوا ما طاب لكم من النساء﴾ [النساء، 3]، وفي الواقع أني أشكر سماحة الإمام لأنه قد عدّل هذا الرأي عما كان يتناقش معنا به بالأمس أو أول أمس، فقد كان يذهب إلى أن التعدد مشروط بشأن اليتامى فقط وعدم القسط، ولكنه جعل عدم العدل في اليتامى أحد الأسباب، في الواقع التعدد له أسباب كثيرة وتقييد التعدد يتنافى مع حكمة التشريع وتقييد التعدد يفتح باب الحرام، لأن الشخص الذي يرغب في التعدد قد يكون من أسباب التعدد لديه كما قرر فضيلة الأستاذ الشيخ أبو زهرة أنه في حاجة إلى زوجة ثانية، فالتعدد له أسباب كثيرة فلا يمكن بحال من الأحوال أن نقيده بقانون أو نجعل أمر التعدد منوطًا أو مقصورًا أمام القضاء، قال سماحة الإمام أنه ممكن في الزواج وضع استمارات خاصة توضع فيها الشروط بين الزوجين. وقال أن ذلك قد بُنِيَ على المؤمنين عند شروطهم، وقد تناسى أن هناك من الشروط ما لا يلائم العقل بحال من الأحوال، فكيف يطلب في الزواج هذه القيود، وقد تكون بعض الشروط مبطلة للعقد من أساسه، ثم يقول في الحكمين، إذا ما اشترط في العقد كان كل واحد منهما وكيلًا له أن يطلق وله أن يفسخ العقد، والوكالة في مسألة الزواج تحتاج إلى نصوص خاصة، فكيف يكون الحكم هو الوكيل، وله أن يطلق رغم أنف الزوج أو الزوجة ثم يقول أن عرض الأمر على القضاء حين تفسير الشروط المختلف عليها يكون هو الفصل، وهو بذلك قد قيّد الرجل في الطلاق، وبذلك أيضًا يخرج عن دائرة الحلال لأنه إذا ما ذهب إلى القاضي، هو لا يتمكن من بيان كل المبررات وإن بينها سيسيء إلى نفسه وأولاده، فكأننا سنجعل المحكمة مسرحًا للكلام، في الأعراض وللكلام في الأُسر، وهو لا يتمكن من بيان رأيه البيان الصحيح إلا إذا تكلم الكلام الذي يبرر الطلب الذي يطلبه، ثم يقول سماحة الإمام أننا بذلك لم نأخذ من الرجل الحق في الطلاق وإنما قيدناه، هو قيد كأخذ الحق تمامًا بتمام، ثم تكلم سماحته في موضوع القوانين المدنية وما فيها وقال أن عقود الغرر ومسائل الربا والبنك الإسلامي، وشركة المضاربة أو الإقراض، هذه لم يعمل بها والدراسات الخاصة بها أهملت، وأنا أطمئنه وأقول له أن الدراسات الخاصة بالبنك الإسلامي تسير سيرًا حثيثًا وهي في طور التنفيذ، وقد درست دراسات اقتصادية شرعية. وستأخذ الطريق إلى الحياة إذا ما صح العزم فربما يكون ظهور هذا البنك الإسلامي في فترة قريبة بعد أن يجمع مال المسلمين إليه، والدراسات الخاصة بالبنك يمكن عرضها، ويمكن مناقشتها، وقد نوقشت في مؤتمرات إسلامية ووافقت عليها، أما مسألة الطريق إلى الخلاص، وهو يقول أنه طريق صعب، حقيقة هو بالنسبة للقانون المدني ليس بصعب لأن البنك الإسلامي سيحل كل مشاكل القانون المدني وقانون الأسرة والحمد لله هو نافذ في معظم البلاد الإسلامية على أساس الشريعة، فلم يبقَ إلا القانون الجنائي، وهذا لا يصح ـ كما قال الأستاذ ـ أن نأخذ بالقانون الحالي ونعدل ما فيه مما يخالف أحكام الشريعة لأنه قال: أما القوانين الوضعية الموجودة قد أقيمت على أساس غير إسلامي، فكيف نأتي لقانون العقوبات ونعدل ما فيه، قانون العقوبات في حاجة إلى عمل جديد، وقانون جديد لذلك لأن الحدود معروفة، أن عقوبة مقدرة، وجبت حقًا لله تبارك وتعالى وكذلك في القصاص، وإن كان الحق فيه للعبد أكثر. أما ما جاء في قانون العقوبات فهي تحذيرات يمكن الأخذ بها عندما لا تتوافر الشروط التي أوجبها الفقهاء للحد، وكذلك الشروط الموجبة للقصاص في النفس أو في الأطراف، وهذه مسألة سهلة إذا ما صدقت النيات وصح العزم. وفي باقي ما جاء في المحاضرة من قيم طيبة أشكر الأستاذ المحاضر على هذا الجهد العظيم، وكنت أود أن أطيل في كثير من النقاط إلا أن الوقت المحدد يدعوني لأن أكون طبق القوانين المقررة للمؤتمر، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تعقيب الدكتور أحمد الشرباصي
أستاذ بكلية أصول الدين
جمهورية مصر العربية


بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة والأخوات، هناك قدر مشترك من التقدير للمحاضرة الخطيرة التي ألقاها سماحة الشيخ الإمام موسى الصدر، فهي خطيرة لأنها من إمام ديني مسؤول يمثل جمعًا كثيرًا من أبناء الإسلام وهي خطيرة لأنها تعرضت لموضوعات ذات أهمية كبيرة ليس من السهل أن تتعجل الأفراد بل الجماعات الحكم الفاصل فيها، إلا بعد المراجعة والمناقشة والتمحيص، وهي خطيرة أيضًا لأن صاحبها اللبق القدير على التعبير الموجز حينًا، والمفلسف حينًا آخر ركز على قضايا خطيرة في محاضرته الخطيرة، وقبل أن أتعرض للنقطتين الموضوعيتين في هذه المحاضرة أحب أن أستأذن أخي الإمام في ملاحظتين لفظيتين، أرجو أن نعالجهما لأنني أفهم ما سيلقى في هذا الملتقى سيسجل ويطبع وستكون قراءة ما يطبع على مستويات مختلفة، فأخشى أن يؤدي لفظ من الألفاظ إلى فهم غير مقصود في الإسلام، بل وغير مقصود للمحاضر نفسه.

الملاحظة اللفظية الأولى، أن سماحة الإمام، إستعمل تعبير (طموح النبي)، وأخشى أن يفهم هذا وخاصة عند أعداء رسول الله عليه الصلاة والسلام لكي يتكلموا عن النبوة وعصمة الرسالة بأسلوب التطلع والطموح والعبقرية البشرية، وهذا ما أفهم أن الإمام لم يقصده، ولا يقصده باحث منصف في الإسلام.

الملاحظة اللفظية الثانية هي استعمال وتكرار كلمة (التكريس) وأنا أفهم حسب معلوماتي المتواضعة أن هذا لفظ كنسي ليت ألفاظ المسلمين كلها تجتنبه في نطقها وكتابتها، لأننا مصابون في العصر الحاضر بتسرب ألفاظ غير إسلامية في الشعر، في القصة، في ألوان الكتابة المختلفة، وأنتم تعلمون منها الكثير، والدراسات الإسلامية آخر معقل يجب أن تستعصم أمام تسرب هذه الألفاظ، بعد هذا ندخل في الموضوعات ـ أو بعضها ـ مما تعرضت له المحاضرة.

تعرض سماحة الإمام أو اقترح أن تضاف شروط في عقد الزواج، وهذه الشروط إما أن تكون موجودة في الكتاب، أو السنة، أو مقبول الفقه الإسلامي وإما ألا تكون موجودة. فإن كانت موجودة فهي معتبرة ومقبولة، وإن كانت غير موجودة فلا يحق لنا أن نصطنع فوق ما هدانا الله إليه، وأذكر بما أشرت إليه أمس من أننا ينبغي أن نحتاط جيدًا، ونحن نلج أبواب الإجتهاد في الشريعة حتى لا يسيء إستغلال هذا الإجتهاد من لا يريد للإسلام ولا للمسلمين خيرًا، نحن نعلم ونعرف التطلعات التي أوحتها المدنية والحضارة إلى المجتمع، وخاصة في صف المرأة، فإن هذه التطلعات قد تتجاوز الحد المعقول المراد من وراء عقد الزواج، والشريعة ممثلة في القرآن وصحيح السنة، غنية بأحكام الأسرة وفي طليعتها الزواج وبتفاصيل هذه الأحكام أكثر من الموضوعات الأخرى.

وبرجوعنا إلى القرآن والسنة، نستطيع أن نتعرف إلى الشروط التي يمكن أن تعتبر حين عقد الزواج ومن أوضح ذلك مسألة تحكيم الحكمين، لا أدري لماذا سنجعل هذا شرطًا تجديديًا معناه موجود في نص القرآن، وليتنا نرجع إليه ونحتكم إليه بدلًا من أن نحاول تقييد الزواج، أو تقييد الطلاق، كما تتنادى بعض الأخوات هنا أو هناك.

فيما يتعلق بموضوع الفقر في الزكاة، اقترح سماحة المحاضر أن نعطي الزكاة في صورة خدمات، علاج تمكين من عمل، مساعدة مباشرة أو غير مباشرة، أخشى أننا إذا فتحنا هذا الباب لا نعرف له ضابطًا، فهناك من أموال المسلمين ما أُخذ بإسم الزكاة وأنفق على بعض المنحرفات أو المنحرفين بعنوان من العناوين، ولا أحب أن أذكر أمثلة حتى لا يكون في ذلك تخصيصًا إقليميًا لناحية من نواحي الوطن الإسلامي.

الإسلام شرع الزكاة جعلها إحدى قواعده، حدد مصارفها الثمانية بموضوع عرّف بصراء الفقهاء كل صنف من هذه الأصناف، أو كل مصرف من هذه المصارف، والرجوع إلى أساس التزكية بإعطاء الزكاة سواء أكانت حبًا أم مالًا أضمن بكثير من أن تبقى فريضة الزكاة واضحة، وخصوصًا أن فريضة الزكاة في المجتمع الإسلامي فريضة مضيّعة، فلا يوجد في العالم الإسلامي نسبة عشرة في المائة من يحترم دفع الزكاة ويتعللون لذلك بشتى التعللات، بإسم الضرائب تارة، بإسم الخراج تارة، بإسم المال عندنا في مصر تارة، فيجب أن نهتم بهذه الناحية.

تحدث سماحة المحاضر، عن الغيبية والنية، وأنا أفهم أن الإسلام عقائد، وعبادات، ومعاملات، وأخلاق، قد يمكن ضبط عنصر الغيبية وضبط عنصر النية في العقائد ﴿يؤمنون بالغيب﴾ [البقرة، 3] في الأخلاقيات، أي عاونت شخصًا معاونة بأسلوب أردت منه الخير ولكن ظاهره كان سيئًا، لكن كيف نضبط عنصر الغيبية وعنصر النية في المعاملات، المعاملات تشريع، والتشريع قائم على التعدد، والتحديد يحتاج إلى عنصر الفهم والموضوع وبيان الحكمة، أما الغيبية فهذا شيء مستتر، وأما النية فهذا شيء مطوي، وقد أثيرت في الفقه الإسلامي القاعدة المشهورة، أمرنا أن نأخذ بالظاهر والله يتولى السرائر كيف أضبط عنصر الغيبية في التجارة أو الزراعة، أفلست بهذا أقلل من قيمة الإيمان بالغيبية، ولا من قيمة النية، وأتذكر جيدًا قول سيدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل إمرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو إمرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه".

هذه الغيبية تتعلق بالعقيدة أكثر مما تتعلق بالتشريع، هذه النية تتجلى آثارها بين الناس فيما يتعلق بالأخلاقيات، والعبادات، والعقائد أكثر مما تتعلق بالتشريع، ومع هذا أكرر مرة أخرى أني لا أهوِّن من قيمة الغيبية ولا من قيمة النية.

تحدث سماحة الإمام عن العمل وأنه في القوانين الوضعية بمقابل، وأنه في الشريعة الإسلامية رسالة ووظيفة وواجب، وفهمت من تعبيره إن لم يخن السمع، أنه يتجه إلى عدم تطلع العامل إلى الأجر المادي. وأكد على هذا بما حسب الإنسان أن في الحديث توسعًا في التهوين من شأن الأجر إلى ما يقرب من مقاومته، أخشى أن يخرج بنا هذا التصور إلى نطاق أوسع من حدود الإسلام القائمة على التعاون والتقابل والتوازن، أني أتذكر أن القرآن الكريم يقول: ﴿قالت إحداهما يا أبت استأجره إنّ خير من استأجرت القوي الأمين﴾ [القصص، 26] فتوافرت في العامل هنا صفتان، صفة القوة وصفة الأمانة، ومع ذلك ردد القرآن: ﴿قالت احداهما يا أبت استأجره ان خير من استأجرت القوي الأمين﴾ وقد أخذ بذلك والدها إن صح أنه "شعيب" (ع)، فاستأجره في مقابل زواجه بإحدى ابنتيه كما قص القرآن الكريم، أتذكر أن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه، والأحاديث والآثار الواردة في عدم ظلم العامل وعدم هضمه في أجره توحي بمجموعها أن الأجر لا غبار عليه إذا تطلع إليه العامل وليس هناك تناقض بين أن أحرص على أجري من صاحب العمل الذي أعمل معه، وبين أن أخلص نيتي وأن أتقن عملي، فالذي قال: أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه، هو صلوات الله وسلامه عليه الذي قال: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه"، ولن يأتي الإتقان على وجهه إلا إذا أخلص الإنسان النية في عمله وراقب الله في أدائه لأنه حينئذٍ سيبلغ غاية الإحكام والإحسان والإتقان. حتى الفقهاء تحدثوا عن الأعمال التي نعتقد أنها دينية أو شبه دينية، لقد تحدث فقهاؤنا عن أجر مقرىء القرآن الذي يعلم الصبيان القرآن، تكلموا عن أجر الإمام الراتب، تكلموا عن أجر المؤذن الراتب، تكلموا عن أجر الواعظ الراتب، لأن المجتمع وخصوصًا في صورة المدنية المعاصرة، يلزم أن تخصص أفراد للأعمال إذا ضاعت في بعض الأحيان. فهذا أيضًا يدلنا على أن الأجر له قيمته وفيه احترام لعرق العامل وعمله، وفيه إنصاف، وإلا لاستبد الأغنياء بالفقراء، فقال القادرون للضعفاء تعالوا واشتغلوا معنا، وأجركم على الله ويبقى الكنز عند الأغنياء، والفقر والإفلاس عند الفقراء.

عمّم سماحة المحاضر الحكم عندما قال عن طائفة من المعاملات أنها مرفوضة في الإسلام، وذكر من بينها الغرر، وقد تحتاج كلمة الغرر في مقام الرفض الشامل الجامع إلى احتراز أو إلى نوع من التقييد لأني أذكر إذا لم تخنّي الذاكرة أن من الفقهاء من أباح الغرر الذي لا يؤدي إلى جهالة ضارة أباحه في الشريعة الإسلامية، وأذكر أن هذا هو مذهب إمام هذا القطر، وهو الإمام "مالك"، إمام السنة، رضوان الله عليه لأنه يرى أنه قد لا تتم المعاملة بين إثنين إلا إذا كان فيها قليل من الغرر فما خف من الغرر فهو مباح، فأرجو أن نقيد هذا الحكم حتى لا يكون مطلقًا، وشكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وواقع التشريع اليوم في العالم الإسلامي
رد الإمام موسى الصدر على الأساتذة المعقبين
بسم الله الرحمن الرحيم


الحقيقة لي الشرف أن كلمتي تُناقش من قبل السادة العلماء الأفاضل، ولا سيما الأستاذ أبو زهرة الذي ما كان لي شرف التتلمذ عنده مباشرة في الصف، ولكن كان لي شرف التتلمذ عليه من خلال كتبه، فهذا شأن أشكر الله سبحانه وتعالى عليه، وأيضًا مناقشة سماحة المفتي، وسماحة الأستاذ الدكتور الشرباصي، هذا توفيق، فرصة، وأنا أعد نفسي باستماع مناقشة مولانا الغزالي سلام الله عليه، أما ما جرى من خلال المناقشات، فكان في حديث مولانا الأستاذ أبو زهرة ستة نقط، اشترك سماحة المفتي في بعضها، واشترك الأستاذ الدكتور الشرباصي في بعضها وكان لكل واحد ملاحظات خاصة.

بالنسبة للعقل واعتماد حكم العقل ورد في كلام مولانا الشيخ أبو زهرة بعض الاستغراب عن موقف الشيعة والمذهب الجعفري بالنسبة للعقل، ومقارنة العقل بالاستحسان وهو الأستاذ الذي ألّف في الإمام "الصادق"، وفقه الإمام "الصادق"، وفي المواريث أيضًا، أقول الحقيقة أن العقل الذي يستند إليه الفقه الجعفري وأصول الفقه الجعفري لا يختلف كثيرًا عن العقل الذي هو مصدر التشريع في سائر المذاهب الفقهية، والمذاهب الفقهية غنى وثراء في الإسلام والحمد لله. الحقيقة أن العقل الذي يستندون إليه لا يتجاوز في أصول العقائد جميع العقائديات، والعقل في التلازمات يعني الأمر بالشيء يستلزم النهي عن ضده، مقدمة الواجب، وما يبحث في علم الأصول عن الأصول اللفظية والأصول العملية، أصول البراءة والاحتياج في المتناقضات ومع ثبوت الاستغلال في الذمة، والاستصحاب وأمثال ذلك، أما بالنسبة للمستقلات العقلية فإطارها في الفقه الجعفري منتهى الضيق والإطار في فقه الجماعة (التعليل الجميل) أوسع بكثير لكن حتى على افتراض هذا إذا استندنا إلى الاستحسان فالاستحسان ـ إذ صح ما أفهم ـ اكتشاف للحكم الشرعي وليس وضعًا للحكم هما الفرق بالنسبة للحكم العقلي، يعني الفقيه المسلم عندما يستند على القياس، أو على الاستحسان، أو على اعتماد المصالح المرسلة، إنما يحاول بذلك اكتشاف حكم الله لا يريد أن يشرع، أنا كل ما يهمني هي هذه النقطة أن الفقيه لا يشرع بعكس النائب في مجلس النواب أو في التشريعات الأخرى، العقل لديهم مشرع حكم العقلاء مشرع الفقيه ليس مشرعًا، بعقله يكتشف، هذا كان حديثي.

بالنسبة للنية في العمل وفي العبادات، أنا موافق لما اقترحه لنا الأستاذ أبو زهرة وأظن أنني أكدت ذلك في وصية الرسول (ص)، أنه في كل عمل حتى في النوم والأكل لا بد من النية ووجود النية دليل على التزام الأمر الغيبي، بالنسبة لتعدد الزواج الحقيقة أن هذا رأيي وفهمي وليس فهم مذهب من المذاهب الفقهية ولي أصدقاء وأفكار مشابهة في مذاهب إسلامية أخرى، غير المذهب الجعفري ولي معارضون بعنف في داخل إطار المذهب الجعفري، والحقيقة اليوم المذاهب أصبحت لا تفصل بين فقهاء المسلمين، وما تحدثت كان في إطار إسلامي كما لاحظتم، ولا تستند إلى الإطار المذهبي إطلاقًا.

بالنسبة لتعدد الزواج، عرض دفاع نظري، أمام مولانا الأستاذ أبو زهرة وسماحة المفتي. الحقيقة أن الآية هكذا: ﴿وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا﴾ [النساء، 3] بالفاء ﴿ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة﴾ [النساء، 3] نقف أمام الشريعة هو معنى الشرط، أنا ذكرت معنيين: المعنى الأول أن الشرط نعطيه حجمه وبعده الحقيقي فنقول تعدد الزواج مشروط بحالة اجتماعية معينة، الخوف من عدم القسط في اليتامى، هذا فهم للآية. الفهم الثاني الذي هو أقرب إلى ذوق مولانا، وسماحة المفتي، أن هذا ليس شرطًا وإنما طرح الموضوع الاجتماعي المعين وإعطاء حل له، أيها المسلمون وأن الآيات في أول السورة سورة النساء آيات حول الأيتام، أيها المسلمون، إذا كنتم خائفين من عدم القسط في اليتامى، أعطيكم علاجًا فنأتي بحكم تعدد الزواج ونعالجه.

هذا الفهم الذي يتبناه مولانا أبو زهرة وسماحة المفتي، الحقيقة أنا أتحدث حتى على هذا المبدأ. فإذًا، الآية لا إطلاق لها إلا في منع الأكثر من الأربعة التي كانت متعارفة قبل الإسلام، أين يوجد في القرآن تعدد الزواج؟ في آية أخرى: ﴿ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة﴾ [النساء، 129] إشارة إلى أن تعدد الزواج، أيضًا ليس في صدد حكم تعدد الزواج، وفي صدد نفي وجوب العدالة القلبية في الواجب، العدالة في العشرة. فإذًا، القرآن ساكت عن حكم تعدد الزواج، بشكل مطلق، السنة لم ترد هناك رواية مطلقة تقول بجواز تعدد الزواج، وإنما سيرة الرسول (ص)، سيرة الصحابة، سيرة الأئمة، سيرة كبار علمائنا كلهم مارسوا تعدد الزواج، ولكن الدليل عقلي وليس لفظيًا، فلا يمكن أن نستخرج من خلال هذه الأدلة، إذا لم يكن هناك من دليل مطلق نستخرج منه حكمًا مطلقًا، يقال أنه قد يكون هناك حاجة كما أشار إليه مولانا، وسماحة المفتي فليكن مورد الحاجة التي يشير إليها القرآن الخوف من الوقوع في المعصية، والذي يسمح القرآن في وقتها بجواز تملك ملك اليمين. فليكن في رأي المجتهد أن الحاجة الملحة التي تعرض الإنسان للمعصية أحد موارد الشروط، وأحد مواضيع الجواز، أنا لا أمانع ذلك لكن أترك الموضوع لإمكانية التفكير الجديد في الموضوع، هذه نقطة.

