* كتب الإمام موسى الصدر هذا المقال في جريدة الحياة بتاريخ 07/01/1973 بمناسبة عيد الأضحى المبارك.
قالوا جاء العيد... فلنرحب به، ولنتحدث عنه، ولنكتب في شؤونه ومعانيه ولنذكِّر الناس بأبعاده ومراميه.
عجبًا، متى كان العيد صامتًا يحتاج إلى من يتكلم عنه؟ هذا القادم الذي يملأ مسامع العالم بجلجلته وقلوب المحزونين بأفراحه، هذا المحرك العملاق الذي يدفع مواكب الإنسانية إلى منازل الأخوة والمحبة والتضحية.
هذه المسحة الإلهية التي تضمد جراح المعذبين، وتواسي المتعبين وتصفي قلوب المتنازعين.
وهذا الناصح النابض بالحياة الذي يقدم ألف درس ودرس للغارقين في أنانياتهم المنغلقين في خلايا نواتهم.
هذا العيد، هل يحتاج إلى من يكتب عنه فيجعل المحتفلين به يذكرونه، ويستمعون إليه ويتفاعلون معه...
نعم، لقد جاء العيد ولا بد [من] تذكير الناس بحضوره وبآدابه وشؤونه وبإيضاح أبعاده ومعانيه...
إن العيد صامت فلنتكلم عنه؛ إن العيد من أجل الناس في مأتم، والناس من أجله في أفراح.
إنهم يفرحون لقدومه يملأون بيوتهم وشوارعهم تزيينًا وترحيبًا، -لكنه- لكن، العيد حزين لأجلهم يعيش في عزلة، في تشويه، في آلام، إنه يفقد جوهره وروحه.
إن الأضحى يختلف مع المرحبين به والمحتفلين بقدومه ليقول لهم:
إن الذي يأخذ ولا يعطي هو ميت، وإن الأمة التي لا تشارك في بناء الإنسانية وتعيش على عطاء الآخرين تخرج من عداد الأمم ويتقرر مصيرها دون إرادتها.
إن فرحة العيد لمن تحرر من قيود أنانيته، وتمكن من أن يحب، أن يعطي، أن يضحي.
إن من أراد النجاح، عليه أن يهاجر عن ذاته وعن شؤون الذات إلى الله، إلى خدمة خلق الله.
إن المعراج والسمو والتقدم وقف لمن يتوسع في إحساسه وعلى من يدرك آلام أمته، ويصبح معهم كجسم واحد، إذا اشتكى أحدهم يتداعى له [الآخر] بالسهر والحمى.
إن العزة ليست لمن عاش لنفسه، بل لمن يسترخص راحته، منافعه ونفسه في سبيل أمته ومن أجل صيانة بلده وشرف وطنه. إن الأضحى المبارك يقول كل هذا، ويرفض أن يرقص أحد على أشجان نابعة من أشجان الآخرين.
يرفض تغطية الأحزان بالزينة، والمصائب الوطنية ومحن المعذبين بالمظاهر الخادعة والطقوس التقليدية. إن الأضحى يرفض الاستسلام والضياع واللامسؤولية.
إن الأضحى في مأتم، في مأتم نفسه، في مأتم الأعياد، وكلها، في مأتم العبادات، في مأتم الإيمان، في مأتم الكلمة.
إنه يؤكد وفاة الكلمة على شفاهنا، الكلمة التي هي جزء من وجود الإنسان وصلة بين البشر بعضهم مع بعض، وبين الماضي والحاضر والمستقبل، الكلمة التي هي وحدها السبيل إلى تفاهم الناس ووحدتهم إلى تحول الفرد إلى الأمة.
الكلمة هذه استهلكت، ماتت، فمات الربط والثقة والالتزام، ثم أصبح كل فرد غريبًا يعيش في مأتم الكلمة، لذلك فهو صامت. فكل ما نقول أو نكتب كلمات تأبين واحتفالات.
فلنسكت ولنستمع إلى أنين العيد، نستمع إليه ونتحرك لعلنا نعيد بذلك الروح والحياة إلى الكلمة، إلى العيد، إلى محركات حياتنا ومقاييس مجتمعاتنا.
﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولًا سديدًا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم﴾ [الأحزاب، 70-71].
صدق الله العظيم