* تسجيل صوتي من محفوظات مركز الإمام موسى الصدر، (د.ت).
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿الرحمن* علم القرآن* خلق الإنسان* علمه البيان* الشمس والقمر بحسبان* والنجم والشجر يسجدان* والسماء رفعها ووضع الميزان* ألا تطغوا في الميزان* وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان﴾ [الرحمن، 1-9]
صدق الله العظيم
أيها الإخوة المؤمنون، لقد أعدنا تلاوة هذه الآيات لكي ننطلق منها إلى نقطة مهمة هو موضوع دراستنا هذه الليلة، نقطة توضحها الآية الكريمة: ﴿والسماء رفعها ووضع الميزان* ألا تطغوا في الميزان﴾.
فالترابط الذي نشاهده بين رفع السماء ووضع الميزان وبين النهي عن الطغيان في الميزان، ووجوب إقامة الوزن بالقسط، هذا الترابط يلفت النظر ويدعونا للتفكر.
إن وضع الميزان تعبير واضح عن نظام الكون والحساب الدقيق المتحكم فيه. والقرآن إذ يؤكد ذلك، يطالب الإنسان الذي يعيش تحت هذه السماء أن يكون منظمًا في حياته، عادلًا في سلوكه، دقيقًا في تصرفاته.
هذا الترابط يوسع التفكير، ويجعل الإنسان يقف أمام المبادئ العامة للخلق، المبادئ المذكورة في القرآن، لينتقل منها إلى مبادئ عامة لسلوكه في حياته. فإذا لاحظ الإنسان أن القرآن يؤكد خلق العالم بالحق والعدل، وأنه حصل في ستة أيام وفي أجل مسمى، إذا لاحظ ذلك، ينتبه أن هذه هي أسس الخلق، فعليه أن يعيش منسجمًا معها، وأن يتحرك بحسبها بالحق والعدل، ومع تخطيط زمني دقيق في مشاريعه وتحركاته كافة.
بل يجد الإنسان من هذا المنطلق، مفتاحًا لرؤية عامة جديدة للكون وللحياة. رؤية تقوم على أساس إيمانه بالله، وبصفاته، وبوحدته، وعلى أساس معرفته لله ولأفعاله. فالكون فعل خالق حي ومدرك وعالم وعادل. لذلك فهو، أي الكون، حي ومنظم بصورة دقيقة، ويحكم في ضمنه العدل والعلم. وهذا يعني ضرورة الانسجام والتحرك على هذه الأسس، عندما أراد الإنسان النجاح. وهكذا تنعكس على الصورة الكونية صفات الخالق، ومن ثم يتعين الخط العريض للحركة في الحياة.
ومن أهم نقاط هذا الترابط، هو الالتزام بالقيم في الحياة، وهي لا تنفصل عن الإيمان بالله. بل لا يمكن الإيمان بالقيم المطلقة، دون الإيمان بالله، ينبوع القيم وخالقها وحافظها. ولإيضاح هذا التلازم، نقول: عندما نفترض حدوث الخلق بالصدف، أو من قبل خالق غير كامل، لا يمكن الاعتراف إلا بوجود الوقائع المادية الخارجية؛ ويتحرك الإنسان عند ذلك، بدافع ذاتي محض، ويلتقي في المصالح مع الآخرين على تفاوت درجات المشاركة في المصالح. ولا يمكن افتراض مُثُل تكون أوسع من الموجودات الخارجية.
والحقيقة أن تصور قوانين عامة في الكون مع إنكار الخالق له في منتهى الصعوبة، فكيف بالمُثُل والقيم السامية المطلقة التي لا يمكن قبولها ولا تصورها في مثل هذه الحالة؟
ومبدأ الالتزام بالقيم في مقام التطبيق العملي، هو الحجر الأساس لبناء المجتمع المؤمن الذي تعتمد العلاقات القائمة بين الأفراد وبين الأجيال على أساس العمل الرسالي الذي هو كمال للفرد وامتداد لوجوده.
أما العمل الصادر عن غير المؤمن، فهو محدود، وميت كالبضاعة، دون تفاوت. وهنا يحصل الانفصام بين أبناء مجتمع واحد، وتتحول الصلات الاجتماعية جميعًا إلى شركات لا وحدات. ويحصل الانفصام بين الأجيال التي لا يرتبط بعضها ببعض، إلا من خلال علاقات محدودة ومادية لا ترتبط بالعاطفة ولا بالتفكير. وهنا يحصل الانفصال الكلي، وتحصل الصعوبات التي تلاقي الإنسانية طلائعها في هذه الأوقات.
ومجمل القول، أن الإيمان بالله ينعكس انعكاسًا عميقًا على عمل الإنسان، جملة وتفصيلًا، وليس مجرد إحساس داخلي غير مؤثر على عمله. وهنا نصل إلى بحث عام، حول الغيب وعدم تجريديته في رأي القرآن.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