بعد هذا، مولانا بالنسبة لشروط الطلاق، وقضية إلا شرط أحل حرامًا أو حرم حلالًا، سرد وتأكيد كثير وقع على هذه النقطة، والرواية التي كلنا يرويها المسلمون عند شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا، هنا كله متفق عليه، ولكن ما معنى تحريم الحلال وتحريم الحرام، أنا اليوم أشتري بيتًا وأضع ضمن العقد شرطًا بأن تخيط لي قميصًا مثلما يذكره الفقهاء من الأمثلة، خياطة القميص قبل العقد كان حلالًا مباحًا، فأنا بالعقد أوجبته وحرمت تركه، أي شرط في الدنيا لا يأتي بالحكم، أي شرط في الدنيا، إما يحرم، أو يحلل ولذلك الفقهاء أمام هذه النقطة وضعوا فرقًا بالنسبة لتمييز الشرط الموافق لمقتضى العقد، والشرط الموافق لكتاب الله، والشرط المخالف، وضعوا قاعدة بالنسبة للشرط الذي يناقض الحكم، وبين الشرط الذي يناقض إطلاق الحكم، الشرط الذي يناقض إطلاق الحكم ليس مناقضًا لكتاب الله، ولا يجب أن نسد باب الشروط جميعًا. وذكر مولانا بالنسبة لتحديد المكان، هذا منصوص في الروايات ومستعمل في كثير من البلاد الإسلامية، أن الزوجة تتمكن من خلال الشرط ضمن العقد أن تطلب سكنًا معينًا، كان قبل ذلك السكن بيد الزوج تنازل وهذا لا يتكافأ مع الحقوق ولا مع الحرية ولا مع تقييد الحريات، بعد أن الزوج بملء إرادته يتنازل ويلتزم ضمن العقد بشرط معين أو بحق معين، على كل حال كما ذكرتم مسألة فقهية عويصة بالنسبة لوضع الإطار المعين للشرط المخالف لكتاب الله، أو عدم المخالفة لكتاب الله، متروك، ونرجو أنه في جلسة من هذه الحلقات المؤمنة العلمية نستفيد ونتحدث عنها.

أما مسألة الزكاة فأنا قلت بأن الفقراء إذا كان لهم بعض حاجياتهم الاجتماعية تتوفر لهم بدون مقابل، كالضمان الاجتماعي والعلاج بالمجان، فإن تمويلهم تمويلًا ذاتيًا من مدخول الزكاة، لكن ما الذي يمنع أن مؤسسة الزكاة - الذي يخشى منه مولانا الدكتور الشرباصي ـ مؤسسة الزكاة المستندة إلى نظام إسلامي، مستندة إلى يد أمينة، ما الذي يمنع أن هذه المؤسسة، تفتح مدرسة، فمحل ما تعطي هذه المؤسسة العامل مائة دينار حتى تساعد ذوي الدخل المحدود في نفقات بيته، تؤسس مدرسة فتجعل الدراسة مجانية لأولاد الفقراء، العلاج مجانًا، تعطي المؤسسة نفقات يوم العطلة عندما تحمل زوجته، عندما تنكسر قدمه.. وهكذا ما الذي يمنع، إما ندفع نقدًا أو ندفع خدمات، خدمات مقيمة بالمال أيضًا، وليست خدمات مجانية بديلة عن الموضوع. ثم بالنسبة لقضية الطلاق، نحن لا نأخذ حق الطلاق من الزوج، نقول أوتوماتيكيًا رح للمحكمة، لا أن الزوج لا يحق له أن يطلق إلا بعد إذن المحكمة، الزوج يتمكن أن يطلق، لكن المحكمة، تميز هل المبرر صحيح أو غير صحيح، فتفرض عليه مالًا أو لا تفرض، ما الذي يمنع من فرض المال. بعد هذا يا إخواني الله الله في شبابنا، الآن في أكثر الدول الإسلامية الجمود لدى الأحكام الفقهية أدى إلى خروج الدول الإسلامية عن قانون الأحوال الشخصية الإسلامية، في كثير من الدول الإسلامية، منعوا تعدد الزواج، أليس كذلك؟ هل نحن نعيش في السماء؟ نحن نعيش في هذه الأرض، كثير من الدول الإسلامية منعت التعدد، كثير من الدول الإسلامية أعطت حق الطلاق بيد المحكمة، كثير من الدول الإسلامية وضعت قيودًا كلها حُكم بغير ما أنزل الله، لماذا الحكم بغير ما أنزل الله؟ الإسلام مطور؟!

لماذا لا نجعل من فقهنا المرن الطيب الواسع سببًا لإمكانية صعوبة تعدد الزواج وإمكانية عدم استرسال الزوج في الطلاق كما يشاء، "والطلاق أبغض الحلال عند الله"، لماذا لا نجعل من فقهنا وسيلة مقبولة حتى لا يخرج مجتمعنا على الأحكام الشرعية فينتفض عليها، ثم فيما يعود إلى كلمة سماحة المفتي وملاحظاته القيمة، بالنسبة لتعدد الزواج بحثنا فيه. أما بالنسبة للاستثمارات الحقيقة سماحة المفتي يتكرم ويقول هناك شروط تتنافر مع العقل، إذا كانت هناك شروط لا نأخذ بها لكن نحن نلتزم بالشروط الموافقة للعقل، أما الغريب الذي ورد في كلام سماحة المفتي وكلام الدكتور الشرباصي حول الحكمين، الآية ماذا هي في القرآن؟ ﴿وإن خفتم شقاق بينهما فأبعثوا حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما﴾ [النساء،35] وإذا لم تتوفق... إذًا، الحكمان اجتمعا في حالة الشقاق فلم يتوفقا في الإصلاح، ماذا يقول القرآن؟ القرآن ساكت، الروايات تقول يستأمرانهما، وبعض المذاهب يفتي بجواز الطلاق في حالات الحاكم ولي الممتنع لماذا ندخل في هذه الصعوبات والتعقيدات من الأول، شخص لا نسميه حكمًا، شخص من عائلة الزوج، شخص من عائلة الزوجة، نسميه المحكمة العائلية، أولًا المحكمة الشرعية إذا اتفقوا فيها والمحاكم الشرعية بيد رجال صلحاء في كثير من البلاد، نأخذ وكالة من الزوج في الطلاق للمحكمة، أو لرجل من أهله ورجل من أهلها، ما الذي يمنع؟ بعد هذا، وهذا غريب من مولانا سماحة المفتي وهو من هو في الاطلاع على حقائق الأمور، هو يتجنب أن تكون المحكمة مسرحًا للأعراض، تخوف في محله لكن ماذا نعمل يا سيدي؟ الآن الظروف الاجتماعية الصعبة وأنت أدرى الناس بما تعانيه المرأة المسلمة كما يعاني الشاب المسلم من الصعوبات في قانون الأحوال الشخصية إذا من اللائق أن نجعل للمحكمة وكالة في الطلاق ووكالة صادرة عن الزوجين أو الزوج بالذات في التزام مسبق. إذًا، نخشى أن تكون المحكمة مسرحًا للأعراض، فلننظف محاكمنا، فلنصحح أوضاعنا.

أما ما بشرني به سماحة المفتي جزاه الله خيرًا، دراسات البنك الإسلامي اللا ربوي تسير سيرًا حثيثًا، هذا الشيء الذي نحن نعتبر مفتي ديار مصر في جمهورية مصر العربية نسجل عليه وعلى مصر بأن دراسات البنك الإسلامي اللا ربوي تسير سيرًا حثيثًا وستنفذ ولكنه هو ذكر شرطًا قال عندما يجمع عليه المسلمون، ومن هنا المشكل، متى يجمع عليه المسلمون؟ نعم يا سيدي اليوم أي دولة إسلامية من أصغر الدول الإسلامية إلى أكبرها، من الذي لا يتمكن من إقامة تجربة صغيرة الدراسة قائمة موجودة فلنجرب في الجزائر، فلنجرب في ولاية تيزي أوزو ـ الجزائر ـ فلنجرب في الكويت، فلنجرب في مصر ما الذي يمنع؟ ونرى التجربة إذا نجحت نأخذ بها في جميع الأقطار.

بالنسبة للطريق ليس صعبًا، سماحة المفتي يتكرم يقول قوانين الأسرة في العالم الإسلامي استندت على أساس الشرع، أنا أخالف سماحته في هذا وفي هذه النقطة فقط، قلت لا يكفي أن تكون القوانين الموجودة في بلد ما منطبقة مع القوانين الشرعية، وإلا "نابليون" أيضًا أخذ القوانين من مصر، نحن نريد أن القوانين تصدر من القرآن، نحن نريد أن القوانين لا تخضع للمرسوم أنه فلان يقرر ما يلي: إلا مرسومًا اكتشافيًا، هذا لا يمنع ليس مرسومًا تنفيذيًا، إذا أخذنا الإسلام كله وطبقناه ووضعناه كل أساس غيبي، هذا غير إسلام، هذا يؤمن ببعض ويكفر ببعض، ولذلك كل القوانين الإسلامية غير منفذة لأنه لا تعتمد على الأساس.

أما بيننا وبين صديقنا العزيز الأستاذ الكريم نجم المؤتمرات الإسلامية الدكتور الشرباصي بيننا حديث طويل، لأن كلامه كان كله خشية، أو يخشى ممن؟ يقول طموح الرسول، ما أعجبته كلمة طموح الرسول، يا سيدي القرآن يقول ما أكثر من هذا، القرآن يقول: ﴿لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجًا منهم﴾ [الحجر، 88]، الشعور الذي يعاتب الله سبحانه وتعالى الرسول فيه، أنا سميته الطموح، لم أسمه التقرب إلى الله أو الرسالة، أو الدعوة، ما سميته طموحًا، طموح هذا العتاب سميته طموحًا، وإذا كنت غير موافق أنا مستعد أن أغير كلمة الطموح ـ على الرأس والعين.

ثانيًا ـ كلمة تكريس ـ واردة يا سيدي في الكلمات، في الكلمات والكتب الإسلامية وبين العلماء ـ تكريز كلمة مسيحية، كَرَزَ ـ يعني بَشَّر، تكريس يعني تجنيد، تثبيت، تسجيل، هذا كلام إسلامي، ونأسف أن أقول نحن في لبنان من أكثر الناس خبرة بالكلمات الإسلامية والكلمات المسيحية.

خشية الدكتور مولانا الشرباصي، أرجو ألا تكون في محلها عندما خاف من شروط الزواج ومن التطلعات المدنية، يا سيدي التطلعات المدنية الحديثة جرفتنا، شبابنا خرجوا تقدمونا، سبقونا، اتهمونا بالرجعية، اتهمونا بالتحفظ، اتهمونا بالتأخر، نحن لا نقول أنه انجرف، أبدًا، نحن نقول أن لله تسهيلات، مباحات، سننًا رخصًا على حساب التعبير الحديث يجب أن يؤخذ بها. إذًا، نحن في إطار الشريعة مثلما فسرت الإجتهاد، التطلع إلى السماء في إطار الشريعة وجدنا رخصًا تسهل، ولا أقول لا سمح الله نشرع نغيّر هذا التغيير والتشريع ذرة واحدة إطلاقًا ولكن إذا أمكن من خلال الشريعة السمحة نأخذ رخصًا فنقدم حلولًا لمشاكلنا الاجتماعية، ليس فيه خشية ثم التخوف الثاني أو الثالث، أنه ذكر ربما تصرف الزكاة في خدمة المنحرفات والمنحرفين؛ طبعًا في وقت المؤتمر في مدينة مثل تيزي أوزو ـ الجزائر ـ قاست مائة وستة وثلاثين سنة من حكم الاستعمار وتركيز الاستعمار ما تمكن أن يغير دينه وعقيدته وصلابته، ثم نحن شهدنا الأخ المجاهد الأستاذ مولود قاسم بأي حزم يدير الجلسة، ما أحد يتجرأ أبدًا، نحن نقترح هذا الاقتراح يسلم بيد أمينة ينفذ ويجرب كل شيء ممكن يتعرض للمشاكل.

ثم بالنسبة للنية والغيبية ما فهمت أبدًا كلام مولانا الدكتور الشرباصي، نحن أعطينا عن الغيبية في الأساس: ﴿الذين يؤمنون بالغيب﴾ [البقرة، 3]، وما حكينا عن المعاملات والغيبية، في المعاملات النية، وأنت أيضًا أكدت أن النية لها دور كبير في المعاملات من جملتها، الفرق بين الإصرار والإكراه وأنا ذكرت الجملة المعروفة ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع، مما وردت هذه الجملة في كثير من الكتب الفقهية. ثم رسالة العمل، أنا موافق معك لا تتنافى في إطلاق مع الأجر للعامل ومع موقف السلطة في حماية العامل وإعطائه أجره الكامل.

وأخيرًا بالنسبة للغرر والجزاف والمجهول، أتصور هذا الشيء متفق عليه أصل الحكم لأن الحديث المعمول به يقول: نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن الغرر، أو عن الغرر الشيء المجهول، الشيء الذي يعتمد على الحظ، على الصدفChance مرفوض في الإسلام لأن هذا يعتبر مؤمن اليانصيب ولا يعتبر مؤمن المعاملات، هذا جوابي المتواضع ويشرفني أن أعرف هذه الأجوبة بانتظار ما سنسمع من التعليقات الأخرى.

والسلام عليكم

تعقيب الدكتور عمر فروخ
عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة
وعضو المجمع العلمي العربي في دمشق
وعضو جمعية البحوث الإسلامية في بومباي

بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم، أريد توضيح نقطتين هذا المقال القيم، نقطة عامة، ونقطة خاصة:
أولًا: إن التشريع في الإسلام يقوم في عدد من جوانبه على دعائم خلقية في إطار الحياة الإنسانية من أجل ذلك نزلت المعاملات في الإسلام منزلة قريبة من العبادة، فالتشريع لجميع وجوه الحياة، في الاقتصاد والاجتماع والسياسة، فقانون الإنتخاب مثلًا ليس مقطوعًا عن الدين، والإنسان مسؤول لدى الله تعالى عن الغش المقصود، وعن إهمال زوجه وأولاده، وعن إدارة العمل الحكومي الذي يتولاه مثلما هو مسؤول عن التفريط في العبادات، فعلى المشرع في الإسلام، أو على مفسر الشريعة على الأصح أن يفطن إلى أن المقصود الأول من التشريع إتاحة النفع الحق لجميع الناس لا الصراع بين الفرد الذي يتولى تطبيق القانون والجماعة التي يطبق القانون عليها.
ثانيًا: أما النقطة الثانية الخاصة فتتعلق بالربا، والربا في الإسلام حرام قطعًا لا سبيل إلى تأويل شيء منه، والربا شديد الضرر في المجتمع إذ هو دليل على فقدان التوازن الاقتصادي في المجموع، والمجموع الذي يسود فيه الربا مجموع غير سليم، والإسلام لما حرَّم الربا أقر مبدأ هو أن الزمن لا ثمن له فليس من الحق أن ينمو مال الإنسان إذا كان ذلك الإنسان لا يعمل بماله عملًا ولا يحمل فيه تبعة؛ إن المرابي ينتظر مرور الزمن ثم يطالب المدين بربح على الدين كما يطالبه أخيرًا برد الدين كله، والإصلاح في هاتين المشكلتين يقوم على النظر في أساسهما.

على منظمي التشريع في الإسلام أن ينظروا إلى جانبي المجتمع، إلى الحاكم والمحكوم، إلى البائع والشاري، إلى العالم والجاهل، فيجعل قواعد المعاملات ضامنة لحقوق الفقراء جميعًا لأن غاية التشريع خلق مجتمع سليم نافع، لا محاولة جذب النفع إلى جانب أحد المتعاملين ويكون ذلك بضم العنصر الأخلاقي الروحي إلى العنصر القانوني المادي لأن الله تعالى يأمر بالعدل والإحسان، بالعدل أي بأداء الحق كاملًا إلى أهله، ثم بالإحسان أي بالتفضل على الآخرين وحسب معاملتهم وأما أساس المشكلة في الربا فهي أن الناس ليسوا على مستوى اقتصادي واحد فكان بعضهم محتاجًا إلى أن يستدين من بعضهم الآخر وكلما كانت الحاجة إلى الإستدانة أكبر كان الربا أكثر فحشًا وأشد ضررًا، والدَين صنفان، دَين للاستهلاك، مبلغ يستدينه محتاج لينفقه على نفسه وعياله، ثم دَين للتوسع الاقتصادي والله سبحانه وتعالى ذكر هذين الصنفين في كتابه الكريم فأمر بأن يكون الدين الاستهلاكي صدقة من الدائن الغني على المدين الفقير، وحل هذا الجانب من المشكل اليوم أن تنزل الدولة مكان الغني، ولقد فعل عدد من الدول ذلك لما نشأ الضمان الاجتماعي.

وأما الدَين للتوسع الاقتصادي فقد حاولت دول كثيرة أن تجد له حلًا بأن تقسم المشاريع الاقتصادية إلى قطاعين: قطاع عام وقطاع خاص، قطاع عام تتولاه هي، ثم قطاع خاص تترك الحرية في توليه للقادرين المتنافسين ولكن هذا الحل ترك وراءه مشاكل عملية عديدة وسأترك أنا الكلام في هذا الباب لأنني لست من أهل العلم به.

والسلام عليكم


تعقيب الدكتور محمد الغزالي
المدير العام للدعوة الإسلامية
جمهورية مصر العربية

بسم الله الرحمن الرحيم


المحاضرة التي استمعنا إليها استغرقت كتابتها نحو عشر صفحات خمس منها توزعت على مقدمة وخاتمة تقريبًا في ضرورة تحكيم الله عز وجل في شؤون الناس وأحوالهم، ثلاث صفحات الأولى والنصف تريد أن تؤكد أن الحكم بما أنزل الله ركن من أركان الإيمان وأن ترك الحكم بما أنزل الله لون من الشرك وهذا كلام نتفق عليه جميعًا. فإن جحد الأحكام الشرعية واستبدال ما أنزل الله بما استوردنا من آراء وتخرصات هو لون من العودة إلى الجاهلية الأولى، والله عز وجل يقول: ﴿فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا﴾ [النساء، 65]. والقرآن أيضًا وصف الحكم بغير ما أنزل الله بأنه شرك، فعندما تساءل "عدي بن حاتم" وكان نصرانيًا ثم أسلم، سأل النبي عليه الصلاة والسلام نحن ما كنا نعبد الأحبار والرهبان فلمَ وصفنا القرآن بهذا الوصف: ﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أُمِروا إلا ليعبدوا إلهًا واحدًا﴾ [التوبة، 31] فكان جواب النبي عليه الصلاة والسلام: أن النصارى كانوا يعودون إلى الأحبار والرهبان فيحلون لهم ما حرم الله ويحرمون ما أحل وهذا عبادة للأحبار والرهبان كعبادتهم العقائدية لـ"عيسى". نحن نعتبر أن استفتاء غير الإسلام في شؤون الناس شرك: ﴿أفغير الله أبتغي حكمًا وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلًا﴾ [الأنعام، 114] ﴿أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله﴾ [الشورى، 21]. نحن مع سماحة الإمام المحاضر نتفق في هذه المقدمة التي استغرقت ثلاث صفحات ونصف ثم في النظرة الأسيفة التي ختم بها محاضرته واستغرقت صفحة ونصف في أن واقع العالم الإسلامي الآن أنه صريع تبعية مجنونة، الاستعمار الثقافي الشرقي أو الغربي الذي تسلل إلينا عن طريق فرض معاملاته وفهمه المادي للحياة وصبغ المجتمعات الإسلامية بالقوانين الوضعية التي جاء بها وفرضها علينا، لكن ما بين الثلاثة صفحات ونصف الأولى والصفحة والنصف الأخيرة يوجد كلام كثير أشعر مع توقيري لسماحة الإمام الصدر بأن الخلاف بيننا ممتد في أصوله وفروعه، فالأساس أن الإيمان بالله جعل تحكيم ربنا في كل شيء سواء في العبادات والعقائد والمعاملات: ﴿كتب عليكم الصيام﴾ [البقرة، 183]، عبادة تساوي ﴿كتب عليكم القصاص﴾ [البقرة، 178]، معاملة تشريعية تساوي: ﴿كتب عليكم القتال﴾ [ البقرة، 216]، معاملة سياسية دولية "كُتِبَ" هنا اتخذت عنوانًا واحدًا ونحن هنا قد نفرّق في دراستنا الفنية بين العبادات، والعقائد، والمعاملات، والأخلاق، لكن الأحكام التي وردت بها جميعًا موضع رعايتنا وتقديسنا، أساس احترام الحكم الشرعي. قد أختلف في العنوان مع سماحة الإمام إذ جعل سنده الغيبيات الواقع أن احترام الحكم الشرعي يعود إلى إيماننا بالله الذي يرى علانيتنا وسريتنا فعندما تصدر الحكومة أمرًا والحكم القائم ليس شرعيًا فإن احتقار هذا الحكم أو الفرار منه أو الاحتيال عليه يكون أمرًا حبيبًا إلى النفس لكن يوم يصدر الإمام حكمًا بأن لا يغش اللبن، وترى البنت أن الله في ظلمة الليل يطلع عليها فإن هذا معناه أن الحكم الشرعي عندما يقول: فستكون الدولة والشعب معها متظاهرين جميعًا على إنفاذ أحكام الله واحترامها، أما يوم ينتصر الحكم على العقيدة وعلى الروحانية وعلى الأساس النفسي فسيكون حكمًا مفتعلًا مفروضًا وسيكون الخروج عليه أمرًا لطيفًا أو أمرًا نحتال عليه. إن كثيرًا من الناس يكرهون دفع الضرائب لماذا؟ لأنهم يرون أن الدولة في بعض الأقطار تسيء الأخذ وتسيء النفقة ولا يرون لها حقًا في النسب التي تفرض بها الضرائب ولذلك يرون أن الاحتيال على الدولة وعدم دفع الضريبة شيء لا بد منه. لكن عندما يكون الأمر بالزكاة فريضة فإن الإنسان يذهب بنفسه ليؤدي الزكاة وينتظر أن يدعو له الحاكم وهو يدعو للحاكم بالتوفيق في هذه الناحية، هل هذا يسمى غيبية؟ القاعدة التي يستند إليها الحكم، لا نحن نختلف في هذه التسمية وهي لفظية وأشار إليها أخي الدكتور الشرباصي، نحن نسميها القاعدة الروحية الأخلاقية، وسماها الغيبية هذه تسمية لا نختلف فيها.

الشيء الثاني أنه فرّق بين الإجتهاد والتشريع بطريقة غامضة، فإن التشريع يقينًا ينبني على إجتهاد صحيح يوم يكون التشريع محترمًا وللإجتهاد الصحيح شروطه، نعم قد يقف العضو في مجلس الأمة أو في مجلس النواب فيقترح إقامة جسر أو بناء مستشفى ويصدر تشريعًا بهذا، هذا نوع من الأعمال العادية أو الأعمال الدنيوية التي قيل لنا فيها "أنتم أعلم بشؤون دنياكم" والأعمال العادية موضع إجتهاد واسع ويكفي فيها كي تقبل أن تساندها نية حسنة وغاية شريفة لكن الإجتهاد لا بد من أن يكون الأساس للتشريع في الشؤون الدينية والإجتهاد هنا ـ كما عبّر ـ استفراغ الوسع في معرفة حكم الله تعالى بالأدلة، ومعنى استفراغ الوسع أن نعرف كيف نستنبط من كتاب الله ومن سنة رسول الله ومن القياس أو العقل، كما يسمي إخواننا الشيعة ومن الإجماع ما لا بد أن يعرف، هنا أريد أن أذكر بعض ما اختلفنا في تطبيقه فإن القاعدة أنه "لا إجتهاد مع النص" إذا قال الله شيئًا إنقطعت الألسنة ولا يمكن لامرئ أن يعقب: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم﴾ [الأحزاب، 36] فلا إجتهاد مع النص. هذه واحدة.

