الكاتب:موسى الصدر
* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر للأبحاث والدراسات.
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا﴾ [النصر]
صدق الله العظيم
﴿إذا جاء نصر الله والفتح﴾ حينما يأتي نصر من الله وفتح منه، خصص الفتح بالذكر كما يقوله المفسرون لأن المراد بالفتح فتح مكة، أو من أبرز مصاديق الآية فتح مكة.
وإذا جاء نصر الله وإذا فتح الله مكة على يديك، لعلكم سمعتم أو تسمعون بفتح مكة، فمكة دخل فيها رسول الله لأسباب عديدة، أولًا: مكة كانت مقر العبادة للمسلمين، محجة لهم، قبلتهم، فما كان يمكن لهم أن يتجاهلوا هذه البلدة المباركة ولا يحاولون الفتح لها، لماذا الفتح لها؟ أما كان من الممكن أن يحج المسلمون إلى مكة دون خطر، كما كان للعرب جميعًا قبل الإسلام حق في حج بيت الله الحرام؟
هذا السؤال جوابه لا، لأن بالفعل أهل مكة وخاصة قريش كانوا موتورين متأثرين، ما كانوا يسمحون أبدًا بأن يحج مسلم واحد إلى مكة. فإذًا، يجب أن يخضعوا وأن يسمحوا باستفادة المسلمين كما يسمحون باستفادة جميع العرب في مكة، أو يجب أن يفرض عليهم حج المسلمين بالقوة. ما دام تجاوزوا على حقوقهم وعلى حقوق الآخرين ومنعوا الناس من زيارة بيت الله، وبيت الله لا يُملك، والبيوت التي حول بيت الله لا تُملك، وحتى إذا مُلكت ستخضع لسلطان مكة كما تعلمون أن الحديث يقول إذا أرادوا توسعة الكعبة فيجوز لهم أن يستملكوا بيوت ما حول الكعبة ويهدموها لأجل أن الكعبة ﴿أول بيت وضع للناس﴾ [آل عمران، 96] الذي بمكة المباركة.
مكة لا تُملك، والكعبة لا تُملك لأي من الناس، فإذا مُنِع أحد من الحج يجب أن يفرض الحج بالقوة. أولًا، كان السبب في هجوم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على مكة هو موضوع العبادة ومنعهم من ممارسة هذا الواجب الذي هو ركن الإسلام كما ورد في الحديث، والكعبة التي هي قلب الإسلام، هي علم الإسلام كما يظهر من الحديث الكريم: لا يزال هذا الدين قائمًا ما دامت الكعبة.
أولًا: ممارسة العبادة.
ثانيًا: كانت مكة قاعدة للمؤامرات ضد الإسلام، فكما تعلمون في خلال ثماني سنوات من أيام هجرة الرسول إلى تاريخ فتح مكة، عشرات من المؤامرات والغزوات وقعت من قِبَلِهم ضد الرسول؛ ففي كلّ يوم كان لهم مؤامرة، ومنها مؤامرة الأحزاب وواقعة الأحزاب كما تعلمون. وكثير من الغزوات بدر، أُحُد كلّها في أراضي المدينة، فالرسول الأكرم يرى أن هذه المدينة هي قاعدة العدوان، ومن الطبيعي على كلّ أمة يحق لها أن تضرب قاعدة العدوان، فأراد النبي أن يحج تأكيدًا للجواب الأول عن فتح مكة.
خرج للحج، اصطدم بمنع المشركين في الحديبية، وقّع صلح الحديبية معهم على الرغم من أن أمر الصلح ما كان من مصلحة المسلمين، وكان فيه اعتراف كبير بقوة المشركين، وقد عارض بعض صحابة النبي هذا الصلح، ولكن النبي فرضه بأمر من الله سبحانه وتعالى.
من جملة هذه المواد أن النبي يرجع في هذه السنة ويحج في السنة الثانية، وحينما يدخل مكة يخرج من مكة جميع أهل قريش ويذهبون إلى رؤوس الجبال وينظرون من مكان بعيد إلى المسلمين وهم يحجون.
