الإسراء -3-

الكاتب:موسى الصدر

* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر، (د.ت).
بسم الله الرحمن الرحيم

﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير﴾ [الإسراء، 1]
صدق الله العظيم
الحقيقة أن الإنسان عندما يتلو هذه الآية، آية الإسراء، يقف خاشعًا معتبرًا متألمًا، لأن الإنسان يجد مفهوم المسجد الأقصى في القرآن الكريم وفي الإسلام ثم يجد ذهاب هذا المسجد المبارك من يد المسلمين وسقوطه بيد أعدائهم الذين يعتبرهم القرآن ﴿أشد الناس عداوة للذين آمنوا﴾ [الإسراء، 82] .
فإنا لله وإنا إليه راجعون، نسأل الله أن يكون في هذه اللقاءات وغيرها توعية كافية إلى جانب المساعي التي تبذل، من قبل جيوش المسلمين ومن قبل المحاربين والمجاهدين داخل الأراضي المحتلة وخارجها، لكي يعيد الله سبحانه وتعالى على أيدينا هذا المسجد إلى هذه الأمة إنه قريب مجيب.
أما الآية: ﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلًا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير﴾ فهي تكشف معجزة محمدية حصلت أيام وجود الرسول عليه الصلاة والسلام في مكة، ففي ليلة من الليالي، أسرى الله بـ"محمد" عليه الصلاة والسلام، من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى. لا شك أن الفاصل بين مكة والقدس كثير وكبير، يتجاوز إمكانية التحرك العادي للإنسان قبل أربعة عشر قرنًا، ولكن الله أراد ذلك، والمعجزة من الله وإرادة الله فوق كل إرادة.
الباحثون في هذه الآية، أقسام، قسم منهم الذين يجنحون إلى التفسير العلمي للقرآن الكريم بمعزل عن كونه كتاب دين ووحي، حاولوا أن يفسروا الإسراء، بإسراء روحي أو معنوي، فاعتبروا أن روح النبي أسري بها، والبعض حاول أن يجعل قضية الإسراء قضية المنام.
ولكن الآية الكريمة ترفض هذه التفاسير التي تعتمد على صعوبة في التفكير وتأويل في الكلمات فالكلام صريح، "أسرى"، أي جعله يمشي في الليل، الروح لا تحمل زمانًا، والمنام لا يدخل في إطار الزمن، ولا يحصل في الليل أو في النهار، الإنسان يعيش الزمن ليلًا أو نهارًا، أما الحلم والتفكير والانتقال الروحي والتدبر، فلا زمان لكل واحد منها. ثم أن كلمة "عبده" ﴿أسرى بعبده﴾، أي بهذا الجسم الكامل جسمًا وروحًا، ثم كلمة من وإلى، الحلم لا ينتقل نطاق المكان فيكون لتحركه بداية أو نهاية؛ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، هذه البداية وتلك النهاية، صفتان للحركة الجسدية، وبعد ذلك كله، كلمة ﴿سبحان الذي أسرى﴾، الكلمة التي تؤكد أن هذه الحركة كانت حركة معجزة وحركة خارقة.
النبي الكريم انتقل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ﴿الذي باركنا حوله﴾، فحول المسجد الأقصى أرض فلسطين، أرض لبنان، أرض سوريا، أرض الأردن، هذه الأراضي التي هي من حول المسجد الأقصى، هي الأراضي المباركة باركها الله بإرسال الأنبياء إليها، وباركها الله بخصوبة الأرض، وباركها الله بعبقرية إنسانها؛ هذه الأراضي المباركة التي أنتجت الحضارات العالمية كلها والرسالات العالمية أيضًا.
انتقل النبي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، لماذا؟ يقول القرآن الكريم: ﴿لنريه من آياتنـا﴾ لكي يزداد علمًا وتدبرًا وتفهمًا وتفكرًا، ﴿إنه هو السميع البصير﴾.
أما السبب الأصلي وسبب نقل الآية لنا والقضية علينا، فالسبب شيء آخر وهو أن الإسلام عندما نزل على رسول الله في الجزيرة، لكي لا يبقى دينًا للجزيرة ورسالة لأهل مكة والمدينة، أسرى الله به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والمسجد الأقصى وما حوله من الأرض، كما ذكرنا، منطلق الديانات والحضارات معًا، الديانات العالمية والحضارات العالمية، فانتقال النبي من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ترابط وتنسيق وإتمام لهذه الحلقة الحضارية والدينية والعالمية، وربط للإسلام بتلك الحضارات وبهذه الأديان تأكيدًا لعالمية الإسلام وأن الله أرسل "محمدًا" رحمة للعالمين.
فالمسجد الأقصى رمز لعالمية الإسلام، وسقوطه من يد المسلمين، يفهم على أنه من انعزالية الإسلام وتراجع الإسلام، ولذلك فللمسجد هذا دور أساس بل ركن في الإسلام، لا يجوز للإنسان المسلم، ولا للإنسان المؤمن أن يسكت لحظة واحدة دون سعي أو جهد لإعادة هذا المسجد الكريم وإبعاده عن التهويد.
جعلنا الله واعين لمسؤولياتنا، ساعين لأداء واجبنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

source