كيف يُفهم النص؟ أيُفهم بالهوى أم يُفهم ببعض الأساليب التي تدخل فيها ظروف البيئة وضعف الأمة وسقوط الأخلاق، وما إلى ذلك، هنا نريد أن نتحدث بشيء من الأناة، فإن التشريع عندنا عندما يأمر الله جل شأنه أو ينهى فلا بد أن نقف عند الأمر والنهي وعندما يكون الأمر واضحًا في ناحية ما فإني لا أبيح لأحد أن ينقل أهواء أو تقديمات بالتعبير الحديث ويغلفها بالنص الإسلامي حتى تنتقل قداسة النص إلى حقيقة الفهم المجلوب الجديد، عندما أقول لا بد من احترام تقديسه فإن للنص مكاتبة وإن له معناه الذي لا يمكن حسب قواعده الشرعية أن نخرج عنه، وأضرب مثلًا بقصة التعدد إن قصة التعدد التي يشكو الإمام الصدر من أن المجتمعات الإسلامية الآن خرجت عليها قصة مؤسفة بيقين، أنا لا أستطيع أن أجعل قضايا الأسرة بقوانينها منفصلة عن القضايا الجنائية وعن القضايا الأخلاقية للمجتمع، بما أحكم على دول منعت التعدد فعلًا ولكنها تعيش في ظل القانون الفرنسي الذي يبيح الزنا، ومعنى ذلك بداهة أنني أمنع أن يقترن الرجل بإمرأة فيستطيع بدل أن يجعلها حليلة له أن يتخذها خليلة. والقانون القائم في البلاد التي حرمت التعدد يبيح هذا، ونحن نعلم هذا الفارق بين القانون الإسلامي والقانون الفرنسي أو القانون الإنجليزي في الأصول، نحن نرى الخمر حرامًا أما القانون الإنجليزي أو الفرنسي فيرى السكر حرامًا فلمن شاء أن يشرب أما إذا سكر وهذى وضرب الناس فإنه يؤخذ بجريمة العربدة لا بجريمة تعاطي الخمر، أما الإسلام ففعل العكس يرى أن الخمر حرام. الفارق بيننا وبين غيرنا أننا نرى أن كل اتصال بين الذكر والأنثى ما لم يكن في بيت الطاعة وفي فراش الزوجية، فهو حرام، أما غيرنا فيرى غير هذا، غيرنا يرى أن الاتصال ممكن على ألاّ يكون هناك إكراه، ويوم نستجلب قوانين منع التعدد مع هذا الفساد القانوني القائم في جميع الدول الإسلامية التي لا تزال تحكّم قوانين العقوبات المستوردة فمعنى هذا بداهة أننا حللنا الحرام وحرمنا الحلال، وهذه نتيجة ما أظن الإمام الصدر يريدها، هذه واحدة. شيء آخر أريد أن ألفت النظر إليه. في قصة العلاقة بين الشرط والجزاء هنا قصة خادعة وقد استمعت إليها من أستاذنا المرحوم الشيخ "محمد المدني"، الكلام الذي قاله هو نفس الكلام الذي يقوله الآن سماحة الإمام الصدر كلاهما يؤكد رأيه الخاص وكلاهما لا يمثل في رأيه لا مذهب الشيعة ولا مذهب الجماعة إنما هو يعرض إجتهادًا خاصًا له. أريد أن أقول أن العلاقة بين الشرط والجواب هنا ليست إطلاقًا كما يتصور ولأضرب الأمثلة حتى يُعرف الواقع، إذ قال الله تعالى: ﴿وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبًا فرهان مقبوضة﴾ [البقرة، 283]، أريد أن أسأل مَنْ مِن الشيعة أو من الجماعة قال أن عقد الرهن لا يجوز إلا إذا كان هناك سفر وانعدم الكتبة، لم يقل هذا أحد، إن عقد الرهن جائز بل متعامل به في الأمة الإسلامية دون أن ننظر إلى الشرط الموجود في الآية ﴿وان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبًا﴾ [البقرة، 283]. إذًا، وآية أخرى: ﴿لا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنًا﴾ [النور،33] من قال أن هذا شرط فإذا لم يردن التحصن فتحنا لهن حوانيت بغاء، إن هذا الشرط ما يقوله أحد أن هناك شروطًا كثيرة ملغاة إنما تُذكر كما تقول لأحد الناس من غواة الخمر يا أخي إن كنتَ تريد أن تشرب فاشرب ليمونًا، أو اشرب قازوزًا أو كذا وكذا. أنت تريد أن تجعل للمباح مجالًا هذا هو المقصود والواقع أنه خلال أربعة عشر قرنًا من تاريخ الفكر الإسلامي لم يقل فقيه مسلم أن تعدد الزوجات مباح مقيّد بهذا القيد، تعدد الزوجات مباح مقيد بالأخلاق الإسلامية والقواعد الإسلامية والعقائد الإسلامية. وهنا ألفت النظر إلى أمر أن الدولة لا تملك حق تقييد كل مباح؛ فإن المباحات نوعان، نوع سكت الشارع عنه فهو من باب عفا الله عنها أمور لم تذكر لأنها أمور متروكة للحاكم أو للأمة تصنع بها ما تريد، لكن هناك أمور تكلم الشارع صريحًا في إباحتها كتعدد الزوجات وهنا يكون حظر الحاكم لها داخلًا في قوله تعالى: ﴿قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حرامًا وحلالًا، قل الله أذن لكم أم على الله تفترون﴾ [يونس، 59]. إن حق الدولة في تقييد المباح حق مقيد تستطيع الدولة أن تقول على قائد السيارة أن يلزم اليمين أو يلزم اليسار فهذا نوع من المحافظة على الحياة لكن لا تستطيع الدولة أن تقيد مباحًا مطلقًا لأن تقييد المباح هنا نوع من تحريم الحلال ونوع من الإشراك التشريعي الذي نهانا عنه الإمام الصدر، ولمناسبة حق الدولة تحدث عن التأميم وقال من حق الدولة أن تصادر، ومعنى من حق الدولة أن تصادر، أن من حق الدولة أن تسرق، هذا لا يجوز إنني أقول في صراحة أن التأميم عندما تفرضه مصلحة والمصلحة هنا لا يقررها فرد طائش أو راشد إنما تقررها مجامع فقهية وشعبية متخصصة في وزن المصلحة وفي تقديرها تمامًا وعندما يتقرر أن من المصلحة مصادرة مال فلان.. حديقة فلان.. لتكون جسرًا أو لتكون حصنًا أو لتكون مدرسة فيجب أن يعوض تعويضًا كاملًا، يجب أن يأخذ حقه في هذا التعويض فإن الأمر ليس أمر حق الدولة في سرقة الأفراد أو اغتيالهم. إن الإسلام صريح عندما يقول كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، وأخشى أن نعطي المستبدين حق تحويل الدولة من دولة شورية تحترم الأموال والأعراض إلى دولة شيوعية لا احترام فيها لحق الملكية عندما نعطي التأميم كاملًا ومن أراد هذا المعنى يجب أن يحدد.

أما قصة الطلاق فإن الأساس الأول الذي شرحه الإسلام هو قيام البيوت على الخُلُق، يعني لو أن التلفزيون بقي على الوضع الذي هو عليه الآن يعرض المفاتن ويجسم الحرمات وشرعنا تقييدًا للطلاق فستفسد البيوت وسيبحث الرجال عن زوجات أخرى، لماذا؟ لأن المجتمع مفكك يمكن أن تقيم المجتمع على الأخلاق وتطمئن إلى حراسة التقاليد للبيوت ولروابط الأسر، يوم جاء رجل لـ"عمر" وقال له أريد أن أطلق زوجتي، قال له لماذا؟ قال لا أحبها، فقال له ويحك أَوَكُلُّ البيوت بُنِيَت على الحب، فأين التذمم والوفاء، هذا معنى جميل ويمكن أن نجعل الأسر تبقى بأمور كثيرة، لكن إبقاء الأسر على الورق كما هو حادث في إيطاليا ونجلترا وفرنسا، مصلحة اجتماعية يوم أمكن قهر الكنيسة الكاثوليكية وانتزاع حق الطلاق للتفريق ولجعل نهاية للزواج الفاشل كان هناك أعياد في إيطاليا وكان عدد كبير جدًا من الناس فرحًا بهذا الذي حدث، لماذا؟ إن الإسلام ليس دينًا خياليًا إنه دين واقعي.

إن القلوب إذا تنافر ودّها مثل الزجاجة كسرها لا يُجبر

عندما ينكسر الزجاج لا معنى لبقاء أسر على الورق، حرمان الرجل من حق الطلاق شكلًا أو موضوعًا إحتيالًا مصارحة سينتهي بهذا يقينًا أسره على الورق. إن شرطة الجزائر جميعًا لا تستطيع جلب رجل إلى بيته عندما يكون كارهًا امرأته. فلماذا نريد أن نمنع الإنسان من الطلاق إذا رغب فيه؟ وقلنا إن الطلاق أبغض الحلال عند الله وقلنا أن أمامه مراحل يمكن أن نحكم فيها فقه الجعفرية في هذا إن طلاق البدعة لا يقع وأن الطلاق يجب أن يكون أمام شاهدين وهناك أمور كثيرة لا يقع بها الطلاق يمكن أن تكون فرامل لهذا الذي يقع لكن أساسها ديني أو أساسها أخلاقي، أما أن تكون الأمور على هذا النحو الزمني الذي يُراد استيراده من الخارج فهذا ما لا نقبله.

إن التشريع الإسلامي لم يعطِ فرصة للحياة وأنا مع الأستاذ الإمام في أن الزكاة يمكن جدًا أن تقوم الدولة بأخذها، هل هذا تطور كما يسميه؟ لا، هذا ما كان يقع، فإن النبي عليه الصلاة والسلام كان يرسل المصدقين أو العاملين ليأتوا بالزكاة، وفي الوقت نفسه كان هناك حق لكل فقير أو محتاج في بيت المال فما دامت الدولة قد أخذت فمن حقنا على الدولة أن ترعى، وكون الدولة تقدم هذه الأدوية أو بعض الخدمات فهذا لا شيء فيه فيما أعتقد.

وشيء آخر أحب أن ألفت النظر إليه، أننا نحن الذين نتحدث في الفكر الإسلامي نرى أنفسنا في موضع يحتاج إلى دراسة، القانون الوضعي يقول لنا تعالوا إلينا تخلوا عما عندكم وسلموا بما نقول وما نرى خطوة منهم يريدون بها أن يعودوا إلى الإسلام، ليس هذا من الإنصاف، لسنا مكلفين أن نُأوِّل ديننا أو نغير أصول الفقه عندنا لرجل استورد تفكيرًا من الخارج ووقف عنده متعصبًا له. إننا لا نريد هذا أن على الآخرين أن يجيئوا إلينا والغريب أن نوعًا واحدًا من الفكر هو الذي يصل إلينا، يعني ـ يوم بدأ تعليم المرأة عندنا كان هناك في أوروبا كان التعليم مختلطًا وتعليمًا فرديًا لكن الذي نقل إلينا التعليم المختلط لماذا؟ لماذا لا تُنقل جامعات للنساء وجامعات للرجال؟ ما معنى هذا إختيار نوع معين، هناك في ألمانيا بنوك للإقراض الصناعي يمكن جدًا كما أن عملية الزكاة تموّل نفسها فالعامل إذا جاء بالزكاة كاملة أعطيناه الثمن وموّلت العملية نفسها بنفسها، يمكن لبنك الإقراض أن يموّل نفسه، فإذا كان هناك حاجة لإقراض صناعي مائة مليون جنيه رأسمال البنك من الدولة ولكن الدولة لن تتاجر بحاجات المتعبين إنها تمويل الجهاز الإداري والكتابي القائم على هذا الموضوع. إذًا، يمكن أن يقال واحد في المائة دمغة، واحد في المائة رسوم إدارية، واحد في المائة أي شيء؟ لكن لا يُسمى هذا ربا ولا يكون ربا لأنه ليس مرتزقًا لناس يتاجرون بالآلام إنما هو عملية تمويل فقط الذي تقوم به الدولة في إقراض الآخرين. أما قصة أن الربا نوعان أو أن القروض نوعان، استهلاك، وإنتاج، وإن ربا الإستهلاك محرم وإن ربا الإنتاج جائز فهذا غير صحيح، إن الربا محرم كله والإسلام يقول: ﴿وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم﴾ [البقرة، 279] والإسلام يرى أن من الممكن بدلًا من أن نجعل سندات محددة الربح أن نجعل أسهمًا مطلقة ترتفع وتصعد ويبارك الإسلام هذا العمل فلماذا الحرص على أن تكون المعاملة على أساس السندات، إن الحرص على احتقار الإسلام وتعاليمه، إننا نريد أن نعود إلى ديننا متكاملًا حتى نستطيع بهذا التوازن في العبادات والمعاملات والعقائد والأخلاق والتشريعات أن نخرج بمجتمع متكامل. والله ولي التوفيق.

تعقيب الأستاذ أحمد حماني
رئيس المجلس الإسلامي الأعلى
أستاذ بكلية الآداب ـ جامعة الجزائر


بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الإخوة الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله،
فضيلة الأستاذ موسى الصدر، في غنى عن سماع الحمد والثناء وإن قوة عرضه وشجاعته في قوله وعمله وسعة اطلاعه وحسن فهمه، كل ذلك يشهد أنه أهل لتحمل الأمانة التي أُنيطت بعهدته، ولا أريد أن أناقشه وإنما أريد أن أعلق على مسألتين وردتا في كلامه ومناقشاته. والأولى منهما تعدد الزوجات، والثانية الطلاق بواسطة المحاكم.

تعدد الزوجات:
إن الإسلام شرّع في الزواج نظامًا مُحكمًا مبنيًا على الرحمة والمودة بين الزوجين، والحكمة والمصلحة لكليهما. ولم يخفَ على أي منهما ولم يُحاب أحدهما دون الآخر، ثم إن مصلحة المجتمع ملاحظة في التشريع فيما يباح وما يحل وما يحرّم على الأفراد.

ومما شرعه الإسلام الإذن في تعدد الزوجات، وجاء هذا الإذن في صورة الأمر تأكيدًا لتأييده وشرعيته فقال تعالى: ﴿فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع﴾ [النساء، 3]، وليس في الكلام أوضح من هذا النص: مثنى إثنتين، وثلاث ثلاثًا ثلاثًا، ورباع أربعًا أربعًا، ففي القضية عدد، والعدد حقيقة لا يدخله المجاز كما هو معلوم من القواعد.

ولما آذنت الآية في العدد، اشترطت العدل، وحرمت التعدد إن خاف مريد التعدد مجرد الخوف ـ ألا يعدل: ﴿فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة﴾ [النساء، 3].

وفهم الأبرار الأخيار من أمة "محمد" عليه الصلاة والسلام أن العدل المشروط عام يشمل المعاملة في الواجبات الزوجية من إطعام وكسوة وإسكان وغيرها، ويشمل العواطف والميول. والعدل الأول من عمل العبد وكسبه فهو ممكن، وأما في الثاني فهو من عمل مصرف القلوب ومحوّلها، ولا عمل للعبد فيه ولا كسب، فظنوا أن الآية: ﴿فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة﴾ [النساء، 3] قد حرمت التعدد عملًا وتنفيذًا، وإن أحلته نصًا ونظرًا لاستحالة العدل في العواطف والميول فأنزل الله قوله: ﴿ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم، فلا تميلوا كل الميل، فتذروها كالمعلقة﴾ [النساء، 129]، وما أروع تعبير القرآن وأنزهه في كناياته، ﴿فتذروها كالمعلقة﴾، لا هي متزوجة لها حقوق الزوجات وتمتعهن، ولا هي مطلقة لها حرية المطلقات في طلب الأزواج والتعرض لهم. فإباحة تعدد الزوجات فيه نص صريح من القرآن أيدته السنة القولية والفعلية والإقرارية. فقد أمر رسول الله (ص) من أسلم وتحته أكثر من أربع أن يمسك أربعًا ويفارق سائرهن فيقول سماحة الإمام أن الآية لا دلالة لها إلا على منع الأكثر من الأربعة، وقوله: أن القرآن ساكت عن حكم تعدد الزوجات بشكل مطلق، وقوله: والسنة لم ترد هناك رواية مطلقة تقول بجواز تعدد الزوجات، فلا يمكن أن نستخرج من خلال هذه الأدلة حكمًا مطلقًا. ويريد بقوله هذا نفي النص من الكتاب والسنة على التعدد ـ قول لا يتابع عليه ولا يساعد على انتحاله، وقد فهم الراسخون في العلم منذ عهد الصحابة غير فهمه روى "أبو داوود" في "عروة بن الزبير" سأل "عائشة" رضي الله عنها عن قوله تعالى: ﴿وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانحكوا ما طاب لكم من النساء﴾ [النساء، 3] فقالت: يا ابن أختي هي اليتيمة تكون في حجر وليها فتشاركه في ماله فيعجبه مالها وجمالها فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره فنهوا أن ينحكوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغن بهن أعلى سنتهن من الصداق "وأُمروا أن ينحكوا ما طاب لهم من النساء سواهن".

وقال "ربيعة" في قوله عز وجل: ﴿وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى﴾ [النساء، 3] قال يقول: "أتركوهن إن خفتم، فقد أحللت لكم". فهذه أم المؤمنين قد فهمت أنهم أُمروا أن ينكحوا من النساء سواهن، وهذا "ربيعة" شيخ "مالك بن أنس" يفهم أن الله قد نص في الآية أنه قد أحل لهم ما طاب لهم مثنى وثلاث ورباع. واستناد النبي والصحابة على الآية لعملهم دليل على أنها نص صريح، وهذا ما وقع عليه إجماع الأمة منذ عهد الصحابة إلى اليوم. وزعم بعضهم أن الآية الأولى اشترطت العدل في التعدد، والثانية نفت استطاعة العدل وبالجمع بينهما ينتج منع التعدد هذا قول زنديق يصدر عمن يريد أن يتلاعب بآيات القرآن، فالعدل المراد هو العدل في المعاملة وهو لا يسقط بحال، والعدل الذي لا يستطاع هو عدل الحب والميل القلبي وهذا لا يؤاخذ عليه إذا لم يؤدِّ إلى الجور في المعاملة المادية وإذا تعسر ذلك فإن هذا التعدد ليس بواجب، ولا مندوب إليه، إنما هو مانع بشرطه، وقد يكون التعدد حرامًا إذا أدى إلى مفسدة وعدم شرطه وقد يكون في فائدة الزوج ومصلحته، وقد يكون في فائدة الزوجة لنفسها ولمصلحتها، وقد يكون لفائدة المجتمع تحتمه ظروف، وذلك معروف يبرز واضحًا أثناء بعض الظروف وقد يخفى: ماذا يفعل زوج يسكن البادية، وله أولاد صغار، وقد مرضت زوجته مرضًا قعد بها عن العمل وعجزت عن أداء واجباتها نحو زوجها ونحو أبنائها، ولا مرافق في البادية ولا طباخ ولبان والحياة عسيرة؟ أيطلقها ويأتي بأخرى؟ أم الخير لها أن يتزوج برضاها ثانية تقوم بزوجها وأبنائها وربما قامت بها أيضًا؟ إن هذه الحياة الواقعة التي راضى الإسلام عليها أبناء الأمة الإسلامية فقبلوها، واسمحوا لي أن أذكر لكم قصة خاصة واقعية. لقد مرضت أمي رحمها الله وعجزت وكنا خمسة من أبنائها الصغار نسكن البادية ورأت حالتنا البئيسة وحالة أبي رحمهما الله فأذنت له أن يتزوج بغيرها. فتزوج، وجاءت زوجة أبي، وولدت منه إخوانًا وأخوات لي. وجاء الجهاد فاشترك في جيش التحرير إخواني من أبي كجنود أبطال وبيني وبينهم المحبة الكاملة والمودة الصادقة إنهم قطعة من أبي وإخوان صدق. هذه حالة أبانت أن الزواج قد يكون في مصلحة الزوجة الأولى وأبنائها وزوجها.

إن ظروف الحروب المبيدة حيث يكثر هلاك الرجال، وفقدان الشباب وبوار النساء والفتيات تبرز الضرورة الملحة لتعدد الزوجات وحكمة إباحته، وقد اتضح ذلك، إثر الحربين العالميتين الأولى والثانية في أوروبا، وفي سائر أنحاء العالم إثر الحروب والثورات.

إن الكنيسة حرّمت في بعض المذاهب المسيحية المرأة على رجال الدين، ومنعتهم من تزوجها، وربما كان ذلك ينبئ عن احتقار المرأة واعتبارها رجسًا ودنسًا فنزّهوا رجالهم المقدسين أن تدّنسهم المرأة، وخالفوا الطبيعة الإنسانية والفطرة الإلهية التي فطر الناس عليها، فغلبتهم الطبيعة وكثير منهم فاسقون.

وحرّمت الكنيسة التعدد على الرجال من غير رؤساء الدين، واعتبرت الوظيفة الزوجية كشبه خطيئة، احتقار لقرب الرجل من المرأة، وضعت الكنيسة هذا في قوانينها وتسرب منها إلى القوانين المدنية في الأمم الأوروبية، فلما قرأها مثقفونا في أوروبا ظنوا أن كل ما فيها راقٍ متمدن معصوم عن الخطأ حتى ما ورث عن الكنيسة من قوانين مع أن نظم الحكم الحديثة أخذت على حكم الكنيسة ومع أنهم يهاجمونها مهاجمة لا هوادة فيها، وقد يهاجمون كل الديانات تقليدًا لمهاجمة الأوروبيين لحكم "الأكليروس". لقد طالبوا بمنع تعدد الزوجات تقليدًا لقوانين الأوروبيين الكنائسية، وأقنعوا جمعيات نسائية بالإلحاح بهذه المطالبة. فهل هذا التعدد ممنوع حقًا في أوروبا؟

إن الأوروبي يعدد النساء ما طاب له التعدد: مثنى وثلاث ورباع … وتساعٍ وعشار ولكن دون عقد ولا عهد، إنه يتمتع بهن كالحيوان الأعجم كالثور بين البقر والتيس بين العنز والكلب بين إناثه. وله الغنم كل الغنم، ولكن الغرم كله على المرأة فالرجل الخائن يقضي منها لذته ويتركها في حسرات وقد تقاسي وحدها آلام الحمل والوضع وخزي العاقبة والذل والهوان، وقسوة التخلي عن إبنها وثمرة فؤادها.