هنا في هذه النقطة قبل أن أمر [عليها] أحب أن أذكر بعض النقاط بالفعل، حينما دخل النبي في الحجة الأولى، لا في حجة الوداع، ولا في فتح مكة، حينما حج لأول مرة، المشركون خرجوا من مكة وقعدوا على جبل أبي حذيف ووديان مكة، والمسلمون حسب اتفاقية الحديبية دخلوا وطافوا وحجوا وعملوا واجباتهم ثم رجعوا. الإخوان الذين تشرفوا بزيارة بيت الله الحرام يذكرون أن الإنسان حينما يطوف حول الكعبة يصل إلى ما بعد حجر إسماعيل في مكان باب الكعبة مقابل مقام إبراهيم، ثم يأتي الجناح الآخر من الكعبة المقابلة لـحجر إسماعيل، ثم يأتي إلى الجناح الثالث في الطرف الثالث الذي فيه الحطيم مقابل الباب تمامًا، هنا يستحب أن يمشي الإنسان بصورة تشبه الركض، ويضرب برجله على الأرض. هذه السُّنة سنّها الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وسلّم)، سببها أن النبي عندما وصل لهذه المنطقة انتبه أن المشركين يتفرجون عليه، فبدأ يمشي بقوة وبعزم ويضرب برجله على الأرض بقوة حتى يظهر بمظهر القادر الشاب القوي المتين، طبعًا آلاف من المسلمين بدأوا يضربون بأرجلهم على الأرض بقوة، وكان في هذا نوع من المبارزة وإظهار القوة والتحدي وعدم الشعور بالضعف، وأصبحت هذه سُنَّة مستحبة، ونحن حينما نطوف ونصل إلى الباب الثالث، يستحب أن نمشي بركض ونضرب بأرجلنا على الأرض.
حج النبي حسب اتفاقية الحديبية في السنة التي تلت صلح الحديبية، ولكن سرعان ما نقض المشركون اتفاقية الحديبية في عدة مواد. من جملة هذه المواد أن الأشخاص الذين يلجأون إلى المدينة يُرجعهم النبي، والأشخاص الذين يلتجئون إلى مكة، المشركون يُرجعونهم إلى النبي. المشركون خانوا الاتفاقية وحاولوا أن يبقوا الخارجين عنهم في مكة، وهم قلة جدًا ضده، أما الذين هربوا من مكة وأسلموا واستسلموا للإسلام وللنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالفعل النبي أرجعهم، ولكن ما ذهبوا إلى مكة، وشكلوا عصابة، وبدأوا يغزون بيوت وأموال وقوافل قريش، حتى هم طلبوا من الرسول ألّا يرجعهم، يعني ما كان من مصلحتهم إعادة هؤلاء الهاربين.
من مواد الحديبية، التي خالفها المشركون، أن حلفاء النبي يكونون في أمان من المشركين، وحلفاء قريش يكونون في أمان من المسلمين. وكان هناك تحالف بين قبيلة بني خزاعة مع المسلمين، وبين قبيلة بني بكر بن عبد مناة مع قريش. وكان بينهما شر عظيم وخصام قديم، فاحتدم الأمر بينهما، وخالف المشركون اتفاقية الحديبية، وساعدوا بني بكر عبد مناة على بني خزاعة، وقتلوا منهم جماعة، وأُخْبِرَ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالوحي أو بوسيلة أخرى عن الواقعة، وعزم بالفعل بأمر من الله أن يدخل مكة لأنهم نقضوا اتفاقية الهدنة واتفاقية الحديبية.
جاء أبو سفيان إلى المدينة اعتذارًا، واطلع على هذا الأمر النبي، وأراد ألّا يستقبله ولهذا أوعز إلى المسلمين، أو شعر المسلمون بأن النبي لا يرضى بمواجهة أبي سفيان الذي جاء لكي يعتذر عن مخالفتهم للعهد. حينما شعروا بعدم رضى النبي ما استقبله أحد، فدخل بيت ابنته أم حبيبة، وأراد أن يجلس على الفراش، أو على جلد الفرشة فجمعته ابنته، وحينها قال لها: لماذا تجمعينه؟ ألا ترضين أن أجلس في بيتك على هذا الفراش؟ قالت بما مضمونه أن هذا فراش رسول الله الطاهر المطهر، لا أرضى أن تجلس وأنت مشرك... وأن تنجس هذا الفراش.
فيئس الرجل وعرف أن لا مكان له حتى في بيت ابنته، وذهب إلى بيت فاطمة (سلام الله عليها)، وفاطمة أيضًا اعتذرت عن استقباله لأجل عدم رضى النبي، فوقف على باب المسجد وطلب أن يستقبله أحد في بيته، فما استقبله أحد فاضطر أن يرجع خائبًا.
رجع إلى مكة وهو ينذر بغضب النبي والمسلمين من مخالفة المشركين صلح الحديبية ونقضهم له. فأنذرهم بلزوم الاستعداد، ولكن ما كانوا يعرفون أن الحرب على الأبواب، بالعكس، الأخبار كانت تصلهم بأن المسلمين يستعدون للخروج إلى الروم، إلى الشامات، إلى تبوك. وهكذا كان يُظن أن تجنيد الجيش لأجل الخروج إلى الروم، لأن النبي كان يخفي الأمر حتى تهيأوا وخرجوا من المدينة، وقطعوا قسمًا من المسافة، حتى اطمأن النبي بأن الجواسيس والمخبرين والمنافقين انقطعوا عن الإعلام، ولا يتمكنون من الإعلام، حينئذٍ أمر القوافل بالاتجاه نحو مكة؛ وحينئذٍ فهم المسلمون أن المقصد مكة وليس الروم.
