رسالة الأنبياء

الرئيسية صوتيات التفاصيل
الكاتب:موسى الصدر

* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر، (د.ت).
بسم الله الرحمن الرحيم

﴿شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب* وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيًا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب﴾ [الشورى، 13-14]
صدق الله العظيم
لكي نتمكن من إيضاح دور الرسالة الإلهية التي يحملها الأنبياء إلى الناس علينا أن نفكر بعض الشيء في المثل التالي:
عندما يريد الإنسان أن يقتني سيارة أو آلة دقيقة يحتاج إليها في حياته، يطلب من المؤسسة التي أنتجت، أو من الخبير في الآلة أن يقدم له نصائح في كيفية استعمال السيارة، والآلات الموجودة فيها، ووظائفها وصيانتها. والمؤسسة المذكورة، تقدم أيضًا توجيهًا دقيقًا في المراحل التمهيدية، المسماة بـ "الروداج"، وكيفية استعمال السيارة في هذه الفترة، وغير ذلك من المعلومات.
والغاية من هذه التوجيهات أن يستفيد الإنسان بأفضل صورة، وبأسهل صورة وبأطول مدة ممكنة من السيارة، أو الآلة المذكورة. والمؤسسة المنتجة، أو الخبير، هو المقام الصالح لإعطاء التوجيهات، حيث إنه على علم بكافة أجهزة السيارة، أو الآلة المذكورة، وعلى طرق استعمالها.
إن الله، خالق الكون، وهو﴿الذي خلق فسوّى* والذي قدّر فهدى﴾ [الأعلى، 2-3] على علم بتفاصيل الموجودات، ووظائفها، وآثارها وتطوراتها عبر التاريخ. وهو خالق الإنسان، كل إنسان، ويعرف أحاسيسه وآلامه، وآماله، وحاجاته وجوانب وجوده وكفاءاته. لذلك فالله يتمكن من إعطاء توجيهات عامة، تنظم علاقات الإنسان مع أخيه الإنسان في سبيل خلق المجتمع الفاضل، وتوجيهات لتنظيم علاقات الإنسان مع الموجودات التي يتفاعل معها، ويستهلكها ويعايشها.
وهذه التوجيهات التي تسير بالإنسان من خلال هذه العلاقات نحو الكمال المطلق في جميع جوانب وجوده، هي رسالة الأنبياء. فهي ترسم خطوطًا عريضة في حياة الإنسان من جانب، وتدفعه للتحرك في مجالات العمل والعلم والتفكر من جانب آخر. ذلك، لكي يكتمل بجهده وسعيه، ولا يهدر الوقت الكثير للتفتيش عن السلوك الأفضل. السلوك الذي يحتاج ترسيمه إلى الإحاطة الشاملة بالكون وبالحياة.
هذه الرسالة الإلهية، بطبيعتها، وبطبيعة وحدة الله، ووحدة الإنسان ووحدة الخلق، هي أيضًا واحدة يحملها أنبياء الله، كل حسب ظروفه، ووعي أمته ونضوج الفكر البشري في أيامه. ولكل منهم، حسب الرأي القرآني: ﴿شرعة ومنهاجًا﴾ [المائدة، 48].
إن جوهر الرسالات واحد، والهدف منها واحد. والتفاصيل ضرورية في مختلف شؤون العقيدة والعمل. فلا يصل الإنسان إلى الهدف، إلا من خلال هذه التفاصيل التي وُضِعت لأجل الظروف المعاشة لكل أمة.
لذلك، فإن جبهة أنبياء الله واحدة، وكل منهم يصدق ما جاء به سابقه، ويبشر بالذي يأتي من بعده. هذه الجبهة التي تدعو إلى تطبيق إرادة الله، لأجل كمال البشر وإسعاده في مختلف جوانب وجودهم، ولكل أفراد بني البشر دون تمييز.
ومن هذه الناحية، فإن هذه الجبهة تدعو بصورة خاصة إلى حماية المستضعفين. والمستضعفون هم الذين ظُلِموا، واغْتُصِبت حقوقهم، فاسْتُعمِروا، أو استُثْمِروا، أو خُدِعوا، أو انجرفوا مع مشاعرهم. وهؤلاء هم جنود الأنبياء وأعوانهم؛ والذين كانوا خلال التاريخ يثيرون أحقاد الظالمين وحفيظة الطغاة، فكانوا يأخذون على الأنبياء أن ما حولهم هم أراذل الناس.
ومقابل هذه الجبهة، يقف الطغاة والأقوياء المستعمرون أو المستثمرون والذين كانوا يخدعون الناس ويضللونهم. وكانت الجبهة هذه مجهزة بجميع الأسلحة الملائمة لهم.
إن السلاح الذي كان بيد الظالمين والطغاة، كان دائمًا متفوقًا في بادئ الأمر. ولكن الإيمان والانسجام مع واقع الكون، والتضحيات التي تعتمد على وحدة الموت والحياة، واعتبار الشهادة حياة سعيدة متممة لهذه الحياة، هذه العوامل وغيرها كانت تؤدي في النتائج إلى انتصار الحق ودحض الباطل. وبالتعبير القرآني: ﴿بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق﴾ [الأنبياء، 18].
وصفوف الأنبياء تكتمل من بعدهم بصفوف الأولياء، والشهداء والصديقين والصالحين من الناس، والجبهتان ممتدتان من الأزل إلى الأبد. والخطاب الذي يوجهه الزائر إلى سيد الشهداء "أبي عبد الله الحسين بن علي"، عليهما السلام فيقول: "السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، أو وارث نوح، أو وارث ابراهيم"[1].
هذا الخطاب، يرمز إلى هذا الإحساس وإلى إحياء هذا الإحساس في نفوس المستضعفين في الأرض. والمعارك التي تدور الآن بين أمتنا وبين إسرائيل، هي امتداد للمعارك الأزلية التي جرت وتجري. ولذلك، فالسعي فيها، والمشاركة فيها، والجهاد في صفوفها والاستشهاد لأجلها كلها إحياء لجبهة الحق التي تأسست منذ أول الخلق واستمرت حتى الآن، وستبقى مستمرة إلى النهاية.
فنسأل الله الهداية والتوفيق، ولأمتنا النصر المبين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
_____________________________________
[1] - مفاتيح الجنان، القمي، ص350.

source
عدد مرات التشغيل : 15