إن الإسلام يعترف لها بحق الزواج، زيجة ثانية لفائدتها ولمصلحة وليدها ولمصلحة المجتمع. فلا ينالها هوان ولا ذل ولا ينال وليدها عار ولا تشريد ولا تمتلئ الشوارع بلقطاء مجهولي الآباء ذوي عقد نفسية تهدد المجتمع. لقد تركت الحروب الماضية ملايين النساء دون أزواج فثرن على هذا الوضع، وألفن جمعيات تطالب بحق تعدد الزوجات.

ومن عجب أننا نرى أوروبا تسير نحو هدى الإسلام والأخذ بمبادئه الفقهية وقوانينه السمحة، لا حبًا في الإسلام ولا رغبة في تقليد أهله، ولكن لأن مبادئ الإسلام واقعية عادلة بعيدة عن العنت والإرهاق والظلم بينما يؤدي بنا سوء التقليد إلى متناقضات وسفاهات واسمعوا هذه الحكاية الواقعية التي سمعتها من رواة، وقعت في أحد الأقطار الإسلامية التي حرمت تعدد الزوجات وشددت في تطبيقه. سمع أعوان العدالة أن رجلًا قد تزوج بامرأة ثانية واتخذ لها مسكنًا في مكان معروف، وبعد أن تحروا عن الواقعة وجدوا أن هذا الرجل متزوج حقًا وله سُكنى معروفة. وأنه قد اتخذ محلًا آخر به امرأة أخرى يعاشرها معاشرة الأزواج فتبين لهم صحة التهمة وهاجموا المحل واتهموه بجريمة تعدد الزوجات. فقالوا: هذه جريمة فقال الرجل: أية جريمة؟ فقالوا: أليس المحل محلك؟ قال بلى. قالوا: أليست المرأة لك؟ قال: بلى. قالوا: هذه جريمة لأنها زوجة ثانية! قال: ليس في الأمر جريمة، إنها ليست زوجة، وإنما هي خليلة! فبهت رجال العدالة وانصرفوا منهزمين، ذلك أن قانونهم "المودرن" يبيح للرجل أن يتخذ خليلة أو خليلات ولا يبيح أن يتخذهن زوجات.

إن مجتمعنا كان سالمًا من هذه الآفة، بوار النساء، ولكنه قد أُصيب بها إثر حرب التحرير وأصبح فيه فائض من النساء يقدر بنحو مليون من أرامل الشهداء قد تزوجوا بهن فعلًا أو تركوهن ينتظرن الخطبة فاغتال المستعمر مقابلهن من الرجال، وعوض أن تطالب امرأتنا بفرض حل لهذه المشكلة يكون معقولًا كالترغيب في تعدد الزوجات مؤقتًا حماية لهؤلاء الأرامل بالفعل أو بالقوة فقد طالبت منظمة الاتحاد النسائي بإلحاح منع تعدد الزوجات وفرض تبني اللقطاء حماية لانحلال الأخلاق، والامعان في الاختلاط والفساد.

الطلاق بواسطة القاضي ومنع الزوج من الإستقلال به:
أما النقطة الثانية فهي أشار الإمام الصدر إلى أن كل حالة طلاق ستؤول إلى المحكمة، واستحسانه عدم استقلال الزوج بالطلاق. ولا شك أن قصد فضيلته حسن في أن يتحرى العدل بواسطة القضاء. ولكن المتربصين بالشريعة من واضعي القوانين الوضعية أو من مستورديها يستغلون مثل هذا ويقننون لنا لا طلاق إلا بواسطة المحكمة. وقد فعلوا ذلك في بعض الأقطار وهم يبذلون الآن جهودهم أن يفرضوه في بقية الأقطار، تقليدًا لأوروبا التي لا طلاق فيها إلا بواسطة المحكمة.

إن هذا المبدأ فاسد لا يقره الإسلام، فالكنيسة هي التي تسببت عند الأوروبيين في جعل الطلاق تصدره المحاكم. ذلك أنها منعت الطلاق وحجرته إلا في ظروف قليلة جدًا. وقد تستحيل العشرة الزوجية بين الزوجين ولا تبيح لهما الكنيسة الإفتراق، فثاروا على هذا الوضع واضطروا لفك الزواج بواسطة المحاكم المدنية في غياب الكنيسة، وهكذا قد تحكم المحكمة بطلاق لا تقره الكنيسة فهما زوجان دينيًا، مطلقان مدنيًا. ولا وسيلة لديهم لفسخ زواج الأحكام المحكمة لأن الدين فيما زعموا لا يبيح ذلك ما دام القسيس لا يجريه.

أما في الإسلام فلا يحتاج وقوع الطلاق ـ دينًا ـ إلى عقد من المحكمة تصدره. فالعصمة بيد الزوج وهو الذي يطلق، فإن جعلنا الطلاق لا يقع إلا بواسطة حكم المحكمة كما في الأوطان الأوروبية فقد جعلنا عصمة الزوجات بيد القضاة. والنصوص الشرعية قاطعة بأن العصمة بيد الأزواج قال الله تعالى: ﴿ولا تمسكوا بعصم الكوافر﴾ [الممتحنة، 10] فالعصم في يد الأزواج.

وقال: ﴿فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجًا غيره﴾ [البقرة،230]. وإنما تحل للزواج لا للقاضي فالضمير يعود عليه، إذ الزوج هو الذي له زوجة طلقها. وقال: ﴿إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة واتقوا ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة﴾ [الطلاق، 1] ففي هذه خطاب للأزواج وكلام عليهم، ولما احتمل أن يكون الفعل من عمل القضاة جاء نص يحتمل ذلك: ﴿ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة﴾ وجاء في الحديث الصحيح "إنما الطلاق لمن أخذ بالساق".

وقد احتج الذين يرغبون في جعل الطلاق لا يقع إلاّ على يد القاضي في المحكمة بأن في ذلك خير ضمان للزوجة، وأن كثيرًا من الأزواج يسيؤون استعمال حق العصمة لسفههم.

فهل يضمن هؤلاء القائلون العدالة المطلقة، والتقوى والنزاهة وحسن التدين في قضاة المحاكم المدنية كلهم؟ مع أن المُشاهَد المعروف أنهم في أحكامهم لا يخضعون لقواعد الشرع الإسلامي في أنفسهم. ولا يلتزمون شروطه في شهودهم وإجراءاتهم، ولا يعرفون دقائق أحكام الفقه الإسلامي في كتبهم. فكيف نعطي لهؤلاء عصمة أزواجنا في أيديهم ليعبثوا بنا، وبأحكام ديننا وبعائلاتنا وأسرنا.

أذكر أن الشيخ "عليش" رحمه الله، ذكر في كتابه "فتح العلي المالك" المشهور بفتاوى الشيخ "عليش" جواب سؤال عن قضية امرأة سافر زوجها إلى بلد وطالبها أن تلتحق به فامتنعت الزوجة من ذلك ورفع أمرها إلى قاضي بلدها فحكم بطلاقها ثم تزوجها- من بعد زوجها- ذلكم القاضي.

وقد أفتى الشيخ "عليش" رحمه الله ببطلان هذا الزواج وأن المرأة باقية في عصمة زوجها الأول. وأن زواجها بالقاضي فاسد يفسخ قبل الدخول وبعده، هذا القاضي الذي كان في عصر الشيخ "عليش" أنه مسلم وأنه يحكم بأحكام الفقه وأقوال الفقهاء ومع ذلك أغوته نفسه ولعبت به امرأة فتلاعب بالعصمة لما وُكّل إليه أمرها.

ولقد أفتى الشيخ "عليش" رحمه الله أن الزواج الإسلامي لا ينبغي أن يعقد في محاكم قضاة عصره لأنه حكم بأنهم غير عدول لطلبهم مناصبهم، ورشوتهم الحاكم في الوصول إليها ولذا ينبغي أن يعقد الزواج عند جماعة المسلمين. وإذا كان هذا رأي الشيخ "عليش" في قضاة عصره فماذا عسى أن يكون قوله لو رفع رأسه من قبره ورأى حالة قضاة محاكمنا اليوم.

حقًا إن القاضي ـ في المذهب المالكي ـ يطلق المرأة بطلب منها لمصلحتها إذا طالبت به وأثبتت الضرر. ولمّا لم تكن العصمة بيدها فإن القاضي والإمام يتدخل لحمايتها من الأضرار بها لقوله عليه الصلاة والسلام "لا ضرر ولا ضرار"، وعندما يثبت الضرر يأمر القاضي الزوج بطلاقها إن كان حاضرًا، أو يطلقها إن غاب أو أبى أو يأمرها بطلاق نفسها.

أما في الأحوال العادية فإن العصمة بيد الزوج لا بيدها ولا بيد الحاكم ولا المحكمة. وهذا ما ندين الله به ولا يحل غيره.

أيها السادة،
إن من عجيب الأمر أن نرى الأوروبيين يسيرون حثيثًا ـ فعلًا لا قولًا ـ نحو المبادىء التي قررها الإسلام. كإعطاء الحق في تعدد الزوجات والسعي لجعله شرعيًا يعترف فيه بالولد، بينما نسعى نحن لغلق هذا الباب، وخلق ذرية غير شرعية في مجتمعنا تقليدًا لقوانين لهم ضاقت منها أنفسهم وزهقت، إن الأوروبيين يسعون لتيسير إجراءات الطلاق وفك العصمة في أسر استحالت فيها العشرة الزوجية، ويريدون انفكاكًا من قوانين تؤبد علاقة تكاد تكون مستحيلة، هذه الرغبة تحققت في أعرق بلاد النصرانية ـ إيطاليا ـ بينما نسعى نحن للتضييق والعسر.

إنهم يسعون لوضع الأغلال والأصر عنهم بينما نبادر نحن لنحاول وضع ذلك في عنق أمتنا فنحرجها.

نحن مسلمون، على الإسلام نشأنا، وعليه نحيا ونموت والحمد لله رب العالمين.

الإسلامية وواقع التشريع اليوم في العالم الإسلامي
رد الإمام موسى الصدر على الأساتذة المعقّبين


بسم الله الرحمن الرحيم

قبل الدخول في الجواب عن بعض التفاصيل لي ثلاث محطات:
أولًا أتمنى بعد الظهر أن يتم إصلاح الميكروفون لأنه عندما يتحدث المعلق من الصعب جدًا على الصف الأول وعليّ بصورة خاصة أن أسمع فيجب عليّ أن أعطي كثيرًا من اهتمامي للإستماع وأحيانًا تفوتني بعض الأشياء وآسف على هذه النقطة إذ هناك مسائل ترد ـ مثلًا ـ كلام الأستاذ الجليل أحمد حماني ربما أكثر من ثلاث أرباعه ما سمعته أبدًا رغم كل ضغطي للإستماع، فأرجو أن نصحح هذه النقطة.

النقطة الثانية إننا نحن نعرف الجزائر بالواقعية بالبطولة بالإخلاص ونذكر جهاد الجزائر السلبي والإيجابي عندما قدمت مليون شهيد وعندما سكتت في الفترة الأخيرة أيام مفاوضات إيفيان وكيف صبرت وكيف كرت وكيف صمدت ولذلك نعتبر أن هنا بلاد الواقعية الشجاعة، ثم سمعنا مناشدة من خلال الرسالة التي وجهها سيادة الوزير المجاهد الأستاذ مولود قاسم في رسالته أو في الكلمة التي ألقاها أمس يناشد فيها علماء المسلمين، وأنا صغير من طلابهم، يناشدهم أن يفتشوا عن حلول المشاكل.

فإذًا، هناك مشاكل لا بد من دراستها ومطالعتها، ونحن من خلال هذه المناقشة، ومن خلال جو الجزائر نتحدث بإخلاص وبصفاء كل ما نفهم، ونتمنى أن يسود المؤتمر الجو الموضوعي لا الجو العاطفي ولا الاتهامات الظنية ولا التخوف والحرص على الإسلام كلنا أبناء الإسلام وكلنا حريصون على الإسلام ولا نقبل أن يكون أحد أكثر إسلامًا مني وأكثر وفاءً للإسلام مني وأكثر دفاعًا عن الإسلام مني، وكل واحد منا له الحق أن يعتبر نفسه ابن الإسلام تمامًا ونرفض أي غمزة أو إشارة أو خشية أو تخوف على الإسلام من أبناء الإسلام ومن أبناء بني الإسلام ومن أبناء فقه الإسلام ومن أبناء جهاد الإسلام. ولذلك أتمنى في المناقشات الآتية أن نترك التخوفات، أوروبيين يرغبون في أخذ أحكامنا، كيف نرضى نحن أن نتنازل عنها، من الذي قال لك يا أستاذ أحمد أن نتنازل عن الأحكام الإسلامية ـ أعوذ بالله ـ بالعكس أنت تفتش عن أسباب ومصالح وكأنك تشرع، أنا أترك كل ما تفكر وكل ما يفكر أي عاقل وأقف أمام النص الإلهي، أدرس هذا النص وأفهم منه، وأقف عنده ليس هناك إطلاقًا سبب لهذا التخوف وهذا الشعور هو الذي يجمدنا ويجمد تحركنا ويجعلنا لا نتجرأ على إبراز آرائنا وإبراز أفكارنا فيصبح الأمر جمودًا في جمود، حلقة مفرغة في حلقة مفرغة. نحن جئنا لنتحدث ونجتهد ونفكر ونناقش ونقارع الحجة بالحجة دون أن يكون للعواطف وللشعارات أي مأخذ إذا كانت الشعارات لها أثر فليس هنا في قاعة ملتقى الفكر الإسلامي وفي الجزائر وبدعوة من مولود قاسم وفي مدينة تيزي أوزو، محله مكان آخر.

الدكتور الأستاذ عمر فروخ ذكر كلامًا جميلًا وفكرًا جميلًا أقف عنده أن الربا دليل على فقدان التوازن في المجتمع، ولكن لا أوافقه أيضًا مثل الأستاذ الغزالي على مسايرة أو السكوت أو وقف التأمل أمام الذين سمحوا ببعض الربا في التوسع الاقتصادي وفي الإنتاج هو ما تبين حتمًا ولكن أنا لا أسمح لنفسي حتى أقف متأملًا مع الآيات الصريحة القاطعة في القرآن ضد الربا، وعلى كل حال شاكر رعايته الدائمة.

أستاذنا الغزالي المجاهد القائم الحريص، الأخ الأكبر في أحاديثه عدة نقاط تختلف مع رأينا، بعض التصحيحات بالنسبة للفرق بين الصيام والقصاص وبين العبادات والمعاملات ربما أنا أيضًا أؤكد لمولانا الغزالي أنه لا أفرق بينهما كلها أحكام الله وكلها إطار واحد ولا يمكن أن نفرق بينها ولا تفاوت إلا في محتويات الأدلة وشكل الأدلة الذي يسمح لنا بالبحث والإجتهاد في البعض دون الآخر، أعني ما فيه هناك تفرقة ـ وأنا أيضًا مصرّ على أن تقسيم الإسلام لأجل الدراسة. سابقًا قسموا الإسلام إلى العقيدة والشريعة، ثم زادوا الثقافة، ثم زادوا الشريعة إلى أقسام؛ هذه التقسيمات لا تخل بوحدة الإسلام، الإسلام إسلام واحد متماسك لا يمكن تجزئة قطعة من الإسلام وبقاؤها مع الآخر، لكن أوافق رأي مولانا الغزالي في اقتراحه أن الأفضل أن نسمي الغيبيات بالإيمانيات، أنا موافق ـ يعني أقبل هذه النصيحة الكريمة، إنما أنا أحببت أن يكون قاسيًا في التعبير لأني أنا متحمل كل المسؤوليات الإيمانيات.

بالنسبة للفرق بين الإجتهاد والتشريع أشار مولانا الغزالي بأنه اليوم في مجلس النواب إذا تبنوا بناء جسر أو مستشفى وخاصة إذا كانوا ذوي نية حسنة هذا ليس فيه مانع وأكمل وتوج حديثه بقول الرسول (ص): "أنتم أعلم بشؤون دنياكم"، أنا أتصور أننا إذا مارسنا شؤون دنيانا بأمر من الرسول ففي الحقيقة بالشكل غير المباشر إلتزمنا الخط الغيبي. الخط الإيماني يعني ما خرجنا عن طاعة الأمر بصورة غير مباشرة وإلا فأنا أتصور تشريع بناء جسر أو مستشفى أو أكثر من هذا بناء مسجد إذا لم يكن على أساس غيبي فهو تشريع وحكم بغير ما أنزل الله. علينا في مدى تطويل باله في خمس وسائط أو ست وسائط أن نستند وأن نسند حكمنا إلى الإطار الإسلامي إلى الإطار العام الغيبي، في الوقت الذي يقول النبي (ص): أنتم أعلم بشؤون دنياكم ففوضني في وضع تدابير فأصبح شيء مستند إلى الحكم النبوي ما أمر لا إجتهاد مع وجود النص أوافق ولا يمكن أن نقبل بالإجتهاد في موضع النص ولكن الكلام في فهم النص، ومن باب المثل نقف عند موضوع الحديث بالذات: ﴿وإن خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء﴾ [النساء، 3]، شبههم مولانا الغزالي بالآية الكريمة: ﴿لا تكرهوا فتياتكم على البغاء أن أردن تحصنًا﴾ [النور، 33] وهو أجل من أن ينسى ما يقال في علم الأصول أن هناك شروطًا تهيئ الموضوع للحكم مثل قوله "إن رزقت ولدًا فاختنه" مفهوم الشرط غير موجود هنا، إن لم أرزق ولدًا لا موضوع للختان حتى يقول أختنه أو لا تختنه، أو إن جاء الأمير فأكرمه إذا لم يجئ ما فيه حتى أكرمه، فيه شروط صريحة في وضع الموضوع لا مفهوم لها وفي الشروط الصريحة في الشرطية لها مفهوم، فيه شروط متشابهة مثل الآية الكريمة: ﴿وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء﴾ [النساء، 3]، فإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى ليس موضوعًا. فأنا أقف أمام هذا الشرط بتردد قد أفهم منه تقييد الحكم وقد أفهم منه حلًا للموضوع، وذكرت رأيًا في كلا الحلين وما ذكرت من أن هناك دولًا حرّمت التعدد وأباحت الزنا بشكل مباشر أو غير مباشر كل هذا كلماتي سليمة منه، وأنا أتمنى أن هذه المساعي والحرص على الإسلام تتجسد في مجموعة، في هيئة، في مؤسسة، في موقف يصون الحكم الإسلامي يأخذ برخص الإسلام كما يأخذ بمحرمات الإسلام وواجبات الإسلام وبصفة دائمة، هيئة تكلف بدرس إمكانية الاستفادة من رخص الإسلام في كل مكان وإلا مفاسدها كثيرة وأكثر مما قال الأستاذ أحمد أكبر بكثير خطر بالفعل إذا أردنا أن نميع الأحكام الإسلامية أو نضعِّف ـ أعوذ بالله ـ ولكن المفروض أن هذه الأمور تستند إلى مؤسسات أمينة وعلماء وعدل فذ وفقه وتقوى وتمسك حتى يتمكن من القيام بواجبه.

بالنسبة للتعدد والتقيد وعدم تقيد الزواج، مولانا الغزالي يقول لم يقل أحد إلا المرحوم الشيخ "محمد المدني" رحمة الله عليه، أنا أتصور أنه لم يقل بها أحد يعني ما رأينا أن يقول به أحد، لا أنه مُنع عنه أحد، وهنا الفرق بين الاجتماع السكوتي مثل ما يقوله الأصوليون أنهم سكتوا فالسكوت لا يدل على النفي وخاصة الظروف الاجتماعية والحالات الخاصة كانت تساعد على ذلك. على كل حال أنا غير مصر بما قلت وإنما أطرحه للدرس والبحث. فيما يعود إلى الأدلة في بداية الحال وبعد دراسة عندي أخذت أكثر من ثماني سنوات، أنا اليوم مقتنع بهذه الفكرة أن حكم تعدد الزواج ليس حكمًا مطلقًا ولكن حكم في حالات ممكن تكون الحالات كثيرة وكثيرة جدًا ولكن ليست حكمًا مطلقًا هذا المفهوم. لكن الأستاذ أحمد يذكر المفاسد قد يشرع فليشرع هو وحده، نحن متمسكون بمفهوم النص.

بالنسبة للمصادرة والتأميم أيضًا معه في إسناد ذلك إلى هيئات أمينة. ولكن أسأله في حالات حربية ـ مثلًا ـ الدولة بحاجة إلى أن تفتح خطًا استراتيجيًا في جبهة معينة تسلح نقطة معينة في هذا البيت، الحرب تتطلب ذلك، صاحب البيت ما يقبل مثل قضية "ضرار"، مثل قضية "سمرة بن جندب" قصة معروفة أنه كان له جذع نخل في بيت واحد من الأنصار فكان يدخل في البيت دون إذن ويخرج فيزعج ويقلق أصحاب البيت ويمنعهم عن الراحة والتستر، فشكا الأنصاري أمره إلى رسول الله (ص)، فاستدعى "سمرة" وقال له: أريد أن أشتري منك هذه النخلة فرفض، بضعف الثمن رفض، أعطيك شجرةً في مكان آخر رفض، أعطيك عشرة رفض، أعطيك بستان نخيل في مكان آخر رفض، دخل في منطق آخر قال له رسول الله (ص): أعطيك شجرة في الجنة رفض، أعطيك بستانًا في الجنة رفض، قال له: يا أنصاري إذهب واقلعها وإرمِ بها وجهه فإنه رجل مضار ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام.

إذًا، اليوم نحن نريد أن نأخذ هذا البيت، نريد أن نصحح أوضاعنا ومجتمعنا، مجتمعنا فيه انفجار فيه مشاكل ـ طبعًا أفكار أمينة ـ فطالب الرجل، بِعْ بيتك لا يبيع، فنأخذه منه لمصلحة الوطن وندفع له الثمن كالبيع في ساعة المخصمة. ولكن إذا لم يكن هناك من مال نصادر، مثل الضرائب غير الزكاة نحن السُنّة تؤكد لنا أنه في كثير من الأيام وخاصة في أيام الإمام "علي" وضعوا زكاة على فرس على رأسمال على بعض الأمور الخاصة، فهذا النوع من أخذ المال لا نسميه مصادرة نسميه ضريبة لا يمنع.

بالنسبة للطلاق مبادىء عامة أؤيدها يعتمد على وضع الإخلال في المجتمع ولكن بالنسبة لتقييد الطلاق أو تفويض الطلاق عندي رأي وأقف عند النص ولا أتجاوزه. الحديث المستفيض يقول: المسلمون عند شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا، وهذا معناه معارضة الإطلاق لا معارضة الحكم فأنا واقف عند رأيي في هذا النوع.