وصلوا إلى قرب مكة؛ أبو سفيان حينما وصل إلى مكة وأنذر جماعته بعد مدة قالوا لـأبي سفيان: يا أبا سفيان أصبحنا لا نسمع أخبار محمد ونحن نشك في أمره، فكان قلبهم يوحي إليهم بأنهم أمام واقعة صعبة في حياتهم، قالوا: يجب أن نستخبر، الجواسيس ما بعثوا خبرًا، المنافقون ما بعثوا خبرًا، قال: ليس لهذا الأمر أحد غيري، فخرج هو مع حكيم بن حزام. حكيم بن حزام له دور في تاريخ الإسلام، هذا الرجل كان من المؤلفة قلوبهم، من الأشخاص الذين كان النبي يعطيه بعض الصدقات حتى يترك خصومته في بعض الحالات. هذا الرجل أيضًا قال النبي في حقه: من دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن(2). هذا الرجل الذي وضع كَذَبة الأحاديث أنه وُلِدَ في بيت الله الحرام حتى يُبْطِلوا مفعول ولادة الإمام في البيت ولا يعتبرونها فضيلة للإمام قالوا حكيم بن حزام أيضًا ولد في الكعبة، ولا أصل تاريخي للموضوع.
جاء أبو سفيان وحكيم بن حزام، وبمجرد ما وصلا إلى أبعاد قليلة من مكة وجدا أن الصحراء مليئة بالنفر وبالعدد وبالنار وبالطبخ وبالنفخ وباستعدادات الجيش، فقال أبو سفيان: يا حكيم، هذا محمد وجيشه أبغتونا قبل أن نستعد، فلنرجع ونتهيأ. فرجع، وقبل أن يخطو خطوات أحاط به مراقب الجيش، فأخذه عباس بن عبد المطلب (عليه السلام) عم النبي الكريم كان بينه وبين أبي سفيان صداقة قديمة، فطلب منه الأمان، فأعطاه ذلك، ثم أخذه عند النبي فاستسلم وأسلم تحت السيف. وبعد وقت دخل النبي إلى مكة وقد وقف أبو سفيان في مضيق، وهو يتفرج على جيش الله الذي يمر من أمامه، وأخيرًا قال لعباس: يا عباس، لقد علا ملك ابن أخيك. قال له: ويحك! إنه النبوة. الرجل ادعى الإسلام، والآن يرجع ويقول... الآن: لقد علا ملك ابن أخيك، هذا يبدي تمامًا عمق إيمان أبي سفيان.
دخلوا مكة، وفتح الله مكة على يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، دخل وهو يتلو على أبواب الكعبة الفقرات المعروفة التي من المستحب أن نقرأها بعد كلّ صلاة: لا إله الا الله وحده وحده، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده(1). ثم جمعهم وقال لهم: ماذا ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخٍ كريم؛ فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، في قصة معروفة. وقال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. من دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن، من دخل بيته وأقفل الباب فهو آمن، من ألقى السلاح فهو آمن. من دخل بيت الله الحرام فهو آمن.
فإذًا، فتح مكة كان فتحًا عظيمًا، لأنه أولًا حرر هذا الركن العظيم الإسلامي، وقضى على قاعدة العدوان... ثم العرب المنتظرون لما يجري بين محمد وبين قومه، وكانوا يقولون في كلمة مأثورة عنهم فلننتظر لكي نرى، فإذا انتصر على قومه فهو نبي، وإلا فلا. حينما وجدوا أن النبي انتصر على قومه أسلموا ودخلوا في الإسلام.
ويقول القرآن الكريم: ﴿إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا﴾ نزلت هذه السورة المباركة في السنة التاسعة أو إشارة إلى السنة التاسعة أو أوائل التاسعة حينما كانت القبائل تتوافد واحدة تلو الأخرى، ثم جاءت قبائل اليمن كلّها دفعة واحدة، فأسلموا وكانت الجزيرة تقريبًا قد انتشر فيها الإسلام بسرعة مذهلة بعد هذه الواقعة، فالآية الكريمة تشير إلى هذا الوقت: ﴿إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا* فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا﴾.
يشير القرآن الكريم إلى أن النصر ليس لك يا محمد، فالنصر من الله، والقوة منه، فإذا كنت مؤمنًا برسالته ترى أنك لا تملك لنفسك نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا.