أما بالنسبة للزكاة، النبي (ص) كان يوصل الفترة، أسلوب كريم كان يمارسه الرسول (ص) لنا ﴿في رسول الله أسوة حسنة﴾ [الأحزاب، 21] لكن نحن نفرق أن ما مارسه الرسول كما كان يقول مولانا أبو زهرة أول أمس على ثلاثة أقسام، قسم من ممارسات الرسول تنفيذ الأحكام الإلهية هذا إطاعة الله فيه، وقسم من ممارسات الرسول شؤون الولاية كحاكم كان يمارس وينظم صفوف الجهاد، يعمل طريقة لبناء البلد، يقدم اقتراحات للناس؛ شؤون الولاية شؤون الحاكم هذا لا ينفذ إلا في حالات مشابهة قد يكون في أوقات أخرى يجب أن نأخذ برأي آخر. ونوع ثالث من الشؤون العادية التي لا بحث فيها، فالنبي (ص) في بلد صغير مثل المدينة كان يعرف الفقراء واحدًا واحدًا ويد النبي كان فيها تكريم للمسلم الذي يأخذ من يد النبي يختلف عن اليوم، اليوم أقل بلد فيها عشرات الألوف من الناس، الفقراء غير معروفين عن غيرهم، الناس يحتالون لأخذ الزكاة، هنا يصير نوع من التدخل والبلبلة والمشاكل والحرج فيه صعوبات فنقول إلى جانب الأسلوب الذي مارسه النبي (ص) بالنسبة لإعطاء الزكاة يمكن ممارسة أسلوب آخر بالنسبة لنوع الزكاة.

أما ما ورد ـ طبعًا ـ هذا القسم الذي سمعته وغير ذلك، أنا موافق وأستاذنا الغزالي هو نبع نستفيد منه ونتمنى أن نجلي أفكارنا في ضوء إيمانه المجاهد الكبير.

ما يقول مولانا الأستاذ أحمد آسف أن قسمًا كبيرًا منه ما سمعته إلاّ كلمات أستغربها مثلًا ـ يقول أن الآية صريحة لأن هناك أمرًا: ﴿فانكحوا ما طاب لكم من النساء﴾ [النساء، 3] يا مولانا هذا في علم الأصول يقولون الأمر في مقام توهم الحاضر وغير ذلك لا يعطي معنى الأمر وإلا ما أحد يقول واجب الزواج المتعدد، لم يقل به أحد. فالصراحة ما تأتي من قضية أمر ﴿انكحوا﴾ وإنما كما تقول صريح في التعدد، لكن المشكلة مشكلة الشرط، هل هذا شرط أو عرض مشكلة لمعالجة إنسان، ثم استعراض لبعض الصور ضرورية للتعدد مثل موقف والدته "لطيفة" رحمة الله عليها، وأنا أيضًا جدتي مارست نفس العمل سمحت لجدي بالزواج وهذا الشيء شائع بين المسلمين، بين الصالحات الكريمات من المؤمنات. ولكن الكلام من المبدأ العام، هذه حالات خاصة، نحن لا خضوعًا عند رغبة النساء وإلا النساء طوّل عمرهن كن معارضات تعدد الزواج ولا خضوعًا أو ضعفًا أمام التيار الغربي بل دراسة للإطار الإسلامي المحض، هل يمكن أن نستصدر منه حكمًا أو شرطًا لا أكثر ولا أقل؟ ولا يحق لنا أن نشرع ونأخذ بالأسباب لأن عدد النساء أكثر أو تعمل هكذا، هذا لا يهم، المهم النص. ثم بالنسبة للقاضي والقصص التي نقلها عن قاضي الشرع، أنا أجله عن البحث في هذه المسائل، لا يقول أحد أننا نختار القاضي كما يمكن قضية الزواج من أبسط القضايا التي تعرض على القاضي، إذا أردنا أن نشك في قاضي الشرع فيه هناك قضايا أكثر بكثير من هذه النقطة، علينا أن نهيئ القاضي الصالح، ثم فيه طريقة ثانية توكيل الحكمين كما قلت، توكيل مرجع البلد، عالم البلد، مفتي البلد، سمه ما شئت حتى يخرج الطلاق من الإحتكار لا نخرجه غصبًا عن الزوج بل نأخذ منه الوكالة، هذه نقطة. بعد هذا تدخل القاضي في شؤون العصمة وأن القاضي لا يحق له أن يتدخل، وأمثال ذلك، هذه مسائل ما وردت في كلامي لأني أنا قلت إذا قلنا ضمن العقد شرطًا يقول عندما طلق الزوج زوجته دون مبرر شرعي فعليه أن كذا... أو ينفق كذا... ما أحد يمنعني عن الطلاق، أنا زوج أطلق ولكن القاضي إذا وجد أن الطلاق دون مبرر يلزمني بدفع الغرامة، وهذا الشيء لا دليل على منعه وحرمته. ومؤخرًا كيف يقول هو يمنع تدخل القاضي في هذه الشؤون فهو كما نقل عن المذهب المالكي يسمح للقاضي إذا أضر الزوج بها أن يطلق، هو نقل هذه القصة، هذا دون شرط مسبق، ومؤخرًا أسعدنا جميعًا كلامه بأن الأوروبيين بدأوا يتجهون نحو الأحكام الإسلامية ويميلون إلى تعدد الأزواج، هذا شيء نرحب به، ولكن نخشى أن قول هذه المسائل ونقلها يكون نوعًا من عدم توضيح الواقع مثلما حصل في أفريقيا، كنا نسمع الناس يدخلون في الإسلام في أفريقيا أفواجًا وأفواجًا وفي كل سنة ملايين، وينقل أحد المستشرقين الكبار "ماسينيون Massignon " في كتاب "سنوية العالم" الإسلامي يقول: في سنة 54 دخل في الإسلام في أفريقيا ستة ملايين شخص، هذا يجب ألا يغشنا، إن إسلام أفريقيا عايشته أنه كيف كان إسلام أفريقيا، إسلام بشكل غريب ـ يعني ـ معلومات أحيانًا يجب أن ندقق فيها حتى لا يكون فيها غش، وعلى كل حال ـ شاكر هذه الملاحظات الكريمة، وأنا على استعداد لمتابعة الموضوع.

والسلام عليكم


تعقيب الأستاذ إدريس الكتاني
أستاذ بجامعة الرباط (المغرب)


بسم الله الرحمن الرحيم

أقترح أن يجعل لنا فترة إستراحة في منتصف فترة الصباح وكذلك في منتصف فترة المساء لأن الحصة إذا طالت أكثر من ساعتين فإن الفكر يمل وقد أصبحنا نستمع ولكننا لا نصغي من حيث النظام علينا أن نستمع إلى 13 محاضرة كلها تتعلق بروح التشريع الإسلامي وواقع التشريع اليوم في العالم الإسلامي، 13 محاضرة على الأقل، عشرين معقب لكل محاضرة هي إذًا مائتين وستين تعقيبًا. فإذا أضفنا إليها الرد على التعقيب، والسادات المحاضرين تبارك الله ـ لا يبخلون بالرد على كل كلمة وكل فكرة عند المعقب، إذًا، يصبح عندنا أربعون ما بين المعقب والرد على المعقب زيادة على المحاضرة أربعين تدخل وبعض التعقيبات هي عبارة عن محاضرات مستقلة تمامًا، أعتقد أن المؤتمر الإسلامي هذا يختلف عن بقية المؤتمرات الإسلامية المنعقدة في الشرق بين العلماء وحدهم في قاعات مغلقة، أمامنا ألف ومائتا طالب أغلبهم من سنوات نهاية التعليم الثانوي، على السادة العلماء والأساتذة أن يقيموا الحساب لهؤلاء الطلبة في عروضهم فأعتقد أنه ليس من واجبنا أن ندخل في مناقشات لا نهاية لها بالموضوعات الأكاديمية العلمية بالتشريع الإسلامي لأنها بالنسبة إلى الصفوف الأولى صفوف الأساتذة هي وظيفتنا، هي علمنا اليومي ولكنها بالنسبة إلى هؤلاء الطلبة أعتقد بأن علينا أن نعمل على أساس تكوينهم وإعدادهم وخروجهم بعد العشرة أيام بفكرة واضحة عن الموضوعات التي نتناولها، لذلك كنت أفضل أن توزع الثلاث عشرة محاضرة التي تتناول موضوعًا عامًا كبيرًا وعظيمًا ومشعبًا وهو التشريع الإسلامي أن تقسم محاضرتان ـ مثلًا ـ في موضوع واقعنا في ميدان الأحوال الشخصية وواجبنا في إصلاح قوانين الأحوال الشخصية انطلاقًا من روح وأصول الشريعة الإسلامية، محاضرتان فقط تجمعان مع التعقيبات والردود على التعقيبات كل ما يتعلق بالموضوع وهكذا محاضرتان في ميدان القوانين والتشريعات المتعلقة بالمعاملات المالية والتجارية، محاضرتان في علاقات العمل بالعمال، محاضرتان في ميدان المعاملات الزراعية، محاضرتان في ميدان المعاملات العقارية، محاضرتان في ميدان الضمان الاجتماعي وكل ما يتعلق به … وهكذا، إذًا هذا عدم التوزيع هذا سيجعلنا نقع في تكرار الموضوعات وتكرار الأفكار وتكرار التعقيبات والمحاضرات والمحاضر الواحد يتنّقل بنا عبر ما جاء في الفقه الإسلامي كله، من العبادة إلى التشريعات المتعلقة بالأسرة، من الرق في الإسلام إلى المرأة في الإسلام، إلى الصدقة في الإسلام إلى المعاملات الأخرى في الإسلام، وهكذا نجعل هؤلاء الطلبة يقومون بسياحة في الفكر الإسلامي عبر كل ما قيل في هذا الفكر في ميدان التشريع وهذه السياحة مع الأسف ليست على الأرجل أو على السيارات ولكنها سياحة بالطائرة حيث يطلون على ما هو موجود، ثم يقفزون إلى موضوع آخر ثم إلى موضوع آخر... وأعتقد بأننا بهذا المنهج لا يمكن أن نتعمق في موضوع واحد معين أو أن نخرج منه بفكرة محددة واضحة، لذلك فأنا كما أتصور أن الموضوع كما وضعته وزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية وكما نحس به نحن في شعوب المغرب العربي حيث تشريعاتنا خضعت خلال قرن أو أكثر من قرن أو أقل من قرن في أقطارنا لتحكم الإستعمار الغربي، وحيث لم نستطع خلال فترة استقلالنا أن نغير هذا التشريع تمامًا، وحتى بالنسبة إلى العالم العربي والإسلامي فإنه لا يمكن أن تدعي دولة بأن تشريعاتها خاضعة للواقع في تشريعاتها الحالية في أي ميدان من الميادين ابتداءً من ميدان الأحوال الشخصية وهي على ما يرام. إذًا، نحن في حاجة أولًا إلى أن ننطلق من الوجهة المنهجية إلى أن ننطلق في أبحاثنا بالنسبة إلى المحاضرين ابتداءً من واقع التشريع الإسلامي اليوم في مختلف الميادين لنأخذ صورة عما هو موجود عندنا أي أن نبدأ من الجزئيات ـ معينة ـ في هذا التشريع، ثم ننتقل إلى المرحلة الثانية هو ما يجب علينا أن نعمله في إصلاح هذا التشريع؟ ما هي الأسس التي ينبغي أن يقوم عليها إصلاحنا انطلاقًا من روح الشريعة الإسلامية ومن أصول التعاليم الإسلامية واعتبارًا لأوضاعنا الاجتماعية المتخلفة.

كنموذج لما كنت أتمنى أن يكون ـ مثلًا ـ نأخذ الأحوال الشخصية لا توجد دولة عربية أو إسلامية يوجد فيها تشريع مثالي في هذا الميدان، لأننا نقرأ في صحف هذه البلدان قاطبة في أخبار الجرائم، وأنا أهتم عندما أريد أن أدرس شعبًا عربيًا أو إسلاميًا أبدأ بصفحة الجرائم لأرى عقلية الشعب من خلال جرائمه، دخلت منذ سنتين إلى عاصمة عربية كبرى وإذ بي أقرأ في صفحة الجرائم شخص قتل أخته بعد أن عاشت مع زوجها سنة كاملة في حياة سعيدة، قتلها لأنها تزوجت بخاطفها -الذي اختطفها- قبلت التزوج بخاطفها فهو دفاعًا عن الشرف قتلها، الأغرب من ذلك ليس هو الحادثة، هو الحكم، التشريع الموجود في هذه الدولة قالت الجريدة "حكمت المحكمة على الأخ بعد أن استمعت إليه قال أن أخته اختطفها رجل، وسألت بعد ذلك فعرفت أن المختطف عندما اختطفها احتفظ بعفتها وشرفها حيث وضعها عند أمين عند رئيس محترم، وضع يده عليها ثم ذهب لخطبتها ليجعل أهلها أمام الأمر الواقع، وبعد أن تزوج بها سنة كاملة قال الأخ القاتل: أنه كان بصدد الدخول عند أخته فعيّره أطفال الزقاق بأن أخته تزوجت بخاطفها فذهب وقتلها، جاء في نص الحكم، حكمت عليه المحكمة بالإجماع سبع سنوات سجنًا وجاء في نص الحكم أن الجريمة تعتبر عادية ولا تخل بالشرف؟ أنا صُدمت، جريمة قتل تعتبر عادية ولكنها لا تخل بالشرف لماذا؟ لأنها تتلاءم مع التقاليد والأعراف الموجودة في البلد، سبع سنوات سجنًا فقط. إذًا، أوضاع الأسرة في هذا البلد بعد أربعة عشر قرنًا من الإسلام لا تزال تتحكم فيها بعض الأوضاع من العهد الجاهلي أو مما قبل العصر الجاهلي وحتى التشريع خضع لقبوله واعترف بهذا الحق، حق القتل دفاعًا عن الشرف، أو ما يعتقدونه شرفًا، قال لي أستاذ في جامعة هذا البلد أغرب من ذلك رجل قتل أخته لأنها اختلت بزوجها العاقد عليها قبل ليلة الزفاف. زوجها عاقد عليها بصداق تام ولكن الزفاف لم يتم بعد، اختلت بزوجها الشرعي القانوني العاقد عليها اختلت به قبل ليلة الزفاف، فقام أخوها وقتلها، هذه حادثة أخرى وقعت. إذًا، انطلاقًا من الجزئيات في تشريعاتنا ننطلق إلى ما هو الحكم الإسلامي، مثل آخر قطع يد السارق، شبابنا هؤلاء يقفون حيارى أمام قطع يد السارق الذي يسمعون عنه في بعض الأقطار الإسلامية ويقرأونه في القرآن: ﴿والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالًا من الله﴾ [المائدة، 38] كيف تقطع يد السارق الفقير الذي سرق للحاجة، على المحاضر أن ينتقل من هذه الجزئية ويقول لا مشكلة لهؤلاء الشباب وللملايين من أمثالهم في عالمنا، لا مشكلة اطلاقًا. السارق اليوم في عالمنا، في أقطارنا المختلفة الذي يسرق للحاجة لا تقطع يده، "عمر بن الخطاب"، "عمر بن عبد العزيز" لم يقطعا أيدي السارقين في عام المجاعة، عام الرمادة وأسقطا هذا الحد لأن السارق الذي يسرق للحاجة لا تقطع يده ولأن التشريع ينتقل من الجزئية إلى الكلية، ما هي الكلية؟ أحكام الإسلام كل لا يقبل التجزئة، لا يسوغ لأي حكومة تمنع الزكاة ولا تفرضها ولا توزعها على أصحابها ولا تقوم بمسؤوليتها تجاه الفقراء والمساكين، لا يسوغ لها أن تقطع أيدي الفقراء الذين يسرقون للحاجة، فالإسلام الذي شرع الزكاة هو الإسلام الذي أمر بقطع يد السارق ولكن في تشريع متكامل كل لا يقبل التجزئة، ولذلك يقول الله تعالى، كما ذكر الأستاذ: ﴿أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض﴾ [البقرة، 85] هنا الله تعالى ينهي في التشريع لأنه كثير من الأحكام تطبق لأنها واجبات عندنا، وكثير من الأحكام التي هي واجبات على الحكومات ومسؤوليات على الحكومات لا تطبق لأنها تهمل. فإذًا، نحن ما نعتقد بأنه نقص في التشريع الإسلامي أو خلل أو عجز في ميادين كثيرة من التشريع الإسلامي، فالحقيقة، ليس نقصًا وإنما التشريع الإسلامي عليك أن تأخذه كله أو تتركه كله، أما إذا أخذت البعض وتركت البعض فهنا يحصل الخلل في التوازن ولا تظهر فلسفة روح الشريعة الإسلامية، في هذا التكامل وهكذا نجد على أنه من خلال الجزئيات التي نتتبعها في واقعنا لأن الدراسات النظرية شبعنا منها، نحن في حاجة إلى دراسات تطبيقية عملية متطابقة مع واقعنا، أنا في اعتقادي لا يوجد أي مشكل في التشريع الإسلامي كل ما قاله السادة العلماء حق، ونحن نسعد بسماعه لأن المنهجية تفرض علينا أن نتتبع طريقة من أجل تبليغ أفكارنا إلى هؤلاء الشباب ونجعلهم يستفيدون مما نقول. وثانيًا أن نحافظ على وحدة الموضوع لأن وحدة الموضوع غير موجودة، نحن ننتقل في التعقيب وفي الرد على التعقيب، وفي المحاضرة ننتقل عبر عشرات من الموضوعات وإن كانت تدخل كلها، مع الأسف تحت إسم عام هو: التشريع الإسلامي، ولكن التشريع الإسلامي يتناول عشرات ومئات الموضوعات، ولهذا أقترح أن نهتم من الناحية المنهجية والموضوعية في أبحاثنا بأن يوجزوا هم أيضًا في ردودهم، فليس من الواجب أن نرد على كل معقب إذا كان الأمر سهلًا ولا مشكلة هناك فلا حاجة إلى الإعتراض.

وشكرًا لكم.

تعقيب الأستاذ الشيخ سليمان داوود بن يوسف
بحاثة جزائري في التاريخ


بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الجمع المبارك،
ها أنا أقف أمامكم وقد مللتم الاجتماع وسئمتم الجلوس ولكن الله قضى عليَّ أن أكون آخر المعقبين، وإن شاء الله ستصغون إليّ بكل اهتمام، ولتسمحوا لي إن أقلقتكم بخمس دقائق.

إن المحاضرة القيمة التي أتحفنا بها فضيلة الإمام موسى الصدر كانت في غاية ما يكون، وكنا في حاجة إلى سماعها حتى ظننت واعتقدت أن ما ينسب للشيعة من التقية مبالغ فيه فإنها صريحة إلى أقصى حدود الصراحة جزاه الله عن الإسلام خيرًا. ما كان لي أن أتكلم أو أعقب بعدما سبقني من المشايخ العظام علماء الإسلام أو ما سمعنا منه فكفاني أنني شطبت مواضيع ونقطًا متعددة فيها ملاحظات كفاني المؤونة المشايخ الذين سبقوني إلا أن أرفع التباسًا يجب عليّ خصيصًا أن أقوم بهذا الموقف، ذلك أن كثيرًا من الناس يزعمون أن الخوارج ومنهم الإباضية وأنا منهم ضد الشيعة أو مخالفوهم، لا والله!! أريد أن أرفع هذا الإلتباس فإنني لم أجد بين الإباضية والشيعة الجعفرية بالخصوص شيئًا فيه التخالف، وخلاصة ما بيننا هي مسألة واحدة، مسألة الخلافة، نحن نقول الخلافة تصلح لكل مسلم، والشيعة كان فيهم من يقول أن الخلافة في ذرية الإمام "علي" كرم الله وجهه فقط، والآن والحمد لله كان بعض علماء الشيعة أدرى أفتوا بهذا، إذًا، نريد أن نعلق على هذا، ثم إنني متفق مع المشايخ فيما كتبوا من أنهم ركزوا إحدى ملاحظاتهم على قوله (ص): "إنما الأعمال بالنيات" وهذا حديث صحيح يجب أن تكون له قيمة وأن تكون له ميزة. كذلك مسألة الشروط في النكاح، نعم الرسول (ص) يقول: "المؤمنون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا" فنحن الإباضية الآن في الجزائر نشترط في عقد النكاح شروطًا لكن محددة ليست تشترط المرأة شروطًا، لكن ليس فيها والحمد لله ما يحرم حلالًا أو يحل حرامًا، وأختم كلامي بملاحظة بسيطة إلى الإمام الصدر ـ جزاه الله خيرًا ـ أعطى للحكمين حق الطلاق، الله سبحانه وتعالى مكّن للحكمين حق الإصلاح بين الزوجين والتوفيق بينهما، ولكن رفع قيمتهما إلى أنه حكّمهم حتى في الطلاق، وغفل عفا الله عنه وسامحه، في أن أئمة الإباضية رحمهم الله ضد التحكيم ولم يرضوا بالتحكيم ولم يقبلوا به، فإذا به الآن يريد أن يفرضه علينا أكثر مما منحه الله من التحكيم، وهذا ما يجب أن ننبه عليه الأخ، وأظن أن ما ذكره، قضية التحكيم، أن الإمام "عليًا" كرم الله وجهه قد أُرغم عليه، فهو موافق في جوهر القضية، موافق للإباضية وقد أرغم عليه من طرف "الأشعث بن قيس" وجماعته من اليمانيين لأنهم كانوا جواسيس لـ"معاوية"، وهذا ما أثبته التاريخ الصحيح، ونرجو التنبيه لهذه النقطة، وأما ما يقال بأن الشيعة مع الإباضية ضد الإمام "علي" بل بالعكس هذا غلط فإن الإباضية ممن تحزبوا للإمام "علي" حتى أنهم لم يقبلوا على أن يتنازل عن حقه في الإمامة والخلافة للتحكيم، وهذا ما يجب أن نقوله. واعذروني حفظكم الله وأبقاكم للإسلام وللدين.

والسلام عليكم


تعقيب الدكتور صبحي الصالح
أستاذ الحقوق والشريعة الإسلامية في الجامعة اللبنانية


بسم الله الرحمن الرحيم

إن كلمتي ستدور حول تعبير أصر عليه السيد المحاضر لم أكن أستحسنه منه، وهو عبارة "كرّس يكرس تكريسًا" تلك التي أراد أن يكرسها من غير أن تكون في العربية مكرسة، ومن العجيب أنه أصر ولا أرى على ما استند في إصراره، لأنه اللغوي الكبير الذي طبق أرض العروبة، فقه العربية حتى يقول مصرًا أن الكلمة عربية من أين جاءك هذا يا سماحة الإمام؟ اسمح لي أن أصر، وأنا أقولها لكم جميعًا إبحثوا القواميس كلها، القواميس العربية لا التي تسربت إليها اللكنة الأعجمية، إبحثوا ولن تجدوا كلمة ـ كرّس تكريسًا ولكنها كلمة مسيحية إستشراقية، ربما تجدون كلمة ـ كرّس ـ في المنجد الذي لا ينجد، إسمه منجد وهو في الحقيقة مفاسد، يفسد العربية لأن الذي كتبه أب متشرب بالروح التي تعلمون، صحيح أنه مواطن لي في لبنان ومواطن لأخي سماحة السيد الصدر ولكن هذا لا يمنع أن تلك المعجمات الحديثة المتأخرة التي كُتِبت أو أُلِّفت في لبنان اشتملت على كلمات حرفت أصل العربية ولو أن التحريف اكتفى به عند الدائرة اللفظية لهان الأمر، لكن من المؤكد أن لتسرب تلك الكلمات ذوات الأصول المسيحية وذوات التأثرات الإستشراقية لتأثيرًا كبيرًا في حياتنا العربية وفي حياتنا الإسلامية، لذلك أغتنم الفرصة لأوضح حقيقة هذا المفهوم اللغوي، لا اغتنامًا لها بسبب كوني أستاذًا لفقه اللغة في الجامعة اللبنانية ولكن لما يترتب على هذا التوضيح من أثر في إنقاذ الموقف إما سلبًا وإما إيجابًا من حيث إمكان أن نقول ـ كرّس الدين شيئًا أو ليس في الممكن مثل هذا التعبير.

أصل العبارة يا إخواني، (الكرز) المادة الثلاثية ـ لا مؤاخذة ـ سأبسط التعبير ليفهم إخواني الشباب بالدرجة الأولى، الكرز مادة ثلاثية مستخدمة في التعبير المسيحي لدى ترجمة التعابير الآرامية والإغريقية لمادة تفيد معنى الفرز مع التثبيت، تفرز أولًا ثم تثبت ثانيًا، ثم ما لبث هذا اللفظ أن استخدم في تعبير فوق الثلاثي، فقيل: كرز يكرز تكريزًا. وأنتم تعلمون أن زيادة المبنى أمارة على زيادة المعنى، فكان في التكريز مزيد من الفرز والتمحيص، ثم مزيد من التأكيد والتثبيت، وإذا بالقوم ـ ولا سيما في لبنان ـ بعد أن تأثروا بوجه خاص بالثقافة الفرنسية التي لا يستطيع التخلف عن التأثر بها إنسان واحد في لبنان، أنا من حيث أشعر أو لا أشعر لا بد أن تتسرب كلمات من الثقافة الفرنسية إلى لساني كغيري لأني لبناني، لأننا عشنا هذه الثقافة الفرنسية ـ مع الأسف ـ عيشة أكثر مما يجب أفسدت علينا أحيانًا كثيرة طرائق تفكيرنا، كما أنها قد تكون أفادتنا بعض الفوائد ـ فمثلًا ـ بات المسلمون في لبنان يستخدمون أسوة بالمسيحيين كلمة: التكريز التي لم تكن إلا ترجمة لكلمةConsacrer quelque chose (كرّس من هنا جاءت محرفة مرتين، مرة عن أصلها اللغوي لأن أصلها لم يكن هكذا، ومرة بطريقة فونيتيكية لفظية فليولوجية لا علاقة لها بأصل الكلمة، لا حضاريًا ولا لغويًا ولا تاريخيًا ولا فلسفيًا ولا اصطلاحيًا، لأن كلمة Consacrer quelque chose ليست تعني أكثر من تجمع جهود، وحشد طاقات، وهي لا تعني بحال من الأحوال المعنى التكريسي اللاهوتي المسيحي البونتيفيقي كما يقولون ـ على طريقة الدراسات البونتيفيقية المعروفة في روما وفي قلب الفاتيكان. تقولون لي كيف حصل التحريف، أقول لكم بمنتهى البساطة: أولًا كرز، الزاي يمكن أن تختلط بصوت صفيري مهموس مع (س) وهذا كثير، وأذكركم على سبيل المثال بنكتة معروفة في أدبنا العربي، فلقد اختلف رجلان في الصقر، أهو (بالصاد) أم ـ السقر بـ (السين)، فمر بهما رجل ثالث فحكموه، فقال لا الصقر بـ (الصاد) ولا السقر بـ (السين) ولكنه الزقر بـ (الزاي)، فقال المعلقون: أن لغة ثالثة نشأت من لغتين تداخلتا، وكم تداخلت هذه الكلمات ونظائرها، الآن كنا في كرْز فأصبحنا في كرَز، فانتقلنا من كرز إلى كرس، وانتقلنا من كرس إلى التكريس، وقد يأتي من ينقل العبارتين إلى (لتقريص فيجعل الكاف) قافًا ويجعل الزاي والسين (صادًا).

وأريد أن أقول لكم أن كلمة Concacrer الفرنسية قريبة جدًا كما تسمعون بآذانكم من كلمة (كرس) ولكن قدّم شيء وأخّر آخر، وكم في الفرنسية من عبارات ربما أُخِذت من العربية وكم في العربية من عبارات ربما أُخِذت من لغات لاتينية ومن لغات أنجلوساكسونية، ربما تقولون مع ذلك أن القضية شكلية ـ سامحوني ـ ليست شكلية كل عبارة يمكن أن يساء فهمها تمضي بنا إلى معنى اصطلاحي، كل اصطلاح لا يدقق فيه يفسد الصورة، يخرب الإفهام، يورد الغموض، يضيع الأهداف، ولذلك أعتبر أن رجلًا كالإمام الصدر ليس له بحال من الأحوال، وهو يستطيع أن يدقق ولو أنه غير عربي في الأساس، يستطيع أن يدقق فيعبر تعبيرًا بصدد تعلم العربية يجعل أقرب إلى العربية لمجرد أن يعرفنا بأن المسألة تعود إلى مزيد من التدقيق حتى تكون شخصيتنا أصلية.

مثل آخر يا إخوان، عندما نقول أن للمصطلح مثل هذا التعبير يمكننا أن نفهم لماذا نستبعد أيضًا تعبيرًا جرى على لسان أخينا الأستاذ الصدر عندما قال عن شخص الرسول "محمد" (ص) أنه كان شخصًا مقدسًا؟ هذا تعبير غير إسلامي، "محمد" ليس مقدسًا، الله هو القدوس العليم، لله فقط هذا التعبير ما معنى القداسة؟ أيضًا تسرب إلى أخينا الصدر هذا التعبير من أثر التعابير المسيحية الشائعة في ديارنا فكان فيه إقصاء للمعنى الأصيل الذي لا بد أن يكون إسلاميًا، من أجل هذا وليس ذلك مني رغبة في التعليق لمجرد التعليق، أود أن أقول لكم يا إخواني، علينا أن ننتبه إلى كل لفظ من ألفاظنا، فأمامنا شباب يريدون أن يسمعوا منا أشياء تتعلق بصميم فكرنا وبعبارة واضحة حتى لا يكون في كلامنا شيء من الغموض، ولو كان الوقت متسعًا لذكرت أشياء أخرى، ولكن أتركها لمناسبات أخرى.

والسلام عليكم

تدخل السيد مولود قاسم نايت بلقاسم
وزير التعليم الأصلي والشؤون الدينية


بسم الله الرحمن الرحيم

إخواني الأعزاء، أقول لكم هنا ما قلته في السنة الماضية في البداية، ولكنه نفع، هنا أظن أنه لا ينفع ـ مع الأسف ـ يؤسفني جدًا ما قاله منذ حين الدكتور صبحي وهو المجاهد الذي نعرفه منذ القديم، منذ أكثر من ربع قرن ربما، على الأقل نحو ربع قرن من بعيد من دون أن نلقاه شخصيًا ولكننا نسمع باسمه ونعرف كثيرًا عن نضاله في وسط العمال الجزائريين والتونسيين والمغاربة والمسلمين عمومًا في فرنسا عندما كان يدرّس ـ الدكتور صبحي الصالح كان يذهب إلى المقاهي ويلقي محاضرات هناك، ويختلط بعمالنا في مقاهيهم وفي فنادقهم المهلهلة الوسخة الفقيرة في الأحياء المنعزلة الضيقة... إلى آخره، ولكن هنا يؤسفني جدًا وعميق الأسف أن أقول له أنك أخطأت الخطأ الأكبر، وهنا أعود إلى الموضوع.

أولًا: بخصوص كلمة (كرّس) نحن نعرف كلنا أن كلمة (كرّس) كلمة أوروبية، كلمة لاتينية، ثم بعدما تسربت إلى اللغات الأوروبية الحديثةConsacrer un prêtre تعيين إمام كما نقول نحن أو تنصيب إمام un tel a été consacré prêtre يعني ـ فلان نصّب قسيسًا، هذا هو المعنى، ولكن له معنى آخر غير ديني يقولون un terme consacré: un tableau noir c’est un terme consacré سبّورة سوداء، معناه: اصطلاح شائع الإستعمال، اصطلاح عام الإستعمال، هذا هو، وهذا موجود في اللغة اليومية، وفي المجلات وفي الجرائد بل وحتى في الكتب، يقال تكريس الجهود، ويقال هذا اصطلاح مكرس، استعمال موجود قد كان في الإمكان ربما أن يجد الإنسان اصطلاحًا عربيًا صميمًا، ولكن لا ننسى أن في القرآن كلمات فارسية ويونانية ـ أظن فيما قيل لي ـ وقد حفظت القرآن وفي عمري تسع سنوات ـ وأرامية، وعبرية، ونحن نقول في الصلاة كل يوم آمين، آمين، وكلمة آمين عبرية... إلى آخره، هنا أيضًا أقول ما قلته للأستاذ الزرقاء أن نهتم بالجوهر وألا نبقى عند هذه الألفاظ، عند هذه الشكليات وألا نخرج عن الموضوع، هنا المحاضرة في التشريع والتعليقات في التشريع وليست في اللغة، الرجاء ألا نخرج عن الموضوع، الرجاء... الرجاء.

أما بخصوص الخطأ الأكبر الذي وقع فيه الأستاذ الكبير المجاهد الدكتور صبحي الصالح، فهو عندما قال: إن الأستاذ الإمام موسى الصدر في أصله غير عربي، هذا خطأ فظيع شنيع كبير لا يغتفر لمثل الأستاذ الجليل، لمثل الأستاذ المجاهد الكبير، شيء غريب ـ طبعًا ـ الإنسان غير منزّه عن الخطأ، نحن ليس أحد منا معصومًا، والرسول (ص) وهو المعصوم قد يرجع إلى رأي غيره ويعدل عن رأيه في شؤون الدنيا، تعرفون هذا في تاريخ إحدى الغزوات، أظن غزوة "أحد"، من الذي لم يقع في الخطأ؟ وسبحان من لا يخطىء ولا يضل! ولكن هناك أخطاء صعبة جدًا خاصة عندما يكون صاحبها لا يُنتظر منه ذلك الخطأ الدكتور صبحي الصالح، نحن هنا، وهذا الملتقى اسمه ملتقى الفكر الإسلامي، نحن هنا كمسلمين ليس كعرب، وأنا أقول للأستاذ الدكتور صبحي الصالح أنه وهو العالم الجليل يعرف جيدًا أن صاحب الكتاب الذي وضع النحو العربي ليس عربياَ، لم يكن عربيًا، "سيبويه" قريته في أزبكستان، ولا تزال تحمل نفس الإسم، ويعرف أن "الزمخشري" صاحب الكشاف ليس عربيًا، يعرف أن "الغزالي" صاحب الإحياء ليس عربيًا، يعرف أن "ابن سينا" لم يكن عربيًا، يعرف أن "الفارابي" لم يكن عربيًا، أن "النسائي" و"الترمذي" وكذا... وكذا لم يكونوا عَرَبًا، و"البخاري" العظيم لم يكن عربيًا، و"أبو علي الفارسي" و"الخوارزمي" و"الفيروز أبادي"، و"الشلوبين"، و"إبن معطي"، و"إبن آجروم"، لم يكونوا عربًا، وكم كانوا!! وكم كانوا، والأستاذ الإمام الذي كلمنا بهذه اللغة الفصحى إذا لم يكن عربيًا ـ كما قال الأستاذ ـ والرسول قال ما معناه: (العربي ليس بالدم، وإنما باللغة) بالثقافة وبالروح، فالأستاذ الإمام إذا لم يكن عربيًا فإن فضله في ذلك إنما يزداد أكثر وأكثر حيث أنه تكلم إلينا بهذه اللغة الفصيحة في محاضرته وفي مناقشته وبهذه الروح، فالإسلام ليس ملكًا للعرب، هنا دور الدونمة، لا تزال مؤامرة الدونمة تلعب هنا لعبها ولكن عندما تلعب لعبها في الشباب الذي ليس متشبعًا بالثقافة الإسلامية قبل ذلك ونحاول أن نعالجه، وهذا هو موضوع الملتقى، أو إحدى مواضيع الملتقى، ولهذا السبب أيضًا لم ندعُ هذه السنة المستشرقين مثلما فعلنا في السنة الماضية لأننا أردنا أن نكون هنا وحدنا، وهناك موضوع التبشير، لأن هذا السؤال وُجِّه إليَّ من كثير هنا من الطلبة ومن الأساتذة لماذا لم ندعُ هذه السنة مستشرقين وصحافيين أيضًا، لماذا لم ندعُ مستشرقين مثلما فعلنا في السنة الماضية وألحوا، وهنا أجيب عمومًا، لأن لدينا هنا نقطتين حساستين عامتين، وقد ألحت بعض السفارات الغربية والشرقية أن ندعو من بينهم هذه السنة، وقلنا لهم هذه السنة الإطار ضيق في تيزي أوزو، وهذا سبب من الأسباب ـ إطار الاستضافة ـ هياكل الاستضافة، ولكن أيضًا السبب الرئيسي هو هذا، أننا نريد أن نكون وحدنا أن نتكلم في حرية، أن نتكلم بمعزل عن كل كذا... وكذا... لا داعي للاستفاضة في السبب، تفهمونه، وهو في غاية الوضوح، وأقول أن الأستاذ الذي كلمنا عن هذا الموضوع، أن فضله إنما يزداد أكثر وأكثر إذا كان أصله ليس عربيًا، وأنا أيضًا بهذا المقياس أنا أيضًا لست عربيًا في نظركم يا دكتور صبحي الصالح، لأني من هذه الجبال، إذًا لست عربيًا. فالدونمة لا تزال تلعب في عقولنا، هذه موجودة اليوم أكثر من أي وقت مضى، قلت بالأمس أن "عبد الحميد" عُرِضت عليه عروض، والدكتور فروخ هنا والدكتور البيهم وآخرون كثيرون ربما يستطيعون أن يفيدونا بالكثير في هذا الموضوع عندما ندخل في النقطة الثانية، أقول أن الدونمة لعبت لعبها، تعرفون أنها عرضت ما عرضت على السلطان "عبد الحميد" مقابل أن يسلّم فلسطين، عرضت عليه الدونمة تسديد ديونه من طرف بريطانيا، والمالية البريطانية وفليت ستريت، و"دزرائيلي"، وكذا... وكذا... ولكن السلطان "عبد الحميد" وقف موقفه المعروف، وقال: إن فلسطين ليست ملكي فهي ملك للأمة الإسلامية أو ما تبقى منها... هكذا، فوقع (بتخفيف القاف وفتحها) كما قلت بالأمس ـ لأنه رفض أن يوقِّع (بكسرها وتشديدها)، هذا هو التاريخ، وقَّع لأنه رفض أن يوقِّع، أُسِْقِطَ من الخلافة، عُزِلَ وأُلغيت الخلافة لأن "عبد الحميد" رفض أن يُوقِّع أي أن يمضي لليهود على تسليم فلسطين، وقد تكلمت عن هذا في ملتقى السنة الماضية، لا نزال نسمع الكثير عن الذين يشيدون بالعرب والعروبة! العرب كم هم؟ أقل من مائة مليون، الأمة الإسلامية كم هي؟ مليار، وقد سمع الكثير منكم ممن كانوا حضروا في السنة الماضية في الملتقى، كم كانت الاحتجاجات كثيرة خاصة من بعض الإخوان الأفارقة، الأستاذ "يوسف جيري" من مالي الذي قال: ما لكم تبعدون عنا، ما لكم تبعدوننا عنكم، ما لكم تعزلوننا عنكم، نحن مسلمون، نحن جئنا إلى هنا نتكلم في الإسلام، لأن البعض حاولوا أن يقولوا العرب، العرب، العروبة وكذا... إلى آخره. إذًا، فلنفصّل في كل هذا، "صهيب" لم يكن عربيًا يا أستاذ، "بلال" لم يكن عربيًا يا أستاذ، و"سلمان" لم يكن عربيًا، و"طارق" لم يكن عربيًا، و"صلاح الدين" لم يكن عربيًا، فأولهم رومي، وثانيهم حبشي أو زنجي وثالثهم فارسي، ورابعهم مازيغي، وخامسهم كردي، ونعرف كلنا قصة الرسول مع "أبي ذر" في حكاية "بلال"، "أنعلوا" الشيطان كما نقول في الجزائر ـ "أنعلوا" الشيطان، "إلعنوا الشيطان"!

هناك مؤامرات صليبية من مختلف الأوساط، ولا تزال الصليبية إلى اليوم، وهي أقوى مما كانت عليه بالأمس، صليبية فكرية لأن بالأمس أجدادنا حاربوها بالسلاح ونحن الآن ندخلها في أذهاننا، هذه المصيبة أكبر وأكبر، هناك صليبيات عديدة، كثيرة عديدة لا تكاد تُحصى، والذين يركزون دائمًا على هذا ليبعدوا بقية المسلمين وقد قرأت منذ أيام مقالًا في إحدى المجلات الإسلامية، وأظن في مجلة الوعي الإسلامي تصريحًا للأستاذ "المجددي الأفغاني" وقد دُعيَ إلى الملتقى ولا ندري لماذا لم يصل من أفغانستان؟ قال نفس الكلام الذي قاله الأستاذ "محمد يوسف جيري" ـ المالي ـ في السنة الماضية لماذا تبعدوننا عنكم؟ لماذا تفصلوننا عنكم؟ إسرائيل الآن أو ما يسمى كذلك تعمل كل شيء لتستقطب جميع اليهود في العالم، هم الآن يشترطون من جميع اليهود في العالم أن يبعثوا إلى تل أبيب بنجاح أي تلميذ في المدرسة الإبتدائية، في أي مكان في العالم لا بد أن تعلم به تل أبيب، كم من التلاميذ نجحوا في المدارس الإبتدائية، في شيكاغو وفي القاهرة وفي الجزائر، أو في المغرب، أو تونس، وكم نجحوا في البكالوريا ـ الشهادة الثانوية ـ وكم نجحوا في الليسانس، وكم نجحوا في الهندسة.. وكم كذا... لديهم هناك سجل بجميع أبناء اليهود في العالم وقد صرحوا مرارًا ومرارًا أن قصدهم، أن هدفهم، أن غايتهم، هي استقطاب جميع اليهود في العالم إلى هناك في البلاد المقدسة، في فلسطين، اليهود أينما كانوا من أي أصل كانوا. "أبا إيبان" وُلِد في جنوب أفريقيا، "غولدا مايير" من أوكرانيا، والرئيس السابق "بن غوريون" من شرق بولونيا... إلى آخره، كلهم من بلدان متفرقة في العالم ونجحوا في أن يخلقوا نواة تمهد لامبراطورية كبيرة نكون نحن غدًا إذا ما استمرينا بهذه العقليات، عربي ومازيغي (الأمازيغ هو الإسم الصحيح للبربر)، وإيراني، وماليزي، وطوراني، وهندي، وزنجي وكذا وكذا... إذا ما استمرينا بهذا سنصير لقمة سائغة كما صار ملوك الطوائف في الأندلس واحدًا بعد آخر، الإسلام لا يعترف بهذه العنصريات، لا يعترف بالجنس. الرسول قال: "كلكم من آدم وآدم من تراب"، لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأعجمي على عربي إلا بالتقوى. نعم الإسلام للمسلمين، للأمة الإسلامية ولكل من يريد الدخول فيه، إذًا، يا أخي هذه الكلمة عربي، أرجو ألا تكررها مرة أخرى، فقولتك الإمام موسى الصدر ليس عربيًا في الأساس كانت زائدة، كان في الإمكان الإستغناء عنها وكان واجبًا الإستغناء عنها، الرجاء ألا نعود إليها، هذا إلحاحي وهذا رجائي، نحن هنا مسلمون لا نبقى هكذا لقمة سائغة في يد الأعداء، يضحكون علينا ويقولون أمة جاهلة ضحكت من جهلها الأمم!

تعقيب الدكتور صبحي الصالح
أستاذ الحقوق والشريعة الإسلامية في الجامعة اللبنانية


بسم الله الرحمن الرحيم

إخواني، الأخ الوزير منحني أكثر مما أستحق عندما سماني من أهل الجهاد، وظلمني أكثر مما أستحق عندما ظن أني أناصر العربية عرقًا أو جنسًا مع أني جئت وقطعت هذه الأميال لألتقي بأخوة المسلمين لا بأخوة العرب ولكي نجتمع كلنا على كلمة سواء ألا نعمل إلا في سبيل الله. إذًا، يا إخوة ينبغي أن أوضح إنصافًا للحقيقة ما مقصدي من هذا التعبير الذي أعيد وأكرر أني كنت قاصدًا إياه في كلمتي، ما مقصدي؟ إني أريد فقط أن أنبه على ما لبعض التعابير التي نتسرع باستعمالها متأثرين بغيرنا من أصداء تعكس حقائق غير ذاتية على فكرنا ولا سيما ونحن نعلم أننا اجتمعنا هنا لنتعرف إلى فكرنا الأصيل، الفكر الأصيل أول سمة من سماته هي الذاتية في التعبير لأن الذي يستعير تعابير غيره بدون شك يصطدم بعد مدة بشيء من الغموض لا يستطيع أن يواصل هو البحث فيه ولا يستطيع غيره أن يفهم عنه ما يريد، وأنا لا أزال أكرر لكم أيها الإخوة أن التعابير الاستشراقية أثّرت فينا تأثيرًا كبيرًا حتى بتنا فاقدين لأصالتنا التعبيرية، فإذا كان لدينا تعبير عربي، ولغة القرآن بلسان عربي مبين ألسنا نتفق جميعًا على أن من الأفضل أن نستخدم التعبير العربي لأنه أقرب إلى القرآن؟ هل من مجال لكي نختلف على هذه القضية؟ أظن أحدًا لا يخالف في هذا الموضوع، أما أن نثير القضية على أننا نريد أن نتكلم عن عرب في مقابل غير عرب فهذا ـ أرجوكم ـ ما لم يخطر ببال أحد منا وبصورة خاصة ما لا يمكن أن يخطر لي ببال، فأرجو أن غرضنا بدا من الآن، وهذا رجائي إلى أخي السيد الوزير أن يكون غرضنا بدا من الآن عند التعبير متركزًا على قضية عربية واضحة ما أمكننا ذلك، لا لكي نخوض في بحوث لغوية، فقد قلت وأكرر ألا مورد هاهنا للغة ولكنك من غير أن ترجع إلى التدقيق في العبارات اللغوية لا تستطيع أن تتفهم حقائق الشريعة كما صرّح جميع علمائنا، فأرجو ألا يساء فهم الكلام الذي سمعتم وكلامنا جميعًا ليس له إلا غاية واحدة هي خدمة الإسلام والدعوة إلى تعزيز الفكر الإسلامي.