فإذًا، أمام هذا الانتصار ﴿فسبح بحمد ربك واستغفره﴾، من أي شيء يستغفره؟ من الزهو الذي يطرأ على الإنسان حين الانتصار، حينما ينتصر يشعر بالزهو والاعتزاز، وهذا ترك للأولى والله سبحانه وتعالى ربّى نبيه، ومنعه من أن يشعر بالزهو والانتصار.
ولهذا نرى موقف الرسول حينما دخل مكة، أرجو الانتباه، حينما دخل الرسول إلى مكة فاتحًا منتصرًا كأقوى حاكم على وجه الأرض، وفي الجزيرة بالذات، دخل وهو ينحني برأسه على ظهر دابته ويسبح الله ويحمده ويستغفره، دخل دخولًا متواضعًا، دخول عبد لا دخول منتصر مغرور.
هذه اللوحة أمام أعين المسلمين دائمًا تشكل طريقة فتبين عمق الإنسانية في هذا الدين الحنيف، دخل خاشعًا متضرعًا مبتهلًا إلى الله مسبحًا وحامدًا ومستغفرًا، والله سبحانه وتعالى هو التواب. ومما ورد في هذه الآية المباركة التي تربي النبي وأصحابه، وتعطي صورة حية لقصد الإسلام عن الحرب والصراع وتربي المسلمين لكي يجدوا موقفًا إنسانيًا، ويقفوا موقفًا إنسانيًا بعد الانتصار ﴿ولا يجرمنكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾ [المائدة، 8].
حتى بعد الانتصار كن متزنًا، انتبه... إن هذا الانتصار ليس لك حتى تأخذك العزة، الآية تربيهم. وبعد ذلك، كما ورد في أحاديث مستفيضة، أن النبي حينما نزلت هذه السورة قال: إن نفسي قد نعت إليّ نفسي، وكأنه شعر بالوفاة، وبالفعل بعد واقعة النصر والفخر ودخول العرب أجمع الى الإسلام، حسب الدقة في التاريخ، ما عاش النبي بعد هذا الوقت إلا عدة أشهر، والسبب أنه شعر بانتهاء الرسالة، وأنه جاء نصر الله، وأن الأمة تكوّنت، والمسلمون أصبحوا أمة متكافلة قوية ذات مقومات كاملة للبقاء، حينئذٍ شعر بانتهاء عمره فاستعد.
ويقول الرواة، والأحاديث المروية عن أصحابه وعن زوجاته، أنه كان يقضي هذه الأيام وهذه الأشهر الأخيرة دائمًا في التفكير والتحليل والاستغفار والحمد لله، حتى جاء يوم وفاته، فخرج إلى المسلمين متكئًا على كتف عليّ وفضل بن عباس، وجاء في خطبة عزيزة يقول فيها: أيها الناس، بعد أن يوصيهم بالصلاة وبالحج وبالصوم وبالزكاة، وبعد أن يوصيهم بالنساء والرفق بالنساء، وبعد أن يوصيهم بالعفو والصفح وعدم عودتهم ورجوعهم على أعقابهم، يقول: أيها الناس، من جلدت له ظهرًا فهذا ظهري، ومن أخذت منه مالًا فهذا مالي، ولا يخافنّ أحدكم الشحناء، فإنها ليست من شأني(3). هذا الختام المشرق في حياة النبي.
ماذا فعلت يا رسول الله أنت حتى أصبحت تعتذر من أمتك، هل كان لهم مجد بدونك، أو عز بدونك، أو مال بدونك، أو عدل بدونك؟ ومع ذلك هو يقول في آخر الخطبة فإني أخاف أن أقابل وجه ربي وعلى ذمتي أمر من أمور الناس.
وبالفعل، حاول بعض المخلصين أن يطبق ما قاله النبي لكي يؤكد للتاريخ أن النبي قال وفعل، فقام إليه، وقال: يا رسول الله إن لي عليك حقًا. قال: ماذا؟ قال: كنت في يوم بدر واقفًا وكان بيدك خشبة، وكنت تخطب في الناس، وترتب الناس، فضربت على بطني، وأريد أن أقتص منك، قال: إليّ إليّ.
حينما وصل عند النبي قال: يا رسول الله، حينما ضربت على بطني ما كان على بطني من قميص، كان بطني عاريًا، اكشف عن بطنك حتى أقتص؛ فكشف الرسول عن بطنه حينئذٍ ألقى بنفسه على أقدام الرسول، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إنما أردت أن أثبت للناس أنك تقول وتفعل.
وهكذا، ختم حياته الكريمة بعد أن أدى الرسالة وأكمل الأمر وأتم نعمته وخدمته.
والسلام عليكم.
_________________
1- الكافي، ج4، ص431.
2- را: بحار الأنوار، ج21، ص132.
3- شرح نهج البلاغة، ج13، ص28.
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا﴾ [النصر]
صدق الله العظيم
﴿إذا جاء نصر الله والفتح﴾ حينما يأتي نصر من الله وفتح منه، خصص الفتح بالذكر كما يقوله المفسرون لأن المراد بالفتح فتح مكة، أو من أبرز مصاديق الآية فتح مكة.
وإذا جاء نصر الله وإذا فتح الله مكة على يديك، لعلكم سمعتم أو تسمعون بفتح مكة، فمكة دخل فيها رسول الله لأسباب عديدة، أولًا: مكة كانت مقر العبادة للمسلمين، محجة لهم، قبلتهم، فما كان يمكن لهم أن يتجاهلوا هذه البلدة المباركة ولا يحاولون الفتح لها، لماذا الفتح لها؟ أما كان من الممكن أن يحج المسلمون إلى مكة دون خطر، كما كان للعرب جميعًا قبل الإسلام حق في حج بيت الله الحرام؟
هذا السؤال جوابه لا، لأن بالفعل أهل مكة وخاصة قريش كانوا موتورين متأثرين، ما كانوا يسمحون أبدًا بأن يحج مسلم واحد إلى مكة. فإذًا، يجب أن يخضعوا وأن يسمحوا باستفادة المسلمين كما يسمحون باستفادة جميع العرب في مكة، أو يجب أن يفرض عليهم حج المسلمين بالقوة. ما دام تجاوزوا على حقوقهم وعلى حقوق الآخرين ومنعوا الناس من زيارة بيت الله، وبيت الله لا يُملك، والبيوت التي حول بيت الله لا تُملك، وحتى إذا مُلكت ستخضع لسلطان مكة كما تعلمون أن الحديث يقول إذا أرادوا توسعة الكعبة فيجوز لهم أن يستملكوا بيوت ما حول الكعبة ويهدموها لأجل أن الكعبة ﴿أول بيت وضع للناس﴾ [آل عمران، 96] الذي بمكة المباركة.
مكة لا تُملك، والكعبة لا تُملك لأي من الناس، فإذا مُنِع أحد من الحج يجب أن يفرض الحج بالقوة. أولًا، كان السبب في هجوم النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على مكة هو موضوع العبادة ومنعهم من ممارسة هذا الواجب الذي هو ركن الإسلام كما ورد في الحديث، والكعبة التي هي قلب الإسلام، هي علم الإسلام كما يظهر من الحديث الكريم: لا يزال هذا الدين قائمًا ما دامت الكعبة.
أولًا: ممارسة العبادة.
ثانيًا: كانت مكة قاعدة للمؤامرات ضد الإسلام، فكما تعلمون في خلال ثماني سنوات من أيام هجرة الرسول إلى تاريخ فتح مكة، عشرات من المؤامرات والغزوات وقعت من قِبَلِهم ضد الرسول؛ ففي كلّ يوم كان لهم مؤامرة، ومنها مؤامرة الأحزاب وواقعة الأحزاب كما تعلمون. وكثير من الغزوات بدر، أُحُد كلّها في أراضي المدينة، فالرسول الأكرم يرى أن هذه المدينة هي قاعدة العدوان، ومن الطبيعي على كلّ أمة يحق لها أن تضرب قاعدة العدوان، فأراد النبي أن يحج تأكيدًا للجواب الأول عن فتح مكة.
خرج للحج، اصطدم بمنع المشركين في الحديبية، وقّع صلح الحديبية معهم على الرغم من أن أمر الصلح ما كان من مصلحة المسلمين، وكان فيه اعتراف كبير بقوة المشركين، وقد عارض بعض صحابة النبي هذا الصلح، ولكن النبي فرضه بأمر من الله سبحانه وتعالى.
من جملة هذه المواد أن النبي يرجع في هذه السنة ويحج في السنة الثانية، وحينما يدخل مكة يخرج من مكة جميع أهل قريش ويذهبون إلى رؤوس الجبال وينظرون من مكان بعيد إلى المسلمين وهم يحجون.