وشكرًا لكم.

ردّ الإمام موسى الصدر على أسئلة الطلبة

س ـ من السادة الطلاب: هل التشريع الإسلامي ممكن التطبيق في وقتنا الحالي في العالم الإسلامي وغيره؟
ج ـ
بطبيعة الحال، الجواب نعم، جميع المحاضرة التي كنت أتحدث فيها وسيتحدث في موضوعها السادة العلماء بالنسبة لروح الشريعة الإسلامية وواقع التشريع في عالمنا الإسلامي اليوم، كل من تكلم عن هذا الموضوع فهو متبني إمكانية تطبيق الشريعة الإسلامية في مجتمعاتنا، أما التفاصيل فوردت من خلال المحاضرات، لأن في العالم الإسلامي ليس هناك أي شيء يمنع إقامة الشريعة الإسلامية في العالم. نحن كلما نفكر أن الشريعة الإسلامية جربناها في فترة من تاريخنا في الشرق وفي فترات متقطعة من تاريخنا في المغرب ونجحت التجربة الإسلامية هنا وهناك، وليس هناك دليل على عدم نجاح هذه الشريعة وعدم تطبيقها.

مسألة التطور، وردت في حديثي صباحًا بصورة مفصلة، وهناك أمر يجب أن ننتبه إليه وهو أن طبيعة الشريعة الإسلامية هي خالقة التاريخ وصانعة التطوير، والشريعة الإسلامية بإمكانها أن تساعد على صيانة الإنسان في المجتمع وعلى تطوير الإنسان تطويرًا مستمرًا حيًا، أذكر لكم حديثًا ـ شريطًا ـ عن الرسول الأكرم (ص)، أن زارعًا في الحقل وبيده غرسة ويريد أن يغرس هذه الشجرة فجاءه الأجل، الإنسان العادي في مثل هذه الحالة يترك الغرسة جانبًا ويذهب إلى البيت فيودع أهله وأولاده وينام في الفراش ويودع عائلته ثم يموت، لكن الرسول الأكرم يرفض أن يكون هذا موقف المسلم فيقول: "ولو أن عبدًا مؤمنًا قامت قيامته وبيده غرسة لغرسها قبل أن يموت". يعني هذه اللحظة الأخيرة من حياة الإنسان إذا أمكن أن يستفيد منها في غرس شجرة، في إقامة عمل، في تأسيس حياة لا يقف. فإذًا، الإسلام يريد المسلم الفرد والمسلم الجماعة أن يكون في تحرك وطموح دائمين وهذا يعني أن نظام الشريعة يكفل إسعاد الإنسان والمجتمع الإنساني وتطوير الإنسان والمجتمع الإنساني بصورة دائمة دون أي ركود أو وقوف وليس هناك أي شيء يمنع ذلك.

س ـ إن روح التشريع الإسلامي قد ذبلت فهل يكفي إنعاشها وإحياؤها بالعودة إلى ماضي أصولها؟
ج
ـ الحقيقة أن روح التشريع الإسلامي كما بحثناه صباح هذا اليوم وكما نسمع من خلال أحاديث المحاضرين غير موجودة في مجتمعات المسلمين نهائيًا في أكثر مجتمعات المسلمين، يكفي أن نوحدها وإيجاد روح للشريعة الإسلامية بتنفيذ الشريعة لأن الإسلام لا يؤمن بإزدواجية الإنسان، الإسلام تختلف رؤيته عن الإنسان عن الرؤية الصوفية التي تجعل الإنسان جسمًا وروحًا، الإنسان موجود كوحدة: كل عمل يصدر عن جسمه ينعكس في روحه وكل عقيدة تنعكس وتبرز على جسمه، ليس هناك شيئان منفصلان أحدهما عن الآخر. فإذا أردنا للإسلام أن يعيش في مجتمعنا علينا أن نلتزم بآراء الإسلام وأحكام الإسلام في رؤيتنا، في ثقافتنا وفي إيماننا وفي أعمالنا وفي أخلاقنا، إذا مارسنا كل هذه الأحكام وعشنا جوًا إسلاميًا كاملًا بجسمنا وروحنا وعقلنا وقلبنا بطبيعة الحال روح الشريعة التي خُلِقت من هذه الأمة الذابلة ﴿خير أمة أخرجت للناس﴾ [آل عمران، 110] كفيلة بأن تعيد إلى هذه الأمة روحها وحيويتها وجعلها ﴿خير أمة أخرجت للناس﴾ [آل عمران، 110]، فإذا كان القصد من العودة إلى ماضي أصولها ـ يعني ـ تنفيذ شرائع الله تنفيذًا كاملًا فجوابي إيجابي ـ يعني ـ نعم عودة الإسلام بالعودة إلى شريعته.

س ـ من أسباب النصر التمسك بالدين، وما هو دور علماء الإسلام في نشر الدين في جميع قلوب العرب حتى يصبحوا منتصرين على عدوهم؟
ج ـ
أيضًا نرجع لمحاضرتي ولخلاصتها، أن ندخل الدين في القلب وحده لا يكفي، كثير من المسلمين اليوم في قلوبهم مؤمنون بالله ولكن أجسامهم لا تعيش دينهم وأفكارهم لا تعيش دينهم، في الحقيقة هذا النوع من الإنسان لا يعيش دينه. علينا أن نعيد إلى القلوب وإلى العقول وإلى الأجساد وإلى المجتمعات ديننا، أتذكر هذه السورة المباركة التي تلخص الإنسان: بسم الله الرحمن الرحيم ﴿والعصر * إن الإنسان لفي خسر﴾ [العصر، 1ـ2] كل إنسان في خسارة إلا الإنسان الذي يحمل أربعة أوصاف: ﴿إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر﴾ [العصر، 3] الإيمان أولًا ـ يعني ـ سؤال العقل والقلب، وعملوا الصالحات ـ يعني ـ سؤال الجسد وصلة العلاقات. إن الصالحات ليست صلاةً وصيامًا كأعمال فردية فحسب، بل الصالحات العلاقات الاجتماعية أيضًا تدخل في إطار الصالحات، ثم هذان لا يكفيان نحتاج إلى التواصي ـ يعني ـ التوصية المتقابلة فلا بد من وجود جو، بيئة، مجتمع يوصي كل فرد الآخرين بالإسلام بالحق وبالصبر حتى نتمكن من صيانة إيماننا، صيانة عقيدتنا، صيانة عملنا الصالح، فلا يمكن أن نؤمن في قلوبنا ولا نعمل، ولا يمكن أن نؤمن بقلوبنا وبأجسادنا ونعيش المجتمع الكافر الذي ينتظم على علاقة وعلى أساس غير إسلامي. فإذًا، علينا أن ندخل الإسلام في القلوب وفي العقول وعلى الأجسام وفي المجتمعات حتى يرجع الإسلام إلى أصله الكامل.

أما دور العلماء، أتصور يكفي أن يشرح العلماء حقيقة الإسلام الناصعة، عندما يعرض حقيقة الإسلام في اللغة المقبولة فسوف يجد المجتمعات والمسلمون قبل الجميع أن في الإسلام علاجًا لجميع مصائبهم ومحنهم ومشكلاتهم وتخلفهم. فعرض الإسلام عرضًا صحيحًا وبلسان وقلب مخلصين ـ لا يقصدون من وراء عجز الإسلام أن يبنوا ـ أمجادهم، هذا هو دور العلماء في هذا الوقت.

س ـ لقد تحدثتم عن الإجتهاد ولم تذكروا لنا الشروط التي يجب أن تتوفر في المجتهد عندكم؟
ج ـ
هذا السؤال أيضًا من نصيبي، الإجتهاد وشروط الإجتهاد، الحقيقة نحن فسرنا الإجتهاد أن الإجتهاد عبارة ـ أعني حسب الترتيب ـ إستفراغ الوسع لاكتشاف الحكم الشرعي من الأدلة فلا بد للمجتهد أن يكون مطلعًا على الأدلة الشرعية التي هي مصادر التشريع جميعًا، اطلاع على هذه الأدلة بحاجة إلى خبرة وبحاجة إلى تمرين وتدريب حتى يحصل للإنسان روح الاستنباط ـ يعني ـ روح الاكتشاف من خلال انضمام هذه الروايات والنصوص بعضهما إلى بعض لأننا كما نعرف إذا نريد أن نعرف حكمًا إسلاميًا لموضوع معّين علينا أن نرجع إلى القرآن الكريم، إلى السنة المطهرة النبوية، إلى سيرة الأصحاب، إلى أقوال الأئمة، إلى الإجماع إلى العقل. ومن جملة الأدلة ـ العقلية ـ إذا صح التعبير القياس، الإستحسان إعتماد المصالح المرسلة لدى من يؤمن ويقوم بها، هذه المسائل بحاجة إلى دراسات مفصلة وعندما تحصل الدراسات تحصل المَلَكة ـ يعني ـ العادة النفسية للاكتشاف، فالمجتهد يجب أن يكون خبيرًا باللغة، خبيرًا بالمصادر الشرعية ممارسًا لهذه الدراسات حتى تحصل له مَلَكة الإجتهاد، وقبل كل شيء لا بد أن يكون عادلًا ـ يعني ـ لا يعصي الله، لا يرتكب المحرمات الكبيرة ولا يصر على الصغائر، يكون عادلًا حتى يكون غير منحاز في اكتشافه وتفكيره، وعند ذلك يتمكن من اكتشاف الأحكام وعرضها على الناس في إخلاص للتفكير.

س ـ لاحظت في الشريعة الإسلامية في الزواج من غير المسلمات ذهب أغلب الفقهاء إلى حل الزواج بالكتابيات مسيحية كانت أو يهودية، ولدى أخواننا الشيعة الجعفرية ـ مع الإستئذان ـ رأيان في حل الزواج بالكتابيات، ولدينا من الفقهاء الصحابة من قال بعدم حل الزواج بالكتابيات، ولكن الجمهور على جواز ذلك.

ج ـ
صحيح ما قاله السيد السائل، في إطار حديثكم عن تعدد الزوجات استشهدتم بقوله تعالى: ﴿فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة﴾ [النساء، 3] وقلتم بأن هذا الحكم قابل للتطور، لكن أليس في تتمة الآية الكريمة: ﴿ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم﴾ [النساء، 129] طبعًا هذا جرى الحديث عنه صباحًا، أرجو للطالب العزيز مراجعة الآية، الآية ليست وراء هذه الآية، الآية في مكان آخر ﴿ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة﴾ [النساء، 129] هذه الآية تؤكد عدم إمكانية العدالة في الشعور، في الحب كما يبدو من ذيل الآية: ﴿فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة﴾ [النساء، 129]. القرآن الكريم يؤكد أنه من الصعب أن يتمكن الإنسان أن يحب شخصين أو زوجتين حبًا مستويًا ـ بطبيعة الحال ـ ولكن التساوي في الحب ليس شرطًا في تعدد الزواج، الشرط هو العدالة في السلوك في العشرة أو كما سميناه في الطعام والكساء والمسكن في رعاية شؤون الزوجتين، العدالة في النوع لكن التطور الذي أشرت إليه صباحًا، حسب مرور الزمن حاجيات المرأة، شؤون المرأة تزداد، فإذا زوج واحد يقوم بكافة الشؤون لزوجتين كاملتين فمن الصعب أن يتمكن من القيام بذلك. ولذلك مفهوم التطور يجعل الحكم في بعض الظروف صعبًا.

س ـ قلتم يجب أن نصعب الطلاق على الزوج، هذا إذا كان الزوج هو المطلق، ولكن إذا كانت الزوجة هي التي تطلب الطلاق فما العمل في رأيكم؟
ج ـ
الحقيقة نظام الطلاق يقوم على أساس أن الزوج ليس مطلق الحرية في تطليق زوجته، كما أن الزوجة ليست محرومة من هذا الحق، بل للزوجة أن تشترط أن يكون طلاقها بيدها، كما للزوج أن يفوض أو يملّك زوجته هذا الطلاق، هناك قيود وضعها الشارع على هذا الطلاق قيود شرعية لا قيود وضعية من حيث العدد، من حيث اللفظ، وأيضًا نظام المخالعة ولها أن تطلب من القاضي التفريق في حالات كثيرة، في حالة الإعسار عن النفقة، في حالة المرض، في حالة الغياب والسجن، فإذًا، الزوجة ليست محرومة من هذا الحق.

تدخل الأستاذ محمد أبي زهرة:
لجنة الأحوال الشخصية التي انعقدت ما بين سنة 1963 و1965 قد قررت في هذه المشكلة قرارات قيمة:
1. إن المرأة إذا رغبت عن زوجها لا يعقد أولًا على أن تطيعه في بيته ولكن تسقط نفقتها، فإذا أصرت ألا تبيت مع أي إنسان كان للقاضي أن يفرق بينهما لا لم يطلق فقط، بل لأنها كرهت منه ولذلك تطلق على أن يطلب التعويض منها، التعويض منها لزوجها على قدر تراه مناسبًا ولها أن تطلب حق التفريق لأنها كرهت زوجها وأصبحت لا تحبه، على أن ترد له ماله وهذا أمر من مذاهبنا.

س ـ ترى هل للزوجة الحق في طلاق زوجها، فلو كان الجواب بنعم ما الدليل وإذا كان بلا، فالإسلام دين المساواة بين الرجل والمرأة؟
ج ـ
الجواب إلا ما ورد على لسان مولانا الأستاذ أبو زهرة أنه في حالات معينة للزوج حق ـ طبعًا ـ ولها أن تطلق نفسها بناءً على شرط أو تمليك حين العقد تملك الزوجة أن تشترط على زوجها أن يكون طلاقها بيدها فحينئذٍ تطلق نفسها منه، لا تطلقه كما ورد في السؤال، تطلق نفسها منه، وكذلك يجوز أن يُملّكها هذا الأمر بعد العقد حتى يكون لها أمر تمليك في طلاق نفسها بموجب هذا التمليك.

س ـ إذا ما سمحتم إذًا ممكن أن توضح النقطة لأنه عجز في السؤال بعبور السائل، ما دام الإسلام دين المساواة بين الرجل والمرأة، فلا بد أن نوضح هذه النقطة، فلماذا وُضِعت العصمة بيد الرجل ـ يعني ـ الحالة ليست عادية أن كل امرأة تستطيع أن تطلق زوجها إلا في حالات معينة التي ذكرتموها فتكون العصمة في يد الرجل ـ لماذا؟ هذا يمكن أن يوضح للسائل لماذا وُضِعت هذه الصورة؟
ج ـ
لأن الرجل هو المسؤول عن الأسرة والآيات القرآنية العامة، عموم الآيات القرآنية وردت لإعطاء هذا الحق للرجل، إعطاء الحق للمرأة من قبيل الإستثناء ومن قبيل تفويض الحق.

تدخل الدكتور محمد الغزالي
المدير العام للدعوة الإسلامية
(جمهورية مصر العربية)


حق المرأة في الطلاق مقابل إعطاء حق الرجل تعويضًا عن الخلع، والقصة التي ثبتت في كتب السنة أن امرأة من الصحابة إسمها "خولة" جاءت لرسول الله عليه الصلاة والسلام وشكت له أنها تكره زوجها ولا تطيق أن تعيش معه، فسألها أتنكرين منه شيئًا في دينه؟؟ فقالت له: لا أنكر عليه شيئًا في دينه ولكني أكره الكفر في الإسلام، لا تحب أن تكون منافقة في معيشتها معه لأنها لا تطيقه بغضًا، فقال لها النبي عليه الصلاة والسلام: تردين إليه حديقته، وكان قد دفع الحديقة مهرًا لها ـ فقالت: أرد له الحديقة ـ فحكم بتطليقها. رواية "البخاري" أنه أوقع طلقة وأن الخلع هنا لازم ويحكم به القاضي، اختلف العلماء فعلًا، "الشافعي" يرى أن الخلع فسخ للعقد ومن الفقهاء من رأى أنه لا بد من إيقاع طلقة حتى لا تُكره المرأة على معاشرة من تكره. والفقه الإسلامي لا يُسجن في مذهب معين، الفقه الإسلامي طلق يمكن أن نرى منه مع اختلاف المجتهدين ما نصلح به الخلل في أي مجتمع تكون فيه هذه الأمور قائمة، ومن هنا فإن العلاقة الزوجية إذا اضطربت وعزّ علاجها فكما يجوز للرجل أن يطلق المرأة يجوز للمرأة أن تطلب ترك البيت ويحكم القاضي على أساس أن ترد المهر الذي أخذته وإلا أصبحت المسألة عبثًا، فيدفع الرجل المهر اليوم ثم تجيء المرأة غدًا وتقول كرهت معيشته وتستولي على المهر وتخرج، الأمر لا بد فيه من أن التعويض أو الخلع الذي يقع المهر يُردّ للرجل كما كانوا، أرجو أن يُدرس نظام الخلع وأن يُعرف اختلاف آراء الفقهاء المسلمين فيه فإن في هذه الآراء ما يؤكد أن من حق المرأة ترك بيت ضاق بها.

س ـ أستاذنا الغزالي، أعتقد أن نقطة كانت طيبة جدًا ولو أنه لا زال في رأي كلمة المساواة التي ذكرها السائل، لماذا وُضِع الطلاق أصلًا في يد الرجل ولم يوضع في يد المرأة.
ج ـ
في رأيي أن الخلع أن يعطي مقابل هذا فقط، أعتقد أنه يستحسن إيضاح هذا، لماذا وُضِع الطلاق في عصمة الرجل، لذا استحسنت أن يعطى إيضاحًا أكثر للطلاب، لأنها حسب السؤال على أنها مساواة مع أن الطلاق هنا وُضِع لشيء آخر.

التشريع اليوم في العالم الإسلامي
تدخل فضيلة الشيخ الأستاذ محمد خاطر
مفتي جمهورية مصر العربية


ج ـ الأستاذ الغزالي وضع الحروف في هذا الأمر ويمكن الخلع حقيقة أن نعرفه، لكن ليس هذا هو المساواة، السؤال... يسأل الطالب ما دام عقد الزواج كان باتفاق الطرفين وكل منهما كان له الإيجاب والقبول، فلماذا كان الطلاق بيد الرجل دون المرأة؟ هذا هو السؤال ـ يعني ـ أن السائل يطلب أنه كما يملك الرجل الطلاق تملك المرأة الطلاق، هو يطلق وهي تطلق. هذه فوضى في استقرار البيت والرجل ثبت أنه صاحب الحق في الطلاق، حقيقة عقد الزواج كان باتفاق الطرفين لكن فسخ هذا العقد كان من جانب الرجل، السبب في أنه كان بيد الرجل مسائل كثيرة جدًا:

أولًا: لو كان الأمر بيد المرأة فمن المعروف أنها تتأثر بالعواطف وسريعة الإنفعال، ربما تقول أن الرجال كذلك سريعو الإنفعال، لكن الحكم دائمًا للأعم الأغلب.

ثانيًا: هو الذي يتحمل المسائل المالية، النفقة، مؤخر الصداق، أجور الرضائع وغير ذلك، إذا كان هناك أولاد فلا يصح بحال من الأحوال أن تطلق هي وهو يلزم بالمسائل المالية، كذلك ربما تقول هي تطلق بالتفويض هذا توكيل من جانبه، أعطاها حق الطلاق لأنه هو الذي يملك فحين يكون في العقد أنه أباح لها أن تطلق نفسها يمكن أن تطلق بما ورد في صيغة العقد سواء كان التفويض مطلقًا أو تفويضًا خاصًا ولهذا أحكام مقررة لدى الفقهاء، يمكن من هذه الناحية أن نعرف لماذا كان الرجل هو المختص بالطلاق أو هو صاحب الحق بالطلاق؟ وهناك مسائل أخرى كثيرة يختص بها الرجل، والمسألة التي قالها الأستاذ الغزالي ربما هي تعطي المرأة الحق ـ كما يقول ـ لكن ليس فيها ما يرد على الطالب ما يطلبه في موضوع اختصاص الرجل دونها لأنها ربما تعرض الخلع ولا يقبل هو لأن الخلع لا يتم إلا بإيقاعه هو الطلاق، فالمسألة كما طلب هو أن تدرس عند بعض المذاهب لكن الذي قلته هو أنه يتحمل المسائل المالية، فلا يصح أن يتحملها هو بفعلها هي.

والسلام عليكم ورحمة الله.

رد الإمام موسى الصدر على الأساتذة المعقبين

ج ـ السؤال الموجه والاستفسار عن عدم المساواة حينما يقول ـ لماذا جُعِل الطلاق بيد الزوج وليس بيد الزوجة ـ فسَّر صاحب السماحة أيضًا، وأحب أن أضيف بعض النقاط ربما تلقي بعض الأضواء على نفس السؤال، نحن نقول بأن المرأة موضع عناية واهتمام وموضوع الحكم الشرعي، كما أن الرجل موضوع الحكم الشرعي، مساواة المكلفين والمواطنين، مساواة البشر أمام الله، أو أمام القانون، هذا لا يختلف فيه اثنان والرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام يقول: "الناس سواسية كأسنان المشط"، والقرآن الكريم في عشرات المواضع يؤكد على الذكر والأنثى والأوصاف الخاصة بالذكر والأنثى في كل القرآن الكريم، لكن إذا كان السائل يقصد المساواة في الأحكام فهنا لا يمكننا أن نوافق السائل العزيز على المساواة في جميع الأحكام. الإسلام لا يقول بالمساواة التامة في الأحكام بين الرجل والمرأة ـ مثلًا ـ نحن نقول أن النفقة تجب على الرجل، ولا تجب على المرأة، الميراث مقابل ذلك: ﴿للذكر مثل حظ الأنثيين﴾ [النساء، 11]، بالنسبة للملابس، بالنسبة للشهادة، بالنسبة لكيفية العبادات هناك فروق واضحة بين الرجل والمرأة ولكن الفروق لا تقلل من إنسانية المرأة ولا تكثر من كرامة الرجل أمام الله. أمام الله كلاهما متساويان الفروق في الاستعدادات والكفاءات والصلاحيات، فالإسلام عندما ينظر إلى تنظيم مجتمعه العام يريد أن يصنف الأعمال إلى صنفين، صنف العلاقات وصنف تكوين الإنسان، تكوين المواد فيقترح الإسلام على المرأة ولا يفرض أن تقوم بدور صناعة الإنسان في البيت، لا يفرض الإسلام على المرأة أن تتزوج ولكن إذا استلمت المرأة شؤون الأمومة ـ يعني ـ إذا تزوجت فعليها أن تتقن عمل صناعة الطفل، صناعة الإنسان، فعلى المرأة بفضل الإسلام أن تقوم بدور صناعة الإنسان، صناعة المواطن الصالح عند ذلك حتى تتمكن المرأة من التفرغ للقيام بالتربية الكاملة يرفع الإسلام عن المرأة واجبات المعيشة فيضعها على عاتق الزوج.