هنا في هذه النقطة قبل أن أمر [عليها] أحب أن أذكر بعض النقاط بالفعل، حينما دخل النبي في الحجة الأولى، لا في حجة الوداع، ولا في فتح مكة، حينما حج لأول مرة، المشركون خرجوا من مكة وقعدوا على جبل أبي حذيف ووديان مكة، والمسلمون حسب اتفاقية الحديبية دخلوا وطافوا وحجوا وعملوا واجباتهم ثم رجعوا. الإخوان الذين تشرفوا بزيارة بيت الله الحرام يذكرون أن الإنسان حينما يطوف حول الكعبة يصل إلى ما بعد حجر إسماعيل في مكان باب الكعبة مقابل مقام إبراهيم، ثم يأتي الجناح الآخر من الكعبة المقابلة لـحجر إسماعيل، ثم يأتي إلى الجناح الثالث في الطرف الثالث الذي فيه الحطيم مقابل الباب تمامًا، هنا يستحب أن يمشي الإنسان بصورة تشبه الركض، ويضرب برجله على الأرض. هذه السُّنة سنّها الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وسلّم)، سببها أن النبي عندما وصل لهذه المنطقة انتبه أن المشركين يتفرجون عليه، فبدأ يمشي بقوة وبعزم ويضرب برجله على الأرض بقوة حتى يظهر بمظهر القادر الشاب القوي المتين، طبعًا آلاف من المسلمين بدأوا يضربون بأرجلهم على الأرض بقوة، وكان في هذا نوع من المبارزة وإظهار القوة والتحدي وعدم الشعور بالضعف، وأصبحت هذه سُنَّة مستحبة، ونحن حينما نطوف ونصل إلى الباب الثالث، يستحب أن نمشي بركض ونضرب بأرجلنا على الأرض.
حج النبي حسب اتفاقية الحديبية في السنة التي تلت صلح الحديبية، ولكن سرعان ما نقض المشركون اتفاقية الحديبية في عدة مواد. من جملة هذه المواد أن الأشخاص الذين يلجأون إلى المدينة يُرجعهم النبي، والأشخاص الذين يلتجئون إلى مكة، المشركون يُرجعونهم إلى النبي. المشركون خانوا الاتفاقية وحاولوا أن يبقوا الخارجين عنهم في مكة، وهم قلة جدًا ضده، أما الذين هربوا من مكة وأسلموا واستسلموا للإسلام وللنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالفعل النبي أرجعهم، ولكن ما ذهبوا إلى مكة، وشكلوا عصابة، وبدأوا يغزون بيوت وأموال وقوافل قريش، حتى هم طلبوا من الرسول ألّا يرجعهم، يعني ما كان من مصلحتهم إعادة هؤلاء الهاربين.
من مواد الحديبية، التي خالفها المشركون، أن حلفاء النبي يكونون في أمان من المشركين، وحلفاء قريش يكونون في أمان من المسلمين. وكان هناك تحالف بين قبيلة بني خزاعة مع المسلمين، وبين قبيلة بني بكر بن عبد مناة مع قريش. وكان بينهما شر عظيم وخصام قديم، فاحتدم الأمر بينهما، وخالف المشركون اتفاقية الحديبية، وساعدوا بني بكر عبد مناة على بني خزاعة، وقتلوا منهم جماعة، وأُخْبِرَ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالوحي أو بوسيلة أخرى عن الواقعة، وعزم بالفعل بأمر من الله أن يدخل مكة لأنهم نقضوا اتفاقية الهدنة واتفاقية الحديبية.
جاء أبو سفيان إلى المدينة اعتذارًا، واطلع على هذا الأمر النبي، وأراد ألّا يستقبله ولهذا أوعز إلى المسلمين، أو شعر المسلمون بأن النبي لا يرضى بمواجهة أبي سفيان الذي جاء لكي يعتذر عن مخالفتهم للعهد. حينما شعروا بعدم رضى النبي ما استقبله أحد، فدخل بيت ابنته أم حبيبة، وأراد أن يجلس على الفراش، أو على جلد الفرشة فجمعته ابنته، وحينها قال لها: لماذا تجمعينه؟ ألا ترضين أن أجلس في بيتك على هذا الفراش؟ قالت بما مضمونه أن هذا فراش رسول الله الطاهر المطهر، لا أرضى أن تجلس وأنت مشرك... وأن تنجس هذا الفراش.
فيئس الرجل وعرف أن لا مكان له حتى في بيت ابنته، وذهب إلى بيت فاطمة (سلام الله عليها)، وفاطمة أيضًا اعتذرت عن استقباله لأجل عدم رضى النبي، فوقف على باب المسجد وطلب أن يستقبله أحد في بيته، فما استقبله أحد فاضطر أن يرجع خائبًا.
رجع إلى مكة وهو ينذر بغضب النبي والمسلمين من مخالفة المشركين صلح الحديبية ونقضهم له. فأنذرهم بلزوم الاستعداد، ولكن ما كانوا يعرفون أن الحرب على الأبواب، بالعكس، الأخبار كانت تصلهم بأن المسلمين يستعدون للخروج إلى الروم، إلى الشامات، إلى تبوك. وهكذا كان يُظن أن تجنيد الجيش لأجل الخروج إلى الروم، لأن النبي كان يخفي الأمر حتى تهيأوا وخرجوا من المدينة، وقطعوا قسمًا من المسافة، حتى اطمأن النبي بأن الجواسيس والمخبرين والمنافقين انقطعوا عن الإعلام، ولا يتمكنون من الإعلام، حينئذٍ أمر القوافل بالاتجاه نحو مكة؛ وحينئذٍ فهم المسلمون أن المقصد مكة وليس الروم.