فيجب على الزوج الإنفاق حتى تتمكن المرأة من التفرغ لإدارة البيت ولصناعة الطفل، ولأن الإسلام فرض على الزوج النفقة والمهر حتى لا يكون ظلم على الرجل قلل حصة المرأة في الميراث فجعل ﴿للذكر مثل حظ الأنثيين﴾ [النساء، 11]، ولأن شهادتهما تختلف، أيضًا الإسلام خصص قول المرأة في شؤون لا تعرف إلا من قبلها وتقبل شهادتها في تلك الأماكن دون أماكن أخرى، هذه الفروق موجودة. من جملة نتائج هذه الفروق صورة الزواج والطلاق، صورة الزواج كما نحن نعلم، الزوجة مع قبول الزوج الإيجاب من المرأة، المرأة هي التي تعقد العقد وتضع الإتفاق، وتضع الصيغة، الرجل يوافق، الرجل في الزواج قابل، فإذًا، العقد في الزواج من فعل المرأة، هذه نقطة. بعد الزواج هناك أحكام، أما الطلاق بيد الزوج، فالمرأة بيدها الزواج والزوج بيده الطلاق، هذه الصورة ذكرها سماحة المفتي وكما سمعنا من مولانا الغزالي ولكن الجديد في هذا الموضوع ما ذكرته صباحًا، أن صورة الزواج وصورة الطلاق قابلتان للتطوير بموجب الشروط، الآن نسمع الدكتور الصابوني يقول: يحق للزوجة في وقت الزواج أن تأخذ حق الطلاق، أنا صباحًا ما بلغت حتى هذه الدرجة، أنا قلت من الممكن أن توكل باتفاق الزوجين ضمن عقد الزواج ترك الطلاق بيد الحكمين أو بيد المحكمة كوكالة وليس كحق الطلاق، حق الطلاق بيد الزوج، وكالة في الطلاق فترون أنه مع وجود الشروط واختلاف درجات وعي المرأة بإمكانها أن تتقدم وتغير بعض صور الزواج والطلاق بمقتضى الحق الذي يعطي للإنسان المسلم ضمن الشروط هذه الكلمة لا بد من قولها بالنسبة لمسألة المساواة في الطلاق وفي الزواج.
وشكرًا.

س ـ جاء في محاضرتكم قولكم كل ما هو من صنع الإنسان متكامل وكل متكامل متغير، نرجو توضيح ذلك؟
ج ـ الحقيقة أن هذه النقطة مهمة وأساسية جدًا توضح تمامًا حاجة الإنسان إلى المطلق، إلى الدين، إلى الغيب، إلى الإيمان بالمطلق إيضاح هذه النقطة أن من مكاسب الإنسان العلم، العلم نحن نعرف أنه في تكامل دائم، اليوم نحن نعرف أشياء غدًا نعرف أشياء أخرى، اليوم نعرف فوائد لشيء، غدًا نكتشف خسائر ومضرات لنفس الشيء، اليوم لا نعرف فوائد غدًا. نعرف فوائد... علم الطب والفيزيا والكيميا وجميع العلوم مليئة بالاكتشافات، كل يوم فيه شيء جديد. فإذًا، العلم تكامل، عندما قلنا أن العلم متكامل ـ يعني ـ العلم تقدم نتيجة التكامل.

إن الموجود اليوم قد لا يكون موجودًا غدًا والعلم الموجود اليوم قد يكون موجودًا غدًا. فمعنى التكامل التغير ومعنى التغيّر التزلزل، ونحن قلنا أن الإنسان بحاجة إلى معايشة المطلق ـيعني ـ يحتاج إلى أن يكون مع موجود أو قوة أو إحساس يعيش معه دائمًا في السماء، في الأرض، في الطائرة، في البحث، في ساعة المرض، في ساعة الصحة، في وقت الخسارة، في جميع الأوقات. هذا المطلق لا يمكن أن يكون العلم لأن العلم متكامل متغير، متزلزل فنحتاج إلى الإيمان بالمطلق، ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ [الرعد، 28] وما قلنا في العلم نقول في الصناعة في التكنولوجيا وما نقول في التكنولوجيا نقول في القوانين الوضعية، نقول في مختلف صناعات الإنسان حتى الفلسفة والميتافيزيقيا، كل ما هو من إنتاج البشر مهزوز والإنسان بحاجة إلى مطلق ثابت يعايشه، هذا معنى كلامي.

والسلام

التشريع اليوم في العالم الإسلامي
إستئناف أسئلة الطلبة

تدخل السيد مولود قاسم نايت بلقاسم
وزيرالتعليم الأصلي والشؤون الدينية


نقطة نظام فقط للإخوان الطلبة والطالبات، فالرجاء من كل واحد وواحدة منهم ومنهن أن نستمر في السير على نظامنا وهو أن يضعوا أسماءهم تحت أسئلتهم، كل ما يقال هنا يسجل ويصدر في الكتاب من محاضرات أو من تعليقات، فالتعليق ينسب إلى صاحبه والسؤال ينسب إلى صاحبه، فالرجاء التوضيح، توضيح الأسماء في آخر السؤال.
وشكرًا.

س ـ إذا كان التشريع الإسلامي يحرم الربا فما معنى أن كل الدول الإسلامية أو بعضها يتعاطى الربا أمام تحديات العصر واقتصاديات قاهرة والتي تفرض علينا هذا، خاصة الأمة العربية المحتاجة إلى رأس المال فماذا عسانا نفعل في هذا الإتجاه؟
الطالب عمر يحياوي
ج ـ
كما ذكرت في محاضرتي أن المسألة أمر يقع علينا وأمر يقع فينا، تعاملنا مع الدول المختلفة بالطريقة التي اضطرتنا إلى أن تسربت إلينا المعاملات الربوية لأننا دول متخلفة وبطبيعة الحال الأمة الإسلامية في تعاملها لم تجد في الوقت الحاضر البديل في هذه المعاملات الاقتصادية المختلفة إلا أن تلجأ إلى الربا الذي هو جميعه حرام، وحقيقة وقد قالها الطالب أن الدول العربية والإسلامية تتعاطى هذا النوع وأنه يوجد فيها معاملات ربوية ولكن من أجل هذا اجتمع العلماء اليوم في هذا المؤتمر على أمل أن نتدارس مثل هذه الموضوعات في التشريعات الاقتصادية والتشريعات التقنية وغير ذلك، أن نخرج بحل من الحلول حل عملي مقدم لهذه الأمة الإسلامية ليكون بديلًا عن الربا. وقد بدأت الدراسات فعلًا في كثير من الدول الإسلامية والعربية واستمعنا إلى ما ذكره فضيلة مفتي ديار مصر (مفتي جمهورية مصر) ولكن أيضًا مما يذكر بالخير أن هناك في الأمانة الإسلامية العامة وفي المملكة العربية السعودية اليوم دراسات بدأت تكون في شكل متكامل إن شاء الله بهذا البنك إن شاء الله على أساس أنها تجربة وكما قال فضيلة الإمام في الصباح، أنها للبدء في التجربة كدولة واحدة أو مجموعة دول ممن يرغب التعاون معنا وسنبدأ هذه التجربة التي نأمل أنها تفرض على الأمة الإسلامية التجرد عن الربا، ولا نستطيع أن نقول لهم توقفوا عن المعاملات فجأة لأن ذلك سيؤدي إلى انهيار اقتصادي بلا شك، لأننا تورطنا في هذا النوع، ولكن يجب أن نبدأ بداية صادقة مسلمة صحيحة أنه ما دام قد وُجِد البديل فلنبدأ به دون تخوف أو دون ارتجاف وهذا المصير الذي يمكن أن نقود إليه ـ الحمد لله ـ الدراسات التي قُدِّمت في المملكة العربية السعودية عُرِضت على كثير من الاقتصاديين فكان لها تهيِئات السبل التي تؤدي إلى نجاح البنك الإسلامي إن شاء الله والذي هو بنك لا ربوي يؤدي جميع الخدمات وبصورة أفضل وبصورة أكمل لإنسانية الإنسان، وبهذا يمكن أن يكون في ذلك خلاصًا للأمة الإسلامية من هذه الورطة التي تورطت فيها.
وشكرًا.

س ـ تكلمتم عن الزكاة وذلك في نطاق الضمان الاجتماعي لذوي الدخل المحدود وتطبيق آخر وحدود خاصة، للزكاة طابع آخر أرى أن هذه الأنظمة الجديدة مثل الضمان الاجتماعي جديدة من اختراع رؤوس الأموال لعمالهم.
ج ـ
الحقيقة أن ذكر الضمان الاجتماعي في كلامي ما قصدت بكلمة الضمان الاجتماعي، الضمان الاجتماعي الممارس في العالم الإسلامي، لأن اليوم الضمان الاجتماعي الذي يمارس في عالمنا الإسلامي تبعًا للضمان الاجتماعي الموجود في الغرب عبارة عن اقتصاص كمية من حقوق العامل ونسبة معينة من راتب العامل ونسبة من صاحب رأس المال وجمع هذه الأموال في صندوق واحد متحرك يؤمن هذا الصندوق للعامل، المساعدات المرضية، التقاعد، العطل وأمثال ذلك، كما تقول الضمان الاجتماعي رغم شرافة نيته من اختصاصات الأنظمة الرأسمالية كما يقول سائلنا الطالب العزيز ولكن أنا بالضمان الاجتماعي ما يشبه الضمان الاجتماعي ـ يعني ـ صندوق الزكاة أو صندوق بيت المال الذي تؤسسه الدولة الإسلامية يمكّن العامل من المساعدات المرضية، من ساعات التقاعد، ساعات المرض، أيام العطلة، الأحداث التي تحصل ضمن العمل، وأمثال ذلك… مساعدة للحالات الإستثنائية وحالات عدم شغل العامل، ممكن نعطي للعامل من صندوق الزكاة لأن الزكاة لمساعدة هذه الطبقة فلا نقيد الضمان الاجتماعي بالضبط وبالتفصيل ونسخة طبق الأصل ولكن نذكر الأساليب المستعملة في المساعدات الاجتماعية هذه الأساليب ممكن نصرف الزكاة لأجلها ولأجل تأميننا.

س ـ شرع الله التشريع والأحكام من عبادات ومعاملات الغاية منها التوفيق في العمل المادي والروحي، فما هي الخطة السماوية التي أرادها لنا الله لنتخذها طريقة في كيفية كياننا ووجودنا على هذه الأرض؟
ج ـ
بطبيعة الحال هذا ليس سؤالًا وتأييد لتمنياتنا ورغبتنا تطبيق الشريعة والتأكيد بأن الشريعة إذا طُبقت فسوف تؤمن النجاح المادي والروحي، والدليل على ذلك تجربة إسلامية ناجحة خلال القرون الأربعة الأولى. الأمة الإسلامية خالفت الحضارة أصبحت أمة منتعشة، في مصر بعد أن دخل الإسلام في مصر خلال عشر سنوات زاد الدخل القومي ثلاثة أضعاف، والتجارب الأخرى في مختلف المناطق في دراسات موجودة، في النجاح المادي المعنوي من خلال تطبيق شريعة الله أمر ثابت لا مجال في تشكيكه.

س ـ ما دام تشريع القوانين في غالب البلاد الإسلامية ليس مستمدًا من الإسلام فكيف يستطيع القاضي المطبق للقوانين الوضعية أن يُرضي ضميره ويكون وفيًا لدينه؟
الطالب سلطان نذير
ج ـ
هو لو كان في الحقيقة قاضيًا مسلمًا لما رضي أن يحكم بغير ما أنزل الله فما دام القاضي المسلم معناه أن يلتزم بشريعة الله، فإذا كانت بلادًا تحكم بغير ما أنزل الله فذلك فوق غير القاضي المسلم في هذه الحالة، أما القاضي المسلم فإذا عرضت عليه أي قضية يعرضها على الدين أولًا وذلك هو الطريق الوحيد الذي يمكن أن يرضي به ضميره أو دينه.

س ـ لقد ذكر المحاضر أن ليس هناك نصًا مطلقًا يصرح بتعدد الزوجات، ولكن الذي نريد توضيحه هو، ما هي العوامل والظروف التي جعلت الرسول (ص)، يطبق هذا القانون على نفسه وكما أن عدد زوجات الرسول تسع زوجات، ما هو الهدف الذي كان ينوي إليه الرسول من وراء ذلك، نرجو أن يجيب على ذلك الإمام موسى الصدر؟
الطالب عمر صدوق
ج ـ
الحقيقة، صباحًا ورد كلام مولانا الشيخ محمد أبو زهرة أن الزواج وتعدد الزواج لدى الصحابة والأئمة كان للرغبة في تعدد الزواج، ولكن الزواج عند الرسول (ص) لم يكن للرغبة في تعدد الزواج لأنه كان يتزوج أولًا بعد مرور وقت طويل ـ يعني ـ عمر الرسول عليه الصلاة والسلام كان ثلاثة وخمسون سنة في الوقت الذي توفيت السيدة "خديجة" أم المؤمنين وعند ذلك بدأ يتزوج، زواج المسنات كما يقول الدكتور الحقيقة أن الذي يدرس تاريخ النبي عليه الصلاة والسلام في الظرف المعين، كيف يحمي النبي من الأعداء؟ ـ طبعًا ـ الدراسات موجودة في الكتب، أنا أنقل خلاصة، ليس هناك من حكم يحمي النبي في مكة، القبائل كلها معارضة قبيلة بني هاشم منقسمة على نفسها، عندما كان "أبو طالب" موجودًا، "أبو طالب" كان يجند قبيلة بني هاشم لمساندة النبي وللوقوف مع النبي، ولكن توفي "أبو طالب" في السنة التي ماتت فيها "خديجة" أم المؤمنين فإذا قبيلة بني هاشم انقسمت على نفسها بين "حمزة" و"عباس" وجماعة "أبي لهب"، ومن جانب آخر "خديجة" ماتت فاحتاج النبي عليه الصلاة والسلام إلى أن يتبع أحد الطريقين، إما طريق الموالاة والتحالف، وهذا ليس من شأن النبي، وإما طريقة المصاهرة. وهذه هي الطريق التي مارسها في كثير من الظروف والأوقات، فالنبي كان لزواجه سبب، سبب واضح، كما يقول الأخ الدكتور الصابوني قسم من زواج النبي مثل "أم سلمة" فقهية. كانت لأجل التعليم والتدريس وإيصال النساء المسائل، ـ على كل حال ـ مسألة مكروهة في كتب الباحثين، ليس جديدًا البحث في أسباب تعدد الزواج للنبي، يذكرني زميل لي أن الضمان الاجتماعي كانت نظرة موجودة في أيام الرسول عليه الصلاة والسلام ـ طبعًا ـ التقاعد، مسألة التقاعد ـ يعني ـ عندما يحال الإنسان للتقاعد يدفع إليه، هذا مأخوذ من حديث معروف أنه وجد الرسول عليه الصلاة والسلام كتابيًا أعمى يتسول، فسأل ما هذا؟ أيام "عمر بن الخطاب" فقالوا رجل فقير وأعمى ولا يتمكن، فقال الكلمة المعروفة (إستعملتموه حتى عجز فتركتموه أنفقوا عليه من بيت المال) هذا مبدأ قانون التقاعد أما بالنسبة لبقية مسائل الضمان الاجتماعي ـ طبعًا ـ بحاجة إلى الاستنباط.

س ـ السؤال الأخير، ونرجو أن تكون لنا مجالات أخرى مع الشباب للتحدث وللحوار، أظن استيضاحًا لمسألة وردت في كلامي يقول السائل قلتم أن الملكية لا تثبت إلا بالإحياء وما قول الإمام في الشراء المتوفرة شروطه والميراث والهبة واستمرارية للحيازة شرعًا مدة من الزمن بمرأى ومسمع من الناس الصالحين؟
ج ـ
نعم إن الإحياء على حسب قول الإمام "مالك" يملك المحيي على قول الشيخ "خليل" من أحيا أرضًا موات فهي له ولا تصح له الملكية إلا بإذن السلطان، بطبيعة الحال أعيد إلى ذاكرة السائل العزيز الأستاذ عبد الحميد أن الإحياء ذكرت أنه السبيل الوحيد للتملك مقابل التسجيل في الدوائر العقارية لأن اليوم مصيبة من مصائبنا أن كل واحد منا يذهب للدوائر العقارية يسجل مائة ألف، خمسين ألف هكتار، دون أن يقوم بأية خدمة، التسجيل لا يُملّك، التحذير أو الحيازة وضع العلامات، التحذير يعطي حق الأولوية ولا يُملّك، التملك يحصل بإحياء وأنا متفق مع ما ورد في هذا السؤال ولا البيع والشراء، والهبة، والميراث هذه أشياء مملّكة لا يختلف فيها أحد.
وشكرًا

تعقيب الإمام موسى الصدر

بسم الله الرحمن الرحيم


أولًا- أتمنى على الأستاذ الزرقاء بما نعرف من مقدرته العلمية، أن يحدد لنا في جواب على التعليمات إطار الاتحاد على المصالح المرسلة.

المصالح المرسلة كما تعرفون في الفقه الجعفري لا نعتمدها ولكن أنا متأكد أن في المذاهب الفقهية التي تعتمد المصالح المرسلة ليس الأمر متروكًا لرغبات المجتهد أو الفقيه يتصرف ويستمد ويفتش كما يشاء، وإلا فسنعود إلى المشكلة التي من أجلها سُدّت أبواب الإجتهاد.

أبواب الإجتهاد سُدّت لأن فقيهًا ما كان يرى في الشيء من المصالح المرسلة ما يفرض عليه الحكم بالحرمة، ويرى فقيه آخر ما يدعوه إلى أن يرى وجوب نفس الموضوع، فأصبح الإسلام في خطر وسُدّت أبواب الإجتهاد. وكانت النية حسنة جدًا كما قال الأستاذ أبو زهرة بالأمس.

فتحديد المصالح المرسلة ضروري وأكثر من ضروري حتى لا تُفتح على الشريعة الإسلامية نافذة تهب منها رياح الأهواء والرغبات والقوانين المستوردة بصورة مطلقة.

ثانيًا- ورد في كلام الأستاذ مصطفى الزرقاء أن كثيرًا من البلاد الإسلامية إعتمدت الشريعة الإسلامية في بعض الحقول كالأحوال الشخصية، وكالقوانين المدنية في بعض البلاد وهكذا كان عرضًا قيمًا. ولكن أحب أن أضيف إلى حديثه وهو غني عن التفكير، أن اعتماد حكم أو مجموعة أحكام في إطار نظام غير إسلامي ليس تمسكًا واعتمادًا للإسلام. وإلا فـ"نابليون" ـ كما قلنا ـ من الثابت أنه أخذ كثيرًا من القوانين المدنية المصرية التي كانت معتمدة على الشريعة الإسلامية. والقوانين النابليونية الشهيرة إلى حد كبير مشابهة للقوانين المدنية المصرية، والتي اعتمدت من قبل بلجيكا فيما بعد وكثير من الدول الأوروبية أيضًا تابعوا ذلك.

اعتماد حكم واحد أو مجموعة أحكام في إطار النظام العام القانوني الكافر ليس إسلامًا. الإسلام أن نضع هذا القانون في موضعه ـ يعني ـ استنادًا من مصادر التشريع لا يكون تنفيذ الحكم مستندًا إلى مراسيم، اللهم الا مراسيم إكتشافية تقريرية، وليست مراسيم تنفيذية، وأمثال ذلك من الأطر، وإلا فليس هناك ما يدعو للتفاؤل بأنه في بلد ما استندوا إلى بعض القوانين الإسلامية وبعض الشرائع الإسلامية.

وبهذه المناسبة أؤكد أني مع الأستاذ الغزالي ولست مع صديقنا الفاضل الأستاذ راشد عبدالله الفرحان وزير الأوقاف الكويتي ـ حفظه الله أن الحكام على إستعداد لتنفيذ القوانين المقترحة عليهم من قبل الفقهاء.

أنا أتساءل هل الحكام يجهلون القوانين الواضحة الصريحة المجمعة في الإسلام؟ هل الحكام لا يعرفون أن الخمر محرم؟ فكيف يبيحونها ويضعون ضرائب عليها ويستوردونها ويؤجرونها ويسنون الشرائع من أجلها، أنا لا أنكر مسؤولية علماء الدين إطلاقًا، لا أمام الحكام والناس والأمة، لأنه عرفت الأمة أخطار القوانين الغربية والشرقية المعتمدة والفشل الذريع الذي منيت الأمة به نتيجة اعتماد هذه القوانين. ومن جانب آخر عرفت لمعطيات القوانين الإسلامية ونتائجها وبصورة خاصة إمكانياتها للتطوير ولتلبية الحاجات المعاصرة، فسوف لا تسمح الأمة بأن الحكام يظلون محتكرين سلطات تشريعية تنفيذية، فيمنعون الأمة من ممارسة إسلامها، فمسؤولية العلماء ليست أنهم لم يقدموا قوانين للحكام بل مسؤوليتهم هي أنهم ما أوضحوا واقع الإسلام وفشل القوانين وإمكانية التطور وعرض التجارب على الأمة.

ثم عتابي لمولانا سماحة المفتي محمد خاطر الذي يقول أنه بريء ونحن كذلك، مولانا يقول لقد قرر واستعرض الواقع والحقيقة أن الواقع هكذا ولكنه هو ونحن والجميع إن شاء الله سنسعى لتغيير هذا الواقع ولإقرار واقع أفضل.

وأخيرًا أذكركم بهذه الآية الكريمة:﴿يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أُمروا أن يكفروا به﴾ [النساء، 60]، في التفسير أن الإنسان عندما يأخذ حقًا من الطاغوت فهو باطل، فلا يمكن إلا أن يكون الإطار العام إطارًا إسلاميًا فيكون فيه الحكم حسب الآراء والاستنباطات أو لا يكون، فلا يكون هناك من تجميع للفكرة والتثبيت لفشل الإسلام من جديد من جهة أخرى، والله هو الموفق والمعين.

تعقيب فضيلة الشيخ الأستاذ محمد خاطر
مفتي جمهورية مصر العربية


بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله،
كلمة بسيطة في التعقيب على سماحة الشيخ الأستاذ موسى الصدر. أنا حين كنت أصحح واقعة وردت في المحاضرة وهو يسرد البلاد التي وجدت فيها القوانين الأجنبية، فقال أن مصر فيها القانون المدني الفرنسي فقلت: لا، إن الموجود قانون معدل غير القانون الفرنسي ومع هذا (ولم أقل أقر) فإن الدولة في نهضة تشريعية وفي لجان الوحدة تعمل على تنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية في جميع قوانينها في المدني والجنائي وهي تطبق أحكام الشريعة في نظام الأسرة بحذافيرها، ولم تخرج عنه.

فللقانون المدني والقانون الجنائي لجان التشريع قائمة الآن للعمل بأحكام الشريعة الإسلامية وتطبيقها والأخذ بها.

أقول ذلك تصحيحًا لما فهمه سماحة الشيخ الأستاذ موسى الصدر من كلمتي.

* محاضرة روح الشريعة الاسلامية

source