وصلوا إلى قرب مكة؛ أبو سفيان حينما وصل إلى مكة وأنذر جماعته بعد مدة قالوا لـأبي سفيان: يا أبا سفيان أصبحنا لا نسمع أخبار محمد ونحن نشك في أمره، فكان قلبهم يوحي إليهم بأنهم أمام واقعة صعبة في حياتهم، قالوا: يجب أن نستخبر، الجواسيس ما بعثوا خبرًا، المنافقون ما بعثوا خبرًا، قال: ليس لهذا الأمر أحد غيري، فخرج هو مع حكيم بن حزام. حكيم بن حزام له دور في تاريخ الإسلام، هذا الرجل كان من المؤلفة قلوبهم، من الأشخاص الذين كان النبي يعطيه بعض الصدقات حتى يترك خصومته في بعض الحالات. هذا الرجل أيضًا قال النبي في حقه: من دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن(2). هذا الرجل الذي وضع كَذَبة الأحاديث أنه وُلِدَ في بيت الله الحرام حتى يُبْطِلوا مفعول ولادة الإمام في البيت ولا يعتبرونها فضيلة للإمام قالوا حكيم بن حزام أيضًا ولد في الكعبة، ولا أصل تاريخي للموضوع.
جاء أبو سفيان وحكيم بن حزام، وبمجرد ما وصلا إلى أبعاد قليلة من مكة وجدا أن الصحراء مليئة بالنفر وبالعدد وبالنار وبالطبخ وبالنفخ وباستعدادات الجيش، فقال أبو سفيان: يا حكيم، هذا محمد وجيشه أبغتونا قبل أن نستعد، فلنرجع ونتهيأ. فرجع، وقبل أن يخطو خطوات أحاط به مراقب الجيش، فأخذه عباس بن عبد المطلب (عليه السلام) عم النبي الكريم كان بينه وبين أبي سفيان صداقة قديمة، فطلب منه الأمان، فأعطاه ذلك، ثم أخذه عند النبي فاستسلم وأسلم تحت السيف. وبعد وقت دخل النبي إلى مكة وقد وقف أبو سفيان في مضيق، وهو يتفرج على جيش الله الذي يمر من أمامه، وأخيرًا قال لعباس: يا عباس، لقد علا ملك ابن أخيك. قال له: ويحك! إنه النبوة. الرجل ادعى الإسلام، والآن يرجع ويقول... الآن: لقد علا ملك ابن أخيك، هذا يبدي تمامًا عمق إيمان أبي سفيان.
دخلوا مكة، وفتح الله مكة على يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، دخل وهو يتلو على أبواب الكعبة الفقرات المعروفة التي من المستحب أن نقرأها بعد كلّ صلاة: لا إله الا الله وحده وحده، نصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده(1). ثم جمعهم وقال لهم: ماذا ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: أخ كريم وابن أخٍ كريم؛ فقال: اذهبوا فأنتم الطلقاء، في قصة معروفة. وقال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. من دخل دار حكيم بن حزام فهو آمن، من دخل بيته وأقفل الباب فهو آمن، من ألقى السلاح فهو آمن. من دخل بيت الله الحرام فهو آمن.
فإذًا، فتح مكة كان فتحًا عظيمًا، لأنه أولًا حرر هذا الركن العظيم الإسلامي، وقضى على قاعدة العدوان... ثم العرب المنتظرون لما يجري بين محمد وبين قومه، وكانوا يقولون في كلمة مأثورة عنهم فلننتظر لكي نرى، فإذا انتصر على قومه فهو نبي، وإلا فلا. حينما وجدوا أن النبي انتصر على قومه أسلموا ودخلوا في الإسلام.
ويقول القرآن الكريم: ﴿إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا﴾ نزلت هذه السورة المباركة في السنة التاسعة أو إشارة إلى السنة التاسعة أو أوائل التاسعة حينما كانت القبائل تتوافد واحدة تلو الأخرى، ثم جاءت قبائل اليمن كلّها دفعة واحدة، فأسلموا وكانت الجزيرة تقريبًا قد انتشر فيها الإسلام بسرعة مذهلة بعد هذه الواقعة، فالآية الكريمة تشير إلى هذا الوقت: ﴿إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجًا* فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابًا﴾.
يشير القرآن الكريم إلى أن النصر ليس لك يا محمد، فالنصر من الله، والقوة منه، فإذا كنت مؤمنًا برسالته ترى أنك لا تملك لنفسك نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا.
فإذًا، أمام هذا الانتصار ﴿فسبح بحمد ربك واستغفره﴾، من أي شيء يستغفره؟ من الزهو الذي يطرأ على الإنسان حين الانتصار، حينما ينتصر يشعر بالزهو والاعتزاز، وهذا ترك للأولى والله سبحانه وتعالى ربّى نبيه، ومنعه من أن يشعر بالزهو والانتصار.
ولهذا نرى موقف الرسول حينما دخل مكة، أرجو الانتباه، حينما دخل الرسول إلى مكة فاتحًا منتصرًا كأقوى حاكم على وجه الأرض، وفي الجزيرة بالذات، دخل وهو ينحني برأسه على ظهر دابته ويسبح الله ويحمده ويستغفره، دخل دخولًا متواضعًا، دخول عبد لا دخول منتصر مغرور.
هذه اللوحة أمام أعين المسلمين دائمًا تشكل طريقة فتبين عمق الإنسانية في هذا الدين الحنيف، دخل خاشعًا متضرعًا مبتهلًا إلى الله مسبحًا وحامدًا ومستغفرًا، والله سبحانه وتعالى هو التواب. ومما ورد في هذه الآية المباركة التي تربي النبي وأصحابه، وتعطي صورة حية لقصد الإسلام عن الحرب والصراع وتربي المسلمين لكي يجدوا موقفًا إنسانيًا، ويقفوا موقفًا إنسانيًا بعد الانتصار ﴿ولا يجرمنكم شنآن قومٍ على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى﴾ [المائدة، 8].
حتى بعد الانتصار كن متزنًا، انتبه... إن هذا الانتصار ليس لك حتى تأخذك العزة، الآية تربيهم. وبعد ذلك، كما ورد في أحاديث مستفيضة، أن النبي حينما نزلت هذه السورة قال: إن نفسي قد نعت إليّ نفسي، وكأنه شعر بالوفاة، وبالفعل بعد واقعة النصر والفخر ودخول العرب أجمع الى الإسلام، حسب الدقة في التاريخ، ما عاش النبي بعد هذا الوقت إلا عدة أشهر، والسبب أنه شعر بانتهاء الرسالة، وأنه جاء نصر الله، وأن الأمة تكوّنت، والمسلمون أصبحوا أمة متكافلة قوية ذات مقومات كاملة للبقاء، حينئذٍ شعر بانتهاء عمره فاستعد.
ويقول الرواة، والأحاديث المروية عن أصحابه وعن زوجاته، أنه كان يقضي هذه الأيام وهذه الأشهر الأخيرة دائمًا في التفكير والتحليل والاستغفار والحمد لله، حتى جاء يوم وفاته، فخرج إلى المسلمين متكئًا على كتف عليّ وفضل بن عباس، وجاء في خطبة عزيزة يقول فيها: أيها الناس، بعد أن يوصيهم بالصلاة وبالحج وبالصوم وبالزكاة، وبعد أن يوصيهم بالنساء والرفق بالنساء، وبعد أن يوصيهم بالعفو والصفح وعدم عودتهم ورجوعهم على أعقابهم، يقول: أيها الناس، من جلدت له ظهرًا فهذا ظهري، ومن أخذت منه مالًا فهذا مالي، ولا يخافنّ أحدكم الشحناء، فإنها ليست من شأني(3). هذا الختام المشرق في حياة النبي.
ماذا فعلت يا رسول الله أنت حتى أصبحت تعتذر من أمتك، هل كان لهم مجد بدونك، أو عز بدونك، أو مال بدونك، أو عدل بدونك؟ ومع ذلك هو يقول في آخر الخطبة فإني أخاف أن أقابل وجه ربي وعلى ذمتي أمر من أمور الناس.
وبالفعل، حاول بعض المخلصين أن يطبق ما قاله النبي لكي يؤكد للتاريخ أن النبي قال وفعل، فقام إليه، وقال: يا رسول الله إن لي عليك حقًا. قال: ماذا؟ قال: كنت في يوم بدر واقفًا وكان بيدك خشبة، وكنت تخطب في الناس، وترتب الناس، فضربت على بطني، وأريد أن أقتص منك، قال: إليّ إليّ.
حينما وصل عند النبي قال: يا رسول الله، حينما ضربت على بطني ما كان على بطني من قميص، كان بطني عاريًا، اكشف عن بطنك حتى أقتص؛ فكشف الرسول عن بطنه حينئذٍ ألقى بنفسه على أقدام الرسول، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، إنما أردت أن أثبت للناس أنك تقول وتفعل.
وهكذا، ختم حياته الكريمة بعد أن أدى الرسالة وأكمل الأمر وأتم نعمته وخدمته.
والسلام عليكم.
_________________
1- الكافي، ج4، ص431.
2- را: بحار الأنوار، ج21، ص132.
3- شرح نهج البلاغة، ج13، ص28.
